سمفونية العودة-المشهد الثاني-3

ريتا عودة

2010 / 9 / 28

كان آدم يتحدث إليّ وأنا أواصلُ الاستغراق في لون الأشجار في عينيه، قامته الفارهة، ونبرة الإصرار في صوته الدافئ. راحَ يحدّثني عن يوم الأرض ونبضاتُ قلبي تزداد تسارعًا والعَرق يتفصَّدُ من جنباتِ جبهتي والحيرة تضربُ أوتادا وأوتادًا في رأسي فأدور في حلقات ٍ مُفرغة كلّما حسبتُ أنـّني خرجتُ من واحدة تتلقفني أخرى.

*


كنتُ في المرحلة الثانوية حين واجهني سؤال إلزامي في امتحان المدنيات عن منظمة التحرير الفلسطينية. سَرَتْ قشعريرة في جسدي. أعلنتُ عن أنيميا في مخزوني المعرفي وكنتُ قد أجبتُ عن الأسئلة الأخرى كلّها ولم يبق إلا هذا السؤال الذي انتصبَ أمامي كالصخرة.
شعرتُ بضيق ٍ في التنفـُسّ. تـُراني أسلّم الورقة وأعترفُ بجهلي فتأتي علامتي منخفضة كثيرا بسبب نسبة العلامات المخصصة لهذا السؤال.
الهمهماتُ تتصاعدُ من حولي. الكلّ يتذمَّرُ من هذا السؤال الذي أتانا من قمقم علاء الدين. سمعتُ صديقتي تقول: لا تجيبوا عن هذا السؤال الملغوم. هذه الأوراق ستصل يد (الشين. بيت). مرّة أخرى، دفنتُ جهلي لمعنى الحروف ( شين. بيت) داخل تربة رأسي وصبـَبـْتُ انتباهي على مُدرِّسُ المدنياتِ الذي اقتحمَ حيرتي باقتحامه الغرفة. راحَ يشرحُ لنا معنى التعبير( منظمة التحرير الفلسطينيّة) وأنا أسجل كلماته حرفيًّا. قبل أن يغادر، سلُمته الورقة وغادرنا سويّا.
لم أدرك معنى كون ذلك السؤال ملغومًا إلا بعد شهور، عندما حاولتُ الالتحاق بجامعة حيفا، فاكتشفتُ أنّ اسمي في القائمة السوداء..!هكذا قالت (حانة) تلك المرأة اليهودية، حينَ شكا لها أبي عن الظلم الذي وقعَ عليّ فقامت بالاستفسار عن السبب.
يا للسخرية..!!
تعويذاتُ أبّي وتحذيرات أمي التي كانت كالمنِّ والسلوى، لم تكفل لي الحماية من هذا المصير الأسود. اجتهدتْ (حانة) في الإثباتِ أنـّها مخلصة للعائلة وكانت النتيجة أنهم سمحوا لي بالانضمام لدورة تقوية صيفيّة في اللغة الانجليزية قبل الالتحاق بالجامعة فقمتُ بالالتحاق بالدورة اضطرارًا لا اختيارًا. ثمّ، حصلتُ على إعفاء فوري من الدروس من قِـبـَل ِ مُدرِّسةِ الموضوع. كيفَ لا، وأنا المتفوقة في كلّ مواضيعي الدراسيّة، خاصة اللغة الإنجليزيّة التي عشقتها منذ نعومة ِ أفكاري.

*


حاولتُ أن اشرحَ لآدم سببَ امتناعي عن المشاركة في أيّ نشاط سياسيّ داخل حرم الجامعة، لكنـّهُ لم يمهلني. راحَ يسيرُ أمامي وهو يجذبني إليهِ، كما يجذبُ المغناطيسُ معدنـًا لا ينتمي إلا إليه.









https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن