هذا ما أقوله لتلامذتي في الحصّة الأولى.

محمد كشكار
mkochkar@gmail.com

2010 / 4 / 2

أطرح عليكم هذا الاجتهاد الشخصي حول طرق التدريس و أعرضه عليكم للنقد لأن النقد يصقل و يطور الفكرة.
أهلا و سهلا بكم في قسمكم و معهدكم و أتمني لكم عاما سعيدا يتوج بالنجاح إن عملنا لتحقيق ذالك.
بعد التحية, أعرف بنفسي : أنا أستاذ علوم الحياة و الأرض , عينوني منذ 36 سنة لتدريس هذه المادة و منحوني "ترخيصا مدي الحياة دون قيد أو شرط". لكن أنا آليت علي نفسي أن أحسّن مستواي العلمي و البيداغوجي و التعلمي . لا زلت حتى الآن أتعلم مثلكم و أتعلم منكم أيضا و أنا علي قاب قوسين أو عامين من التقاعد.
نمر الآن إلي المهم و هو "العقد ألتعلمي" (le contrat didactique) الذي يربط بيني و بينكم و هو عقد ضمني غير مكتوب و مسكوت عنه من جل مدرسي الابتدائي والثانوي و العالي دون قصد.
سأحاول شرح هذا العقد حتى تتبين الحقوق من الواجبات.
 سنبدأ بالحقوق التي كفلها لكم القانون و لا تتمتعون بها فعليا إما بتقصير منكم أو بتعسف من غيركم:
 أول حق هو حقكم في الاحترام الكامل من طرف المدرس و الإدارة و العملة يعني ممنوع اللمس و الضرب
و السب و الشتم و الإقصاء المجاني و تخفيض العدد و التدخل في الشؤون الخاصة و التشهير بالأخطاء.
 ثاني حق هو حقكم في فهم الدرس حتى و إن أدي الأمر إلي تأخير في البرنامج.
 ثالث حق هو حقكم في نقاش العدد الذي يسند إليكم و مقارعة الأستاذ الحجة بالحجة بكل أدب و لياقة.
 أما الواجبات فهي الآتية:
 أول واجب هو احترام المدرس و ليس تقديسه لأنك لو لم تحترم المدرس فلن تتركه يقوم بواجبه و لن تستفيد من علمه و لو قدسته فلن تستفيد أيضا لأنك ستصدق كل ما يقوله و أنت مسلوب الإرادة و العلم لا يطلب التقديس بل يطالب بالنقد فهو مبني علي الخطأ و الصواب.
 ثاني واجب هو عدم التأخير في الحضور و عدم تعطيل سير الدروس و الانتباه لكل ما يقوله الأستاذ أو التلاميذ المتدخلون.
 ثالث واجب هو مراجعة الدروس في المنزل ليس لأن المدرس كلفك بها بل لأن المعلومات لا تفهم و لا تستقر في الذاكرة إلا بالمراجعة و الهضم الشخصي المتأني و القيام بالتمارين و الذكاء يكتسب و لا يورث.
 أعود بعد الحقوق و الواجبات إلي طريقتي الخاصة في العمل و التعامل مع التلاميذ و هي وليدة تجربة و علم حيث أقول لهم:
 لن أعاقبكم مهما فعلتم حتى و إن وصل الأمر إلي التعرض لي في الشارع. اشطبوا إذا بالأحمر كلمة " عقوبة" علي الأقل معي أنا, لأنني لست مسؤولا, لا علي زملائي و لا علي الإدارة و لا علي الوزارة. و هذا الموقف من العقوبة ليس طيبة و لا كرما مني بل هو موقف علمي مبني علي اطلاع واسع علي تجارب تربوية في مجتمعات أخري. هذا لا يعني التشجيع علي التسيب لهذا سأقترح عليكم بعض الإجراءات, إن وافقتم عليها ستقوم مقام القانون بيننا: يقصي من القسم كل تلميذ يعطل سير الدرس و لا يستجيب لتحذيرات المدرس المتكررة و كل من يقل أدبه علي زميله أو علي المدرس. الحكمة من هذا الإجراء هو حماية الأكثرية من أخطاء الأقلية و تجنيب التلاميذ الوضعيات غير الحضارية و غير التربوية كالمواجهة الكلامية بين المدرس و التلميذ. بعد خروج التلميذ, يهدأ المدرس و يواصل درسه و يهدأ التلميذ خارج القسم. فإذا كان المدرس مخطئا, يدعو التلميذ إلي الرجوع للقسم و يعتذر له أمام الملأ و إذا كان التلميذ مخطئا, يرجع للقسم بعد دقائق و يطلب العفو من المدرس و يواصل التعلم. يسند واحد علي عشرين لكل من يغش في الامتحان لأنه سيتفوق علي زملائه دون وجه حق و لن أحيله على مجلس التربية لأن لا يعاقب على جرم أجبر على ارتكابه بسبب الضغوطات الخارجة عن نطاقه مثل اكتظاظ القسم و طول البرنامج أو عدم ملاءمته لاهتمامات التلميذ.
 سأقترح عليكم بعض الأدوات المدرسية و أترك لكم حرية اختيار النوعية الغالية منها أو الرخيصة حسب إمكانياتكم إلا الكتاب المدرسي فهو إجباري و ضروري و سنستعمله في القسم و في المنزل للاستفادة من المعلومات و التمارين. تمنيت لو كان الكتاب اختياريا أيضا مثل ما هو موجود في البلدان المتقدمة.
 ألاحظ دائما مستوي متواضعا في اللغة الفرنسية لدي تلاميذ السنة أولى في مرحلة الثانوي بسبب التعريب الكامل في التعليم الأساسي [في تونس يدوم التعليم الأساسي تسع سنوات من الأولى أساسي إلى التاسعة أساسي يعني مرحلة الابتدائي و مرحلة الإعدادي, يدرس التلاميذ باللغة العربية الرياضيات و الفيزياء و التقنية و علوم الحياة و الأرض] لذلك ألفت انتباهكم إلي أهمية هذه اللغة في تكوين مستقبلكم الدراسي و ليس أدل علي ذالك أنكم في مرحلة الثانوي تدرسون بها الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و التقنية و علوم الحياة و الأرض و الإعلامية و في مرحلة الجامعة تدرسون بها الطب و الهندسة والطيران و كل الشعب العلمية دون استثناء. إذا لا تتجاهلون اللغة الفرنسية لأن لا يتجاهلكم العلم الحديث. و أحسن طريقة لتحسين مستواكم هو استعمالها في القسم و خارج القسم. لا تغفلوا أيضا تعلم اللغة الأنقليزية فهي اللغة العالمية الأولى. أما اللغة العربية فهي هويتكم و لغتكم الأصلية و أوصيكم بها خيرا لأن اللغة يفرضها رجالها و نساؤها و تقدم بلدانها و ازدهار تراثها.
 أرى أن "خطأ التلميذ في القسم" [ l’erreur de l’élève en classe ] أصبح شرعيا و هو محرك الدرس. كان وضع الخطأ سلبيا في المنظومة التربوية فأصبح الآن ايجابيا. فكلما أخطأ التلميذ أكثر, استفاد هو و زملائه أكثر, و نجح الدرس أكثر.
 أما تقييم الامتحانات فيخضع إلى ضوابط علمية : لديكم ثلاث فروض كل ثلاثة أشهر, فرض في الأشغال التطبيقية داخل القسم و فرض مراقبة بنصف ساعة يحتوي علي أسئلة مباشرة حول الثلاث دروس الأخيرة و فرض تأليفي في آخر الثلاثي يتكون من أسئلة تخص الذاكرة و الفهم و الرسم و الملاحظة و خاصة توظيف المعلومات.
 أرى أن من حق التلميذ المطالبة بمقياس الإصلاح [barème de correction] في بداية الامتحان حتى يستفيد منه أثناء الإجابة و عند الإصلاح.
 كما تلاحظون داخل القاعة, يوجد مخبر إعلامية خاص بعلوم الحياة و الأرض, سنحاول استغلال الحاسوب و الاستفادة من مزاياه المفقودة عند المدرس والكتاب المدرسي التونسي و هي كثيرة نذكر منها علي سبيل الذكر لا الحصر : الحاسوب لا يضرب و لا ينهر. الحاسوب لا يتعب و لا يمل من الإعادة و التكرار. الحاسوب يوفر أستاذا افتراضيا [ professeur virtuel ] تحت الطلب في المعهد و الشارع و المنزل و في القطار إن شئتم. أستاذ افتراضي يختاره التلميذ من تونس أو من الصين. يملك الأستاذ الافتراضي في الحاسوب من المعلومات ما لا يملكه كل أساتذة العالم. يقدم الأستاذ الافتراضي في الحاسوب صورا علمية تفوق ألف مرة في الدقة و الوضوح و الألوان ما يقدمه الكتاب المدرسي التونسي الوحيد و الإجباري. في الحاسوب, يجعل الأستاذ الافتراضي القلب ينبض أمام عينيك و يحيي افتراضيا العظام و هي رميم فتري الديناصور يقفز و يطير.
أمضي مقالي كالعادة بجملتين مفيدتين: "أنا أكتب - لا لإقناعكم بالبراهين أو الوقائع - بل بكل تواضع لأعرض عليكم وجهة نظر أخرى"..."على كل مقال سيّئ نردّ بمقال جيّد لا بالعنف لا المادي و لا اللفظي".



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن