أين هي ثقافات وعقائد شعوب المنطقة قبل الغزو البدوي؟

نضال نعيسة
nedalmhmd@yahoo.com

2010 / 3 / 24

حين أفتح كتب التاريخ والجغرافيا واللغة العربية والتربية الدينية في معظم هذه المنظومة الشرق أوسطية أدرك حجم المؤامرة والجريمة الثقافية المنظمة التي تقودها وزارات الثقافة والإعلام والتربية وما يسمى بالأوقاف ضد عقول الأطفال الصغار في هذه المنطقة عبر عملية غسل الدماغ والتطهير الثقافي التي يتعرضون لها، وكلها تصب في تجميل الجريمة التاريخية الكبرى التي ارتكبها الغزاة البدو البرابرة بحق شعوب وحضارات وحياة المنطقة. ( لا أدري لماذا لم يمكثوا، ولم يلزموا حتى اليوم، في جزيرتهم الصحراوية ويكفوا الشعوب الأخرى شرورهم؟)

لاشك، البتة، بأنه قد جرت عملية تطهير ثقافي كبرى ضد شعوب المنطقة مع دخول جحافل الغزاة البدو الجفاة البرابرة إلى المنطقة تحت الرايات المقدسة بحيث فرضت على تلك الشعوب، التي كانت تنتج الحضارات كما تنتج العنب والنبيذ والموسيقى والجمال، نقول فرضت لغة، وعقيدة، وفكر أحادي صحراوي قاحل متطرف لا ينتج إلا الإشكاليات والصراعات والتذرر والانقسامات المستمرة منذ ألف وأربعمائة عام، ومن دون أن يلوح في الأفق أية نهاية لها. لقد ألغى الفكر البدوي الهمجي حضارات تلك الشعوب وثقافتها ولغتها وعاداتها وتقاليدها، وحرم إبرازها والتعريف بها أو الانتساب لها، وحل محلها، تحت اسم المقدس، وفرض العهدة العمرية التي تعتبر واحدة من أضخم عمليات التطهير العرقي والإذلال الثقافي والاستعلاء والازدراء العنصري، ضد كل من رفض الانطواء تحت الرايات البدوية السوداء. (كانت الرايات السوداء هي العلم الرسمي للدولة العباسية، وهي رمز تقريباً لكل الجماعات والتيارات التي تمثل الفكر البدوي).

لقد توصلت شعوب المنطقة قبل مجيء الغزاة البدو البرابرة إلى أنماط حياتية وسلوكية وثقافية راقية تجلت في تلك الآثار والأوابد الحضارية العريقة والفنون المتقدمة التي تركوها والتي نرى بقاياها في الشام والعراق ومصر، والتي تعكس حباً وعشقاً وإبداعاً حياتياً وعطاء مستمراً كان ديدن تلك الشعوب قبل الدخول في النفق البدوي المظلم الطويل. لكن اليوم وبكل أسف، وبتواطؤ معلن بين حكومات الإمارات الدينية، والفكر البدوي المدعوم بترودولاريا الذي يطبق على شعوب المنطقة، لا يتم البتة التعريف بحضارات وثقافات تلك الشعوب، وهناك تركيز كبير في المواد الدراسية على فكر وثقافة وأنماط حياة البدو المشغولين بالفرج والقتل وفتاوى التكفير والعنصرية والاستعلاء ضد الآخرين، ما ينتج أجيالاً مشوهة ممسوخة مضطربة في علاقتها مع الحياة، ومع الآخر. وتعتبر حصص التاريخ، والجغرافيا، واللغة العربية، والتربية الدينية، التي تهيمن على المناهج الدراسية في المنطقة، كلها حصص دعاية مجانية وتطهير ثقافي معلن ورخيص للفكر البدو الآثم الرث القاحل الجاف، وتبدو كعمليات غسل دماغ، وتطهير ثقافي، ومحض نفاق وتزوير تاريخي، تساهم فيها هيئات رسمية، تحاول بشتى السبل تجميل ذاك التاريخ القبيح الدموي وحشوه في رؤوس اليافعة والأطفال الصغار، الذين هم أمانة تاريخية في أعناق الكبار والراشدين، في واحدة من أكبر جرائم التطهير الثقافي التي حدثت وتحدث في التاريخ، وتشويه العقول الغضة البريئة بذاك الشكل الممنهج هي جريمة كبرى لا تغتفر. ( أتخيل، بكل حرقة وألم، كيف ستكون عقولنا ونفسياتنا وأفكارنا وسلوكنا اليومي لو لم تحش رؤوسنا بالسموم والفيروسات البدوية؟)

وفي نفس الوقت هناك تقصد متعمد، ومكر ممنهج وتعتيم مبرمج، لإخفاء سيرة وحياة تلك الشعوب العظيمة والمبدعة التي سادت وأبدعت قبل غزو البرابرة البدو، كالحقب الأوغاريتية الهيلينستية والبيزنطية والرومانية والإغريقية...إلخ، بحيث يكون لدى المتلقي طيف واسع وخيارات متعددة ومتنوعة من الحضارات والثقافات ينتقي منها ما يشاء بدون فرض أحادية ووصاية ثقافية احتكارية تنتج عقولاً أحادية موتورة عصابية ومريضة مشغولة بالسفائف والتوافه وصغائر الأشياء.

وبموازاة ذلك كله، هناك محاولة خبيثة لنسبة إنجازات وعلوم وإبداعات تلك الشعوب لأولئك البدو البرابرة الغزاة القتلة كما فعلوا مع المسجد الأموي الذي كان كنيسة يوحنا المعمدان، وكان له مئذنة، ومن يومها، فقط، تعرفوا على ما يسمى بالمآذن، كما ذكر ذلك الكاتب المصري الإسلامي المعروف فهمي هويدي، والتي عملوا عليها "هوشة وطوشة"، و"هيصة وجرصة" مع سويسرا، وتباكوا فيها على المئذنة التي هي بالأصل تقليد فني معماري بيزنطي ومسيحي لا علاقة للبدو العرب فيها حيث لم يكن في جزيرة الرمل العربية أي نوع من الفن المعماري حيث كانوا يقطنون ويعيشون في العراء الخيام وبيوت الشعر وتحت النخيل فمن أين لهم بالمآذن والقناطر والفنون المعمارية التي كانت مزدهرة في روما وبلاد فارس وقتذاك.

ونادراً ما ترى في المناهج الدراسية ذات التركيز على الحضارة والأديان والثقافات والعبادات والطقوس والعقائد والأشعار والفنون والآثار التي تركتها تلك الشعوب، التي يجب أنت تأخذ حقها من الدراسة والتمحيص والفحص، والتي لا تعرف الأجيال الصاعدة أي شيء عنها، بذات القدر الذي تعرف فيه عن غزوات البدو العرب، وسير القتل والدم التي سببها معاوية، وعمرو بن العاص والحجاج والزبير وأبو جعفر المنصور وأبو العباس السفاح.....إلى نهاية سلالات الدم هذه. لماذا لا يكون هناك حصص دراسية بالتساوي ومناصفة للتعريف بالحضارات والثقافات التي كانت سائدة بنفس التركيز الذي يتم فيه التركيز على أزعومة الحضارة العربية التي كانت مجرد عملية سطو كبرى على حضارات وعلوم وثقافات الشعوب التي وصلتها القدم الهمجية، كون العرب في جزيرتهم الموبوءة بالجنس والدم، لم تعرف حتى تاريخه أي نوع من الحضارة والإبداعي الحضاري لشعوب من البدو الرحل من رعاة الإبل والشاة كانوا يتنقلون في البوادي بحثاً عن الكلأ والماء، وينامون في العراء.

لنتخيل لو تقوم وزارات الثقافة والتربية في المنطقة بتعليم الطلاب الطريقة العبقرية، بالقياس إلى ذلك الزمن، حول كيفية بناء حدائق بابل المعلقة، والتعمق في دراسة قانون حمورابي، والتركيز على اللغة المسمارية والهيروغليفية والآرامية، وحضارة ماري، وأوغاريت، وإيبلا، وأفاميا، ومدارج بصرى وجبلة والحضارة المعمارية التدمرية الخالدة والتي ترتعش فرائضي، إزاءها، في كل مرة أزور تلك المدينة العظيمة والخالدة وأتخيل روعة الحياة والحرية والفرح والحيوية التي كانت في شوارعها بدل شوارعها المظلمة والمعتمة الحزينة القاحلة والداكنة المستنفرة المحقونة بالسواد والحقد والتطرف والكراهية وتكتنز الثأر والانتقام والتي سادت لاحقاً بعد دخول البدو، أو تعريفهم بالكشف العلمي الرياضي والهندسي الموثق وفرضياته حول كيفية بناء الأهرامات التي لا تعرف عنها أجيالنا وفلذات أكبادنا أي شيء، بدل تعليمهم جرائم الغزو، وطريقة دخول الحمام، وطرق الجماع والإيلاج وكيف تم حرق مكتبة الإسكندرية، وكم هن عدد زوجات هذا الخليفة، وكم غلام وطأ ذاك الطليق، وكم رقبة قطعها ذاك الوالي السياف المخيف، وعن تعدد الزوجات، وملك الإيمان، واسترقاق وسبي النساء، واحتقار المرأة وقوننة الرق والعبودية وإعتاق الرقبة، وبول البعير وإرضاع الكبير، ونكح الصغير، وموبقات وخلاعة وشذوذ الأمير، أية ثقافة وأية سموم نحشو بها رؤوس الأجيال ونخربها وندمرها ونحولها إلى عقول مريضة مثخنة بالفيروسات المهلكة القاتلة للإبداع والحياة. ألا يعتبر ظهور بن لادن والظواهري والزرقاوي وكل فصائل "الواوي" الأخرى، محصلة طبيعية لهذه الثقافة التي يتغنى بها ذاك الوزير الطالباني الجليل على الطالعة والنازلة، وبالتالي ضرورة إعفائهم من المسؤولية القانونية وتحميل وزارات الثقافة والتربية والإعلام والأوقاف في المنظومة البدوية وزر جرائمهم؟ (بالنسبة لتعدد الزوجات وهو نوع من الدعارة المقنعة لكنه يدرس للطلاب كمسلّمة مقدسة من دون الإشارة لبعده القانوني الصريح: تعريف الدعارة القانوني هو عدم الاكتفاء بشريك جنسي واحد، وطلب المتعة الجنسية من أكثر من شريك، ما يفتح الباب واسعاً أمام الانحرافات والجرائم الجنسية وتصوير الدعارة الشرعية أي تعدد الزوجات على أنه سلوك طبيعي وقانوني وبطولي، لا بل ومقدس).

لقد نبذت الكثير من شعوب العالم المتحضر المراحل السوداء والمضطربة والدموية من تاريخها. وهناك اليوم إدانة وتجريم للنازية والعقائد الفاشية والعنصرية التي جرت الخراب والدمار على شعوب وبلدان وجرت لذلك اعتذارات ومراجعات وتراجعات، إلا ها هنا فهناك إمعان في رؤية عوراء لكل ما جرى في تاريخنا الأسود الطويل. إذ لا يمكن إيجاد تفسير لهذا الإصرار العجيب على الاحتفاء، وتقديس ذاك التراث والتاريخ الدموي الذي أنتجه البرابرة البدو، وزرعوه في بلادنا، وما زالت أجيال وأجيال تحصد نتائجه المرة، إلا من باب الإمعان في الجريمة ومحاولة استدامتها قدر الإمكان ومراكمة المزيد من أعداد ضحاياها الهائلة. والأنكى حين ترى وزيراً لثقافة يتغنى بكل تلك الجرائم والتاريخ الأسود باعتبارها أمجاداً وبطولات ويزرعها في عقول الناشئة على هذا الأساس.

بات من الضروري اليوم، ومع هذا الانفتاح العولمي المبارك، أن تطلع شعوب المنطقة وبشكل ممنهج ومركز ومدرسي على ثقافات وحضارات المنطقة التي سادت وأبدعت وأعطت الإنسانية كل قيمة وجمال وفن وذوق، وتعريفهم بأنهم فعلاً ينتمون لأرض مبدعة وتاريخ مجيد غير ذاك التاريخ الذي أنتج القتلة واللصوص والسفاحين والزناة الكبار، ومن بعدهم جاء وزراء ثقافة الطالبان ليكملوا المهمة التي عجز عنها أسلافهم في تكريس التزوير. وبات في حكم الضرورة إجراء المقارنات الدقيقة والمنطقية، وتلقين الأجيال الصاعدة أن تاريخ المنطقة ليس هو فقط تاريخ أولئك البدو البرابرة، بل كان هناك شعوب وحضارات وأمم أعظم وأعرق بكثير من هؤلاء البدو المنحطين المهووسين بالفرج والدم، والذين جلبوا معهم هذا الكم الهائل من الخراب والويل والدمار والهمجية والثقافة الرثة السوداء.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن