الذكرى الواحدة والعشرون لاستشهاد القائد الوطني عمر القاسم

احمد محمود القاسم
AHMAD_ALQASIM@YAHOO.COM

2010 / 6 / 1

ولد الشهيد القائد: عمر محمود محمد القاسم، في الثالث عشر من تشرين الثاني من العام 1941م، في مدينة القدس. وترجع أصول عائلة القاسم الى بلدة "حبله" الواقعة قضاء محافظة قلقيلية، حيث ما زالت عائلة القاسم تقيم فيها، والشهيد، من أسرة عدد أفرادها تسعة أفراد وهم (ستة من الذكور، وثلاثة من الإناث)، وكانت الأسرة، ما زالت تعيش في مدينة القدس، في حي الشيح جراح، حتى وفاة الشهيد، واستشهد القائد عمر القاسم، بعد اعتقال دام أكثر من واحد وعشرون، عاما في سجون الاحتلال الصهيوني.
يصادف يوم الرابع من حزيران من كل عام، ذكرى استشهاد القائد الوطني الفلسطيني عمر محمود القاسم، ويوم الرابع من حزيران هذا العام 2010م، تكون الذكرى الواحدة والعشرون لاستشهاده، هذه الذكرى العزيزة، على قلب كل مواطن فلسطيني حر، وعلى كل أبناء شعبنا المناضل في كل مكان، فأصدقاء الشهيد، ورفاقه في السجن، وخارجه، وفي كل بقعة من ارض الوطن، وفي الشتات، يعرفون من هو الشهيد عمر القاسم، وإذا كنت احيي ذكرى استشهاد أخي، فإنني في ذكراه، احيي ذكرى كل الشهداء الفلسطينيين الأبطال، الذين سقطوا على ثرى ارض فلسطين، وفي ساحات النضال المختلفة، خلال معركة النضال الطويلة والمريرة، ضد الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني والنازي، فرووا وطهروا بدمائهم الزكيه، ارض الوطن، فزادوها قدسية على قدسيتها.
استشهد القائد عمر القاسم بعد اعتقال طويل، قضاه في غياهب سجون الاحتلال، متنقلا من سجن إلى سجن، ومن زنزانة إلى زنزانة، بحيث لم يبق سجن واحد لم يزره، ولا سجين واحد لم يعرفه، أو لم يلتق به، فكل السجناء منذ عام 1968م، وهو تاريخ اعتقاله، وحتى يوم استشهاده، في الرابع من حزيران 1989م، عرفوه مناضلا صلبا، وقائدا فذا في سجون الاحتلال، مارس النضال، داخل وخارج السجن، بأروع صوره، فأطلق عليه زملاؤه بالمعتقل، شيخ الأسرى والمفكرين، لما كان يتمتع به من قوة وبأس، قوة بالفكر، ووقوة بالاراده، حيث اعتبره زملاؤه من ابرز المفكرين والمثقفين الفلسطينيين، داخل وخارج سجون الاعتقال، ويعتبر الشهيد القائد عمر القاسم، هو اول قائد وشهيد، يدخل السجون الاسرائيلية، بمستوى عضو لجنة مركزية.
يقول أخي الشهيد في أحد رسائله إلى أحد أصدقائه خارج السجن:
(لكل كائن حي، دورة حياة، وبعد أن تكتمل هذه الدورة، فان الحياة تلفظه جانبا، ويبقى كذلك، إلى أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وعن خصائص السجن يقول أخي في رسالة له:
(إن العزاء الوحيدة لنا في السجن، هو وجودنا على ارض الوطن، والتعرف على أبناء صهيون عن قرب، من خلال وجودنا معهم، وجها لوجه، أنتم ربما تقرؤون أو قرأتم عن الصهيونية، في الكتب والمجلات، ولكننا ونحن داخل السجون، نلمسها طيلة أربع وعشرين ساعة في اليوم).
لم يكن الشهيد القائد عمر القائد مناضلا عاديا، بل كان دوره مميزا منذ اعتقاله وحتى يوم استشهاده، فنضاله يمثل تاريخ ربع قرن من نضالات شعبنا الفلسطيني، وما كتبه عنه رفاقه وأصدقاؤه، وما سمعوه عن نضالاته، سواء كان شعرا أو نثرا، وفكرا، لشيء يقرب من الخيال.
رغم فاشية ونازية الحركة الصهيونية، وحكامها وقادتها الصهاينة، فقد ارتقى الشهيد بأخلاقه ومبادئه إلى القمة، حيث قال في أحد رسائله بتاريخ 31-7-1986م:
(لن نسمح للحقد، والممارسات الفاشية والعنصرية الصهيونية، أن تخلق في نفوسنا الرغبة في الرد عليهم بالمثل، والنظر للديانة اليهودية بشكل عنصري، فإننا سنحارب العدو، بما يخدم القيم الوطنية والإنسانية والسلام العالمي، رغم أننا نتألم للمآسي التي تسببها حربهم العدوانية، وممارساتهم العنصرية، ضد أبناء شعبنا الفلسطيني، وضد أطفاله ونسائه، والرجال الكبار منهم ،وللشعوب العربية، وحتى للإسرائيليين أنفسهم).
عندما سأله أحد قادة العدو الصهيوني، وهو معتقل لديهم، فيما إذا أفرجوا عنه، هل سوف يلتزم ببيته ويمتنع عن القيام بأي نشاطات سياسية ضدهم؟؟؟؟؟
جاء رده واضحا وصريحا وعفويا واجابهم:(لقد أمضيت أكثر من عشرين عاما في الاعتقال، ولا يهمني مصيري الشخصي، ما يهمني، هو قضية شعبي، وطالما بقي كابوس الاحتلال على صدر شعبي، سأبقى أقاتلكم).
وعندما أفرج العدو عن مجموعة من زملائه بالسجن، ولم يكن ضمن هذه المجموعة التي أفرج عنها، سما الشهيد بروحه وإحساسه، وصعد إلى القمة، حيث جمع رفاقه الأسرى الذين سيفرج عنهم وخاطبهم قائلا:
(انه إنجاز كبير، أن يتم الإفراج عنكم، ونحن نعيش الآن عرسا فلسطينيا وطنيا، وعلينا أن نعمل على إنجاحه، أما نحن الذين سنبقى في داخل المعتقل، فعلينا أن لا نحزن، حتى لا يفقد رفاقنا، وإخوتنا فرحتهم، فعلينا أن نفرح معهم).
وبعد خروج بعض المعتقلين واستقرارهم خارج المعتقل، سمع عن زواج البعض منهم، فكتب لأحد أصدقائه يقول:
(إنني مسرور حقا، عندما سمعت بزواج عدد من الأسرى خارج السجن، أما بالنسبة لي، فلم أكن أتصور في حياتي أن يتأخر زواجي، لأنني بطبيعتي متفائل، أحيانا أفكر، بأنه لن يكون لي أولاد شباب، فالتغيير ألعمري للأسرى في السجن، جعلني اشعر بأنني أب، وربما جد في آن واحد معا، فهناك الكثير من الشبان المعتقلون، ينظرون لي كأب، وهذا ما يفرحني حقا، لأنني أحبهم فعلا، كأنهم أبنائي، وبعض المعتقلين، صغارا جدا بالسن، ويحبونني كجد لهم، والباقون، ينظرون لي كأخ، لأنهم من جيلي، فأنا في الحقيقة، أعيش بين أهل، يحبون بعضهم بعضا، والمحبة، هي ثمرة العطاء في كل شيء، وسعيد ذلك الإنسان، الذي يجعل حياته كلها عطاء).
ومن الأقوال الخالدة للشهيد القائد: (في السجن، لا ينتهي دور المناضل، بل يبدأ، وهو نضال مكمل ومترابط مع النضال خارجه، يجب أن نصمد في هذه الجبهة "جبهة المعتقلات"، وسوف نصمد، رغم الاختلال الواضح والفادح في ميزان القوى).
بعد خروج بعض المعتقلين، واستقرارهم في الخارج، وزواج البعض منهم، كتب لأحد رفاقه يقول له:
(سعادتي بتحرركم، طغت على حياتي، وبت كأنني أسبح في بحر من النشوة، إن هذا ليس كلاماً مبالغاً فيه، فليس من الممكن، لإنسان مثلي، أن يجد طعماً للحياة، بعد كل ما جرى، لولا هذا الشعور العميق من السعادة، الذي يسيطر على نفسي، نتيجة لتحرر هذا العدد الكبير من الأحباء).
كتب عبد الناصر فروانة، وقد كان اسيرا، ويعمل بوزارة الأسرى في غزة بتاريخ 4 /6/2004م:
(مَن لَم يَعرف منكم عمر القاسم، ليس فلسطينيا، ولا يعرف الحركة الوطنية الأسيرة... فهو علم من أعلامها، ورمزٌا من رموزها، وأحد أبُنائها الأساسيين، وكان على الدوام، عماداً أساسياً من أعمدتها الراسخة... فكان في حياته قائداً فذاً، ومناضلاً شرساً، وأسيراً شامخاً، ونموذجاً رائعاً، وفي مماته، وشهيداً خالدا،ً وقنديلاًً لن ينطفئ نوره.
نعم، هذا هو الشهيد عمر القاسم، لمن لا يعرفه، بل يعجز القلم عن وصف خصاله، وتجف الكلمات، حينما تسرد سيرته، وتنحني القامات تقديراً له، حينما نتحدث عن بطولاته ومواقفه).
كتب أحد أصدقاء الشهيد، قصيدة في ذكرى استشهاده بعنوان:
كيف الأسير على السجان ينتصر
الجسم للروح سجن، مكثه العمـر
فعش طليقا من الحبسين يا عمــر
جارت على الروح، ارض الشـر فانتصرت
لها السماء، ففي عليائها ظفر
وليس في الأرض، للأقمار متسع
وهل بغير العلا يستوطن القمـــر!!
يا من تكسرت الأغلال في يـده
من طول صبر، وعزم، ليس ينكســر
يا آية قالها التاريخ مفتخـــرا
ومثلـك اليوم، للتاريـخ مفتخــر
عدوك الغر، منصور على بـدن
لكنــه، في ثبات القلـب مندحـر
يا قائدا جاءه الكرسي يطلــبه
فآثر السرج، والميــدان مستعــر
زرعت فينا رجاء سوف نحصده
نصـرا، على يد أشبال له زأروا
علمتنا أن بالعزم، والتصميم عزتنا
فانظر، إلى ما يصنـع الحجــر
كل السلاح، سلاح، حين تحمــله
أيد، يصافحـها الايمان والظفــر
فافرح ببذر عظيم، كنت تبــذره
وليهنك الغرس، ها قد أينع الثمـر
ففي فلسطين للأحرار مدرســة
وكلهـم ثائر، بل وكلهــم عمــر

وفي قصيدة أخرى بعنوان:"يا سيد الشهداء" كتبها أحد أصدقاء الشهيد المدعوعادل وزوز يقول فيها:

من أين أبدأ والفؤاد يعتصر حزناً عليك، رفيق الدرب يا عمر
ما كان موتك سهلاً فالقلوب بكت، وشعبنا المعطاء هزه الخبر
وإن قضيت شهيداً قبلنا فعلى خطاك، إنا لهذا الكأس ننتظر
يا سيد الشهداء، أنت قدوتنا، كنا بعزمك في السجون نفتخر
علمتنا أن يكون الرأس مرتفعاً غداً، سيبقى، وسوف ينتصر
ألست من قد، غدا لشعبه مثلاً وفكره، بين كل الشعب ينتشر
جيش العدو بكل القدس منتشر خافوك حياً، وبعد الموت قد ذعروا
قد جربوا أن ينالوا منك ما نجحوا وراحوا، أن تنحني وهم خسروا
عهداً لروحك كل الشعب يقسمه لن ننحني ولن يذلنا بشر
شعب أصيل، يخوض اليوم معركة سلاحها الجوع والإضراب والحجر

هذا هو الشهيد القائد عمر القاسم، لمن لا يعرفه، ستبقى ذكراه خالدة في روح شعبه، طال الدهر ام قصر، وستبقى ذكراك عمر القاسم، خالدة في قلوبنا، ما دام بنا قلب ينبض بالحياة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن