المخرج المسرحي سليمان البسام : حتى المهرجانات اخترقت من قبل دودة الفساد

كريم الهزاع
kareem.h.9@Gmail.com

2010 / 9 / 2


المخرج المسرحي سليمان البسام : حتى المهرجانات اخترقت من قبل دودة الفساد

عدم امتلاك البلد لمسرح وطني يعكس الوضع المسرحي الكويتي

المسرح الكويتي الراهن قائم على مسرحة اللا معنى

الرقابة الكويتية غير نموذجية

حاوره : كريم الهزاع

حمل كرسيين من داخل المكتب وطاولة صغيرة إلى الحوش المطل على الشارع ، وحينما جلسنا ، سألني المخرج المسرحي الكويتي سليمان البسام :
- الشارع أفضل ، ها ؟ لقد مللت من جلسة المكتب .
أجبته : نعم هنا نطل على الشارع ، المارة ، ومن الممكن أن نحدق في السماء .
وبعد أن رشفنا رشفتين من الشاي ونفثنا دخان سجائرنا ، سألته :
- هل حاولت أن تنقل تفاصيل الشارع للآخر عبر مسرحك ؟

الشارع مشروع جميل يدفع المبدع للكتابة ، الشارع وحدة كاملة بديكور متكامل وعناصره تتغير لذا هو قريب جداً من المسرح . فمثلاً لطالما كانت فكرة السوق الداخلي تشغلني باعتباره ذاكرة وأحداث وأصوات عاشت وماتت في هذا السوق الداخلي بكل تفاصيله التي بقت في اللغة والذات . حتى مسألة الصراع في الذات موجودة في الشارع ، لأن شخص ما قد يخبرك عن أحداث مهمة حملها هذا الشارع وقد تكون قراءته مختلفة على صعيد تاريخ المنطقة أو الكويت. هكذا مشروع يحمل دلالات ترتبط بفكرة جماعية ووعي جمعي كما مرتبط بالماضي والحاضر. والشارع يذكرنا بالماضي وتصفيته والإرث وحتى الحداثة التي خلقناها وكيفية مواجهتها.

- باعتبارك جزء من المسرح الكويتي أو مطلع عليه . أين تجد نفسك في هذا المشهد الفني؟

عمري المسرحي في الكويت لا يتجاوز الخمس سنوات، فمنذ خمس سنوات عدت للكويت وبدأت أنتج أعمالي من الكويت. بعض هذه الأعمال قمت بإنتاجها في الكويت وقدمتها في الكويت. العمل الأول لي الذي قدمته في الكويت كان هاملت ومن ثم " ذوبان الجليد " من إنتاج جمعية الخريجين وتحديداً لجنة التآخي الكويتية العراقية التي أسست عام 2003. وقد شارك في هذا العمل من كبار المسرح الكويتي الذين تشرفت بالعمل معهم منهم الفنان الراحل كنعان حمد والفنان جاسم النبهان وغيرهم من الشباب ، إضافة إلى ممثلين عراقيين محترفين . بعدها قدمت عمل شبابي من إنتاج هيئة الشباب والرياضة باسم " المقايضة " وهي مسرحية شكل من أشكال روميو وجولييت. عدا الأعمال التي قدمتها في القاهرة ودول أخرى ، بعضها حصلت على جوائز، فمثلاً عمل المقايضة حصل على جوائز عدة في مهرجانات شبابية. من جهة أخرى كانت هنالك أعمال أنتجت في الكويت لكن لم تكن مخصصة لتقدم في الكويت فقط ، مثل "مؤتمر هاملت" و عملي الأخير " ريتشارد الثالث " و" كليلة ودمنة " أو " ابن المقفع" وقدم في الشارقة والبحرين ودول خليجية وأوروبية غير أوروبية أخرى . وكان هنالك أعمال أخرى وأدت بعدم استمرار عرضها . فمثلا بإمكانك أن تعمل مقارنة بين الأعمال التي أنتجت في الكويت وخارج الكويت ويُطرح سؤال لماذا الأعمال المنتجة في الكويت عرضت في أكثر من أربعين أو خمسين أو حتى ستين عرض بأكثر من 15 دولة شرق آسيوية وعربية وأوروبية بينما الأعمال داخل الكويت اقتصرت على عرض أو عرضين يتيمين و" يا دوبك بالغصب " حتى لو حصلوا على جوائز وتكريم بالتالي اختفوا من الساحة أو لم يحصلوا على الفرصة للاستمرار.

- هل المشكلة في انعدام الجمهور؟

بالتأكيد هنالك جمهور. فمثلاً العروض التي قدمتها في الكويت كنت حينها لا أملك تجربة عميقة عن العمل المسرحي داخل الكويت وبالتالي اكتشفت أن هذا القانون ليس بقانون يطبق على أعمالي بل هو عرض سائد بالنسبة لأي عمل من الأعمال النوعية أي أعمال تحاول من خلال مضمونها وشكلها أن تتحدث عن أمور خارج إطار الكوميديا التي لا معنى لها أو " مسرحة اللا معنى " هذا هو وضع المسرح هنا . الأمر غير مرتبط بسليمان البسام أو غيره، بل مرتبط بالوضع العام . المشروع المسرحي الثقافي داخل الكويت مكتوب عليه أن يحصر داخل إطار المهرجانات وإذا حصل على حقه داخل المهرجان. حتى هذه المهرجانات اخترقت من قبل دودة الفساد في مسألة تقييم أعمال مسرحية تصارع فقط من أجل جماليات أو فكر. فهذا يرتبط بوضع الكويت مسرحياً و المشروع المسرحي بالمفهوم الواعي .

- هل أنت راضٍ عن لجان التحكيم؟

المسألة ليست مسألة لجان تحكيم بل هي مسألة جدلية . وأعتقد أن جانب من هذه المسألة مرتبط بشيء مادي جداً ألا وهو عدد الدور الموجودة داخل البلد ومدى استعداد المؤسسة الثقافية الكويتية لتشجيع المشاريع المسرحية الواعية أو تقديم أي تسهيلات. لطالما المنتج مقيد بمنطق " السوق الحر" وهو منتج ثقافي هذا يعني أننا في دائرة مغلقة يحددها المستهلك أو الذائقة العامة أو سمه ما تشاء الذي من الصعب أن تكون لديه رغبة لشيء لم يجربه أو يعرفه عن المعنى الحقيقي للمسرح. وهذا مرتبط بالتعليم أولاً ومسألة الانتقاء والذائقة. لذا حين تتكلم من منطق رجل اقتصاد هذا يعني أنك ترى الأمر من جانب مسألة فتح أسواق جديدة تؤثر على الذوق العام . ولا يمكنك أن تفتح سوق جديد دون استثمار مهم . وهذا الاستثمار من وجهة نظر ثقافية يوازيه الاهتمام بقيمة السوق المطروح . هنا منطق السوق الحر حين ينطبق على الثقافة وخاصة حين ينخرط الأمر بالمؤسسة الثقافية التي من المفروض أن تخلق فضاءات جديدة في الوعي العام خاصة فضاءات التساؤل والفكر والتطور. ومن دون هكذا إيمان ننحصر في الدائرة المغلقة مرة أخرى . لذلك من الصعب حالياً مع العدد القليل للدور الموجودة ومسألة التراخيص والقوانين التي لا تسهل مسألة تأسيس دور عرض ، من الصعب أن نتخيل طرق جديدة للارتقاء خاصة أن المؤسسة الثقافية المهمة في هكذا أمر مغيبة . فإذا كانت هنالك حلول بالنسبة للأزمة المسرحية أو الثقافية فيجب أن نضع بالاعتبار أنها أزمة كبيرة خاصة في المسرح . فعدا المحاولات الجبارة التي تتم على أيادي شخصيات مختلفة ، وعدا تجاربهم وأعمالهم التي تبقى محدودة هذا يعني أننا أمام مشهد يكاد يكون لا شيء. لذا سؤالك عن مكاني داخل هذا المشهد أجده في أني مشاهد لهذا المشهد وأرى أنه مشهد مدمر يشبه ملعب مدمر ، خطوطه أزيلت وحكمه مات وكرته ممزقة .

- قارن البعض سليمان البسام بصقر الرشود .. كيف ترى تلك المقارنة ؟ وهل تستطيع أن تنقذ المشهد المسرحي الكويتي قبل أن يكون في طي النسيان ؟

صقر الرشود قامة جبارة ومبدعة . لذا أي مقارنة مع صقر الرشود تمنحني الشرف . المشكلة أن المرحوم الرشود رحل مبكراً، وحتى قبل وفاته كان يدأب على البحث عن ما يرسخ استمرار المسرح. حتى الفترة الذهبية للمسرح المحلي كان هنالك مشاكل كثيرة. إضافة إلى الرشود وغيره من الأسماء المهمة لم يستطيعوا أن يؤسسوا ما يدفع الأجيال القادمة نحو الاستمرار. وإذا جلست مع أشخاص كسليمان الياسين وجاسم النبهان وفؤاد الشطي يخبرونك أنه منذ الفترة الذهبية كان المسرح يعاني من علاقته مع المؤسسة الثقافية ولم يتغير شيء لا على صعيد عدد الفرق أو التمويل. بالتالي الأجيال القادمة لن تجد ثقافة مسرحية راسخة وإن أردت التحدث عن بناء ثقافة مسرحية هذا يعني أننا سنبدأ ببناء ثقافة مسرحية جديدة . ومن المهم أن تلاحظ أنه خلال هذه الفترة الذهبية لم يكن هنالك أي تأسيس لمسرح وطني رغم أنه لا يأخذ الكثير من العناء. وإذا كانت الكويت للآن لا تملك مسرحاً وطنياً يشرح وضع المسرح في المجتمع الكويتي ! فما الذي سأفعله ويد واحدة لا تصفق .

- هل يعاني المسرح الكويتي من أزمة النصوص؟

أنا لا أعتقد بأننا نعاني من أزمة نصوص بل من أزمة دور الثقافة في المجتمع . أنا كنت أتحدث عن الكتابة باعتبارها مهمة في دور إحياء المسرح الكويتي .

- ما هي تماهيات مدارس السينوغرافيا ومسرح جروتوفسكي الفقير وغيرها مع أعمالك المسرحية؟

في الحقيقة أنا لا أميل إلى استخدام النظريات أو للمسرح التنظيري لأنني أرى بأن العمل إبداعي بالدرجة الأولى أكثر مما هو أكاديمي . المسرح هو تشابك بين الممثل والمخرج والموسيقي ، وهذا التفاعل يتم برؤية يحاول يشير لها المخرج لكن الكل يساهم في خلق العمل. بالتالي العملية المسرحية تعتمد على عناصرها بالإضافة إلى عامل الزمن أو الوقت الذي يسخط من كل النظريات.

- المشهد الثقافي الكويتي يقال أنه يعاني من حالة تراجع ، كيف يمكننا أن نشارك في معالجة تلك الأزمة؟

المشهد الثقافي الكويتي يُختصر في وجهين عبر الفنانين الكويتيين والجهود المستمرة والصامدة التي يبذلها مثل إسماعيل فهد إسماعيل وسامي محمد وعلي السبتي وغيرهم من المخلصين في مجال عملهم وإنتاجهم الكبير، وهم مبدعين لا ينشغلون بالتصريحات لكنهم لا يصمتون تجاه احتضار المشهد الكويتي . وحين نجيء للمسرح فيجب أن نتذكر بأنه عمل جماعي مرتبط بالدرجة الأولى بالجمهور أي بالمجتمع ، بالتالي هنالك أيضاً مسئولية تقع على عاتق الدولة لأن كل فن مرتبط بالمجتمع يجب أن تكون هنالك له علاقة مع الدولة. عبر السنوات الأخيرة يمكننا أن نلخص مشهدنا مرتبط بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ووزارة الإعلام . وهذا يدلل على أن المشهد الثقافي فاقد لدوره السياسي أو الاجتماعي المغيّر في البلد . الثقافة إلى الآن لا تملك وزارة مستقلة ضمن خطة الدولة في الكويت. وبذا نجد أن المشهد الثقافي الكويتي مهمش على صعيد الدولة والمجتمع .

- ماذا عن الرقابة؟

من المؤسف أن نرى أن هنالك قائمة طويلة من الكتب الممنوعة كل عام رغم أن الكل يستطيع الحصول عليها عبر الإنترنت أو بأي شكل آخر. في المسرح لدينا قيود كثيرة مرتبطة بالوزارات والأوراق والبيروقراطية . فإن أردت أن أفتح مسرح في باحة بيتي فمن المؤكد سأواجه صعوبات كثيرة ولن أستطيع أن أحصل على رخصة ، لأي منشأ الغير مبني بشكل أساسي كمسرح. لذلك نجد قلة عدد دور المسرح . أما بالنسبة للرقابة ، فنجد أن الرقابة الكويتية وفقاً لتجربتي البسيطة مع الرقيب الكويتي ، أجد أنها رقابة غير نموذجية . فمثلاً الرقابة في إيران رقابة نموذجية لأنني قدمت عملاً في إيران ذات مرة حيث تعتمد على معايير معينة رغم أنه رقيب مزاجي . والمشكلة حقيقة ليست في الرقابة فقط بل بآليات وأدوات المسرح . والرقابة موجودة في دول عربية أخرى ، فحتى في لبنان هي موجودة ووزارة الثقافة اللبنانية بسيطة ودور المسرح محدودة إلا أن المسرح اللبناني مسرحاً نوعياً معني بمسرح حقيقي ملتزم . أتمنى أن نجد المسرح الكويتي متعاون مع القطاع الحكومي والخاص بحيث تتاح الفرصة لكل المواهب الحقيقية التي تعاملت معها وعملت معها حتى تقدم ما لديها ، لأن هذه الخامات الطيبة ذات الآفاق والرؤى البعيدة يتم دفنها بشكل أو بآخر.

- ما رأيك بالمسرح العربي؟

هنالك أصوات عربية وتجارب جميلة ، كمشروع سعد الله ونوس والدكتور عوني كرومي رحمهما الله وجواد الأسدي وتوفيق الجبيلي وغيرها من تجارب جميلة تستحق الوقوف عندها وتأملها. وهذه التجارب العظيمة لا نجدها أبدا في الكويت كأنها لم تكن موجودة بالنسبة للمشاهد الكويتي ولربما حتى الطالب الكويتي مغيب عن هكذا أسماء مهمة. إن السؤال في كيفية استثمار هذه التجارب الغير كويتية وإعادة تقديمها في الكويت.

- هل قمت بإصدار كل نصوصك المسرحية على شكل كتب ؟

هنالك نصوص مقتصرة على الخشبة ، لكن الأعمال التي أصدرتها في بريطانيا كانت أعمال قابلة للقراءة مثل مؤتمر هاملت وكليلة ودمنة .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن