رسائل الحسبة وحقوق المواطنة

رائف بدوي
tnwksa@yahoo.com

2010 / 9 / 28

ما دعاني لكتابة هذا المقال هو الهجوم المقزز وغير الاعتيادي الذي باغتنا فيه المتشددون الإسلامويون في اليوم الوطني الذي نحتفل فيه جميعا بمناسبة مرور 80 عاماً على توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس عبد العزيز ــ رحمه الله.

إذ ما إن دقت الساعات الأولى لاحتفال المملكة قيادة وشعبا بيومهم وهو حق مشروع أقرته جميع الأديان السماوية والقواونين الوضعية، حتى بدأ هؤلاء الجهلة وكعادتهم في رمي المناسبة بأعتى أنواع الشتائم والإهانات مستغلين سلطتهم في منابر المساجد وبعضهم في الخفاء والبعض الآخر اكتفى برسائل الجوال الاحتسابية!!!.

دعوات تخويفية ورسائل يندى لها الجبين وكل ذلك لأننا نريد أن نحتفل بيوم الوطن الذي نعيش على ترابه المقدس، فكيف لنا أن نحيا على أرض يهاجمنا على أرضها مجموعة أقل ما يمكن أن نصفهم بأنهم معتوهون ولا يحبون الخير لأبناء وطنهم مستغلين بذلك قوتهم الدينية ومشاريعهم التي لا تعترف بحدود الأوطان.

عندما وصلتني رسالة من أحدهم يحضني فيها على أن أتقي الله وأن أبتعد عن الاحتفال بيوم الوطن "لأنه بدعة .. وكل بدعة ضلالة .. وكل ضلالة في النار"، بحسب نص الرسالة، تذكرت أهمية فصل الدين عن الدولة وحاجتنا للعلمانية التي تحترم الجميع ولا تسيئ لأحد، لأن وطننا أكثر الأوطان حاجة لهذا الفكر العلماني التنويري الذي يحترم الجميع ولا يسئ إلى أحد.

لقد أثبتت كل التجارب الإنسانية والاجتماعية فيما لا يدع مجالاً للشك بأن العلمانية وتطبيقها في الدول والمجتمعات هو الحل الجذري والعملي لانتشال الدول (ومنها وطننا) من مراتب العالم الثالث ونقلها إلى العالم الأول كما دعا إليها أمير منطقة مكة المكرمة الأمير المثقف والشاعر خالد الفيصل.

والعلمانية أهم ملجأ لجميع مواطني البلد الذين يعيشون فيه، وهذا يقره الجميع بمن فيهم الإسلامويون الأكثر تشددا، فالعلمانية هي من جعلتهم يعيشون في بريطانيا بأمان ورخاء، حتى بات يطلق على تلك الجزيرة الضبابية بأنها جنة الإرهابيين على الأرض، إذ تجد هؤلاء الإرهابيون (المتشددون إسلاميا)، يستغلون الديمقراطية الإنجليزية لنشر قذارتهم الفكرية (التكفيرية والإرهابية التي تدعو للقتل)، والأكثر من ذلك أنهم يجاهرون بعداوتهم تلك للدول التي يعيشون فيها لاجئين، فأي وقاحة تلك وأي علمانية كافرة!!، تفتح ذراعيها لمثل هؤلاء وتجعلهم يجاهرون في معاداتها وهم على أراضيها. أليس القانون العلماني الغربي الكافر على حد زعمهم هو الذي يحميهم ويساويهم بمواطني تلك الدول وكأسنان المشط في التعبير والانتقاد وحتى التبشير بدينهم الذي يهاجم كل الديانات الأخرى حتى الإبراهيمية منها.

وبالعودة إلى علاقة الدين بالوطن تلك العلاقة غير الأخلاقية في كثير من الأحيان، حيث يصبح معها الدين سياسياً ويتم معه تسييس الدين لخدمة حفنة من هؤلاء الذين يريدون كل شيئ على هواهم وضد مفهوم الوطن والمواطن وعلاقتهما ببعض، ليحيا فكرهم المتخلف على حساب تدمير الإنسان والوطن شيئا فشيئا.

إن العلاقة بين الدين والو طن نفرت الكثير من المسلمين بالدين نفسه، لأنه مذهب المنتصر، الذي يقسم المجتمعات إلى قسمين في غالبها الأول متشدد ومتعصب لدرجة الغثيان والثاني في موقف الضد والنفير من ذلك الدين الذي يفرض عليه بقوة السيف فيولد لدى المواطن الطبيعي شعور حقيقي برفض لا إرادي لذلك الفرض، ويبقى القسم الأقل منهم على الحياد في المنتصف وعادة هذه الطبقة تكون من طبقات المجتمع العاملة والكادحة والتي لا تهتم أو تلتفت لا للدين ولا للسياسة فهناك لقمة العيش التي ينشغلون بها عن كل ذلك.

إن الوطن كلمة عظيمة لا يعرف قيمتها ومعناها سوى كل المتجردين من كل شيء أمام حبهم للوطن، فهم يرون بأن الوطن مقدس قدسية مقدمة على كل شيء بما فيها الدين، لأنهم يرون أن إيمانهم تحكمه علاقة خاصة بين الإنسان والله ، وأما علاقتهم بالوطن فهي علاقة علنية وحب متجذر أصيل في نفوسهم يذهب كل شيئ ويبقى الوطن الذي يذودون عنه بالروح والمال والولد، فوطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه.

وعلى مر العصور قامت دول دينية وسقطت وقامت ثم سقطت ثم حاولت القيام لتسقط وبقوة فالوطن هو الأبقى وهو الذي لا يتغير مهما تغيرت الأقوام التي تمر فوق ترابه، فلو تغير الدين أو تغير الحزب الذي يقود الناس في جغرافية معينة فهل سيذهب الوطن؟؟؟ سؤال أرفعه لكل الشرفاء الذين يحاربون من أجل بقاء الوطن.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن