الاتحاد السوفيتي ...ذكريات قديمة

محمود المصلح
mrand62@yahoo.com

2010 / 4 / 13


كنا لم نتجاوز السابعة من العمر ، وكمثل أقراننا في تلك الفترة كنا نكد مع العائلة لكسب العيش ، وقد صاغت عبارات الطبقة الكادحة ثقافتنا بما كنا نقرأ ونعرف ، وأقول باختصار كنا ندرك بمحض التجربة الذاتية مدى الفرق بين الأغنياء والفقراء ، وكنا ندرك مدى الظلم الاجتماعي فضلا عن الاقتصادي الذي يمارس على الطبقة الكادحة كأمثالنا ، وعندما كبرنا أدركنا ان ما نحن عليه من فكر ( وقد يوصف أحيانا من قبل الاخرين بانه حقد طبقي ) اكتشفنا اننا نميل الى فكر اليسار الاجتماعي رغما عنا ودونما ان نخطط لذلك وبلا منظرين وبلا احزاب او منظمات يسارية او دول شيوعية او اشتراكية او يسارية او عقائدية .

صاغت حقبة السبعينيات من القرن الماضي أفكار العديد من ابناء جيلنا ، وتربينا على الفكر الثوري الذي كانت تغذيه ألاف القنوات وتمده عشرات الينابيع الفكرية ، من منظمات مجتمع مدني والمنظمات الثورية المحلية والعالمية التي كانت تبث أفكارها إلى مجتمعنا دون رقيب او حسيب وتغذي بها مريديها ومشجعيها .. وأعضائها .في الوقت الذي كنا نسمع عن العشرات ممن فقدوا لنكتشف انهم قتلوا غيلة بظروف غريبة غامضة .. او لنسمع ان احدهم خرج بالامس من السجن .. فيقيم له الاهل احتفالا كبيرا .. وربما يكون الاحتفال اقرب ما يكون الى حفل العرس . لنكتشف ان هذا الطليق الجديد اهبل .. مجنون .. فقد عقله .. ليطبل خلفه الأولاد بالحارات والأزقة .. مجنون ... مجنون .. فيتداول الناس قصته وقصص العشرات من امثاله .. ليقول البعض هذا المجنون كان معلما ... وهذا كان مهندسا ..

فما أن انقضى عقد السعينيات وهل عقد الثمانينيات حتى بدأ الموفدين في بعثات الى منظومة الدول الاشتراكية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي السابق ، والدول العربية التي كانت تدور في فلكه بالعودة الى البلد .. وكان دورهم واضح ملموس في بث افكار تلك الدول بين أقرانهم .. وخصوصا أوقات الإجازات والعطل الجامعية .. ليتركوا لخيانا ان يحلق اكثر .. وان نبني على ما قالوا واخبروا اكثر واكثر .. لتتحول تلك البلاد في نظر اقراننا جنة بالمعنى الحرفي للكلمة ..

لقد أمدت تلك الدول وطننا . ..ودعمتنا .. ووقفت الى جانبنا .. في وقت كنا اشد ما نكون فيه حاجة الى من يقف معنى ويساعدنا ... ( بغض النظر عن اهداف تلك الدول من المساعدة وما ترمي اليه ) .

فلا زلنا نتحسر على تلك الايام التي كانت تتيح للفرد من ان يتخصص في الطب والهندسة والفنون وشتى أنواع العلوم .. دون مقابل وبلا تعليم نظامي وموازي .. وبلا رسوم وبلا ربط أحزمة وبلا منغصات على الأسرة وهي تدخر القرش على القرش من حاجاتهم اليومية الضرورية لدفع الأقساط الجامعية .. لان التعليم عندنا اصبح للنخبة وربما لنخبة النخبة ... في الوقت الذي نجد فيه دول أفقر منا وتعيش حالة العوز بحذافيرها ولكن التعليم الجامعي مجاني او شبه مجاني .

اليوم وقد انهارت المجموعة الاشتراكية ، وتفكك الاتحاد السوفيتي ، وانحل عقد الدول التي كانت تدور بفلكه وتقدم المنح الدراسية ، اجد فقراءنا بلا معيل وبلا نصير الا الله ..
كم آلمني وانا أرى تمثال لينين يهدم ، وكم المني وانا ارى علم الفقراء بمنجله ومطرقته ينزل من ذرى ساريته ،وكم حزنت وأسفت على تاريخ عريق بني بالدم وتعمد به وهو يذوب وكان اسيد صب عليه ، وكم حزنت على أولئك الفقراء الكادحين الذين كانوا يرون في الاتحاد السوفيتي دولتهم وحاميتهم ونصيرهم وهي تنهار تحت وطأة الخيانة والمادية الرأسمالية الغربية البغيضة . ونحن نرى الآلاف من مواطنين الاتحاد السوفيتي ينبشون حاويات القمامة للبحث عن لقمة خبز ، ونحن نتذكر ان الاتحاد السوفيتي لم يسجل عاطلا عن العمل او مشردا بلا مأوى في اوج عزته وقوته وصوته في الامم المتحدة والعالم .
ولنتحصر على خيرات كانت تأتينا منه ، بما قدم لنا ولشعوب العالم الفقيرة المعدمة . يكفي ان نرى المشاريع العملاقة في وطننا العربي والتي كانت من صنعه .


اليوم اجد مئات الالاف ممن تخرجوا من تلك الدول ، وهم ولا اعمم ، لا يحفظون للمعروف ودا ، و لا يتخلقون بما تدربوا عليه من نبذ للعنصرية والطائفية ، ولا ينحازون للفقراء كما انحاز لهم الناس من قبل ، فنرى الطبيب لا يرحم فقيرا ويعطي محتاجا ، وقد تكرش بطنه وانتفخ . ونسي انه كان معدما فقيرا محتاجا ، كما نسي من بعثه الدولة على حسابها ما يجب عليه ان يفعل . فمنهم من هرب واستقر بتلك البلاد ونسي وتناسى اهله وبلده وربما ملته وبات بلا هوية محددة ، هجين ، بكل ما تحمل هجين من معنى .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن