حول هزيمة اليسار العراقي .. شكراً لعبد الله خليفة !

سمير طاهر
samirtahir@gmail.com

2010 / 4 / 11

في مقاله الأخير "هزيمة اليسار في الانتخابات العراقية" (موقع الحوار المتمدن) يقدم الكاتب البحريني المهم عبد الله خليفة تقييما سريعا لتاريخ الحزب الشيوعي العراقي ولفشله الفاضح في الانتخابات العراقية. الاضاءة بحد ذاتها مهمة. ورقيها العلمي ( الذي لن يعجب العاطفيين من جمهور ومن خصوم الحزب على السواء) متأت من مقاربتها لمسألة المنظور المادي للنظام السياسي الحاكم، وهي مسألة قلما طرحت على بساط البحث. فقد اعتدنا أن نسمع، ونقول أيضاً، ما يخاطب ثاراتنا السياسية وصراعاتنا القبَلية التي كنا ندعوها ـ للتغطية ـ صراعات أيديولوجية. ولو تيسر لنا أن نستمع ذات يوم الى مقاربة لأنظمتنا السياسية مستمدة من العِلْم الماركسي (وليس من العَمَل الماركسي!) لضقنا به ذرعاً على الأرجح، ليس فقط لأنه لا يلبّي نزعاتنا العاطفية البدائية (الحقد لدوافع سياسية، التعصب الأعمى للجماعة السياسية، الايمان الاعمى، عبادة الأشخاص، تقديس النصوص، الاستسلام للانفلات العصبي في العمل السياسي، تسويغ العنف ـ وحتى الاجرام ـ السياسي) وإنما لأن مثل هذه المقاربة يمكن أن تستنتج ضرورة تدعيم الأنظمة البورجوازية (حتى تنشئ القاعدة الاقتصادية اللازمة لتكوّن الطبقة العاملة) وهذه الأنظمة هي غالباً في صراع عنيف مع أحزابنا الشيوعية! أو ـ بعبارة أخرى ـ ان العِلْم الماركسي يتناقض مع العَمَل الماركسي. وهنا تكمن إحدى الخلفيات للخلافات الكثيرة التي حصلت قديماً بين الحزب الشيوعي السوفياتي والأحزاب الشيوعية في العالم الثالث: حيث كان السوفيات يحملون منظوراً أممياً وبعيد المدى لعملية التطور المادي في العالم كله يستنتج ـ في النهاية ـ ضرورة دعم "البورجوازيات الوطنية"، بما فيها الأنظمة العسكرية والتنظيمات العُنْفية، في جهودها لاقامة رأسمالية الدولة على أمل أن تنتج هذه الرسملة فيما بعد الطبقة العاملة التي ستبني الاشتراكية (*)، بينما تلقي بنا هذه البورجوازيات الوطنية في غياهب السجون وتقترف بحقنا المجازر! كان ذلك مأزقاً لعيناً (مأزق إبن كلب، كما يقول المصريون) على نطاق عالمي حيث عانى منه الشيوعيون في بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية خلال النصف الثاني من القرن العشربن. والحقيقة ان من مفارقات الماركسية أنها، كعلم، ليست مناسبة لعقول الجماهير البسيطة رغم أنها خلقت من أجل إنصاف هذه الجماهير ورغم ان الأخيرة هي عماد الأحزاب الشيوعية! هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، هل يسوّغ المنظور العلمي المادي الديكتاتورية والبطش السياسي والاحتلال والخيانة الوطنية؟ هنا علينا الانتباه الى الفارق بين التحليل والتسويغ، ذلك الفارق الذي أدت عدم ملاحظته الى اتهام مفكرين لماركس بتسويغه الكولونيالية مستشهدين بتحليله للنتائج الثانوية التاريخية اللامقصودة للاستعمار البريطاني للهند، أو ما عرف بحالة مكر التاريخ (من بين من أصروا على هذا الاتهام إدوارد سعيد). وإذا شئنا الصراحة، من الصعب العثور في الحياة الأرضية، القائمة على صراع الأضداد والمولودة منه، على حالة أو ظاهرة إيجابية كلها أو سلبية كلها! فبأي تخريج إذن سنسوغ الاحتلال الأمريكي للعراق رغم فوائده الثانوية التاريخية اللامقصودة؟ وبأي تخريج سنبرر التواطؤ مع هذا الاحتلال وارتكاب الخيانة الوطنية خدمة لنزعاتنا العاطفية البدائية (الحقد على صدام شخصيا، الثأر السياسي من حزب البعث، الأنانية المباشرة)؟ كل الشكر للماركسية التي منحتنا مصباحاً لا يكتفي بإنارة الموضوع وإنما يكشف المختفي وراء الموضوع؛ لكنها لم تقل أبداً أن هذا المختفي وراء الموضوع هو شيء عادل، بل بالعكس. ثم ان القيادة الحالية للحزب الشيوعي العراقي لم تقل أنها تتعاون مع "قوات الحلفاء!" كما تدعو الأمريكان بدافع إخلاصها العميق للماركسية، أو تَمَكّنها من النظرية العلمية المادية، وإنما على العكس هي تستخدم مفردات مثل "المرونة" و"الوضع المعقد" و"السياسة" و"التوافق" و..و..
بمعنى: أنه لا الماركسية العظيمة، ولا حتى الشعور الفطري بالانتماء الوطني، يبرر لقيادة الحزب الشيوعي العراقي تواطؤها مع المحتلين الأمريكان. وحين ذكرنا الشعور الوطني الفطري فلكي نعود الى رأس الموضع ونقول ان المواطن العراقي، الذي خبر كيف كان الشيوعيون في مقدمة المقاومين للاحتلال البريطاني وعملائه، ورأى كثيرين منهم يدفعون حياتهم ثمناً لمقاومة المحتلين، لم يستوعب عقله أن هؤلاء الذين يدعون أنفسهم شيوعيين يتعاونون مع محتلي بلدهم ويتعاملون معهم يومياً وبجميع المستويات ويتهربون من شعارهم العريق "وطن حر وشعب سعيد". لهذا لم يصوت هذا المواطن للحزب الشيوعي رغم تعكز الأخير على تأريخ الأسلاف خزياً من حاضره اللاوطني فأطلق على قائمته الانتخابية إسم جريدة قديمة على سبيل التذكير! هزيمة الحزب الشيوعي في الانتخابات كانت ضرورية لكي يفيق المخلصون منه ويندفعون الى الشارع رافضين المال الحرام والتواطؤات غير الشريفة، مطالبين بتحرير الوطن من الاحتلال الأمريكي والنفوذ الايراني والارهاب السعودي والتآمر السوري، مرددين كلمات بسيطة وقليلة لكنها كافية وافية: وطن.. حر.. وشعب.. سعيد !
ــــــــــــــــ
*) هنالك بالطبع خلفيات أخرى لتلك الخلافات ومنها المصالح السياسية والاقتصادية للدولة السوفييتية مع دول تشن أنظمتها حملات على الأحزاب الشيوعية فيها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن