عبودية الرومان وعبودية العربان

نضال نعيسة
nedalmhmd@yahoo.com

2010 / 8 / 25


لا يجد الخطاب الدعوي الصحوي التعبوي، أحياناً، من تبرير لجريمة الغزو البدوي وتدمير حضارات المنطقة، سوى القول بأن الغزاة البدو قد حرروا شعوب المنطقة من الاحتلال الروماني والاستعمار الفارسي وإنهاء هيمنة هاتين القوتين على فضاء المنطقة السياسي والجغرافي وقتذاك. وبغض النظر عن مفهوم الحرية الملتبس ها هنا والذي سنتجاوزه، فلم يكن قد تبلور في هاتيك الأيام أي نمط من أنماط الحرية والتحرر بقالبهما العصري الحديث، ومن الغريب الزعم أن يكون للبدوي الصحراوي الجائع الحافي الباحث عن الطعام والكلأ الماء أي فهم أو تقدير للحرية واحترام حقوق الآخرين في الوقت الذي كان يبيد قبيلة بكامله من أجل نهب بعير أجرب أو "سخلة" مسلوخة. وكلنا نعلم من حياة الصحراء القاسية وحالة القلة والقحط والجوع التي كان يعاني منها سكان البدو "المحررون" والتي كانت وراء غزو دول الجوار ونهب ثرواتها وخيراتها وسبي نسائها، كما تنبؤنا أدبيات الصحوة وتراثها عن الإغراء الذي كان يقدم للبدوي الغازي حول عنب الشام وقصور وكنوز كسرى التي كانت تسيل لها لعاب البدوي وتجعله يهرع من أجل تلك الغنائم.

أولاً وبداية، لا بد من التركيز على غنى وثراء وخصوبة هذه المنطقة من العالم التي مثلت إغراء لشتى أنواع المستعمرين والطامعين بخيراتها، بما فيهم المستعمر البدوي الجائع الدموي الغاشم، الذي لولا الجوع والفاقة والتصحر لما خرج تحت الرايات المقدسة لنهب شعوب المنطقة وسلبها خيراتها والعيش تحت ظلالها التي تنعم بالخصوبة والماء والخضرة و"الوجه الحسن"، هرباً الهجير والنار اللافحة ومن قباحة وعزلة ورثاثة الصحراء ووحشتها ويباسها. ثم لم يطلب أحد من شعوب المنطقة من الغزاة البدو ولم يدعهم أحد لاحتلال دول الجوار ويبقى الغزو والاحتلال جريمة أخلاقية كبرى لا تبرر تحت أي حجة وإلا لوجدنا مبرراً للاحتلال الأمريكي للعراق، وأنهى سيطرة "السنة" العرب، وبمعية بدو الخليج، على المشرق العربي، وصعود النجم الفارسي في سماء المنطقة. وإن "جريمة" الاحتلال الروماني، هذا إذا اعتبرناها جريمة من الأساس، لا تبرر بجريمة وحماقة استباحة واحتلال الأراضي من قبل البدو العرب، وإلا لأصبحت أية جريمة تبرر بجريمة أخرى، وهذه هي شريعة الغاب.

وبغض النظر عن الطريقة التي دخلت بها جيوش الغزاة إلى الشام ومصر وفارس، وما أعقبها من مجازر ومذابح جماعية في القادسية واليرموك واستباحة للمدن وسبي للناس وجلبهم مقيدات بالسلاسل للاتجار بهن وبيعهن بأسواق النخاسة لمن يدفع أكثر من قبل "المحررين"، عشاق الحرية والإنسانية، بعد أن يقضي الغازي منها "وطراً"، كما لن ندخل في متاهة فرض الجزية والثقافة واللغة والعقيدة ومسح الهويات الثقافية للشعوب في أكبر عملية تطهير ثقافي عرفتها البشرية على مر تاريخها، فذاك حديث آخر له شجونه، وكيف يتسنى لبدوي جاهل غارق في عزلته في جوف الصحراء وتائه وراء صحرائها لم يعرف لا مدرسة ولا جامعة أن يستوعب أو حتى ستنبط مفهوم الحرية كيف عرف أن شعوب المنطقة بحاجة لـ"خدماته" التحررية؟ ناهيك عن أنه ليس موضوع المقال، كما لن نتكلم عن الإرث الحضاري الفني والعمراني الذي تركه "المستعمر" الروماني ، ونقارنه بالإرث الحضاري والعمراني والثقافي "العظيم والفاخر والنادر" الذي خلفه لنا "المحرر البدوي"، وستبقى تدمر شوكة في عيون المستعمر البدوي وشاهداً على ما وصلت إليه شعوب المنطقة قبيل جريمة الغزو وكيف اندثر انتهى إلى الأبد، ومرة واحدة، كل ذلك الإبداع العبقري الحضاري بدخول الغزاة الجياع السباة رعاة الشاة واكتفى الناس ببيوت الشعر والخيمة البدوية، وسنبقى في إطار تداعيات الغزو والعبودية للعربان بعد "التخلص" من عبودية الرومان، ليبرز لنا سؤال ماذا لو استمرت عبودية الرومان، ولم تعرف شعوب المنطقة عبودية العربان؟

وهنا يمكن القول أنه منذ استعمار واحتلال البدو لشعوب المنطقة وبلدانها وحتى اليوم فقد دخلت في نفق الصراعات والخلافات والاقتتال والفرقة الطويل، وأن الاستعمار الروماني، وعلى "علاته" أفضل وأرحم بكثير من الاستعمار البدوي، وذلك بالقياس إلى حال الدول التي استمرت تحت الاحتلال أو الاستعمار الروماني حتى يومنا هذا، لا بل لقد كان الاستعمار الروماني نعمة من السماء لكل دولة دخلها هذا "الاستعمار" والاحتلال من حيث تقديم أنظمة حكم وإدارة وعمران لم تعرفها حتى اليوم دول الاستعمار البدوي التي كان الاستعمار البدوي نقمة أبدية ولعنة أزلية عنها جعلتها في ذيل الركب الحضاري الدولي، وتتزعم بكل فخر واعتزاز قوائم الدول الفاشلة والاستبدادية والديكتاتورية الفاسدة من الخرطوم إلى صنعاء مروراً بمصر والصومال. ولننظر اليوم إلى حال الدول التي لم "تتحرر" من الاستعمار الروماني، وحال تلك التي "تحررت" من الاستعمار الروماني يعني ما يسمونه "الوطن العربي". فهل يمكن مثلاً مقارنة دولة مثل اليمن باليونان وإيطاليا؟ أو منظومة الاتحاد الأوروبي ذات الهوية "الرومانية" والتي "نكبت" بالاحتلال الروماني وما تتمتع به من احترام لحقوق الإنسان ورفاه وتنمية وتقدم، ومنظومة "مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي" البدوية التي يحكمها "المحرر" البدوي، والتي تعتبر اليوم أسوأ أنموذج بشري متبق للعبودية والاسترقاق والنخاسة البشرية وازدراء واحتقار حقوق الإنسان والتخلف العام. لا بل هل يمكن بالمطلق أية دولة بقي "الرومان" بها، بأية دولة دخلها "المحرر" البدوي في مشرق الأرض ومغاربها؟ وكيف يمكن لهرلاء الزعم والكلام عن أنهم محررون وليس في تشريعاتهم وقوانينهم ما يجرم العبودية والرق ودول شهيرة من مثل موريتانيا والسودان ومنظومة الخليج الفارسي واليمن وسواها، ما تزال العبودية والرق والاتجار بالبشر وبيعهم وشرائهم شؤيعة رسمية للدولة وتلك الأنظمة التي يرطن البعض بأنها صدرت الحضارة والحرية للعالم؟ وكيف يمكن للعبد أن يكون حراً، ويحرر الآخرين، على رأي عنترة؟

مهما قيل عن الاحتلال الروماتي للمنطقة، فهو ليس مبرراً لجريمة الاحتلال البدوي الأسوأ والأدهى والأخطر حيث تم استبداله بما هو أسوأ منه، ولو بقي الاحتلال الروماني للمنطقة، كما هو حال بلدان أوروبا اليوم، لكان وضع هذه الشعوب والأوطان، أفضل بكثير مما هي عليه الآن تحت نير ووطأة الاستعمار البدوي وثقافته الصحراوية، وإيديولوجيته الهمجية. وكما لم تكن أية شرعية لاحتلال الرومان، فلا يمكن بالمقابل إعطاء أية شرعية لأي استعمار بما فيه استعمار البدو العربان حيث تم استعباد الناس وإذلالهم بأسوأ بكثير من أي استعمار آخر وممارسة العنصرية والتممييز عليهم، ومن نكد القدر على هذه الشعوب ولعنته عليهم، أن تقارن بين العبوديات والمستعمرين سواء كانوا روم أم فرس أم يهود أم أمريكان أم بدو جياع جهلة أميين؟



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن