النيولبرالية المتوحشة3 : وضع الطبقة العاملة المحلية

عذري مازغ
odrimazigh@yahoo.es

2010 / 8 / 1

يبدأ الموسم الزراعي في المشاتل البلاستيكية عادة بإيلخيدو في شهر سبتمر ويدوم حتى شهر يوليوز (في المشاتل الأكثر عصرية يدوم السنة كلها)، تنقسم دورة الإنتاج من موسمين إلى ثلاث مواسم خلال السنة، حسب نوع المنتوج المستعمل، فثمة من المزروعات من يستغرق أربعة شهور كزراعة البتيخ ومشتقاته ومنها من يستغرق ستة شهور كالطماطم والفلفل بمشتقاته المتنوعة أيضا، وقد تمتد فترة الإنتاج أكثر من ذلك اعتمادا على تقنيات عصرية خاصة جديدة تستهدف إطالة عمر هذه التباتات، تلعب في هذه العملية المؤسسات البنكية وشركات التوزيع دورا منعشا كما أشرت سابقا إلا أن هذا الإنتعاش الظاهر من خلال الإحصائيات الإقتصادية ومن خلال حركية التصدير وأرقام الأطنان التي تتداول بالمنطقة، ومن خلال ارتباط هذه المنتوجات بالأسواق العالمية، أقصد ضمان تسويقها، لا تنعكس مظاهره على المنتجين أنفسهم سواء العمال منهم أو الملاكون، فأجور العمال بمنطقة ألميريا هي ألأدنى منها في الأقاليم الإسبانية كلها، علاوة على ذلك فإذا كان الحد الأدنى للأجور المصرح بها رسميا هو 43 يورو لليوم العملي (ثماني ساعات) فالأجور الحقيقية المؤداة للعمال تتراوح بين 28 يورو و 35 يورو، أي أن أكثر من 80 في المئة من أرباب العمل لايطبقون الحد الأدنى للأجور برغم هزالته من حيث هي متضمنة لأجرة العطلة ينضاف إلى ذلك عدم احترام يوم العمل (الساعات الإضافية غير المؤدى عنها) خصوصا إذا أخذنا بنظام قضائي مهتريء يعتمد مبدأ الحق مع الباطرون إلا أن يثبت العامل العكس، وهذا يقودنا إلى الحديث عن وضعية الطبقة العاملة المشتتة تشتيتا يستحيل تنظيم صفوفها لأجل الدفاع عن حقوقها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية.
يعتمد سوق التشغيل في هذه المنطقة، في جزء كبير منه على اليد العاملة المهاجرة، أكثر من 100 الف عامل يشكل المهاجرون منهم مايفوق 60 في المئة يعمل أغلبهم في المشاتل بينما أغلب العمال الإسبان يتوزعون على قطاعات أخرى مهيكلة تابعة لنفس القطاع الزراعي،الشيء الذي يفرز تقسيما نوعيا للعمال: المهاجرون في المشاتل والمحليون في الشركات المهيكلة، شركات انتاج البذور المستهجنة، العاملات الإسبانيات في شركات تعليب وتصفيف المنتوجات ، وعموما هؤلاء العمال والعاملات التابعين لهذه القطاعات المهيكلة هم الأكثر تنظيما على الرغم من تحفظنا الكبير على هذا القول انطلاقا من دور النقابات الكلاسيكية في تشتيت وحدة الصف العمالية، إنما قلت ذلك من حيث حقوق الشغل واحترام الحد الأدنى للأجور في هذه القطاعات مع وجود تمثيلية لهؤلاء العمال في المجالس المحلية يسمح لها بالتفاوض حول الأجور وحول مدونة الشغل، بينما في المشاتل حيث العمال المهاجرين، فعلاوة على أنهم مهاجرون فإن نسبة كبيرة منهم هم عمال لايتوفرون على أوراق الإقامة والتشغيل وهو مايبعدهم بالمرة من التفكير في التنظيم النقابي أو التفكير في أشكال الإحتجاج العمالي، ينضاف إلى هذا التقسيم القانوني (شرعية الإقامة ورخصة الشغل) عامل آخر يحول دون لم لحمة العمال هو عامل تعدد الجنسيات (أشرتت سابقا إلى وجود أكثر من 113 جنسية من مختلف الدول) وهذا يحيل أيضا إلى صعوبة التواصل بين العمال من حيث غياب لغة تواصلية، إذ أن أغلب المهاجرين لم يتعلموا من الإسبانية إلا ما يفيدهم في العمل وما يفيدهم في أغراضهم اليومية، بل أستطيع القول وهو ما استخلصته في دراسة سابقة باللغة الفرنسية حول عمال المشاتل، انه يوجد من الظروف التي تنزع إلى التشتيت بين العمال أكثر منها مما يجمع بينهم وهي عوامل راجعة إلى ظروف موضوعية خاصة بكل عامل أو بكل فئة دون الحديث عن دور الإعلام المحلي في زرع هذه النزعات العنصرية وما إلى ذلك.
إن العامل الذي يتوفر على أوراق رسمية، إذا استقر بالمنطقة يسعى دائما إلى جمع شمله مع عائلته، وهو في العمل يكد لإرضاء الباطرون كي يساعده في توفير ظروف التجمع العائلي، فسياسة الهجرة المحلية تشترط مثلا في تجميع أسرة من ثلاثة أفراد التوفر على دخل يصل إلى 1250 يورو في الشهر لمدة ستة أشهر، أي بمعدل 320 يورو للفرد مضاف إليها مصاريف السكن، وإذا عدنا إلى الحد الأدنى للأجور الذي هو 43 يورو ،وإذا اعتمدنا عدد أيام العمل في الشهر 25 يوم، فالأجرة الشهرية هي 1075 يورو وهو مبلغ كما ترون لايفي الحد المشترط في تجميع هذه الأسرة، وإذا عدنا أيضا إلى قولنا السابق بأن الأجور الحقيقية المؤداة هي مادون 35 يورو سنعرف حجم الضغط الذي يحمله العامل لكي يرضي مشغله ولو لأجل تسهيل عملية التجمع هذه ولو بتوفيرها ورقيا دون حقيقتها العملية هذا دون أن نتكلم عما إذا ستنجح هذه العملية أم لا وهذا موضوع آخر. العمال بدون وضعية شرعية يشكلون في الحقيقة الطابور الإحتياطي لسوق الشغل بالمنطقة، ويعتمدهم المشغلون كثير تملصا من ضريبة الإنخراط في الضمان الإجتماعي المتضمنة في تعاقدات الشغل التي تخص العمال الشرعيين حيث تؤدى نسب معينة عن كل عامل رسمي في هذا الصندوق إضافة إلى نسبة أخرى في التأمين،فمثلا مشتل يعتمد 10 عمال سيعمد المشغل فيه لاعتماد أربعة عمال رسميين والباقي من الإحتياط، وضعية هذا الإحتياط الإجتماعية والقانونية لاتسمح له بمناقشة الأجور ولا أي شيء آخر فالعامل منه محظوظ إذا توفر له الشغل وعليه كي يحافظ على عمله مضاعفة المردودية بشكل يثير حنق العمال الآخرين كما أنه مجبر على ذلك إلى أن يسوي وضعيته القانونية ليبدأ شق التجميع العائلي كما العامل الآخر أو يهرب من جحيم المشاتل بحثا عن شغل آخر في منطقة أخرى.
أما عامل تعدد الأجناس فهو من العوامل المعقدة، والتي يستغلها المشغلون لضمان تنافسية كبيرة في الشغل، ويتم التحكم فيها من خلال تشغيل عدة معطيات، منها العامل الديني، العرقي، اللون، الشمال، الجنوب، التكوين المهني وحتي موضوع الحرارة وظف في هذا الإطار( العامل الإفريقي أكثر تحملا للحرارة من العامل الأوروبي، الأوربي أكثر مهنية من الإفريقي....)، إعطاء أولوية في التشغيل لهذا الجنس على حساب الجنس الآخر، إعطاء مسؤولية مراقبة العمال لهذا على حساب ذلك وما يتبع ذلك من خلق ظروف الزبونية وأفضلية هذا على ذاك بالشكل الذي يشرعن كما جاء في أحد الروبورتاجات لإحدى القنوات الأوربية التي عنونته كالتالي: “إيليخيدو: قانون الإستغلال”.
ينضاف إلى هذه العوامل عامل انعدام الإستقرار لهذه الطبقة من العمال المهاجرين، فبمجرد مايسوي المرء وضعيته القانونية حتى يذهب هروبا من جحيم المشاتل بحثا عن فرصة شغل في مناطق أخرى تحترم الأجور وقانون الشغل وتسمح ظروفها الإجتماعية بالإندماج الحقيقي وهي رحلة أخرى من مشاكل أخرى لايسمح الموضوع بتناولها هنا.
ـ كما ينضاف طبعا إلى هذه العوامل عامل آخر يتعلق بعقد التشغيل التي لها علاقة مباشرة بقانون الإستغلال المشار إليها أعلاه كما هي أيضا لها علاقة بمشكلية الإستقرار بل هي ترتبط بشكل أو بآخر بجميع العوامل السابقة،حيث يتم التعاقد بين المشغل والعامل في أغلب المناسبات لمدة موسم واحد، وعلى أن لايتعدى ثلاثة مواسم على أقل تقدير وإلا دخل العامل مرحلة الترسيم الموسمي (الحقيقة لم أجد المقابل العربي لهذا الترسيم) ومفاده أن العامل قد ضمن نفسه كعامل رسمي بسبب ذلك التقادم القانوني (قلت ثلاثة مواسم) ويحق له العمل كلما بدأ مشغله موسما فلاحيا، ومعناه أيضا أن المشغل إذا عمد على العملية الإنتاجية موسما واحدا فقط في السنة على العامل أن يعمل ذلك الموسم ليخضع بعده لمنحة المعاشات أو التعويض عن البطالة في انتظار الموسم القادم، وإذا افترضنا أن العامل تعاقد مع شركة أخرى في انتظار موسم مشغله الأول، فقد بموجب التعاقد مع شركة أخرى ترسيمه مع الشركة الأولى، وعليه ولكي لايفقد أقدميته مع المشغل الأول، عليه أن يلتزم بوضعه في حالة البطالة إلى أن يبدأ مشغله العمل من جديد، وعلى أية حال وبالرغم من هشاشته هذه فإن أغلب المشغلين يتجنبون إتاحة مثل هذا النصاب الترسيمي الهش والإكتفاء بالتعاقد لموسم أو موسمين(1) وهو العامل الحاسم في عدم الإستقرار الداخلي، أقصد نفس الشركة، مما يجعل العمال في بحث دائم عن الشغل مع هذه الشركة أو تلك
يتبع
(1) يلجأ أغلب المشغلين، في حالات كثيرة إلى تنبيه العامل إلى ذلك بالقول:” إذا أردت أن تحظى بفرصة شغل معي لموسم آخر، عليك كسر علاقة الأقدمية معي بالعمل في شركة أخرى ثم العودة للعمل عندنا مجددا



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن