نازك الملائكة- ترى ما سر البدايات الكئيبة؟

سمير الأمير
samirelamir1961@hotmail.com

2010 / 4 / 16


ولدت الشاعرة نازك الملائكة فى بغداد فى العام 1923 وتوفيت فى القاهرة إثر هبوط حاد فى الدورة الدموية عن عمر يناهز 84 عاما فى ٢٠ يونيو ٢٠٠٧ وحين ولدت كان كل ما حولها يشى بأنها ستصبح امرأة ذات شأن عظيم فى الأدب، فأمها " سليمة عبد الرازق"كانت شاعرة ولها ديوان بعنوان " أنشودة المجد"- كما جاء فى مقدمة الدكتور عبده بدوى لأعمالها الكاملة الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة- وكان أبوها صادق الملائكة شاعرا كبيرا، كما كان خالاها، جميل وعبد الصاحب الملائكة من الشعراء المعروفين أيضا، وعرف عن شقيقها الوحيد، نزار الملائكة، المقيم في لندن، بأنه شاعر أيضا ومن المدهش أن نازك تنتمى لعائلة " الجلبى", أى أن لقب الملائكة ليس اسما لعائلتها ولكن جيران العائلة أطلقوه عليهم لهدوئهم ورقة طباعهم فصار بعد ذلك لقبهم، ومن الطريف أيضا أن نازك الملائكة كانت قد بدأت تكتب الشعر بالعامية فى سن السابعة، وفى العاشرة بدأت تكتب الفصحى وساعدها والدها فى ضبط النحو حين قال لها " اذهبى وتعلمي النحو أولاً" ثم اضطر هو نفسه أن يعلمها نظرا لضعف معلمتها بحسب مقدمة الأعمال الكاملة التى كتبها الدكتور عبده بدوى، وقد نشرت جريدة" المدى" مذكرات " نازك الملائكة " وهى شهادة حية من أديبة مرموقة على الظروف السياسية والاجتماعية التى عايشتها الشاعرة، ولكن الإسهام الأكبر الذى حمل للأجيال الجديدة جل أشعارها وكتاباتها النقدية هو ما قام به المجلس الأعلى للثقافة فى مصر فى عام 2002، إذ نشر أعمالها الكاملة فى أربع مجلدات ضم اثنان منهما الأعمال الشعرية وهى دواوين " مأساة حياة " و " أغنية الإنسان" و" عاشقة الليل و " شظايا ورماد و" قرارة الموجة" و " شجرة القمر" و " للصلاة والثورة و " يغير ألوانه البحر" وأخيرا " الوردة الحمراء، أما الأعمال النثرية فاحتوى المجلد الأول على كتابين هما" قضايا الشعر المعاصر" و " سيكولوجية الشعر" وأحتوى المجلد الثانى على ثلاثة كتب هم:- الصومعة والشرفة الحمراء " و " التجزيئية فى المجتمع العربى" ثم مجموعتها القصصية " الشمس التى وراء القمة"
ولعل المتأمل فى مسيرتها الشعرية سيجد أن نازك الملائكة هى خير مثال على النقلة التاريخية التى حدثت للقصيدة فى الوطن العربى وتحولها التدريجى من العمود التقليدى للشعر العربى إلى ما عرف بالشعر الحر والتحرر من وحدة الروى نزوعا إلى وحدة الموضوع ثم ما اصطلح عليه بعد ذلك بقصيدة التفعيلة ناهيك عن كتاباتها النقدية التى واكبت رحلة القصيدة من العمود التقليدى الى ما أسمته هى بشعر الشطر الواحد أو شعر التفعيلة، بالإضافة إلى تأملاتها حول ابن الفارض وإليا أبى ماضى وذلك فى كتابيها "قضايا الشعر المعاصر" و " سيكولوجية الشعر"،
وعلى الرغم من أن ديوان " عاشقة الليل" هو ديوانها الأول المعروف لجمهور الشعر فى الوطن العربى إلا أن، قصيدة " مأساة الحياة" تعد أول أعمالها الشعرية ويرجع السبب إلى أنها بدأت كتابة تلك القصيدة فى العام 1945 و لم تنهها إلا فى العام 1965 ومن ثم سبق القصيدة إلى النشر أعمال أخرى فقد نشرت ديوانها الأول عاشقة الليل سنة 1947، والغريب أن قصيدة " مأساة الحياة" التى بدأتها الشاعرة وهى فى سن الثانية والعشرين تحتوى على نظرة شديدة التشاؤم حيال قضية الحياة و تعترف الشاعرة بتلك النظرة المتشائمة وترجعها إلى إيمانها بكلمات الفيلسوف الألمانى شوبنهور " لست أدرى لماذا نرفع الستار عن حياة جديدة كلما أسدل عن هزيمة وموت، لست أدرى لماذا نخدع أنفسنا بهذه الزوبعة التى تثور حول لا شىء"
وقد احتوت قصيدة مأساة الحياة على كل عناصر الرومانسية التى يحتوى عليها الشعر الرومانسى الانجليزى كما شهدناها عند" وردزورث" وكما أشارت هى بنفسها إلى كيتس فى مقدمة ديوانها مأساة الحياة، وتشتمل تلك العناصر على الاحتفاء بالإنسان والطبيعة وعلى شيوع الروح الحزينة بالإضافة إلى المسحة الدينية، فالاحتفاء بالطبيعة واضح جدا فى الأبيات التالية/آه لو عشت فى الجبال البعيدات/ أسوق الأغنام كل صباح/ وأغنى الصفصاف والسرو أنغامى/ وأصغى إلى صفير الرياح/ والصورة هنا ربما تماثل صورة الفتاة" فى قصيدة الحصادة الوحيدةsolitary Reaper" عند" وردزورث"، أى أن الاحتفاء هنا بالطبيعة وبالإنسان معا، تماما كما اعتاد الشعراء الرومانسيون الإنجليز أن يفعلوا، أما الحزن فى ديوان "مأساة الحياة" فالعنوان نفسه يدل عليه، ناهيك عن أبيات كثيرة مثل:-/ ضاع يا ارض فيكى المعانى/ وتبقى الشقاء والاكدار/ وخبت فى كآبة الموت أصوات الأغانى واستسلم القيثار/،
أما المسحة الدينية فقد أعتمها هذا القدر الذى يبطش بالإنسان، لدرجة انه يمكننا القول أن روح القنوط والتشاؤم واليأس قد حلت محلها، ورغم احتفاء الرومانسيين بجمال الطبيعة إلا أن الطبيعة عند نازك لا تثير فى نفس الإنسان إلا الحسرة كونه عاجزا أن يصير جزءا منها، إن المرور على قصائد هذا الديوان لا يترك فى نفس القارىء غير الكآبة، هذا إن واتته الجرأة أن يكمل تلك القصائد التى لا تحمل سوى مضمونا واحدا ورسالة تقول أن الموت يحيط بالإنسان من كل جانب وان الحزن هو الغالب ولا سبيل إلى السعادة مهما حاول الإنسان وذلك ما استشعرته بعد قراءة قصائد" على تل الرمال " " وقابيل وهابيل" وبين "قصور الأغنياء", وأيضا قصيدة " كآبة الفصول الأربعة" وهو عنوان كفيل بأن يصرف قارىء الشعر الحديث عن قراءة القصيدة نفسها ولا سيما أن الشعر - فى تقدير كثير من مبدعيه وقارئيه - ما هو إلا محاولة للتحليق بعيدا عن كآبة الواقع أو على استكناه بارقة أمل للخروج من وطأة الواقع الحياتى و كذلك سنجد تلك القتامة تسود بقية قصائد الديوان باستثناء قصيدة" أنشودة السلام" التى تم استخدام الأجواء الكئيبة فيها لصالح تنفير الإنسان من الحرب ونتائجها المدمرة،
أخشى أن أكون تجاوزت فى تعميم رؤيتى لشعر نازك بوسمى له بالسوداوية والتشاؤم، وأخشى أن أكون مثل هؤلاء الباحثين اللذين يفترضون افتراضا فى أذهانهم ثم يلون عنق النصوص لكى تتفق مع تصوراتهم المسبقة، على أية حال ، سأحاول أن أتجنب إحصاء الألفاظ الدالة على الكآبة فى مجمل قصائد ديوان "مأساة الحياة" منبها أبناء جيلى من شعراء الثمانينيات وكذا الأجيال التى تلتهم إلى ضرورة الانتباه للفرق بين الحزن والكآبة، باعتبار الحزن عاطفة ايجابية، تنشأ بسبب انحراف الحياة عن الجماليات التى يحرسها الشاعر ويرعاها ويكتب قصيدته بحثا أو دفاعا عنها، و باعتبار الكآبة حالة مرضية لا تعالجها القصائد ولكن يعالجها الذهاب للطبيب النفسى،
جاء ديوان نازك الملائكة الثانى بعنوان " أغنية الإنسان" وهو عنوان يبدو مضادا لعنوان ديوانها الأول ولكن القارىء سيكتشف أن العنوان قد خدعه أيضا باعتباره لا يدل على محتوى الديوان فكلمة أغنية" تشى بتفاؤل غير موجود بالمرة فى قصائد تلك المجموعة وربما يمكننا القول أن روح الديوان الأول ظلت مسيطرة على قصائد الديوان الثانى من حيث تلك النظرة المتشائمة للحياة، وفى ديوانها الثالث"عاشقة الليل" سنجد أيضا استمرارا لنفس النظرة المتشائمة، فتقول الشاعرة فى قصيدة المفتتح وهى بعنوان "ذكريات ممحوة" " لم يبقى شىء غير حزنى المرير/ بقية من حبى الذاهب/ وذكريات من صباى الغرير/ ساخرة من وجهى الشاحب"، ولو انتقلنا لديوانها الرابع " شظايا ورماد" فلن نجد تغييرا جوهريا قد طرأ على أسلوبها فى الكتابة ولكننا سنلاحظ توظيفا دراميا لتلك الحالة فى سياق وجودى كما فى قصيدة " أنا" وفى سياق اجتماعى تمثل فى التعاطف مع الشعب المصرى ومع الفلاحين المصريين فى قصيدة " الكوليرا" و للحق أيضا يمكن القول- دون تقليل من شأن الشاعرة- أن نظرتها لوظيفة الشعر فى تلك المرحلة المبكرة من تاريخ إبداعها لم تكن تقدمية كنظرة بدر شاكر السياب ولا ثورية كرؤية البياتى – ومن ثم حاصرتها – تلك النظرة- فى الإطار الفلسفى الخارجى الذى جعلها تبكى فقط لكى تخالف من يضحكون أو من يتفاءلون، أو ربما ارتبط مفهوم كتابة الشعر عندها بالعبوس والجهامة التى تجعلها تبدو شديدة الحزن، والتى قد تسهم فى تقديرى فى انصراف قطاع من محبى الشعر عن إعادة قراءة دواوينها الأولى،



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن