نحو دولة إسلامية -ليبراليه- لا شموليه -توتاليتاريه-!؟

سليم نصر الرقعي
elragihe2007@yahoo.co.uk

2010 / 5 / 6

- في التحذير من الفكر السياسي الإسلامي الشمولي والطوباوي!-

بالتأكيد أن الكثير من الإسلاميين والعلمانيين على السواء سيصدمهم هذا العنوان ويصدم عاداتهم الذهنية ومعتقداتهم التقليدية فهي سينكرون الجمع بين الإسلام والليبرالية كإنكارهم لإمكانية إجتماع الإسلام والديموقراطية وسيسخرون مني وهم يخبطون كفا ً بكف لإعتقادهم أن الإسلام والليبرالية نقيضان لا يمكن أن يجتمعان وكذلك الحال بالنسبة للإسلام والديموقراطية - حسب فهمهم لهما - نقيضان لا يجتمعان أبدا ًإلى يوم الدين بل ذهب بعض الإسلاميين الإيديولوجيين إلى القول بأن الديموقراطية دين كفر (!!!) والإسلام دين إيمان فهما دينان متنقضان من كل وجه حسب زعمهم! .... ولكن وقبل أن ندخل في بيان مرادنا ومناقشة إعتراضاتهم التقليدية لابد من الوقوف أولا ً عند مصطلح وعبارة "الليبرالية" لتحديد ما هو المقصود بها وماذا تعني !!؟.

(1) الليبرالية - كفلسفة إنسانية - تعني تقديس الإنسان الفرد وإعتباره هو الوحدة الأساسية في المجتمع الإنساني وتحديد مجال مقدس ومخصوص للفرد يحيط به وبحرماته وممتلكاته وحرياته ويمنع الآخرين من الإعتداء على هذا المجال المقدس المخصوص وإعتبار هذا المجال الخاص المقدس للأفراد خطا ً أحمر لا يجوز للآخرين التعدي عليه بل ومنع الدولة والمجتمع وأولياء الأمور من التغول على هذا المجال الفردي المقدس المخصوص والتعدي على حدوده .. فالليبرالية كفلسفة تـُعلى من شأن "فردانية الإنسان" وخصوصيته وحريته أي أنها تعلي من شأن الإنسان الفرد – طفلا ً وكهلا ً – إمرأة ورجلا ً - في مواجهة المجتمع والدولة وكل أصحاب السلطات الإجتماعية والسياسية كما تعلي من جانب "إنسانية الإنسان" في مواجهة التمييز العنصري والديني والعرقي والجنسي والقومي والوطني والطائفي! .. وهي بالتالي ضد مبدأ "الشمولية" الذي يبيح للمجتمع والجماعة والدولة بالتدخل في أخص خصوصيات الأفراد والتعدي على حرياتهم وممتلكاتهم وخياراتهم وبالتالي تغليب حق ومصلحة الدولة وحق المجتمع وحق الجماعة وحق الوطن وحق القوم على حقوق الأفراد وعلى حقوق الأقليات!..فالشمولية تنظر للفرد كمجرد ترس صغيرة في ماكينة المجتمع والدولة والوطن الهائلة والمستمرة فالأفراد في نظر الشمولية مجرد "أدوات" أو "أرقام" لبقاء وخدمة الأمة والقوم والدولة والمجتمع ![1].

(2) والليبرالية - كمنهج وسلوك - تعني "التحررية العقلانية" وعدم الخضوع المطلق والتام لماهو سائد من أراء ومعتقدات إجتماعية ورسمية تقليدية .. فالليبرالي هنا هو الشخص "المتحرر" عقليا ً من التقاليد والأفكار السائدة في المجتمع والدولة فهو بعكس الشخص "التقليدي" "المحافظ" "السلفي" الذي يتمسك بالأفكار والتقاليد والقوالب الموروثة والسائدة في المجتمع والدولة ويدافع عنها بكل قوة في وجه منتقديها والراغبين في التحرر منها أو في تغييرها وتجديدها !.. كما أن الليبرالية - كمنهج وأسلوب - تؤمن بالنسبية في الأفكار والأحكام بل والأعراف والأخلاق ولا تميل إلى الأفكار والأحكام النهائية والمطلقة فضلا ً عن أنها تميل إلى الحلول الإصلاحية لا الإنقلابية الجذرية إلا إذا أصبحت الثورة ضرورة للتخلص من السيطرة الشمولية [2] فهي عندها تحرض على الثورة من أجل الحرية!.

وأنا حينما دعوت في بعض مقالاتي إلى "لبرلة الفكر الإسلامي" المعاصر فلم أكن اعني بكلمة (اللبرلة) هناك إخضاع فكرنا الإسلامي المعاصر لمعايير وقيم ومعتقدات "الفلسفة الليبرالية الغربية" الخاصة بالمجتمعات الغربية والمنبثقة عن ثقافتهم الخاصة والمبالغة في إعطاء حق التصرف للأفراد في الشؤون الشخصية وفي التعاقد مع الأفراد الآخرين (حرية إقامة العلاقات الإجتماعية والجنسيه) فنحن قطعا ً ضد الليبرالية المتطرفة من هذا النوع المبالغ فيه! .. ولكنني يوم إستخدمت مصطلح "اللبرلة" فإنما إستخدمته بالمعنى الحرفي أي بمعنى (تحرير) الفكر الإسلامي من أغلال وقيود الأفكار والمفاهيم والقوالب التقليدية والموروثة المرتبطة والمتأثرة ببيئتها التاريخية والتي بات ينزلها البعض منزلة النصوص الدينية المقدسة الصالحة لكل زمان ومكان! .. ويمكن وصف الرافضين لعملية (لبرلة) الفكر الإسلامي والعقل الإسلامي بالمحافظين والإصوليين والطوباويين الإسلاميين أو من يطلق عليهم البعض بالأثريين والحرفيين أو السلفيين أو الظاهريين الجدد! .. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنني أجد في مبادئ واحكام وتعليمات وتوجيهات وقواعد ومقاصد الإسلام الكثير من "التوجهات الليبرالية" التي تقوم على قداسة الفرد وإحترام الإسلام للفرد وحرمة الفرد وحرمة دمه وماله وعرضه والإعلاء من "إنسانية الإنسان" ومن قيمة الفرد في المجتمع إلى درجة إعتبار أن من قتل نفسا ً واحدة كمن قتل الناس جميعا!.. بل وإعتبار هدم الكعبه المشرفة على قداستها ومكانتها العظيمة أهون عند الله من سفك دم فرد مسلم بغير وجه حق !!!! .. وغير ذلك من التشريعات والتوجيهات الدينية التي تعلي من قيمة الإنسان الفرد وتؤكد على أهميته وكرامته وحرمته ...إلخ .... ولكنها لاتذهب بالطبع إلى الحدود المتطرفة في الحرية الفردية والشخصية التي ذهبت إليها المجتمعات الغربية (الليبراليه) اليوم والتي تؤكد التجربة أنها أصبحت تشكل تهديدا ً للحياة الإجتماعية والطبيعية في الغرب الليبرالي! .. فالتوجهات "الليبرالية" في الإسلام توجهات معتدلة ووسطية ومتزنة توازن بين حق الفرد في الحريه والخصوصية والكرامه وحق المجتمع في التلاحم والسلامة ... وهذه "التوجهات" التي نجدها في تعليمات الإسلام هي في الحقيقة أس وأصل الفكر الليبرالي في مواجهة الفكر الشمولي الذي يطغى بالدولة أو بالأمة أو بالمجتمع على خصوصيات وحرمات الأفراد وفردانية الإنسان المكلف والمكرم (خليفة الله في الأرض)! .. وأشد ألوان الفكر الشمولي هو ما رأينا تطبيقاته في الدول الشيوعية وأخواتها وأبناء عماتها كما في بعض التطبيقات العربية للإشتراكية او لما أطلق عليه تجارب "الديموقراطيات الشعبيه" كغطاء خادع للنظم الشموليه الكلية المتغولة على المجتمع المدني وعلى حقوق الأفراد!! .. وسأناقش هذه التوجهات الموجودة في مبادئ واحكام وقواعد ومقاصد الشريعة وبيان أن الدولة الإسلامية ليست دولة شموليه مطلقة تتدخل في حياة الناس وخصوصياتهم ونشاطهم الإجتماعي والإقتصادي والثقافي والفني والديني بشكل كلي شامل في مقالة خاصة حيث سأتناول فيها ما يمكن أن نطلق عليه مجازا ً (بليبرالية الإسلام العادلة والمعتدلة) الرافضة لنهج التدخل الكلي والشمولي والمطلق للدولة في شئون الناس وخصوصيات وحرمات الأفراد ونشاطاتهم وتعاملاتهم!.

وحسب إطلاعي على كثير من أطروحات وتنظيرات الإسلاميين السياسية وحسب إختلاطي بهم بإعتباري أنتمي إلى الإتجاه الإسلامي بشكل عام أي أن مرجعيتي الفكرية والمعرفية والفلسفية هي إسلامية بالأساس فإنني أحذر من "التوجهات الشمولية" و"البوليسية" و"البابوية" و"السلطوية" في بعض ألوان الفكر السياسي "الإسلامي" المعاصر والمستند إلى شعارات ومقولات دينية وتفسيرات سلفية أو قطبيه!! .. فإن وصول بعض السياسيين الإسلاميين المشبعين بمثل هذا الفكر الشمولي الأبوي البابوي الإمامي السلطوي "العسكري" إلى السلطة وقيادة الدولة سيحول الدولة "الإسلامية" إلى دولة شمولية ديكتاتورية بابوية أبوية متسلطة يكون فيها للدولة وللسلطة وللحاكم أو الإمام أو الرئيس أو الخليفة أو أمير أو قائد المؤمنين صلاحيات واسعة مستبدة في التعامل مع الأفراد والمواطنين والمجتمع الأهلي لنجد أنفسنا عندها في ظل دولة شمولية مرة أخرى ولكنها هذه المرة تحكم وتسوس الناس بغطاء الدين وربما بإسم الله !!.

ومن هنا الحاجة الملحة بل والضرورية إلى ولادة فكر سياسي إسلامي معاصر وسطي معتدل "ديموقراطي"و"ليبرالي" في مواجهة هذه التوجهات الشمولية والنزعات السلطوية المتطرفة لدى بعض فئات وأصناف الإسلاميين!.. حيث أن بعض الإسلاميين يحلم بدولة إمامية شمولية تتدخل على نطاق واسع في حياة المجتمع الأهلي وتصرفات الأفراد بحجة المحافظة على الدين والأخلاق العامة أو بحجة "شمولية الإسلام" مما يجعل من هذه الدولة بمثابة البوليس الرقيب المتسلط على رقاب الناس لا إيمانهم بالله وضميرهم الأخلاقي ومجتمعهم المحلي! .
صحيح أن حال الناس في المجتمع البشري لا يستقيم إلا بوجود دولة وقوانين ونظام وبوليس وعصا! .. ولكن لابد من وضع الحدود الدستورية الواضحة لتصرفات السلطات والدولة والبوليس لأن القائمين عليها هم بالمحصلة بشر أفراد وليسوا ملائكة! .. فمهما إتصف هؤلاء بالتدين والأخلاق والإيمان - كما يظهر لنا منهم - فإن هذا لا يكفي لضمان عدم تغولهم على المجتمع وعدم التعسف والإسراف في إستعمال صلاحياتهم وسلطاتهم ولا ضمانة من إستبدادهم وفسادهم وتحولهم بالتالي إلى سلاطين متسلطين أو شياطين يتسترون بثياب الدين !! .. إذ أن السلطة المطلقه مفسدة مطلقة لذلك لابد من وجود حدود دستورية وضوابط واقعية ومجتمعية ومؤسسية لكل ذي سلطة بل ولابد من وضع حدود وضوابط دستورية وكوابح شعبية جمهورية للدولة في تصرفاتها وعلاقاتها مع الأفراد والمجتمع المدني بإعتبارها جهازا ً عاما ً ومؤسسة إعتبارية عامة يقودها أفراد وبشر! .. كما يجب التفريق أو التمييز بين ماهو "ديني خالص ومقدس" وماهو"سياسي بشري إجتهادي" .. وبين ماهو قطعي وماهو ظني من الدين .. وبين ماهو صالح لكل زمان ومكان وماهو كان خاصا ً بزمن وعصر الرسالة الأولى!.. وكذلك التفريق بين ما عمله النبي – صلى الله عليه وسلم - من باب القيادة السياسية والقضاء الحكومي وبين ماهو وحي تشريعي لكل المسلمين في كل زمان ومكان!.. وكذلك لا بد التفريق بين ماهو أساسي وضروري من الدين وماهو تكميلي وتحسيني .. وماهو فريضه وماهو سنه؟.. وماهو حد أدني مطلوب من كل مسلم وماهو حد أعلى مندوب!.. وماهو محرم بشكل قطعي لا شك فيه كالخمر والميسر ولحم الخنزير والزنا وعبادة الأصنام وماهو مختلف في حرمته ومشكوك في صحته كالموسيقى ونحت التماثيل ولعب الشطرنج ... إلخ !!...

كما لابد أن نفهم أنه لا يمكن إصلاح وضبط تصرفات وأخلاق الأفراد من خلال وسيلة الدولة والقوانين والحكومة والبوليس فقط فهناك أليات ومؤسسات أخرى في المجتمع أساسية وأكثر أهمية يمكن لها أن تساهم في ضبط وتصويب تصرفات وعلاقات الأفراد في الحياة الإجتماعية .. هذه المؤسسات التي ينيغي أن تكون مستقلة عن سلطة النظام السياسي والجهاز الحكومي في الدولة .. سواء كانت هذه المؤسسات مؤسسات طبيعية كمؤسسة الأسرة والمسجد والقبيلة والمجتمع المحلي (الحاره والحي) ... إلخ .. أو كانت من مؤسسات المجتمع المدني الأهلية كالمدارس والجمعيات الخيرية والكشافة والمسرح والمنظمات التربوية والإصلاحية...إلخ ... فلهذه المؤسسات دور كبير في ضبط وتوجيه تصرفات وعلاقات الأفراد وتهذيب مسالكهم كما أن لها دورا ً مهما ً في تنمية المجتمع وإصلاح أحواله وتقويم مساره العام .. فالدولة وحدها لا ينبغي لها – بل وليس في مقدورها أصلا ً – أن تصل إلى كل التصرفات والعلاقات في المجتمع الطبيعي وليس من صالح الدولة ولا المجتمع الإنساني أن تتدخل الدولة في كل شئ وفي كل صغيره وكبيره في حياة الناس!! .. فهناك أمور كثيره في المجتمع والسوق وحياة الناس الطبيعية يجب أن نتركها للدين والإيمان الشخصي والأخلاق والأذواق والأعراف الإجتماعية والحياة العائلية والمجتمع الأهلي تتعامل معها بطريقتها غير البوليسية وليس من صالح أحد أن تتولاها الدولة وتتورط فيها!! .

وكي لا يكون كلامي عموميا تجريديا ً سأضرب هنا مثالا ً لتقريب مقصدي بهذا الكلام وما أريد بيانه في يتعلق بحدود دور ومهام (الدولة والسلطات الإسلامية) التي يجب بيانها بشكل دستوري وقانوني .. فمثلا ً قضية الصلوات المفروضة على كل مسلم ومسلمة وقضية الحجاب المفروض على المرأة المسلمة هل نترك مراقبة تنفيذها والإلتزام بها بإعتبارها أوامر إلهية شرعية واجبة على كل مسلم توفرت فيه شروط التكليف بيد الدولة الإسلامية تنفذها بطريقة قانونية سلطانية بوليسية فوقية حازمة فيكون لدينا مثلا ً "هيئة دينية بوليسية""علنية وسرية !!؟؟" تمشي في الشوارع وتتجسس على الناس وتراقبهم وتملك سلطة الإجبار والردع في متابعة كل أفراد المجتمع ومراقبتهم للتأكد منهم هل يؤدون الصلوات الخمس المفروضة في أوقاتها أم لا؟ وهل هذه المرأة متحجبة وفق الشروط المعتبرة أم لا؟؟!!!! .. هل هذا من مهام الدولة المسلمة أم نترك تنفيذ هذه الأوامر الإلهية بيد ضمير الفرد المسلم وللعائلة وللمجتمع الأهلي والمحلي المسلم في كل حي!!؟.. ثم تخيل معي هنا أن هذه الدولة الإسلامية أصبحت ذات إتجاه "سلفي" "أثري" متشدد فستجدها عندها تأمر بوجوب إرخاء اللحي وحف الشوارب وفرض رفع السراويل والبنطلونات فوق الكعبين على الرجال وتحريم الموسيقى والرسم بقوة القانون ورجال الشرطه التي تراقب الناس بشكل يومي وتحاسبهم على مثل هذه المخالفات [3] !!؟؟.

ثم لو إفترضنا أن الدولة بواسطة "هيئة حكومية بوليسية متخصصة" هي التي ستتولى بشكل يومي وحازم عملية مراقبة أداء الأفراد للصلوات الخمس فهل ستفرض على المسلمين مثلا ً إقامة هذه الصلوات الخمس في المساجد وأن تحول هذه المساجد أشبه بالمعسكرات لأخذ "تمام الجمع الصباحي والمسائي" لتعرف من حضر صلاة الفجر ومن لم يحضر صلاة الجماعة والصلوات المفروضة وصلاة الجمعة ؟ ثم ترسل رجال (الشرطة الدينية) المكلفة للقبض على هذا الغائب المتخلف عن صلاة الجماعة أو الجمعة والتحقيق معه للتأكد هل كان عنده عذر شرعي أم لا؟ وبالتالي تحويله للنيابة العامة ثم للقضاء لإتخاذ الإجراءات التأديبية والعقابية مع هذا المتخلف الكسلان وردعه وجعله عبرة لمن يعتبر..... إلخ !!؟؟؟ .. هل هذا هو ما ينبغي أن يكون في مثل هذه الحالة ومثل تلك الدوله الإسلامية التي ننشدها ونحلم بها؟؟ أم أننا نترك أمر "العبادات" وشعائر التعبد وتنفيذها للناس والأفراد أنفسهم ولضمير كل مسلم ولرقابة الأسرة والمجتمع المحلي والمحيط الإجتماعي المسلم المحيط بالأفراد بعيدا ً عن تدخل السلطات الحكومية الرسمية وتدخل الدوله والقوانين والبوليس!!؟ .

إذا قلنا أن مراقبة وتنفيذ مثل هذه الأمور سيكون بيد الدولة المسلمة فنحن عندها سنكون بصدد التعامل مع دولة إسلامية "شمولية" بوليسية تتدخل بشكل واسع النطاق في تصرفات الأفراد وتفرض رقابة حكومية "بابوية" صارمة عليهم بدعوى المحافظة على فرائض الدين والنظام الإسلامي وتحقيق شمولية الإسلام!! .. أما إذا قلنا أننا سنترك هذا الأمر الديني والشرعي لضمير الأفراد ورقابة العائلة والمجتمع المحلي المسلم والعلاقات والمعاملات الإجتماعية والعقوبات الأدبيه التأديبية الإجتماعية فمعنى ذلك أننا بصدد دولة إسلامية "ليبرالية" تعطي الأفراد والعائلات والمجتمع الأهلي والمحلي مساحات في ضبط سلوك المخالفين والمنحرفين بعيدا ً عن تدخلات الدولة والقانون والضبط القضائي!!! .... فهذا مثل واحد فقط لمعرفة الفرق بين التوجهات الإسلامية "الشمولية""التوتاليتاريه" والتوجهات الإسلامية "الليبرالية" في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر .. ونحن طبعا ً بعد تجربة طويلة في خضم الإتجاه الإسلامي والفكر الإسلامي ومعايشة الإسلاميين بكل أصنافهم نحذر من التوجهات الشمولية والسلطوية المغلفة بدعاوى وشعارات دينية كنحذيرنا من كل فكر سياسي شمولي وطوباوي غير واقعي يتغول على حريات الأفراد والمجتمع الأهلي تحت أية دعوى وتحت أي شعار ولو كان شعارا ً دينيا ً!.. فالشمولية كما تعلمنا من دروس التاريخ والواقع المر لا تأتي بخير بل تفسد أخلاق الناس وتحولهم إلى تابعين أذلاء للدولة ومنافقين لها ومرتزقة عندها يعبدونها كصنم رمزي لله أو للقوم أو للنموذج الإيديولوجي أو الزعيم الفذ الملهم الفريد! .. ونحن – نقولها بكل صراحة ووضوح – بعد كل هذه التجربة الفكرية والعملية – لا للدولة الشمولية البوليسية ولو كانت بإسم الإسلام ونحن قطعا ً مع مشروع الدولة الإسلامية "الليبرالية" و"الديموقراطية" وضد كل المشروعات الشمولية والطوباوية التسلطية سواء أكانت علمانية تغريبية أو دينية سلفية والتي لا يخامرني شك في أنها إذا حدثت وحاول الإسلاميون الشموليون والطوباويون والسلطويون فرضها بالقوة على المجتمع المسلم – تحت شعار حراسة العقيدة والأخلاق وتطبيق الشريعة - فستفسد الدين والدنيا معا ًوتمارس الطغيان بإسم الإسلام وتفسد طبائع وأخلاق الناس وتحولهم إلى زمرة من الخانعين والمنافقين للسلاطين وأمراء المؤمنين! .. فحذاري وألف ألف حذار! .. ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .
سليم نصر الرقعي
[1] يمكن مراجعة نشأة وتطور مفهوم (الليبرالية) وعلاقته بالديموقراطية في رسالة صغيرة وقيمه للمفكر العربي (حازم البيلاوي) بعنوان (عن الديموقراطيه الليبراليه..قضايا ومشاكل) .
[2] يخلط البعض بين قولنا أن الإسلام دين شامل يشمل بتشريعاته وتوجيهاته كل نشاطات الأفراد والمجتمع وبين مفهوم الدولة الشمولية فيريد من الدولة المسلمة أن تكون دولة شمولية تتدخل في كل شئون الناس ولا تعترف بخصوصياتهم وحرياتهم إلا في أضيق نطاق! .. فمفهوم الدولة الشموليه الكلية – في مقابل الدولة الليبراليه – هو مفهوم ديكتاتوري بابوي مقيت ويعتقد بعض الإسلاميين بإضافته لمفهوم الدولة الإسلامية أو الحركه الإسلاميه أنهم يفعلون خيرا ً ويكيلون مديحا ً لهذه الدولة أو هذه الحركه بينما الحقيقة أن صفة "الشموليه"" للدولة صفة مذمومة وهو مفهوم أسوء من الديكتاتوريه السياسية!.. إذ أن الديكتاتورية تعني إحتكار السلطة السياسية والإنفراد بها فقط أما الشمولية فتعني إحتكار كل شئ وتحويل الناس إلى عبيد للدولة وأجراء لديها وإلى أتباع وإمعات بشكل مطلق للقيادة التي تقود هذه الدولة بحيث تهيمن الدولة على جوانب حياتهم الفكريه والأخلاقيه والثقافية والإقتصادية والفنية والإعلامية وعلى كل شئ !.
[3] قد يعتقد البعض أنني آتي بهذه الأمثلة من رأسي ومن باب الخيال والإفتراض ولكن في الحقيقة هي نتاج حوارات ومناقشات جرت بيني وبين بعض أصناف السلفيين حيث أكد لي أحدهم أنه سيتم فرض اللحى على الرجال ومنع إسبال الثياب و(السراويل) (البناطيل) بقوة القانون والشرطه في الدولة الإسلامية التي يحلم بها !!!.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن