أوراق مهربة (( ضحايا حسن النية )) ج الأول

الاء حامد
alah_hamed@yahoo.com

2010 / 10 / 22

لا يحسب ان اي عملا سياسيا يكتب له النجاح مالم يتكأ على جهة معينة فنرى اغلب الكيانات السياسية لها صلات وروابط مع جهة من الجهات تساندها وتدعم عملها وهذا ربما يدخل في باب الإعانة اذا ما أردنا إن نكون واقعيين ولا نحاول رمي هذه الفئة او تلك بالتبعية لمجرد الروابط التي لا تتعدى حدود الاعتدال. الا انه لا ينبغي ان تصل حدا تكون فيه هذه الكيانات مشاريعا للجهات الداعمة والمساندة كما حصل لساستنا الحاليين مع الدول المجاورة التي أؤتهم في المعارضة ضد الدكتاتورية. وهذا أيضا ما حصل مع إيران التي كانت تحاول ان تثار من النظام البائد فتحرك الإحداث بهذا الاتجاه بواسطة المتصدين للعمل السياسي آنذاك والذين كان يرون أنها لهم للمؤمنين وحريصة على مصالحهم.
وقد تجسد ذلك من خلال التذييع والترويج الذي كان يحصل همسا في دور العبادة وفي المجالس الخاصة كما ان كثيرا من الإحداث أشارت الى هذا المنحى فحتى الهتافات رفعت في بعض المناسبات توحي بذلك من هذا القبيل وفي سياق هذا التوجه راجت روايات وكرامات ونسجت قصص خرافية كان الغرض منها خلق البطل والرمز المقدس وان كان من بلدا أخرا أو من جنسية أخرى.
وهذا اللغط والثرثرة الفارغة قدمت تسهيلات ومبررات إمام السلطة العفلقية لتمارس اعتقالاتها وتصفياتها حتى بلغ الأمر ببعض المساجين البسطاء ان يقضوا نحبهم تحت وطأة التعذيب حين امتنعوا عن شتم السيد الخميني مثلا!! وذلك لما سمعوه من كلمات التبجيل وعظائم الإطراء!!ز
وكنتيجة لذلك برز ماثل عشق الشيعة لطهران كعش الشيوعيين لموسكو في فترة من فترات نضالهم السياسي والكل يبحث عن الحقيقة فلم يجدها!!
ولكن حياة المهجر لبعض ممن التقينا بهم بينت الكثير من الحقائق التي كانت خافية, فهذه الجهات لا تعير للحرية وحرية النقد واحترام الرأي الأخر أدنى وزن ولم تمارس الديمقراطية لا حتى مع نفسها ولا في منابرها الإعلامية كما انها تعتمد المحسوبيات والقرابة الأسرية والانتماءات المناطقية . لذا فأنها تشققت وتصدعت وهجرها الكثير ممن كان واقعا تحت تأثيرها..
فهذه الملاحظات التي عرضناها هي ليست إساءة للبعض كما قد يعبر عنها البعض ممن خبرنا أسالبيهم إنما هي حقائق انتزعناها من رحم المحنة ومن مرارة التجربة الطويلة لبعض ممن روا لنا تلك الوقائع .ونعتقد إن من حسن حظ العراقيين ان الذي ساهم في خلاصهم من النظام المقبور جهة دوليه مع قطع النظر عن النوايا والأهداف دون إن تمن عليهم جهة سياسية وتستعبدهم !!
وما يتصل بحديثنا هنا هو ما ورد في مذكرات لأحد سجناء الرأي العراقيين والتي دونا فيها ما يحتفظ به من ذكريات مؤلمة ومشاهد محزنة محفورة في النفس والوجدان ومما ذكره بهذا الصدد هو ان احد النزلاء في زنزانته واسمه خليل الزبيدي حكم عليه بالإعدام وبعد عودته من المحكمة وقف بباب الزنزانة ماسكا قضبان الحديد وانشد يقول:
سأمضي للجنان ولا ابالي اذا ما ضل من بعدي عـيالي
وضلت سمية وضل علي وضــل المرتضى من غير والي
وضلت امهم في ذل العيش يمزقها الســـــؤال لدى النوال
فحينا ينظرون عطاء عم وحينا ينظرون عطال خـــــال
أحبائي وان عزوا جميعا فأن الدين عند الحر غــــــال
يرعاكم خميني العصر بعدي إذا ما جاء يزحف بالرجـــال
يطبق شرعة الإسلام فينا ويبزغ فجرنا بعد الــــــزوال

لا أظن إن أحدا يستطيع إن يفهم هذه الشخوص على حقيقتها إلا من خاض هذا المعترك وتأثر بهذه الأفكار واشتغل بها فكلما قرأت هذه الأبيات انتابني شعورا غريب وسرحت بي الذاكرة واستحضرت بأية أجواء ضبابيه كانوا يعيشون هولاء!!!
إن أقسى ما يقع به المرء حين يظن إن قناعاته قد شيدت على أسس متينة وقواعد رصينة وأقسى من ذلك كله حينما يظن بعض الناس إن كل قسيس فهو زاهد وكل فقيه صادق وأمين ويستدل البعض أحيانا على زهد هذا الرمز الديني او ذاك الزعيم السياسي بعدم التملك وحيازة المال والعقار حتى قيل ان المرحوم عبد الكريم قاسم قتل وهو لا يملك سوى دينارا ونصف دينار وقد غرب عن بال هولاء ان شهوة السلطان عند بعض الناس غالبه وطاغية على جميع الشهوات والغرائز بحيث يصبح همه الشاغل هو إن يربح السلطة وعندما يتحقق له ذلك يشعر انه ملك كل شي ولا يستطيع أن يستأثر بغرائزه ويمتلك مشاعره ما هو دونها وهذا هو الذي يحصل حاليا!!
إن للدين غاية يحمي الإنسان ولا يخدعه إما حين يصبح وسيله للتعزيز وسببا للرزايا عندئذ تهتز قيمه وترتج ثوابته وبعد إن استقر بنا اليقين بات يحزننا كثيرا إن نسمع أو نرى من يجازف بنفسه من اجل ولاءات وقناعات فكرية قد لا تكون صائبة أو صحيحة.
فقد أسرف الزبيدي إسرافا مغرقا في الخيال حين ظن إن عشاق السلطة يستشعرون معاناة اليتامى ويتحسسون آلامهم وبإجماع المجمعين إن كل من ركب ظهرها نسى ذاته ونسى وعوده وعهوده ونسي المستضعفين ويكون جل همه أن يستأثر بها وان يبقى فيا ولا يبرحها إلى ان يتدخل عزرائيل وهذا أيضا ما نشاهده اليوم!!
فماذا نظن لو قدر للزبيدي أن عايش ذلك الواقع بتناغم مع هذا الواقع كما عايشناه وشهده هو كما شهدناه فهو بغير أدنى ريب سوف يحرق أبياته وقوافيه ويستبدلها بذم وهجاء وكم هي جميلة ونبيلة مشاعر الزبيدي وعواطفه فلو كان ظنه صادقا لما كنا قد أسفنا أسف الحزين المكروب ..!!
للحديث بقية في الجز الثاني سنعود قريبا



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن