شجار عائلي

محمد السهلي

2010 / 3 / 17


من الخطأ الاستهانة بمساحة التوتر المستجد في العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية على خلفية قرارات نتنياهو الاستيطانية في القدس والضفة. فقد شعرت الإدارة الأميركية بأنها قد أهينت على يد حليف استراتيجي يدين لها بأسباب المنعة التي يتمتع بها في كنف الرعاية الأميركية.
لكن الخطأ الأكبر يأتي من التقديرات المبالغ بها حول حجم الخلاف بين تل أبيب وواشنطن لتصل إلى توصيف التوتر القائم بالأزمة الخطيرة في العلاقات بين الجانبين وهو أمر يؤدي إلى بناء توقعات وهمية تعيدنا إلى السياسات التي تستسهل الاعتماد على دور الآخرين في النهوض بقضايانا.
وعلى الرغم من أن واشنطن قد خفضت منسوب السجال الإعلامي حول الخلاف إلا أنها تصر على لسان وزيرة الخارجية كلينتون على أن تقوم تل أبيب برد الاعتبار لها من خلال أربعة مطالب قالت إن تحقيقها يمكن أن يطوي ملف الخلافات القائمة.
وفي إطار عرض المطالب الأميركية نقلت مصادر أميركية عن الوزيرة كلينتون أنها أبلغت بنيامين نتنياهو في مكالمة هاتفية غاضبة إصرارها على تنفيذ جميع هذه المطالب كرزمة واحدة. تبدأ المطالب: بإجراء تحقيق جاد حول إقرار المشروع الإسرائيلي ببناء 1600 وحدة سكن في حي شعفاط في القدس الشرقية المحتلة، والإعلان عنه خلال زيارة بايدن، نائب الرئيس الأميركي إلى إسرائيل، والخروج باستنتاجات واضحة إن كان هذا قرارا بيروقراطيا أو قرارا مقصودا. وثانيا: إلغاء هذا القرار بشكل رسمي. وثالثا: القيام بخطوات تدل على «نيات حسنة» تجاه الفلسطينيين تساعد على استئناف المفاوضات معهم. ويشترط الطلب الرابع الإعلان بشكل رسمي من قبل الحكومة الإسرائيلية بأن المفاوضات التي سيجري استئنافها مع الفلسطينيين ستتناول حتى وإن كانت غير مباشرة القضايا الجوهرية للصراع.
وفيما يمكن أن نضع الطلبين الأول والثاني في خانة ردة الفعل الأميركية المفترضة على قرارات الاستيطان الإسرائيلية «الجديدة»، فإن الطلبين الآخرين يدخلان في إطار بنود خطة واشنطن التي أعلنت قبل شهرين، ولم تحظ بموافقة فلسطينية في حال استمر الاستيطان وتم تعويم مرجعية المفاوضات.
ومن الواضح أن واشنطن تنظر بانزعاج إلى قرارات نتنياهو الأخيرة لأنها تعتبر أنها قطعت الطريق على استثمار الموافقتين «العربية» و«الفلسطينية» على استئناف المفاوضات، ليعود التأكيد مجددا على مطلب وقف الاستيطان كمقدمة لازمة للخوض في المفاوضات. وهو موقف يعكس بالأساس عدم رغبة نتنياهو في نقاش قضايا رئيسية مثل قضية القدس في أية مفاوضات قادمة بغض النظر إن كانت مباشرة أو غير مباشرة، فهو يسعى مع حكومته إلى تهديم مستقبل هذه المدينة بعيدا عن جعلها عاصمة للدولة الفلسطينية القادمة. ويلاحظ المتابعون أن الخطط الاستيطانية وحملات تهويد القدس قد توزعت على محورين أساسيين، يستهدف الأول توسيع بنية الأحياء الاستيطانية القائمة في القدس والمستوطنات من حولها، ويركز الثاني على زرع عشرات العائلات اليهودية في قلب الأحياء الفلسطينية في القدس حتى تبدو أحياء مختلطة بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين.
من الواضح أن ما يجري على الأرض إنما يأتي تنفيذا لمخططات استيطانية رسمت بهدوء، تخلق إسرائيل من خلالها ميادين جانبية للصراع حول موضوعة الاستيطان حتى يشعر الفلسطينيون والمجتمع الدولي معهم بأن المعركة الآن تدور حول منع هذه الخطط من أن تصبح أمرا واقعا في الوقت الذي كانت المطالب الفلسطينية (قبل التراجع الأخير) تناقش موضوعة الاستيطان في الضفة الفلسطينية والقدس من حيث المبدأ، ولذلك من السهل التوقع بأن الأنظار ستتجه منذ الآن نحو نتائج السجال الأميركي الإسرائيلي بما يخص القرارات الاستيطانية الأخيرة. وفي حال تم التوصل إلى حلول وسط بين الجانبين، أو ربما تجميد المخططات الجديدة، سيبدو على أنه انتصار سياسي كبير للإدارة الأميركية يحسب كمكسب فلسطيني قامت واشنطن بتحصيله بالإنابة.
ومنذ الآن ينتعش لدى بعض الأوساط السياسية الفلسطينية وغيرها انطباع خادع يفيد بأن الإدارة الأميركية تقف في مواجهة جادة في وجه السياسة الاستيطانية الإسرائيلية، وبأن واشنطن التي تقف هذا الموقف قبل بدء المفاوضات ستقوم بدور أكبر في حال استئنافها عطفا على ما كان قد قاله جورج ميتشل للفلسطينيين عندما لم يتحمسوا للخطة الأميركية بشأن المفاوضات، إذ أوضح بأن تأثير واشنطن على إسرائيل سيكون في سياق المفاوضات أقوى منه في حال عدم استئنافها.
وضعت قرارات نتنياهو وحكومته الاستيطانية «الأخيرة» الذين وافقوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على استئناف المفاوضات أمام مأزق حقيقي أجبرهم على إعلان موقف آخر وهو عدم الدخول إلى المفاوضات مع استمرار الاستيطان، بعد أن انكشف بشكل واضح أن لا وعود أميركية فعلية أو تطمينات حقيقية للفلسطينيين تبرر لهم موافقتهم على بدء المفاوضات. وهذا بحد ذاته أحد أسباب الانزعاج الأميركي الكبير من قرارات نتنياهو. ومن هنا نفهم بأن جوهر الموقف الأميركي المعارض لهذه القرارات ينطلق من توقيتها ومن تزامنها مع وجود نائب الرئيس الأميركي في المنطقة بما يشكل تكذيبا واضحا لكل ما حاولت الإدارة الأميركية الإيحاء به للفريق الفلسطيني الذي وافق على استئناف المفاوضات.
ومع إدراكنا للأهمية الوطنية الكبرى لضرورة توحيد الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لإحباط خطط الاستيطان التي صدرت مؤخرا، إلا أننا نود الإشارة بأن موضوعة المفاوضات ـ حتى مع إلغاء هذه القرارات ـ لا تزال وفق المعادلة التي رفضنا فيها مشاركة الجانب الفلسطيني في هذه المفاوضات، وهذا يتعلق بالأساس بغياب الإعلان الإسرائيلي الواضح عن وقف الاستيطان التام والشامل وتحديد مرجعية المفاوضات وإطارها الزمني وحضور جميع القضايا الأساسية في الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني على طاولة المفاوضات لحلها وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، ومن غير ذلك ستبدو المعركة حول قرارات الاستيطان «الأخيرة» وكأنها تمهيد للوصول إلى طاولة المفاوضات بعيدا عن المطالب الفلسطينية المعروفة.
لقد أكدت وقائع العام الماضي وحتى الآن حقيقة العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية وظهرت من جديد مساحات التقاطع الواسعة بين واشنطن وتل أبيب، وقد أكدت ـ على كل حال ـ هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية على ذلك في ذروة السجال الإعلامي والدبلوماسي بين الجانبين عندما أعادت التأكيد بأن لا مبرر لأي قلق إسرائيلي طالما أن الولايات المتحدة تضع أمنها في مرتبة الأمن القومي الأميركي ذاته. كما أثبتت التجربة أن الولايات المتحدة الأميركية لن تكون في أي ظرف من الظروف في موقع ممارسة الضغط على إسرائيل لحملها على الموافقة على حلول سياسية لا تستجيب لشروطها.
ولقد اتضح خلال الفترة القريبة الماضية أن ميدان المعركة الأساسي في مواجهة السياسة التوسعية الإسرائيلية وحملات التهويد، إنما كانت في شوارع مدينة القدس وأحيائها كما في مدن وقرى الضفة الفلسطينية وخاصة تلك التي على تماس مباشر مع بنية الاستيطان. وينبئ اتساع حركة المواجهة الشعبية مع قوات الاحتلال بمؤشرات مقاومة جماهيرية واسعة ينبغي دعمها ماديا وسياسيا وإيصال مطالبها إلى الرأي العام بمستوياته المختلفة بما في ذلك مؤسسات المجتمع الدولي وفي المقدمة الأمم المتحدة، ووضعها أمام مسؤولياتها في وقف اعتداءات قوات الاحتلال على المتظاهرين الفلسطينيين العزل.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن