العلاقة الجدلية بين البناء التحتي والفوقي للمجتمع (1)

خليل اندراوس
aljabha.org@gmail.com

2010 / 7 / 31

*من وجهة نظر الفلسفة الماركسية وفلسفتها المادية للتاريخ لكل مجتمع بناؤه التحتي الخاص- وهو مجموع العلاقات المادية، مجموع علاقات الإنتاج. ونعني بعلاقات الإنتاج في مجموعها أشكال الملكية، وما ينجم عنها من علاقات بين الناس في عملية الإنتاج، وأشكال توزيع وسائل المعيشة*
المادية التاريخية، توضح وتبرز وتؤكد بأن القوة الرئيسية الحاسمة للتطور الاجتماعي، والانتقال من تشكيلة اجتماعية اقتصادية الى أخرى، هي أسلوب إنتاج الخيرات المادية، العلاقات المادية، علاقات الإنتاج، بوصفها العلاقات الأساسية والحاسمة. وهذه العلاقات أي علاقات الإنتاج، العلاقات المادية بمجموعها تشكل علاقات البنية الاقتصادية للمجتمع، أي بناءه التحتي. فالنظرية المادية التاريخية الجدلية تؤكد وأثبتت بأن حياة المجتمع المادية هي واقع موضوعي موجود وأن حياة المجتمع الروحي هي انعكاس لواقع المجتمع المادي الموضوعي، والعلاقة بينهما جدلية ديالكتيكية.
هناك الكثير من النظريات المثالية والتي تحاول تفسير حياة المجتمع الروحية فهناك بعض المثاليين، يطرحون أفكار مثالية تقول مثلاً بأن السلم لا يمكن تحقيقه إلا بواسطة "تهدئة العقول" وإذا أردنا القضاء على الحروب علينا أن نقضي عليها في عقول الناس، لأن حسب رأي هؤلاء المثاليين سبب الحروب ذاتي، أو كما يقول المحللون النفسيون المثاليون بأن هناك "غريزة للاعتداء" تكمن في وعي كل إنسان أو ما يسمى "بالكراهية الموروثة".
مثل هذه النظرية عن أسباب الحروب هي نظرية مثالية، ولكن الفلسفة المادية التاريخية الماركسية تقول أن سبب الحروب يكمن في واقع المجتمعات الموضوعي. فأصل الحروب في عصر الاستعمار والعصر الإمبريالي المعاصر، الأزمات الاقتصادية التي تؤدي الى البحث عن أسواق جديدة بواسطة القوة والهيمنة وأكبر مثال على ذلك احتلال العراق خدمة لمصالح رأس المال المالي والعسكري والنفطي من أجل استمرار السيطرة المباشرة على مصادر النفط الأساسية في العراق والكويت والتي تشكل لوحدها أكثر من 25% من مصادر النفط العالمي ومصادر نفط الشرق الأوسط تشكل 60% من الاحتياط العالمي. وهذا القانون موضوعي (أي البحث عن أسواق جديدة بواسطة القوة والهيمنة) وهو قانون الفائدة القصوى للطبقة السائدة، طبقة رأس المال يفسر لنا كل حروب العصر الحديث بما في ذلك الحرب العالمية الإمبريالية الأولى والثانية وحروب أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية.
أما فيما يتعلق بالأمور الذاتية "كفكرة الحرب" "والكراهية وغريزة الاعتداء" فهي تتولد عن التناقضات المادية التي توجد وضعاً موضوعياً للحرب والواقع الموضوعي هو الذي يفسر لنا ظهور الأمور الذاتية وليس العكس.
وبما أن حياة المجتمع الروحية هي انعكاس لحالته المادية، ففي المجتمع الرأسمالي، المكون من طبقة رأس المال والتي تزداد تركيزاً في الفترة الأخيرة حيث هناك بعض العائلات تسيطر على اقتصاد هذه الدولة أو تلك مثل أمريكا وإسرائيل، في حين تتعمق الفوارق الاجتماعية وتزداد نسبة الفقر، والبطالة، وتضرب بكل صلف الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية خدمة لمصالح رأس المال العسكري كما يحدث الآن في إسرائيل من خلال زيادة ميزانية جيش الدفاع لا بل العدوان الإسرائيلي بمليارات الدولارات على حساب ميزانية الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، فمن الطبيعي أن يكون هناك نضال فكري أيديولوجي سياسي بين ممثلي الطبقة العاملة وممثلي رأس المال، فنضال الأفكار هذا، جزء من حياة المجتمع الروحية، وهذا النضال، أي نضال الأفكار، انعكاس لحالة المجتمع الرأسمالي المادية.
يكفي أن أذكر هنا للقراء أحد ممثلي فكر وأيديولوجيات طبقة رأس المال والذي يبرر الحروب، ويصفها بمشاعر سامية وهو رئيس جامعة هارفرد سابقا المدعو ايزنهور والذي كتب في نشرة يرأسها هذه الكلمات:
"تزود الحرب الإنسان بشعور سام يحس به المرء حينما يشارك في مجهود مشترك وهو شعور يتعارض تعارضاً مطلقاً مع شعور الخوف الذليل والطموح البائس للتمتع ببعض الطمأنينة الاجتماعية".
فليتصور القارئ بأن هذا الإنسان أي ايزنهورد الممثل البائس لطبقة رأس المال، يصف بحث الإنسان عن الاطمئنان الاجتماعي، ولا أتحدث عن سعادة الإنسان يسمى طموح بائس فقط لكي يبرر حروب طبقة رأس المال خدمة لمصالحها الرأسمالية القصوى.
فمن الواضح بأن عقلية البرجوازية الرأسمالية الكبرى العالمية وعلى رأسها ممثلي الإمبريالية الأمريكية هي عقلية عصابة قطعت كل علاقة لها بالجنس البشري، وإلا لما كانت تستعمل السلاح الذري في هيروشيما ونيغازكي، ولم تهدد لاحقاً خلال أزمة كوبا باستعمال السلاح الذري، مما دفع خروتشوف لطرح حل للأزمة من أجل الحفاظ على السلام العالمي وتجنيب الإنسانية مجابهة عسكرية وحرب نووية، ولكن حتى الآن عقلية عصابة رأس المال الأمريكي الإسرائيلي تهدد الإنسانية بقيامها بحروب في شتى بقاع العالم وتهديد إيران بتوجيه ضربة عسكرية قد يستخدم خلالها سلاح دمار شامل بما في ذلك سلاح نووي لهو إثبات على أن القوة المحركة لسياسات أمريكا وربيبتها إسرائيل، هي مصالح الهيمنة والسيطرة الإمبريالية الاستعمارية خدمة لرأس المال العسكري والنفطي والمالي العالمي.
ففلسفة الطبقة البرجوازية الرأسمالية بكل أشكالها تبرر سياسات البطش والحروب، وإلا لما كان أوباما حسين يستعمل كلمة "حرب" مرات متكررة في كلمته عندما تسلم جائزة نوبل "للسلام".
بينما الفكر والفلسفة الماركسية فلسفة الطبقة العاملة الثورية التي تناضل من أجل إقامة علاقات حية جدلية بين ماضي المجتمعات الإنسانية ومستقبلها، بين الماضي لأنها تحتضن كل العوامل والتطورات الإيجابية التي عملت على تقدم المجتمع الإنساني وبين المستقبل لأنها تضع هذا المستقبل في صلب نضالها الطبقي من أجل بناء مجتمع العدالة الاجتماعية مجتمع خالي من الطبقات وإلغاء التناقض الموضوعي الجدلي بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج من خلال إلغاء الملكية الخاصة على وسائل الإنتاج.



*أثر علاقات الانتاج*
من وجهة نظر الفلسفة الماركسية وفلسفتها المادية للتاريخ لكل مجتمع بناؤه التحتي الخاص- وهو مجموع العلاقات المادية، مجموع علاقات الإنتاج. ونعني بعلاقات الإنتاج في مجموعها أشكال الملكية، وما ينجم عنها من علاقات بين الناس في عملية الإنتاج، وأشكال توزيع وسائل المعيشة.
نوع البناء التحتي للمجتمع، كمجموع لعلاقات الإنتاج، يعتمد على حالة القوى المنتجة.
ولا يمكن أن تظهر أي تشكيلة اجتماعية اقتصادية جديدة للمجتمع إلا إذا ظهرت في بنائه التحتي وتطورت في أحشاء المجتمع القديم الظروف المادية اللازمة- القوى المنتجة الضرورية لميلاده. فتطور القوى المنتجة يخلق ويحدد علاقات الإنتاج.
ولكن القوى المنتجة لا تولد علاقات الإنتاج أياً كانت بل علاقات إنتاج معينة تتفق مع الطبيعة الداخلية ولهذه القوى المنتجة ومع طابعها.
فالتطور الصناعي الرأسمالي الذي نشأ في أحشاء النظام الإقطاعي أدى الى نشوء علاقات الإنتاج الرأسمالية بالذات وليس غيرها.
ولكن علينا أن نؤكد علاقات الإنتاج التي تظهر على أساس القوة المنتجة لا تظل سلبية، فهي أي علاقات الإنتاج، تؤثر بشكل فعال في القوى المنتجة معجلة أو مؤخرة لتطورها.
توافق علاقات الإنتاج مع طبيعة القوى المنتجة هو شرط لا غنى عنه لتطور المجتمع.
وهذا التوافق بين علاقات الإنتاج وطبيعة القوى المنتجة، ماثل بشكل أو بآخر في جميع التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية منذ المشاعية فالعبودية فالإقطاعية ومن ثم الرأسمالية.
ولكن هذا التوافق بين علاقات الإنتاج وطبيعة القوى المنتجة غير متوفر في هذه التشكيلات إلا في المرحلة البدائية من وجود أسلوب الإنتاج المعنى.
ولكن بما أن القوى المنتجة تتطور باستمرار، لا تستطيع علاقات الإنتاج أن تتوافق دائما مع القوى المنتجة، ولذلك بالتدريج تصبح علاقات الإنتاج متأخرة ومتخلفة عن تطور القوى المنتجة وهذا الأمر يؤدي الى ظهور تناقض بين القوى المنتجة الجديدة وعلاقات الإنتاج القديمة. لأن القوى المنتجة هي أكثر العناصر تحركا وتطورا في عملية الإنتاج.
فمثلاً خلال كل تاريخ وجود المجتمع الرأسمالي طرأت على القوى المنتجة تغييرات جذرية وعميقة، في حين أن علاقاتها الإنتاجية لا تزال قائمة على الملكية الخاصة الرأسمالية. فعلاقات الإنتاج يلازمها طابع محافظ لا يتطابق مع تطور القوى المنتجة، فلذا تتخلف عن هذه الأخيرة ومع الوقت تعيق تطورها وتدخل في تناقض جدلي موضوعي معها.

وهكذا تختمر ضرورة الثورة الاجتماعية التي تحطم علاقات الإنتاج القديمة وتستحدث علاقات إنتاج جديدة تتوافق مع القوة المنتجة المتطورة.
ففي المجتمع الطبقي التناحري، علاقة جدلية موضوعية بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج تصل الى درجة من التناقض بين الصفة الاجتماعية للقوى المنتجة والملكية الخاصة لعلاقات الإنتاج، ومن خلال قانون نفي النفي تحدث الثورة الاجتماعية وتلغى الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ليحل مكانها الملكية العامة المتوافقة مع الشكل الاجتماعي للقوى المنتجة.
عندما نتحدث على البناء التحتي للمجتمع أي العلاقات المادية، علاقات الإنتاج ونصفها بأنها مجموع علاقات البنية الاقتصادية للمجتمع، علينا أن نؤكد الخاصية الأهم لهذا البناء وهي أنه يشكل الأساس الواقعي الذي يقوم عليه البناء الفوقي للمجتمع أي آراء وأفكار المجتمع السياسية والفلسفية والسلوكية والجمالية والدينية، وكذلك العلاقات والمؤسسات والتنظيمات المطابقة لها. فحياة المجتمع الفكرية هي انعكاس لحياته المادية. فلذلك من الصواب أن نطلق عليها كلمة البناء الفوقي التحتي فالبناء الفوقي للمجتمع أي شكل أسلوب الإنتاج المادي يحدد ويقرر شكل ملامح المجتمع وأفكاره ومؤسساته.
ولكن علينا أن نؤكد بأنه في كل مرحلة من مراحل التاريخ، وفي جميع التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية التي عرفها التاريخ البشري، توجد جنباً الى جنب أفكار وفلسفة مختلفة ومتناقضة تعكس تناقضات المجتمع المادي الموضوعي. من هذه الأفكار ما يسعى الى الإبقاء على المجتمع في أوضاعه القديمة ومنها ما يسعى الى إحداث التغيير والتجديد، وحركة هذه الأفكار المتعارضة هي انعكاس لنضال الطبقات في المجتمعات الطبقية.
الفلسفة المثالية وخاصةً فلسفة هيغل المثالية، مع أنها تحمل طابعا جدليا ولكن مثاليا تقول بأن الفكرة هي التي تولد الحركة التاريخية.ولكن كما قال ماركس بأن هيغل وضع الهرم على رأسه فأتت الماركسية ووضعته على قاعدته.
فخلال كل العصور، وتاريخ المجتمعات الطبقية تواجد النزاع الفكري والفلسفي والأيديولوجي ودائماً حاولت الطبقة المسيطرة القضاء على الأفكار المعارضة، وتم تهميشها من قبل التاريخ الرسمي للمجتمع الطبقي فاضطهاد الأفكار الجديدة ونزاع الطبقة المسيطرة الفكري المنظم من ميزات المجتمع الطبقي حيث توجد طبقة مستغلة وطبقة مستغلة.
وفي المجتمع الرأسمالي، يتم تهميش وإلغاء الفكر الآخر وخاصةً الفكر والفلسفة الماركسية، والتي تمثل مصالح الطبقة العاملة وكل المجتمع الإنساني، من خلال الإدعاء بحرية الرأي ضمن نطاق الفلسفة الفكرية البرجوازية، بكل أشكالها وخاصةً الحديث منها مثل فلسفة "نهاية التاريخ" "وصراع الحضارات"، "والنظريات المالتوسية الجديدة"، وفلسفة عولمة رأس المال" وغيرها .
فالأزمة العامة للرأسمالية هي وليدة التناقضات الداخلية التناحرية الرأسمالية، والتي تبلغ أقصى درجة من التفاقم في المرحلة الاحتكارية من تطورها والتي تتميز بتركيز رأس المال، الذي يعمق التناقض الأساسي للرأسمالية، ألا وهو التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج وشكل التملك الرأسمالي الخاص لوسائل الإنتاج ونتائج العمل.
وهذه التناقضات تتفاقم الى الحد الأقصى بين العمل والرأسمال بين المتروبولات والمستعمرات وبين الدول الإمبريالية نفسها وهذا التطور يدفع بالعالم الرأسمالي ويؤدي الى هزات وأزمات اقتصادية اجتماعية متجددة أبدا ودائما، وتتعمق أكثر فأكثر، فكما قال ماركس منذ أكثر من مائة سنة، حيث قال "أسلوب الإنتاج الرأسمالي قد حكم عليه التاريخ بالزوال"
كتب إنجلز في كتابه حالة الطبقة العاملة في إنجلترا:" إن المزاحمة هي التعبير الأكمل عن الحرب القائمة في المجتمع المدني المعاصر، حرب الجميع ضد الجميع". فحرية المزاحمة التي تقضي وتخرب البعض وتغني البعض الآخر، تقضي الى تمركز الانتاج أي الى حصر الإنتاج في مؤسسات أكبر تستخدم المئات والآلاف لا بل ومئات الآلاف من العمال. وتمركز الإنتاج يفضي في مرحلة معينة من تطوره، كما يحدث في عالمنا المعاصر الى الاحتكار. ويبلغ ذروته في أعلى مراحل الرأسمالية أي الإمبريالية المعاصرة.
تقول الماركسية بأن تطور وسائل الإنتاج وتكديس الناس للخبرة الإنتاجية يساعدان في نمو معارف الناس العلمية عن الطبيعة، ولكننا نقع في السخف واللا معقول إذا حاولنا استخلاص الأفكار والأيديولوجية والفلسفة والنظريات الاجتماعية من تطور القوى المنتجة مباشرة. كما قلنا سابقاً النظام الاقتصادي هو نوع من قاعدة يقوم عليها بناء فوقي من مختلف الأفكار والنظريات الاجتماعية والعلاقات الأيديولوجية المتنوعة والمؤسسات السياسية والحقوقية والثقافية والدينية. ولكن الحياة الاجتماعية أي البناء الفوقي الأيديولوجي للمجتمع لا يمكن إرجاعها المباشر الى الاقتصاد وإنما هي ترابط معقد جدلي من العلاقات الاقتصادية والسياسية والأخلاقية والحقوقية وغيرها من العلاقات بين الناس. وهنا علينا أن نؤكد بأن للأفكار والنظريات والآراء الاجتماعية دوراً عظيماً في التاريخ. فهي إذ تعكس النظام الاقتصادي، توجه نشاط الناس وتؤثر من خلاله على تطور المجتمع وعلى الاقتصاد من جملته. قال ماركس "إن الأفكار تصبح قوة مادية عندما تستحوذ على الجماهير" فالأفكار الرجعية تعيق التطور الاجتماعي.
بينما الأفكار الطليعية تعجل التطور الاجتماعي.
ولذلك نقول بأن البناء الفوقي للمجتمع ليس مجرد مرأة ينعكس عليها النظام الاقتصادي بشكل سلبي وإنما يؤثر تأثيراً فاعلاً جدليا في الاقتصاد، ويتشابك عضويا في السير العام لتطور المجتمع.
فكما قال لينين" إن جدلية الأشياء هي التي تولد جدلية الأفكار وليس العكس" وكل من حاول إرجاع الحوادث التاريخية الى الاقتصاد وحده كان حتما يستعيض عن غنى الحياة الاجتماعية وتنوع ألوانها وعن هؤلاء، بما في ذلك صهر ماركس قال ماركس:" إذا كان هؤلاء ماركسيون فأنا لست ماركسيا".
فتطور المجتمع الإنساني هو تأثير جدلي متبادل بين الاقتصاد أي البناء التحتي للمجتمع وبين السياسة والأيديولوجية وجميع جوانب الحياة الاجتماعية الأخرى- أي البناء الفوقي للمجتمع.
فالبناء الفوقي للمجتمع هو وليد البناء التحتي، ويرتبط به ارتباطاً جدلياً لا انفصام لعراه.
لنأخذ على سبيل المثال البناء التحتي للمجتمع البدائي. ففي ذلك المجتمع بسبب عدم وجود ملكية خاصة وطبقات، وبالتالي لم تكن هناك تناقضات طبقية، البناء الفوقي للمجتمع البدائي لم يحتوي فكرة الدولة، والأفكار السياسية والحقوقية والمؤسسات المناسبة لها. ومع ظهور الملكية الخاصة والطبقات أي المجتمع التحتي للمجتمع العبودي، ظهر بناء فوقي من نوع مختلف فنشأت أفكار تعلل تملك العبيد للعبيد، وهكذا ظهرت مؤسسات بما في ذلك الدولة التي تحمي هذا الحكم وتحمي الملكية الخاصة.
وهنا علينا أن نؤكد بأن البناء التحتي للمجتمع المتناحر طبقيا هو بناء متناقض لأنه يعبر عن تباين علاقات الناس بوسائل الإنتاج، ويعكس تضاد المصالح الطبقية، والتناحر بين المظلومين والظالمين.
فالبناء التحتي الاقتصادي للرأسمالية يتميز بالدرجة الأولى بالتناحر بين البرجوازية والبروليتاريا. ولكن علينا أن لا نحصر البنية الاقتصادية للمجتمع البرجوازي فقط في العلاقة بين هاتين الطبقتين الأساسيتين المتناحرتين. ففي المجتمع الرأسمالي بالإضافة الى البرجوازية والبروليتاريا توجد طبقات وفئات اجتماعية أخرى. الفلاحون والحرفيون والبرجوازية الصغيرة متناقضة أيضاً مع البرجوازية الاحتكارية.
وبما أن البناء الفوقي في المجتمع الطبقي التناحري، انعكاس للبناء التحتي وتناقضاته. لذلك فهو الآخر أي البناء الفوقي للمجتمع الطبقي، متناقض، ويشمل على أفكار ومؤسسات مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية المكونة للمجتمع الطبقي. ولكن الأفكار والمؤسسات الخاصة بالطبقة المسيطرة اقتصاديا هي السائدة فيه. كتب ماركس وإنجلز:" إن الطبقة التي تمثل القوة المادية السائدة في المجتمع، هي في نفس الوقت قوته الروحية السائدة". (ماركس إنجلز المؤلفات المجلد 3 صفحة 45).
ففي ظل الرأسمالية تسيطر البرجوازية اقتصاديا، ولذا فإن الأفكار والمؤسسات البرجوازية هي السائدة في المجتمع وتستخدمها البرجوازية في مكافحة الطبقة العاملة، من أجل تخليد سيطرتها.
ولكن الى جانب ذلك في المجتمع الرأسمالي الطبقة العاملة تصيغ أفكارها وتقيم مؤسساتها من أحزاب سياسية ونقابات وجمعيات تعاونية من أجل محاربة البرجوازية ولذلك على الطبقة العاملة أن تتسلح بالفلسفة الماركسية وتخلق قيمها الأخلاقية الخاصة وأفكارها السياسية والحقوقية والجمالية. إن الدور الحاسم للبناء التحتي تجاه البناء الفوقي للمجتمع لا يتجسد فقط في حقيقة أن البناء الفوقي هو وليد البناء التحتي للمجتمع، بل أيضاً في أن التغييرات الهامة في النظام الاقتصادي تفضي بشكل موضوعي الى تغييرات في البناء الفوقي. فمثلاً انتقال الرأسمالية ما قبل الاحتكارية الى الإمبريالية وميزتها الأساسية الاحتكارية، طرأ تغير هام في الاقتصاد الرأسمالي، فالمزاحمة الحرة أخلت مكانها للاحتكار. وهذا ما يحدث في أمريكا وفي إسرائيل وفي كل الدول الإمبريالية.

(يتبع)



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن