حول تجربة الشاعرة فوزية أبو خالد

حمزة رستناوي
hrastanawi@gmail.com

2010 / 4 / 22

حول تجربة الشاعرة السعودية فوزية أبو خالد.


" منَ المسلَّم ِ بهِ أنَّ الشعرَ في منطقةِ الخليج ِ العربيِّ ينفردُ عن سواهُ من المناطقِ الشعريَّةِ العربيَّةِ (بلاد الشام أو العراق أو مصر أو المغرب العربي) بوجودِ هذا العددِ الكبيرِ منَ الأصواتِ الشعريَّةِ النسائيَّةِ التي حقّقتْ درجاتٍ عاليةٍ من التنامي والتجديد, والتطوّر والاكتمال. وبهذا المعني يبدو شعرُ المرأةِ في الخليج ِ العربيِّ تحرّرياً، أو ربما ( انعتاقياً )، أكثر من أيِّ موقع ٍ شعريٍّ آخرَ في العالمِ العربي، خصوصاً إذا تذكّرنا ثانيةً أنّ العديدَ من الأسبابِ الثقافيَّةِ والاجتماعية ــ وأحياناً الجمالية ــ المحلية كانتْ كفيلةً بإعاقةِ تقدُّم ِ هذه التجارب""1"

و تجربةُ الشاعرة السعوديّة فوزية أبو خالد نلمحُ فيها ملامحَ تحرريَّة , بحكمِ كونها امرأةً في مجتمع ٍ يهمِّشُ المرأة ,
و بحكم ِ كونها شاعرةً في مجتمع ٍ يحتكرُ فيهِ الرجالُ صفةَ الشاعر,
و بحكمِ كونها تكتبُ قصيدةَ النثر في ثقافةٍ تحتكرُ الشعرَ في صيغةِ الموزون المُقفّى.
و للتذكير فقدْ أصدرتْ فوزيَّة أبو خالد أوَّلَ عملٍ شعريٍّ لها " إلى متى يختطفونك ليلة العرس" و هي على مقاعدِ الدراسةِ في سنِّ الرابعة عشر , 1973/ 1974 م
و بذلكَ أرَّختْ لميلادِ الشعرِ الحرِّ في الخليج ِ العربيِّ.
و من خلالِ قراءةٍ انطباعيَّةٍ غير مُحْكَمةٍ في تجربةِ الشاعرة أبو خالد نقفُ عندَ
ثلاثة ِ ملامح:

أولا ً: الفعلُ التمردي و التحرري للكتابة:
سأسردُ هنا مقتطفاتٍ من شهادةٍ لها , تقول: «أمسكتُ بمفرداتِ الصحراءِ التي كانتْ مُحاصرةً ببطولاتِ الفحولةِ, وأنَّثتُها بانطلاقي مع الرشا, وكلِّ كائنات ِ ومفرداتِ الصحراء». و كذلك نقرأ : « ما يزعجُ البعضَ أنْ يرى حنجرةَ الشعرِ الخشنة تغدو مؤنَّثة , ممّا أُعدُّهُ بطولة ً إبداعيَّة ً، تزلزلُ المستبدَّ والمُستتبَّ من القيم ِ والمعارف»."2"
" أستحيلُ من خجلي

إلى شيءٍ يشبهُ انحناءَ العبادِ

وانحناءَ النخلِ ببابِ الوظيفةِ

أو ببابِ مدنِ الرماد

أستحيلُ إلى شيءٍ

يشبهُ لغةَ الضادِ

في الصمتِ العربيِّ""3"

و لنقرأ كذلكَ هذهِ الومضة الشعرية تحتَ عنوان :
" قفص"

"تؤلمني هذهِ العصافير
المزعجة,
كلَّما خبطتْ أجنحتها في الفضاءِ
و راحتْ تغنّي
وكأنّها تسخرُ من سطوتي
أو تظنّني وحديَ في الحصار.""4"

فيتحوَّلُ الفضاءُ هنا إلى قفص , و ضميرُ الأنا هنا يتألَّمُ في وحدتهِ و حصارهِ فالحريّةُ ليستْ فيما نملكْ, و لكنْ في تحرُّرنا من الأشياءِ التي نحاولُ استعبادها ,فتستعبدنا.
و لنقف كذلكَ عند ومضة شعريّةٍ أخرى بعنوان :
"مخالعة"
"خَلعَتْ أسنانَ اللبنِ, وتمضمضتْ
بالحبرِ
خالعتْ طاعاتٍ طاعنهٍ في العمرِ
شبَّتْ عن الطوقِ
فأشعلتْ حريقاً صغيراً بالكادِ
يتَّسعُ لها وحدها""5"
و هنا تَمَرُّد ُ المراهقةِ , و الشبُّ عن الطوقِ , و اشعالُ الحريقِ الصغيرِ ,يقترنُ بتمرُّدِ الكتابةِ و مضمضةِ الحبرِ المنسوبةِ لتاءِ التأنيثِ الساكنةِ في صيغةِ المتكلّم.
وعنوانُ الومضةِ الشعريَّةِ هنا يختزلُ النصَّ , و يَبقى الآخرُ حاضرا ً بصفتهِ موضعَ افتراقٍ و خلع!

*
ثانيا ً: الولعُ بأنسنةِ الأشياءِ و الجمادات.
تطلقُ الشاعرة ُ أبو خالد على واحدةٍ من آخر إصداراتها الشعريَّةِ عنوانا ًملفتةً :
"شجن الجماد"
و لنقرأ َ لها كذلكَ :
- "بقدرِ ما يكرهُ الحجرُ الأصمُّ
استسلامهُ لقانونِ السكون.
لو أنَّ منْْ يسألهُ أحاسيسهُ" "6"

-" يشهقُ الخشبُ على ركبتيِّه"
- "فتكتفي بما تجرحهُ رائحةُ النارنج"..الخ
*

ثالثا ً: الهدرُ اللغويّ : إنَّ قصيدةَ النثرَ عموماً , و قصيدةُ النثرِ الومضةِ تحديداً تتَّصفُ بالإيجاز ِ و التكثيفِ و الاقتصادِ اللغويّ.
لنقرأ َ هذه القصيدةَ الومضةَ بعنوان:
"مكيّف":

"منْ يَخالني ألطِّفُ الجوَّ
لا يعلمُ شيئا ًْ عنْ تجرُّعي
كلَّ تلكَ السموم ِ التي
لا تتركنيْ إلا و قدْ جرَّبتُ
كلَّ أنواع ِ البُكاء""7"
نجد أن النصَّ يستخدمُ لغةً نثريَّة ً تفسيريَّة ً تُقيِّدُ المعنى و تشرحُ المألوفَ
لاحظ " التي – إلا و قد – تلك- التي- كل أنواع "
و لأنْ كانَ «الخروجُ من المجاز, هو الوجهُ الآخرُ للخروج ِ عن العروض»، كما يقول الشاعر محمد صالح في أحد حواراته."8" , و لكن بالمقابل ليس كلُ خروج ٍ عن المجاز شعر؟!
" و على القصيدة ألا تقدِّمُ لنا فكرةً بل شيئاً, أي أنَّ القصيدةَ تجعلُ الفكرةَ أيضاً تتَّخذُ شكلَ شيء""9"
لاحظ كذلك :
"يحسبونني شيئا أو جماد
لا يحفلون بمشاعري الحبيسة
بين فراغات الخطوط
يمرون مسرعين
لا يسمعون دقات قلبي. "

فهنا نجد هدر لغوي , و استطرادات ترهل النص, فالشيء و الجماد متقاربان في المعنى , فمن الممكن اختيار إحدى الكلمتين؟
و السياق الدلالي لكلمة "بمشاعري" يوحى بأنها مشاعر حبيسة و مأزومة , من دون تصريح؟!


فقصيدة النثر- وفق سوزان برنار- " قطعةٌ نثريَّةٌ موجزةٌ موحّدةٌ و مكثَّفة, مثل كتلةٍ من البلّور, و الكثافةُ هنا هي صنوُ الإيجاز , و الواقعُ أنَّهُ كلّما يكونُ التركيبُ الشاعريُّ صارماً ,يتولَّدُ لدينا الانطباعُ بأنَّنا نُقلِّصُ تحت نظرنا مسافاتٍ زمنيّة ""9"
و نجدُ عددا ً من قصائدِ الومضةِ للشاعرةِ أبو خالد تتجهُ هذا المنحى , مما يسمُ تجربتها بالتفاوتِ على المستوى التقني.
--
هوامش:
"1": صبحي حديدي – من دراسة له بعنوان المشهد المعاصر لقصيدة المرأة في الخليج العربي قدمها إلى فعاليات الملتقى الشعري الخامس الذي عقد في دولة الإمارات,ابريل2000 ,,و نشرت صحيفة الاتحاد الاماراتيه ملخصا لهذه الورقة في عددها الصادر يوم الثلاثاء 25ابريل,2000.
"2" مقال بعنوان: الحضور على الجبهة علّمني القتال - جريدة الحياة تاريخ 5-8-2008 , ناصر البراق، شمس علي
"3": الموسوعة العالمية للشعر العربي http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=lsq&shid=584&start=0
"4": نفس المصدر
"5": نفس المصدر
"6": نفس المصدر
7"": نفس المصدر
"8" مقال بعنوان المصري محمد صالح في ديوان"مثل غربان سود"-عبير سلامة- جريدة الحياة 15-5-2005
"9" قصيدة النثر – سوزان برنار ص236
"10"" قصيدة النثر –سوزان برنار- ترجمة د.زهير مجيد مغامس- مؤسسة الأهرام للنشر و التوزيع القاهرة 1999ص140
* شاعر و ناقد سوري



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن