انتباه قف للتفتيش.. مصحح لغوي

اسماعيل موسى حميدي
msma78@yahoo.com

2010 / 5 / 9


قيل إن أحد الاشخاص قدم الى الامام علي "ع" طالبا الطلاق من زوجته ولما سأله الامام علي عن سبب ذلك قال له:" زوجتي انسانة عصبية وصوتها عال وانا لا اطيق ذلك" ، فاحضر الامام علي ورقة بيضاء ووضع في منتصفها نقطة حبر اسود ثم اعطى الورقة لذلك الرجل وقال له انظر بامعان ما في هذه الورقة، فحدق عليها الرجل وقال نعم في الورقة نقطة حبر سوداء فقط ،فكرر عليه الامام علي السؤال ثلاث مرات فكان جواب الرجل "نقطة حبر سوداء لا غير" فقال له الامام علي" سبحان الله أرأيت النقطة السوداء الصغيرة ولم تر بياض هذه الورقة كله! " ، وكان بذلك يقصد ان لزوجتك عليك الكثير من الحسنات والفضائل من حيث القيام بشأنك وبيتك واولادك وانك لم تر ذلك ولم تاخذه بالحسبان، غير انك نظرت الى هذه الصفة الوحيدة فقط لتحكم على زوجتك بالفشل وعدم الصلاح.
قضية المصحح اللغوي في كل صحيفة كانت يومية او اسبوعية شبيهة بتلك القصة، فلربما يقوم المصحح اللغوي بتصحيح عشرات الاخطاء في مقال او عمود ما ولا يحسب ذلك له، ولكن يحاسب بنفس الوقت على حرف او نقطة او فارزة قد تفوته، لتنهال عليه الاتهامات بالتقصير والاهمال وكثيرا ما يتعرض من جراء ذلك للمساءلة والتحقيق وربما لقطع الرزق بانهاء الخدمات ،الا اذا كان يعمل في جريدة اسرتها الادارية لها باع طويل في نفق الصحافة وصيتها الاعلامي يغطي على الزلات والاخطاء التي تسقط في بطون صفحاتها .
وكم من نقطة او حرف او علامة غيرت معنى وأربكت اسلوب وهشمت مقال بكامله ونقلت فكرة الكاتب من الشمال الى الجنوب ومن النور الى الظلام .اذا تلقى على عاتق المصحح مسؤولية عظيمة لانه يعد "الفلتر" الذي تمر عليه دورة الجريدة ليمحصها ويتفحصها ويخرجها الاخراج الاخير المجرد من اللحن اللغوي والمطبعي والاملائي والتشكيلي والدلالي، فضلا عن ما يتماشى مع سياسة الصحيفة التي يعمل فيها ، وكثيرة هي الاخطاء التي تمر على المصحح اللغوي مهما كانت بصيرته ورؤيته ودرجة انتباهه لان القضية قضية مزاج ودراية وفكر وادراك واذا ما تخلى المصحح اللغوي عن احد هذه العناصر فانه سوف يقع في هوة الاتهامات التي تنهال عليه وتتهمه بالتقاعس والتماهي والتقصير في العمل، ولكلي يخلص من هذه المطبات عليه ان يكون صحافيا وسياسيا واعلاميا واديبا ورياضيا وملما بثقافات الشعوب واخبار الفنانين وفي كثير من الاحيان يعزف المحررون عن تحرير الخبر او يتكاسلون عن ذلك لان وراءهم مصحح او منقح يتحمل مسؤولية التحرير والتصحيح وتركيب العبارات ودمج الافكار وازالة المبهمات باعتباره منقح الجريدة وبوابتها الاخيرة.وهذه مشكلة حقيقية تواجهه
وهذا أحد كتاب العمود الصحفي المشهورين في احدى الصحف يحمل المصححين اللغويين في رسالة بعث بها الى الصحيفة التي يعمل فيها مسؤولية الاخطاء التي تسقط في مقاله بالرغم من ان مقاله يبعث عن طريق الانترنيت بمعنى ان المقال اذا لم ينقح لغويا من قبل الجريد فانه يبقى كما هو اي ان الاخطاء من عند الكاتب المشهور ،وليس من المعقول ان كاتبا اشهر من نار على علم لا يعرف المرفوعات من المنصوبات ويبعث بمقاله معفرا بالاخطاء اللغوية ثم يلقي باللائمة على المصححين ويطالب بمحاسبتهم .
يقول ارباب الصحافة ان الصحافة "مهنة البحث عن المتاعب" وانا اقول ان التصحيح هو "مهنة البحث في المتاعب" وكم من مصحح لغوي انهيت خدماته بسبب نقطة او حرف او كلمة مرت عليه كان شخص قد ارتكبها قبله وحملها اياه القدر.
مسكين هو المصحح اللغوي لم ينصفه الدهر ابدا فحاله كحال تلك المرأة المسكينة التي تعمل ليلا ونهارا من اجل بلوغ ارضاء زوجها وتلبية مطالبه ومطالب الاولاد والبيت فراح يشتكي منها زوجها بسبب انزعاجه من صوتها الذي لا يروق مسمعه لريد منها الطلاق الى الابد.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن