حول الإسلام والسياسة .....وأشياء أخرى ......

محمد الحنفي
sihanafi@gmail.com

2004 / 8 / 11

في البداية لابد من الإشارة إلى أننا نعيش في حياتنا مفارقات عظمى . وتناقضات كبرى بين ما نتفوه به وما نمارسه . فما نتفوه به يغرق في المثاليات . وما نمارسه يغرقنا في الماديات ، ولعلي لا أجانب الصواب إذا استحضرنا قول الله تعالى " فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " لأن مضمون هذه الآية الكريمة ينطبق على حالنا عندما ندعي قولا لا يمكن ترجمته على أرض الواقع.
فالواقع يدخل مع ما ننظر له في جدل حتى يحصل التحول في اتجاه التطور إذا ما ننظر له قابلا للترجمة على أرض الواقع .
وما يحصل هو اننا ننظر لأشياء غير قابلة للترجمة جزئيا أو كليا في الحياة العلمية فتحول بذلك النظرية إلى قالب جاهز نحاول أن ندخل فيه الواقع بمختلف تجلياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية . وهو أمر يجرنا باستمرار إلى الوراء ، ويوقعنا في مهوى التخلف .
وفي هذا الإطار تدخل المقولة التي يتداولها الكثير من الذين يدعون حماية الاسلام كدين لا حماية المسلم كإنسان من التحريف بل لفرض أدلجة الاسلام على الواقع . وهذه المقولة هي " الاسلام صالح لكل زمان ومكان " وهي مقولة صحيحة إذا ما أخذنا بتعاطيها جدليا مع الواقع الذي لا يتوقف عن التحول والتطور . فالإسلام كقيم وكأخلاق يرتبط بحياة الناس العملية مادامت القيم والأخلاق ممارسة تهدف إلى حفظ كرامة الإنسان " ولقد كرمنا بني آدم " وهي غاية كل ممارسة متقدمة ومتطورة ، وساعية إلى حفظ النوع البشري وضمان استمراره باعتباره حاملا لمسوؤلية المحافظة على الحياة على وجه الأرض . فالإسلام كقيم وكأخلاق ليس نظرية جامدة وهو في نفس الوقت ليس قوالب جاهزة . إنه التعاطي المستمر مع الإبداعات البشرية مادامت تلك الإبداعات لا تخدش كرامة الإنسان . ومادام الإنسان يحرص على أن تكون إبداعاته في حفظ كرامته .
أما عندما تتحول المقولة إلى قول جاهز وقالب جامد يسئ دعاة المحافظة على الإسلام إلى إخضاع الواقع له ، فإن ذلك يطرح علينا الكثير من الأسئلة التي نذكر منها :
ما هو الإسلام الذي يصلح لكل زمان ومكان ؟
هل هو إسلام الدول ؟ أم إسلام الشعوب ؟
هل هو الإسلام المؤدلج ؟ أم الاسلام الخالي من الإيديولوجية ؟
هل هو إسلام التيارات الإسلامية المتعددة والمتباينة ؟ أم إسلام من يمول تلك التيارات بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ؟
هل هو إسلام الشكل ؟ أم إسلام الجوهر ؟
هل هو الإسلام السني ؟ أم الاسلام الشيعي ؟
هل هو الإسلام الأفغاني ؟أم الإسلام الإيراني ؟أم الإسلام السوداني ؟.........
ونحن بهذه الأسئلة نصل إلى حقيقة واحدة فرضت نفسها منذ مقتل علي بن أبي طالب إلى اليوم . ولماذا لا نقول منذ موت محمد "ص" ؟ وهذه الحقيقة هي أن فهم الإسلام والتعاطي معه يتحكم فيه الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي . وعلى هذا الأساس نجد أن إسلام السيد ليس إسلام العبد ، وإسلام الإقطاعي ليس هو إسلام القن و إسلام البورجوازي ليس إسلام العامل . و إسلام الموسر ليس هو إسلام المعسر . و إسلام المتعلم ليس هو إسلام الجاهل .
هذا التعدد في التعاطي مع الدين بصفة عامة ومع الدين الإسلامي بصفة خاصة ، سيقودنا مباشرة إلى القول بضرورة حيادية الإسلام وبعده عن السياسة وان يتم التعامل معه من منطلق انه وسيلة لتغذية الروح بقيم الفضيلة التي تدفع المتشبع بها إلى تجنب الممارسات المتناقضة مع إنسانية الإنسان .
أما عندما تنتفي الحيادية ، فإن القناعة الأيديولوجية بفهم معين للإسلام ستحوله إلى قالب يجعل حامليه يلجأون إلى كافة الوسائل الممكنة لإدخال الناس فيه ، وإرغامهم على اعتناق تلك القناعة الأيديولوجية التي يسمونها إسلاما ، وهو ما حصل في الكثير من المحطات التاريخية ، وهو ما يحصل الآن في العديد من المواقع على وجه الأرض ، وهذه الظاهرة / القولبة ستكون مرشحة للتفاحش مادامت تقطع الطريق أمام الفهم السليم للإسلام البعيد عن الأدلجة وأمام الحركات التحررية التي تملك فهما صحيحا للصراع الطبقي الذي تحول عند مؤد لجي الإسلام إلى صراع بين الديانات أو بين الإيمان و الإلحاد .
فالصراع الطبقي لابد أن يتمظهر في عدة مستويات :
1) أيديولوجيا : لابد أن يحصل صراع بين الإيديولوجيات المتناقضة كالصراع بين أيديولوجية البورجوازية وأيديولوجية الكادحين الهادف إلى سيادة أيديولوجية معينة تمكن من ربط الجماهير بها ، وقيادتها إلى مستويات أخرى من الصراع .
2) اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا لابد أن يسعى البوجوزيون وحلفاؤهم إلى المحافظة على مصالحهم في ظل النظام الطبقي القائم ، بينما يسعى الكادحون باستمرار إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في أفق القضاء على كل أشكال الاستغلال .
3) وسياسيا نجد تناقض المواقف مما يجري في العالم . فكل طرف يتخذ موقفا سياسيا انطلاقا من موقعه الطبقي ، وسعيا إلى جعل ذلك الموقف سائدا موظفا في سبيل ذلك كل الآليات المتوفرة . وهكذا نجد أن المواقف السياسية لأحزاب بقايا الإقطاع المتخلف ، تختلف عن المواقف السياسية للأحزاب البورجوازية التي تتناقض بدورها مع مواقف الأحزاب البورجوازية الصغرى أو أحزاب الكادحين وطليعتهم الطبقة العاملة وهذه الموقف المتباينة والمتضاربة تدخل في صراع مرير فيما بينها من أجل الوصول إلى السيادة .
وهذه المستويات جميعها تسعى إما إلى :
1) إذكاء شروط صراع تناحري مرير وطويل الأمد بين المستفيدين من الأوضاع القائمة ،وبين المتضررين من تلك الأوضاع .
2) أو الحيلولة دون إذكاء تلك الشروط عن طريق ممارسة أشكال التضليل والتضبيب اعتماد ا على تقديم الوعود الكاذبة واستغلال النص الديني وأشياء أخرى .
ومن المفارقات التي برزت منذ العصر الإسلامي الأول إلى يومنا هذا ، كما حصل عند أصحاب الديانات الأخرى تحويل النص الديني إلى أداة للسيطرة الطبقية ، بهدف استغلال الشعوب وتدجينها وتحويلها إلى قطيع من الأقنان عن طريق ممارسة الترغيب والترهيب ونقل العقل والوجدان إلى الاشتغال بأمور لا علاقة لها لا بحقيقة الدين المغذي للروح الإنسانية ولا بحقيقة الواقع .
والذين يلتمسون توظيف النص الديني لغرض تحقق السيطرة الطبقية أو تأبيدها ، ويتحولون إلى أنبياء جدد ، مع إننا نعلم أن آخر الانبياء هو محمد "ص" . ويعطون لانفسهم حق تأويل النص الديني بما يتناسب مع مصالحهم الطبقية ويسمون ذلك التأويل إسلاما . ويبحثون جاهدين عن كل نص ديني، وخاصة في كتب الحديث ، يصلح للتوظيف في أفق الإرهاب النفسي الذي يعتبر معبرا للإرهاب الجسدي باسم التفويض الإلهي . وهو ما لا علاقة له بالدين الإسلامي الحنيف الذي ينتفي في جميع نصوصه الموثوق بها كونه رهبانيا . فالأنبياء الجدد لا يتلقون الوحي من الله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كما هو الشأن بالنسبة لأنبياء الله الحقيقيين بل يعتقدون انهم يتلقون ذلك الوحي عن طريق الإلهام . فيفتون في أمور تحدث بالتحريم أو التحليل وينفرون الشعوب الإسلامية من الاستفادة من نتائج البحث العلمي . وهم الأكثر جهلا بذلك البحث وبنتائجه بدعوى تعارض تلك النتائج مع ما جاء به الدين الإسلامي الحنيف الذي لا يفقهون منه إلا ما يخدم مصالحهم الطبقية مع العلم أن الإسلام الحقيقي يدعو إلى استعمال العقل في مختلف مجالات الحياة ويحولون العقل الإسلامي إلى عقل مطلق مع أن كل النصوص المتواثرة تثبت نسبية ذلك العقل وما أسباب النزول إلا دليل على ذلك .
وإدعاء هؤلاء الأنبياء الجدد لإلهام الله لهم ما هو إلا وسيلة لمحاولة إحياء الاستبداد القديم بدعوى إحياء التراث الذي يسعى إلى إحياء ما يسمونه بنظام الحكم الإسلامي ، مع أن الإسلام ترك أمر الحكم للمسلمين بنص القرآن الكريم "وأمرهم شورى بينهم " ويسمون تلك العودة بتطبيق الشريعة الإسلامية التي لا يمكن اعتبارها إلا تكريسا للاستبداد الطبقي المتخلف الذي يتنافى جملة وتفصيلا مع كون الإسلام صالحا لكل زمان ومكان .كما يتنافى مع النص الإسلامي المنتقد للنموذج الجاهز "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " و" إنا وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مهتدون "
وهاتان الآيتان جاءتا في معرض نقد ما كان عليه أمر الناس في الجاهلية الذين كانوا يتمسكون بالقديم ويحاربون الجديد لأنه كان يتناقض مع مصالح الأسياد الطبقية على بساطتها في ذلك الوقت .
ونفس الشيء يذهب إليه هؤلاء المتنبئون الجدد الذين يسعون إلى إرجاع المجتمعات الإسلامية ولم لا البشرية ؟ إلى ما كان عليه نظام الحكم في العصور الإسلامية المتقدمة التي تقر معظم الأبحاث التاريخية أن ذلك الحكم كان قائما على حد السيف لا على الشورى كما ينص القرآن الكريم على ذلك وينسى هؤلاء أو يتناسون أن نظام الحكم هو من اختيار البشر الذين يعيشون في أمكنة مختلفة ، وفي أزمنة متباعدة تختلف شروطها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية باعتبارها محددا لما يجب أن يكون متناسبا مع الاختيارات الشعبية التي هي جوهر الإسلام و حقيقته.
ولتحقيق الهدف الذي يسعى إليه المتنبئون الجدد يتم الهجوم بكل الوسائل الإعلامية السمعية- البصرية والمقروءة على منابر التنوير ورموزه ، وعلى كل الإطارات التي تسعى إلى بث ذلك التنوير في المجتمع معتبرين ذلك التنوير تغريبا وإلحادا وكفرا ، في الوقت الذي لا يتورع فيه هؤلاء من الاستفادة من دعم الأنظمة الاستبدادية ، وتسخير وسائلها الإعلامية والاستفادة من التقنيات الحديثة التي ابتدعها الغرب بما في ذلك القنوات الفضائية وشبكة الانترنيت والهاتف النقال ، وكل الوسائل الحديثة التي لا يمكن أن تنتقل إلى مكان ما من العالم دون أن تنتقل معها الأفكار والمعلومات الحديثة و الإيديولوجيات .
فلماذا لا يمتنع المتنبئون الجدد عن الاستفادة من دعم الأنظمة الغريبة الاستبدادية ومن المنتجات التقنية المتطورة ويمسكون عن استعمال وسائل الاتصال الحديثة والمتطورة و وسائل النقل السريعة ؟ لماذا يقبلون استعمالها ويرفضون الأفكار المصاحبة لها ؟
إننا إذا أمعنا النظر في ممارسة المتنبئين الجدد سنجد أن قوله تعالى " يومنون ببعض ويكفرون ببعض " الذي وصف به ممارسة الجاهليين في ذلك الزمن الغابر يصدق على هؤلاء الذين يستغلون آخر ما أنتجه العلم الحديث ، ولكنهم لا يؤمنون بالعلم نفسه ، لان العلم يحرر العقول ، ويجعلها تسعى إلى التحرر من عبودية الاستبداد وتسعى إلى بناء نظامها السياسي انطلاقا من الشروط الموضوعية الجديدة التي أصبح يعرفها العالم هذه الشروط التي تقتضي قيام أنظمة ديموقراطية حقيقية تعكس اختيارات الشعوب ، وتحرص على تمتيعها بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية . ويتمتع في إطارها الأفراد بالحريات المختلفة في إطار دولة الحق والقانون وهو آخر ما وصل إليه الفكر البشري في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين .
ولذلك فالقبول بالمنتجات التقنولوجيا الحديثة ورفض الأفكار العلمية المصاحبة لها ، ما هو إلا رغبة في استمرار تجهيل الشعوب ،وتقبل الشعوب اعتبار الاستبداد نظاما إسلاميا .
والخلاصة أن المتنبئين الجدد ينتعشون في إطار الاختيارات الرأسمالية التبعية التي ساعدتهم على التغلغل في المجتمعات الرأسمالية التبعية التي ساعدتهم في المجتمعات الإسلامية المقهورة التي يعملون على قولبتها في إطار نمط معين من الحياة ومجموعة من المظاهر والطقوس يسمون إسلاما . وأنماط من السلوك والأفكار يسمونها تربية إسلامية . وكل ذلك لا يمكن اعتباره في الواقع إلا تربية سياسية حزبية من اجل إحكام القبضة على المسلمين باسم الإسلام واستغلالهم تحت طائلة تطبيق الشريعة الإسلامية . وهو ما لا يتناسب أبدا مع التطور الذي تنتقل إليه البشرية على مر العصور ذلك التطور الذي يقتضي التحول والعقلنة ، وفي الممارسة السياسية انطلاقا من طبيعة الممارسة الاقتصادية /الاجتماعية .
فرغبة المتنبئين الجدد لا علاقة لها بالإسلام كما لا علاقة لها بالتطور الذي انتقل إليه العصر على جميع المستويات . إنها امتداد لظلامية القرون الوسطى التي اصبح ينبذها منطق العقل العلمي الحديث كما نبذها منطق العقل الإسلامي القديم . لأنها هي نفسها عقلية المستفدين من توظيف النص الديني المتعلق بعبادة الأوثان الذي اقتضت الشروط الموضوعية في ذلك الوقت تقويضه .والفكر العلمي الحديث يتحمل مسؤولية تقويض عقلية الاستبداد التي يسعى إلى فرضها المتنبئون الجدد رغم سيوف الإرهاب التي يضعونها على رقاب المتنورين لان التاريخ لا يرجع إلى الوراء رغم كيد المتنبئين الجدد



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن