فلسفة الوجود

جهاد علاونه

2010 / 10 / 1

مما علمه أرسطو للإسكندر المقدوني : أن لكل شيء في الكون ماهيته وعلى الإنسان أن يدرك حقيقة ذلك.

والظاهر أن الإسكندر لم يتعلم من معلمه شيئا وربما باع معلمه وتعاليمه وضاق بوجوده, ولكن الفلاسفة بعد أرسطو كلهم أدركوا هذه الحقيقة التي في النهاية قد أوصلتهم أن لكل إنسان ماهيته وعلى كل إنسان أن يدرك هذه الماهية.

ومما كانت ترويه لي جدتي عن جدي بأن جدي كان شعاره(كل إنسان عقله في راسه مدينه) يعني كل إنسان شايف حاله هو اللي صح وغيره غلط.

ووضع الدين الإنسان أمام وجوده والعدم, ووضعت الفلسفة الإنسان أمام قيمة حقيقة وجوده:

-ماذا يعني الوجود لي؟


- وما معنى وجودي إن لم يكن لي وجودٌ بعد الموت وقبله؟!.


ربما أن الدين الإسلامي قد وضع (ألله ورسوله) أما الوجود أو أمام فكرة الوجود كله أي بديلا عن الوجود باعتبار أن ألله هو المحرك الأول للإنسان ووجوده .

والمسيحية كانت قد وضعت فكرة الروح القدس أمام فكرة الوجود , والمسيح ليس مستقلا عن الوجود وعن الإنسان بل هو سر خلاص الإنسان من عواقب اختياراته لحياته الشخصية وهنا لا يقع العقاب على الإنسان وإنما المسيح في المرصاد قادرٌ على تحمل إثم الإنسان وخطيئته إن كان قد وقع بالخطأ أثناء محاولة إحساس وجوده.

وحاول أرسطو تفسير معنى (ألله) بأنه هو علة الحركة الفاعلة في الكون , أي أن وجود ألله هو الذي يجعل الأشياء تتحرك وبالمثال على ذلك: أنت مثلا جائع وتريد أن تأكل ورأيت الطعام أمامك فورا تتحرك وهكذا الطعام جعلك تتحرك وهذا هو معنى ألله عند أرسطو أي أنه يجعل الأشياء تتحرك وليس هو المحرك الفعلي لها بل هو علة الحركة نفسها, وبدون فلسفة زائدة عند أرسطو أن وجود الإنسان مرتبط بوجود ألله وإن الله يجعل الإنسان يتحرك .

وإذا وضعنا أمام الإنسان عدة اختيارات فهذا معناه أن يحدد اختياره دون ضغط عليه , وعملية الاختيار هي بالأساس عملية قلق وصراع نفسي عنيف لأن الإنسان سيجهد نفسه في اختيار الأفضل, ومن هذه النقطة تبدأ عملية استشعار الإنسان عن قرب بوجوده وحقه في اختيار أسلوب حياته, لذلك وعن طريق حرية الاختيار أشعر أنا بوجودي مقابل شعور غيري بالعدم لأن غيري لا يقبل بالاختيار ولا يقبل بتحقيق ذاته بل ويحكم على وجوده من خلال وجود غيره أي أنه يتصرف وفق ما كان غيره يتصرف ويسلك في الحياة نفس السبيل والطريق الذي يسلكه أو سلكه في الماضي غيره, لذلك هنالك العدم وهنا الوجود.

قبل أن تظهر (الفلسفة الوجودية) على أرض الواقع كانت روايات (ولز) الخيالية العلمية قد طبقت الآفاق وأشبعت خيال الأطفال والكبار والصغار ومن أفكار ولز الخيالية العلمية ظهرت أفلام الفضاء والكائنات الأخرى,وبعدها أفلام الكرتون , وفي كتاب التنبئوات ل (ولز) تنبأ ولز بجوهر الوجود الإنسان وبحق الإنسان في التصرف بحياته وبمشاعره وقال بأن : تكوين المجتمع الجديد سيظهر آثاراً جديدة من أهمها مساواة الرجل بالمرأة أو المساواة بشكل عام , وهذا عن طريق التطور والحرية ولسوف تستقل الأخلاق عن الجنس.

والحرية الجنسية لا تقود الإنسان إلى الشبع والاكتفاء الذاتي من هذه الوجبة فقط لا غير وإنما تقود الإنسان إلى التطلع نحو الآفاق العالية واكتشاف حقيقة الإنسان ووجوده

وإقبال الإنسان على نيل حريته وممارسته لحقوقه البيولوجية لا تعتبر مثلها مثل الإقدام على شراء سيارة جديدة أو منزل جديد , إن الإنسان يقدم على ممارسة حقوقه لإثبات عظمة وجوده , فمن اكتشاف سر الوجود الإنسان تنكشف لنا حقيقة الوجود الإنساني , ومن قوة إدراك الإنسان لوجوده تنكشف أمامه عوالمه الخاصة به لذلك تظهر حرية الرأي أو حرية التعبير أو حرية السلوك الشخصية للإنسان العاقل.


وعلى حسب ديكارت (أنا أشك إذن أنا موجود) معناها انطلاقة البذرة الحقيقية لجوهر الإنسان وكينونته ومعناها أنني أحاول أن أكتشف عوالمي الداخلية لأطبع عليها سلوكي وتصرفاتي الشخصية التي تختلفُ عن تصرفات أي إنسان آخر أو تتماثل مع تصرفات الآخرين جملة وتفصيلا وهذه ليست عبثية بل هي (وجودية).

وإن لم تنجح الحروب في تغيير شكل العالم فإن الفلسفة قد نجحت في ذلك فاستطاعت تغيير الأفكار والمعتقدات التي كانت تعتبر وجود الإنسان وجودا عبثيا وأن الإنسان بلا قيمة أمام الجوهر الحقيقي للوجود, ولكن الفلسفة الوجودية أعطت الإنسان حقه في الدفاع عن وجوده ومعتقداته الذاتية وليست الجماعية وعن طريق حرية الاختيار توصل الإنسان إلى الحرية نفسها بما يراه هو بأنه صح أو خطأ.

فالذي يراه الإنسان العاقل بأنه صح, يفعله, والذي يراه بأنه خطأ, لا يفعله, وما أراه أنا صح تراه باقي أو بعض الناس خطأ لذلك (كل إنسان بنام على الجنب اللي بريحه) وهذه هي جوهر الحياة الوجودية, إن وجود الإنسان محكوم بتصرفاته هو وفق ما يراه بأنه صواب أو خطأ.

كل الأفكار الفلسفية تدور حول قيمة الإنسان وجوهر وجوده وكينونته وروحه وحقوقه الشخصية, وكل العلوم تتقدم من أجل إسعاد هذا الكائن الذي اسمه إنسان , والتكنولوجيا كافة معاملها واختراعاتها هي من أجل الإنسان, معنى هذا أن الإنسان هو محور الكون ونقطة ارتكازه مهما كان دينه أو فكره أو عقيدته لأن كل الأديان وكل الفلسفات الاجتماعية هي أصلا تدور حول جوهر الإنسان واثبات وجوده وحقه في الحياة الكريمة, هذه الأفكار هي جوهر الفلسفة الوجودية التي تحاول فهم الإنسان ودراسته .

إذا كان الإنسان وعي وعقل فإنه حتما سينقاد حسب وعيه وعقله إلى الحرية , والحرية معناها المساواة والوجود الحقيقي هو بمقابل ضده وهو العدم وعدم الوجود , والوجود لا يأت من العدم بل يأت من خلال إشباع الإنسان حياته الفكرية ,,وعلى حسب الفلسفة الوجودية: الإنسان عن طريق الحرية يتشكل وعيه وتكتمل شخصيته وتظهر صفاته المتجسدة من روح الحرية أي الحرية الشخصية والتعبيرية هي الوجود نفسه.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن