نصر حامد ابو زيد فيلسوف في زمن العهر العربي

سامية نوري كربيت
samia1946@hotmail.com

2010 / 7 / 11


لست من محبي كتابة السير لأي كان ولم اكتب يوما ما عن مفكر أو زعيم أو باحث أو شخصية مشهورة فانا لا أجيد السرد لحياة أو لأعمال أو انجازات من خدم المجتمع أو ترك فيه أثرا كبيرا , فهذا الجانب له من تخصص فيه وكتب فيه ولكن صورة الدكتور نصر حامد أبو زيد بقيت تلازمني منذ أن سمعت بوفاته رحمه الله , ولم استطع الهرب من الصوت الذي كان يهمس في أذني بضرورة كتابة ما اعرفه عنه أو عما رايته منه , فانا لم أقابله سوى مرة واحدة ولكنه ترك أثرا كبيرا في نفسي خاصة واني عندما قابلته كنت قد قرأت معظم كتبه , وبكتابتي هذه المقالة عنه لن أضيف شيئا كثيرا عن ما قيل عن هذا المفكر والفيلسوف الكبير , فهناك آلاف المقالات التي كتبت في مدح هذا الرجل العظيم لأنه علم من أعلام هذا الزمان الردئ الذي لم يعرف قدره ولم يعطيه حقه من التكريم , وإذا كان قد اضطهد وتعذب فيكفيه فخرا انه انضم إلى سجل الخالدين والذين لا تجود الحياة بمثلهم كثيرا , وأنا على يقين من انه بفكره الحر فتح الطريق للذين يستطيعون أن يتجردوا من تفاهات الحياة وينذروا أنفسهم لخدمة قضية من اخطر القضايا الفكرية والعقائدية , بهدف تنقية المجتمع من أفكار الذين يتاجرون بدماء الأبرياء ويدفعوهم إلى التهلكة بالفتاوى وإشاعة الخرافات والأساطير , ومن يعملون على إلغاء حقوق نصف المجتمع وهم النساء اللواتي فقدن حريتهن وكرامتهن وإنسانيتهن لأهداف شخصية ومصلحيه بحيث أصبح أصحاب الفتاوى التكفيرية طبقة تمسك بعقول ومصائر أفراد المجتمع واستطاعت أن تحولهم إلى قطيع بعد أن جردوا من أرادتهم الحرة .
المرة الوحيدة التي قابلته فيها كانت في يوم الثلاثين من كانون الثاني من هذه السنة 2010 عندما دعيت لحضور ندوة أقامتها جمعية النساء العربيات والهولنديات في لاهاي مع المفكر نصر حامد أبو زيد وكان محور المحاضرة هو ( المرأة المسلمة بين القران والشريعة ) , كان اغلب الحضور في القاعة من النساء الهولنديات وكان لكل واحدة منهن سؤال حول وضع المرأة المسلمة في العالم العربي , وبالطبع في ذهن كل واحدة منهن صور عن وضع المرأة في الشرق مما سمعنه من النساء العربيات المسلمات اللواتي انفكت عقدة ألسنتهن في الغرب , وأصبحت حالة المرأة العربية في فكر الغربية يستحق الشفقة , خاصة بعد أن ارتبطت تلك المعلومات التي سمعنها بمشاهد مرعبة على شاشات التلفزيون أو على صفحات مواقع الانترنيت من نحر الرقاب وجز الرؤوس مصحوبا بالتكبير والتهليل وبمتعة وحشية لا توجد إلا بين الوحوش آكلي لحوم البشر .
كانت محاضرته رائعة وسلسة طغى على القاعة خلالها جو من الهدوء كأنه استطاع بهدوئه أن يفرض على الجميع الإنصات له واستطاع بكل أخلاص ومنهجية أن ينزه الإسلام من أفعال هؤلاء القتلة وحتى عن مكانة المرأة في القران استطاع أن يجد تبريرات مقنعة عن الأسئلة التي وجهت له بخصوص كونها في القران غير متساوية في المكانة والحقوق مع الرجل , كان أنسانا بسيطا فرض شخصيته بعلمه وفكره المتميز وكانت له قابلية على الإقناع دون تسفيه رأى الآخر أو عنجهية متكبرة وبعيدا عن التعصب الأعمى , لم أجد في كلامه ما يشير من قريب أو بعيد عن عدم تمسكه بالإسلام بل على العكس وجدته معتزا بالقران ولكن كانت له بعض المآخذ على الأحاديث الغير موثقة والتي صبغت الإسلام بطابع العنف والإرهاب .
إن الذي شد انتباهي بالإضافة إلى هدوئه واتزانه وتمكنه من أطروحاته وأفكاره كانت نظرة الحزن العميقة في عينيه بحيث جعلتني اشعر وكأنه شجرة اقتلعت من جذورها عنوة وزرعت في تربة غريبة ومناخ غير ملائم , أو طفل انتزع من أحضان أمه وترك بين أيادي غريبة , نظرة إنسان يدرك جيدا انه ظلم عن غير وجه حق وان ما جرى له إجحاف بحقه واهانة لحقت بكبريائه من قبل أشخاص لا يستطيعون أن يصلوا إلى جزء من الألف من علمه وعمق تفكيره , لقد ترك عندي انطباع انه فيلسوف بحق وحقيق بكل تلك المؤهلات التي يمتلكها وحصيلته الثقافية وقدرته على التفاعل والإقناع انه من العباقرة الذين رفضهم عصرهم ولكنهم خلدوا في التاريخ , وسوف يكون مع قافلة الفلاسفة الذين همشوا أو حوربوا أو قتلوا من قبل جهلة الناس سواء في التاريخ القديم أو اليوناني أو الروماني أو العربي أو على يد محاكم التفتيش الكنسية في أوربا في العصور المظلمة ولكنهم سرعان ما اخذوا مواقعهم وأصبحوا نجوما تضئ سماء الفكر خالدون على مر العصور .
أما تجار الدين وسماسرة العقيدة ومصدري فتاوى القتل والتكفير والتحريم وقيادات الإسلام السياسي والذين يرفلون اليوم بالمغانم والزوجات وملكات اليمين والأموال والمناصب والذين حكموا على اشرف وأنبل الرجال وكانوا سببا في رحيله عن بلده الذي يعشقه , فهم على زوال إلى مزابل التاريخ التي حوت من أمثالهم الكثير في أزمنة العهر والقهر .




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن