هواة الحمام

أحمد السيد علي
ahmedhusein58@hotmail.com

2010 / 5 / 1

هواية تربية الحمام هواية شائعة في العراق، لها الكثير من العشاق والمربين على إختلاف أنواعه لأغراض التسلية والزينة، ويتسابق الهواة في إختيار أجمل أنواع الحمام.
ولجملة مقايس خاصة يميزها الهواة أنفسهم.
والحَمامْ أنواع مختلفة قد يكون إختلافها بإختلاف أوطانها فمنها ما يجلب من إيران ومن جنوب الاتحاد السوفياتي، ومنها ما يجلب من الهند ومن أوربا وغيرها من بلدان العالم لكنها ولطول فترة بقائها في العراق عَدَتْ من الحَماَمْ المستوطن في العراق.إلا أننا نجد في كل مدينة نوعا خاصاً من الحمام والاغلب الشائع في كل مدن العراق هوالحمام الذي يطلق عليه (الحمر) الذي يمتاز بلونه الأحمر الذي ينسب إليه عدد من الحمام الذي تجمعه ميزات خاصة وإن إختلف في ألوانه ومنها {الكمرلي} و{الألاج} و{الصفر} ويكون رأس هذا الحمام عادةً أبيض ويزداد جمالاً هذا الحمام إذا إنحصر وإنحسر البياض في الرأس فقط وفي الجبهة الى حدود العينين، ومنقار هذا النوع من الحمام طويل نسبيا وتكون قدماه محجلتين أي مكسوة بالريش ويتمركز هذا النوع من الحمام في الكاظمية وبعض مناطق بغداد، وقد يعني بتربيته بعض الهواة في النجف والكوفة وبعقوبة ، ولا يستحسن هواة الحمام (القَلاّب) من هذا النوع وهو شاذ وقد يبعده الهاوي عن السرب، وهواة هذا النوع من الحمام لا يميلون الى تربية أنواع أخرى وان تخللت مجاميعها أنواع أخرى كالأورفلي ، ولعلّ أصله من مدينة أورفة في تركيا والنسبة إليها أورفلي ويتلفظها الهواة {عرفلّي} ،
والجبلاغ الذي يطلق عليه {المسكي}أيضا وأصله من إيران وما زال شائعا فيها، وهواة هذا النوع في كربلاء وطويريج والمسيب والمحمودية،
وهناك نوع من الحمام إنحصرت تربيته في الكاظمية ومنها إنتشرت الى مدن أخرى وهما {العنبر سرة} و{التار}والمعروف أن هذين النوعين جلبهُ بعض أفراد الأسر الهندية المعروفة بالنواب الذين يسكنون الكاظمية فتكاثرت وهي بيضاء اللون مزينة بنقط سوداء أو رصاصية أو بنية اللون أو صفراء وعيونها جميلة واسعة وعادة بيضاء، ويمتاز هذان النوعان بطول فترة طيرانه وإمعانه في الارتفاع حتى يغيب عن رؤية العين في كثير من الاحيان ولا يعود الى أبراجه إلا عند هبوط المساء، وهذان النوعان لايتقلبان عند الطيران.
أما الحمام المسمى {بالجبلاغ}الذي ورد ذكره أنفاً والمسمى{بالمسكي} وهو أبيض اللون ويمتاز بوجود نصف طوق على رقبته يستقر من جهة الخلف الى الصدر تقريبا، ويكون هذا الطوق في لون يختلف عن اللون الأصلي الابيض،
فهو أما أصفر أوأحمر أو{أسود}* أو رصاصي يميل الى الزرقة أو أي لون أخر يزيد الحمام جمالاً ،
ويتميز هذا النوع بوجود قنزعة (كعكولة) على رأسه ويكون حافي القدمين أي غير مكسوتين بالريش وأن كسيتا كان ذلك عيباً فيه، وقد يوجد بينه {القلاب} ، وكلما زاد عدد تقلباته كان ذلك ميزة جيدة فيه ، ولعل الزهاوي الشاعر أشار الى هذا الحمام القلاب بقصيدة مطلعها: ـ

تقلب بانتظام في الفضاء
حمائم هن بهجة كل رائي
ويبدع الزهاوي في وصفه ووصف تقلباته وصفاً بديعا ومن يدري ربما كان الزهاوي أحدهواة الحمام في بغداد، وكان الكثيرمن الأسر البغدادية المعروفة تعنى بهذه الهواية.وهناك نوع آخرمن الحمام يطلق عليه اسم {المسكي} ويتركز وجوده في الموصل وبغداد والنجف والسماوة وديالى، ويتميز هذا النوع بلونه الرصاصي المائل الى زرقة خفيفة وعند الصدر يميل لون الريش الى خضرة زاهية وهو من الحمام القلاب ويعرف بطول طيرانه وقد يكون ذا قنزعة(كعكولة) على رأسه تمتد من الأذان الى الأذان.
والمسكي هذا هو رأس عائلة الحمام التي يطلق عليها عادة في النجف(الزرق) وتنفرد هذه المدينة بتربيته.
ولهذه العائلة ميّزات خاصة أهمها حبه لعشه وتعلقه به بحيث لا يألف اي مكان آخرمهما كانت المغريات لذا يصعب على الهواة إصطياده، ويطلق على هذا الحَمامْ الحَذِرْ كلمة (نزر) ومن هذا النوع {الكنبك}،ويسمى في بغداد وبعقوبة {الفنفخ} ولونه أبيض ناصع، والاشعل والكَوكَ والزنجي أو الزنكي والاصفر والرماني والفضي والعسلي، ولكل واحدمن هذه التسميات لونها الخاص بها ومقاييس جمالها ، وهي من الحمام القلاب كرأس عائلتها (المسكي) ويكسوا أجسامها ريش ملون تكمل لونه الخاص فالاشعل أسود والكَوكَ رصاصي مزرق والرماني أحمر يميل الى لون قشرة الرمان والعسلي ، والفضي أو الرصاصي{الجينكو}وجميعها ذات قوادم بيض وجبهة بيضاء، وكلما قلّ اللون الابيض أي كلما إنحسر في القسم الاعلى من الرأس كان أكثر جمالاً، وأن يكون الابيض واللون الثاني صافيين، أي غير مشوبين بسواد حتى وأن كان خفيفا، ويفضل منها ما كان كثير التقلب مع إحداث صوت عالٍ بجناحيه ويسمى (التصفيق) وكلما كانت صفقات الحمام بجناحيه أقوى كان أكثر إغراءً على إقتنائه إذا كان الاقتناء لغرض التسلية بطيرانه، فكما يكون تربية الحمام لغرض التسلية والزينة يكون أيضا لغرض التبرك والثواب.
ومن أشهر الذي يقتنى لهذا الغرض هو ( الرواعب) ومنها الابيض والاحمر والازرق، وهو شائع في مدينة النجف وكربلاء والكوفة بهدف التبرك
والثواب** وخاصة الاحمر الذي حيكت حوله إسطورة مستوحاة من واقعة الطف وقتل الحسين بن علي، ومفاد هذه الاسطورة إن هذا الحمام كان قديما ذا لون أبيض ولشدة حزنه على الحسين وتأثره بالمصاب فقد هوى على جثمانه وهومسجى ومضرج بدمائه فإصطبغ لونه بالدم وصار أحمر...لذا يُحَرَمْ ذبخهُ والإساءة اليه وإهمالهُ من دون طعام أو شراب وهو يهدى ولا يباع وله الأفضلية على من في الدار في الإطعام أو الارواء
ولعل هذا الاهتمام به جعله على مرور الزمن يفقد قدرته على الطيران لأماكن بعيدة ولمدة طويلة ومرتفعة،
ويتميز بلونه الأحمر ولمعان متموج وبقنزعة عريضة على رأسه موصلة أُذنيه.
وهناك حمام يقتنى للثواب أيضاً وهو الحمام المسمى {الياهو} وسبب هذه التسمية هو ان هديله يأتي على نغمة تصل الى إذن السامع وكأنه يقول (ياهو...ياهو) أي ياالله ويكررها عدة مرات، ويعتبر جيداً كلما تعدد تكراره،
ولهذه الترجيعة أثر في مصداقية هديله عند الفجر، أي في الوقت المناسب لذكر الله عند أهل التقوى.
وهناك أنواع من الحمام العادي المنتشر في أنحاء العراق وخارج إهتمام هواة الحمام منها ـ الحمام الجبلي(يضم الحمام الطوراني) وهو مقيم،مع تنقلات محلية، من الطيور المألوفة والواسعة الانتشار في كل أرجاء العراق تقريباً، فهو آبد ويفرخ في الاماكن المناسبة بما فيها حول المساكن ومعضم هذه الطيور تُفَرّخ في المناطق الجبلية، وبيئتها الوديان الصخرية والاجرف البحرية والجبال. يعشعش الحمام الجبلي في الكهف أو حافة الصخرة أو جرف ، ويتواجد الحمام المستوحش منه في اي مكان في المدن ويعشعشش في المباني.
وهناك الحمام البري(اليمام) وهو أقل شيوعا من الحمام السابق،وغالبا ما يتواجد في فصل الشتاء وينتشر في عموم البلاد ، وبيئته المناطق المفتوحة التي بهاالاشجار القديمة، وهو واسع الانتشار في الحقول وأكثر تنوعا، ويعشعش في ثقب بالشجرة أو الصخرة أو المبنى.
أما حمام الغابات( الطبان) ، من الطيور المألوفة والمتوطنة، ويكثر في البساتين والحدائق في عموم القطر ويفرخ فيها، وبيئته المناطق المُشَجّرَة، متنزهات المدن،الحدائق وكذلك الحقول في فترة العبور، ويعشعش في الاشجار، وبعض الاحيان في الأعشاش القديمةـ ***.

ولهواة الحمام أعرافهم وتقاليدهم الشائعة بينهم والتي تحكم علاقتهم فيما بينهم،
وهذه الاعراف والتقاليد تكون ضرورية إذا عرفنا شدة عشق الهاوي بالحمام خاصة، إذا كان جميلاً ونادراً ، ورغبة الهاوي في أن ينفرد بإقتناء هذا الحمام الجميل النادر، وهناك إتفاقيات حرب وصلح بين الهاويين، فإتفاقية الحرب تجيزلأحدهما إصطياد حمام الأخر دون أن يعيدهُ إليه، أما إتفاقية الصلح فهي تعيد الصيد الى صاحبه.
ولعل عشق الحمام عند الهواة يغري بعضهم بالكذب وبعدم وجود حمام الاخرين عنده ، وقد يلجأ الى القَسَمْ واليمين...أذا تعرض الى الاصرار والمضايقة بوجود حمام الاخرين عنده،
مما حدى بالمحاكم الى عدم سماع شهادة هواة الحمام أي (المطيرجية).
ولهواة الحمام لغتهم الخاصة ومصطلحاتهم، وإذا أردنا ان نحصرها لحصلنا على قاموس ضخم.
وهواية الحمام قديمة جداً وقد أستخدمت لأول مرة في البريد لنقل الرسائل، ولهذه المهمة نوع خاص من الحمام يسمى {الزاجل}.
والحديث عن الحمام وأنواعه طويل ومتشعب ولايمكن حصره بهذا المقال.
وأذكر يوم إلتقيت في المنفى بعدد من المهجرين العراقيين، وكان من ضمنهم ثلاثة من هواة تربية الحمام في البصرة قالوا لي :ـ ساعة إقتحم علينا الدار رجال الامن عند الفجر لتهجيرنا من الوطن، لم نفكر في تلك اللحظة بشيء برغم الرعب الذي إنتابنا والحزن الذي خيَّمَ علينا إلا بمصير حمامنا وكيف سيكون حاله بعد ان تخلو الدارمنا وفوراً صعدنا الى سطح الدارونشرنا له الحبّ وملأنا (المناهل أو التور) بالماء وفتحنا باب الاقفاص الكبيرة على مصرعيها ليصبح حراً فيلجأ عندما يفتقدنا ويمضّ به الجوع والعطش الى أقفاص أحد الهواة من جيراننا والى اليوم {ومضى على ذلك سنوات } كلما ذكرنا الوطن والدار إشتدّ شوقنا الى حمامنا الوديع الأليف.
ولا بدّ من ذكر سوق الغزل وهو ملتقى هواة الحمام في بغداد المجاور لجامع الخلفاء وقد يقصدونه هواة الحمام بين الحين والحين للبحث عن الحمام النادر، وتسميتهُ بسوق الغزل نسبة الى دكاكينه التي عرفت منذُ القدم ببيع وشراء الغزول الصوفية والقطنية، كما كانت تعرض فيه السجاجيد والبسط البغدادية.
وفي يوم الجمعة من كل إسبوع يشاهد الداخل إليه أقفاص في داخلها الحمام والبلابل والهداهد والديكة والعصافير الملونة المغرّدة مثل طيور الحب والكناري والزرازير والقطا والبط، وقد تجد الغزلان والارانب والكلاب أيضاً، وعادة يقصدونه في الصباح وتعرض فيه أقفاص تصنع من جريد النخيل، وقد يتفنن صانعوها فتبدو على شكل بيت بغدادي له شرفات كالشناشيل، وقد يزيّن القفص بخرز ملونة وبمرآة وجرس، ويوضع في داخله قدح من الفخار ليظل الماء فيه بارداً دائماً، وفي كل مدينة سوق لبيع الطيور وتبادلها وأذكر سوق المعيدي في بعقوبة وقد هدّم للأسف وبنيت محلات جديدة بدله وكان سوق المعيدي سوقاً قديماً فوقه سقف وعلى إرتفاع منخفض وفيه أقواس جميلة من الطراز العباسي وينتشر فيه باعة الحمام وفيه مقهى في أول السوق يجلس فيها هواة الحمام يتغزلون ويتحدثون عن الحمام في حديث لاينضب.1

1ـ كان قد نُشِرَ جزء من المقال في مجلة المنار في ستوكهولم عدد3 كانون الاول 1988، وأجريت عليه إضافات كثيرة.

*الأسْوَدْ هو ليس لون وهو ذلك الانطباع الذي يترك في العين عندما لاتأتي أي أشعة ضوئية بإتجاه العين أي لاتتحفز من المستقبلات اللونية من العين بفعل الاشعة الضوئية خلافا للأبيض فهو لون يجمع كل الالوان .

** لا بدّ من الاشادة بالأُستاذين الراحلين عبد الغني الخليلي وأخيه علي الخليلي، لما قََدَّما من معلومات مهمة في إغناء الموضوع.

*** الدليل الحقلي للطيور العراقية ـ مظفر عبد الباقي،ريتشاردبورتو،س كريستنسن، شيرميكر،شريف الجبوري ـ منظمة طبعة العراق والمجلس العالمي لحماية الطيور البرية ـ 2006 الطبعة الاولى.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن