رفض للخدمة العسكرية أم رفض للخدمة في الضفة؟ شباب يأبون ارتداء البزة ذوداً عن.. إسرائيل

وسام سعادة

2002 / 7 / 26

بدون تعليق(أ.ف.ب
في مطلع العام الحالي توجهت ثلة من الضباط والجنود في جيش الاحتياط برسالة توضح فيها انها وإذا تربت على مبادئ الصهيونية ومثلها وفي مقدمتها قيم التضحية ونكران الذات من اجل شعب اسرائيل ودولة اسرائيل، واذا حاربت دائما على خطوط الجبهة الامامية وتصدت لتنفيذ اصعب المهمات فانها ترفض زج القوات المسلحة في سلسلة معارك ليس لها اي هدف سوى تأييد التسلط على الشعب الفلسطيني ومصيره. امام الكلفة العالية للاحتلال، وقف هؤلاء الضباط والجنود الاحتياطيون ليشددوا على ان ثمن الاحتلال هو فقدان الطابع الانساني لقوات جيش الدفاع وإفساد المجتمع بأسره. ميزوا بين المناطق الفلسطينية وبين <<اسرائيل>> وخلصوا الى رفض المشاركة في حرب المستوطنات.
أدت الرسالة والعريضة المرفقة بها دورا حيويا لجهة إخراج ظاهرة رفض الخدمة العسكرية من هامشيتها في الاشهر التي تلت، وخصوصا مع انطلاقة عملية <<السور الواقي>>، لا يعني ذلك بأن هذا التوجه حقق اختراقا نوعيا، الا ان اتساع دائرة رافضي المشاركة في عمليات القمع <<واعادة الاحتلال>> بدأ يقارب الألف شخص، يمضي اربعون من بينهم فترات عقوبات متفاوتة في السجن العسكري.
أمكن للظاهرة ان تتسلل الى حيث النقاش العام في اسرائيل وأن تلامس اشكاليات حول علاقة المجتمع بالدولة والجيش، وعلاقته بالمحيط المحاور الذي حكم عليه ان يعيش ضمنه. ليست ظاهرة يمكن بواسطتها تفسير مدى فاعلية الديموقراطية الاسرائيلية او قصورها او مدى إمكان التعويل على معسكر سلامي جدي ومثمر، الا انها بالتأكيد ظاهرة ذات دلالات وينبغي ان تلحظ من باب التغيير الذي طرأ لجهة البعد العسكري للاجتماع الاسرائيلي.
عند نشر الرسالة، كان رد جيش الدفاع ان الخدمة فيه اجبارية ولا يمكن تخيل ان ثمة جنودا يريدون اختيار وظائف دون سواها. اما الناطق بلسان رئيس الحكومة رعنان غيسين فقد صنف الظاهرة تحت خانة <<الهامشية>> معتبرا انها تتعارض وأسس الديموقراطية ودور الاقلية تجاه الاكثرية. على الرغم من ذلك فإن التكتيك الذي يتبعه المسؤولون في جيش الدفاع خلال السنوات الأخيرة يهدف بشكل رئيسي الى تفادي تسييس المسألة وايثار المعالجات الفردية قدر المستطاع بالنسبة الى من يريد تحاشي الذهاب الى المناطق الفلسطينية، وذلك بأن تسند له مهمة اخرى او بأن يخدم في مكان آخر.
تلقّى عشرون الفاً من جنود الاحتياط الاسرائيليين أوامر طارئة للخدمة العسكرية عشية عملية <<السور الواقي>> في اواخر آذار الماضي لبتّ غالبية المستدعين الاوامر من دون تردد وسط تصاعد مناخات التجييش وفي ظل استفحال الهجمات الانتحارية. وسط مناخات شبيهة، كان رفض الخدمة في الضفة يتطلب مقدارا من الشجاعة وليس فقط خوفا من عقاب ما في الانتظار بل ايضا بسبب ما يمن ان يلقاه رافضو الجندية من ضغوط اجتماعية كبيرة من عائلاتهم بالدرجة الاولى. فهذه المرة أمكن لمقولة <<حرب الدفاع عن النفس>> ان تفرض نفسها وليس ثمة مكان لأمهات تطالبن بانسحاب الابناء من لبنان. بمصطلحات اخرى، لم يعد <<الارهاب>> ليتعرض لاسرائيل الدولة بل اصبح يستهدف اسرائيل المجتمع.
يحضر السؤال: هل ازداد تعسكر المجتمع الاسرائيلي وأين مكانة حركة رفض الخدمة من هذا؟
يسعى المجتمع الاسرائيلي الى تحقيق الانسجام بين معطيين تقدمهما الحكومة: المعطى الاول ان الانتصار على <<الارهاب>> جار على قدم وساق والمعطى الثاني ان عدد <<الارهابيين>> و<<الهجمات الارهابية>> في ازدياد كلما اتجهنا نحو النصر. يبقى تحقيق الانسجام صعب المنال في هذا الاطار، الا ان قلة معدودة بمإكانها ان تلحظ ان عملية اضاعة المقاييس في هذه الحالة انما هي نتيجة نظرة خاطئة وفوقية لعملية السلام وأسباب تعثرها، ذلك ان فشل مفاوضات كامب ديفيد ما زال يعلل على قاعدة <<كنا كرماء اكثر مما ينبغي لكنهم رفضوا>>، وهذا ما فطن اليه امي ايالون المسؤول السابق عن الأمن الداخلي الاسرائيلي (الشين بيت) في مقابلة اجرتها معه صحيفة <<لوموند>> الفرنسية منذ اشهر اذ اعتبر ان المشكلة تكمن في إغفال الاسئلة عن الذات وما نريد ان نكون والى اين سنقرر ان نذهب؟
ظاهرة رفض خدمة العلم في مجتمع يزداد تعسكراً: هذا يعني ان تطور العلاقة بين المجتمع وبين الجيش هو تطور مزدوج، فمن جهة يزداد المجتمع تقبلا للخيار العسكري بل الاكثر دموية وتسرعا في الحسم مع الفلسطينيين لكن من جهة اخرى ثمة تراجع في مكانة <<جيش الدفاع الاسرائيلي>> ومهابته. لم يعد حلم الشاب الاسرائيلي الحياتي والمهني ان يصبح ظابطا فثمة وظائف اخرى في عالمي التكنولوجيا الحديثة والاعمال باتت أكثر جاذبية.
منذ سنوات لم تعد الحروب التي تخوضها اسرائيل ضد جيوش نظامية. وعلى امتداد هذه السنوات وجدت حالات متنوعة ترفض الخدمة في الجيش او في بعض الاماكن العسكرية، إما لخيارات سياسية او لأسباب ضميرية او حتى لنوازع ايمانية. أما ما حملته الانتفاضة الثانية فهو العمل المنظم والعلني لمحركة رفض الخدمة.
وحين نقول <<رفض الخدمة>> فهذا يعني لأقلية فقط رفض الخدمة في الجيش من الأصل، لكنه يعني بالنسبة للأكثرية رفض الخدمة في الضفة. تندرج حركة الضباط في الاحتياط في الخانة الأخيرة، وهي تشدد على ان الاحتجاج الذي تنطلق منه لا يرد من الاطراف وإنما من المركز ومن الرغبة في الدفاع عن صهيونية الدولة وصونها.
يرى ضباط الاحتياط الذين يرفضون الخدمة في الضفة انه يجب على جيش الدفاع ان يبقى <<وسيلة اساسية لابقاء التفوق الاسرائيلي في المنطقة>>، لذا فان داني بن سمحون يميز بين رفضهم الجزئي وبين الرفض المبدئي الذي يمثله آخرون ومعياره رفض التفوق الاسرائيلي والاستعداد لتقبل مبدأ المساواة. وهؤلاء <<المبدئيون>> يظهرون اكثر في صفوف الشباب الذين في مقتبل العمر ويواجهون نظاما تعليميا يؤدي فيه التثقيف على التجند دورا رئيسيا.
ينتمي داني بن سمحون الى <<منتدى دعم رافضي الجندية لدوافع ضميرية>> وهو منتدى يميز بين التهرب من الخدمة العسكرية وبين رفضها لاسباب ضميرية، وينظم بين الحين والحين أمسيات تضامنية داعمة لحركة رفض الجندية في اجواء تقابل بالاستبعاد الاعلامي وسلبية اكثرية الشارع.
يتشارك في هذه الامسيات شعراء وفنانون يهود ومن عرب 1948. معا ضد الاحتلال ومن اجل السلام. يبدو المشهد عرضيا لكنه ليس عديم الأثر في مرحلة تتنامى فيها الأحقاد.

تظاهرة الخميس من رافضي الخدمة في الضفة في 19 تموز الماضي (رويترز
جريدة السفير


https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن