فساد التوقيت وتوقيت الفساد

علي محمد البهادلي
ali_albahadli2003@yahoo.com

2010 / 5 / 30


لم يعد الوقت مجرد ظرف تقع فيه الأحداث دون أن يكون وراءه يد أسهمت في أن يكون هذا الزمان أو ذاك اليوم وقتاً لحادثة يراد من ورائها تحقيق هدف وغاية ما .

هذا الأمر ينطبق تمام الانطباق على التوقيت في الأحداث السياسية ، فما من واقعة إلا ويخفي السياسيون وراءها مآرب خاصة ، تساعدهم في الوصول إلى مبتغاهم ، وهذا يشكل أحد مظاهر الفساد الذي انتشر بسرعة البرق في العراق الجديد ، فمثلاً هناك الكثير من القضايا لم يتعامل السياسيون معها بمهنية وموضوعية ، وإنما كان تعاملهم معها بنفعية بشكل يثير الاشمئزاز والبرم ، فعند قرب موعد الانتخابات ترى الكثير من القوى المتنفذة في الدولة تطلق المشاريع التي أوقفتها عدة شهور لا لشيء إلا انتظاراً لموعد الانتخابات ، لتقوم عندئذ بإطلاقها حتى يحسب هذا لهم ، فهم الذين سعوا إلى إعمار البلاد وإنجاز المشاريع الاستثمارية ووو!! ومن السياسيين من يطلق الوعود بإرجاع فئة من الذين تم استبعادهم من مؤسسات الدولة دون أن ينظر إلى إمكان تحقق هذا الأمر أو أن الميزانية العراقية هل يمكنها استيعاب ذلك ، ومنهم من يقف بعكس الموقف 180درجة ، ومن السياسيين من يعد المواطنين بـتمليك الأراضي للمتجاوزين على أملاك الدولة ، وعدم إخلاء أي منها إلا بعد إيجاد البديل ، بيد أنه كان من أشد المعارضين لبقاء المتجاوزين على أملاك الدولة في تلك الأماكن ، وكان يعطي مواعيد حاسمة لإخلائها من ساكنيها ، فما عدا مما بدا ؟! وأظن أن قضية إعدام المقبور المجرم علي حسن المجيد تدخل في هذه القائمة التي لا تنتهي من التوقيتات الفاسدة التي يراد منها الدعاية لهذا الطرف أو ذاك ، وقضية استجواب وزير النفط والكهرباء وما قام به الوزيران من بعد هذا الاستجواب من إطلاق الوعود وتوقيت الإعلان عن التعاقد مع الشركات الأجنبية لتطوير حقول النفط على الرغم من أنها كانت قبل هذا الموعد بكثير يندرج كذلك في هذا الإطار حيث الدعاية والدعاية المضادة .

إن هذا الأمر يؤشر إلى وجود نَفَس براغماتي مقيت يستغل أفراد الشعب العراقي الذين استاؤوا من الوضع القائم وأحوالهم المعيشية أخذت بالتنازل على الرغم من وجود بيئة تتسم بالأمن النسبي ، لكن المواطن لم يلمس من هذه القوى التي تصدرت المشهد السياسي ما يسد به حاجاته الضرورية ، بدءً من الكهرباء والحصة التموينية ولا تنتهي بالتعيينات وإيجاد فرص العمل ، فشماعة الوضع الأمني ولَّت إلى غير رجعة لا لواقعيتها المطلقة ؛ ولكن لأنها أحد المنجزات التي لا يمكن لأصحابها التنازل عنها ، فلماذا لم تسع تلك القوى إلى جلب الاستثمار والمستثمرين إلى البلد ؟! ولماذا لم تعمل خلال هاتين السنتين الأخيرتين إلى إصلاح المنظومة الكهربائية بعد التحسن الأمني الذي تفتخر الحكومة بأنه أحد أهم منجزاتها ؟!!

أما توقيت الفساد فلا أحد يشك في وقوعه ، فهناك بعض الأوقات تكون عمليات الفساد فيها مزدهرة ، لا سيما أوقات قرب انتهاء فترة تولي مسؤول لمنصب معين ، فهو يسعى جاهداً ل "حلب " أموال الدولة بكل السبل ، خشية أن لا يعاد إلى منصبه فهو يريد أن يوفر مستقبلاً زاهراً له ولأفراد أسرته ، أما الوسيلة التي توصله إلى ذلك الهدف ، فليس مهماً في نظره ونظر أمثاله من الفاسدين ، وهناك مظهر آخر من مظاهر توقيت الفساد ، فالدعاية الانتخابية للقوائم والكتل تحتاج أموالاً طائلة قد تصل إلى ملايين الدولارات ، مما يدفع السياسيين إلى توفير هذه الكميات الكبيرة من الأموال بطرق غير مشروعة ، إما بتسلم الأموال من الأطراف الخارجية ، أو باستنزاف خزينة الدولة واستغلال مؤسساتها لهذا الغرض ، خصوصاً إذا علمنا أن بعض الكتل لها حظوة أكبر من غيرها في دوائر الدولة ومؤسساتها ، مما يجعلها قريبة جداً من مصادر خزينة الدولة وثروتها والمال العام ، وتستطيع من خلال ذلك التستر على هذه الأموال غير المشروعة .

لا يمكن أن تُبنَى الدول بهذه الطريقة ، فالالتزام أمام الجماهير بمواقيت محددة لإنجاز بعض المشاريع يجب أن يكون مقدساً ولا يجوز إطلاقاً استخدامه ذريعة للوصول إلى أصوات الناخبين ، بل يجب أن يكون التوقيت مقدساً ولا يخضع للمصالح السياسية ولا تؤثر فيه ؛ لأن من يريد أن يغرس الثقة بمؤسسات الدولة في نفوس الجماهير ينبغي له أن يكون ذا مصداقية عالية وأمانة وإخلاص ، وإلا فإن المواطنين سيبقون غير واثقين بمؤسسات الدولة ولا برجالاتها وهو ما يؤثر في سلوكياتهم تجاه مؤسساتها مما يعني سهولة تعديهم على المال العام .

أما ازدهار الفساد في أوقات معينة فينبغي لكل لبيب تشخيصه ؛ لأن هذا الفاسد شعر بقرب نهايته ، والمطلوب من المواطن أن يكون أحد الوسائل التي ترمي به إلى سلة المهملات غير مأسوف عليه .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن