حسام خضر في ندوة اليوم السابع

جميل السلحوت
jamilsalhut@yahoo.com

2010 / 3 / 8


حسام خضر في ندوة اليوم السابع

القدس:5-3-2010ناقشت ندوة اليوم السابع الاسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب النائب الأسير حسام خضر(الاعتقال والمعتقلون بين الصمود والاعتراف) الصدرفي شباط 2005عن منشورات الحرية في نابلس،ويقع الكتيب الذي كتبه مؤلفه أثناء اعتقاله في سجن هداريم عام 2005 في 40 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش جميل السلحوت فقال:
وحسام خضر مناضل وقائد وطني بارز غني عن التعريف، اعتقل أكثر من عشرين مرة، وأمضى سنوات في سجون الاحتلال، وكتابه هذا جاء في فترة اعتقاله في العام 2003 وهو عضو منتخب في المجلس التشريعي الفلسطيني،على خلفية نشاطاته في انتفاضة الأقصى التي انطلقت في أواخر أيلول عام 2000 بعد اقتحام أرئيل شارون رئيس الحكومة الاسرائلية الأسبق للمسجد الأقصى.

والكتابة عن الاعتقالات والسجون الاسرائيلية ليست جديدة في التاريخ الفلسطيني، فقد سبق وان كتب عنها الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي(يوميات سجين)كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و(الزنزانة رقم ..) لجبريل الرجوب، وروايتا(ستائر العتمة ومدفن الأحياء)وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي،و(تحت السماء الثامنه)لنمر شعبان ومحمود الصفدي،وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن، كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة عالمياً أيضاً.

غير أن حسام خضر في كتابته هذه لم يكرر الآخرين، بل تناول جانباً فلسفه بوعيه وادراكه كشخصية قيادية، وأخضعه للدراسة والتحليل واستخلاص النتائج والعبر وأعطى فيه دروساً من موقع الخبير المجرب، فقد خبر الاعتقال والتحقيق والصمود والعذاب والقهر، انه يتناول قضية الاعتراف والصمود أثناء التحقيق، يشخص الحالة ويقف عند أسبابها، ويقارن بين الاعتراف وبين الصمود في وجه الجلاد، يقارن بين النصر والهزيمة، بين الارادة القوية والارادة الضعيفة المسلوبة، بين نشوة النجاح وخيبة الفشل، ويأتي كل ذلك في ظروف غاية في الصعوبة يعيشها المعتقل، وسط تعذيب جسدي ونفسي، وتهديدات لا تنقطع، وزمن العذاب الذي يتعرض له المعتقل طويل جداً(فإن الثانية تتسع لدرجة أنت تسير فيها وتبحر بها، وتتقلى في نار جحيم زيتها رجعا متواصلاً ينبض بالألم العميق ... كل دقيقة هنا هي عمر الآن ... وكل دقيقة تجربة.) ص9

وهذا عبارة عن الألم والمعاناة(فلا تشعر إلا بأن كل شيء ضدك .. المكان بجموده والزمان ببطئه، والشخوص بأحقادهم النازفة) ص10 حتى النوم ممنوع على المعتقلين في التحقيق(ومن أقرب لحظة انسجام مع النعاس، يطاردك المحقق بضربات أو صرخات أو حركات أو ركلات تطير النوم، وتراجع النعاس ليكمن لك من جديد على عتبات صحوك ) ص11

ولا يتبقى أمام الأسير الا العناد والصبر والصمود لأن العناد هناك(واحدة من أهم دعامات الانتصار.) ص12

والعناد هنا هو الارادة القوية التي تلد النصر(والنصر حليف الارادة المجبولة بالايمان والقوة على الاحتمال .. والاحتمال ميزة يتصف بها المؤمنون بقضاياهم أياً كانت.) ص13

ويأخذ حسام خضر على التنظيمات الفلسطينية عدم الاستفادة من التجارب النضالية لشعبنا، ويشير الى ظاهرتين برزتا في انتفاضة الأقصى هما:(الأولى:انعدام قيمة الصمود وتراجعه في التحقيق ... وثانيهما: الاعتراف اليومي فيما يعرف بغرف العار ممن تساقط على هامش الصراع مع الأعداء، ومن رضي أن يعمل ذليلاً في مهنة الخيانة) ص14 ويرى حسام خضر أن هاتين الظاهرتين(تشيران الى تراجع في الوعي والمسؤولية والالتزام، كما تدلان على أننا دون شك شعب لا يتعلم من أخطائه، ولا يستفيد من تجاربه، ولا يراكم حصيلة دروسه التي مارسها عبر سنوات كفاحه ونضاله) ص14

كما أنه ينتقد بشدة سكوت المؤسسة الرسمية الممثلة بوسائل الاعلام، والأسرى والمعتقلين والمؤسسات الحقوقية لعدم فضحها لظاهرة المتساقطين أمنياً، والتحذير منها .

ويرى أن (الصمود هو الشكل الأرقى للبطولة) ص16 وليس الاعتراف وما يتبعه من أحكام المؤبد.

ثقافة أوسلو:

يرى حسام خضر أن عدم صمود المعتقلين في التحقيق هو نتاج لثقافة أوسلو(التي هدمت هياكلنا الشامخة ... وركعت منظومة القيم السامية التي كنا نعتز بها ونفتخر .. وباختصار أفسدتنا وأفقرتنا مادياً واجتماعياً)ص17 ويتساءل(ما الذي يدفع هذا الثائر المتمرد العنيد للاعتراف وللانكسار عند لحظة ما؟) ص18 ويجيب(ثقافة أوسلو وحالة اللامبالاة، وغياب التراكم الذي اعترى تجربة العمل الثوري الفلسطيني)ص18

الاعتراف: يعرف حسام خضر الاعتراف أمام المحقق بأنه(انهيار وانكسار غير مبرر) ص30 ويرفض وصفه بالخيانة .

ما العمل؟

وللخروج من ثقافة الهزيمة فإن حسام خضر يرى عدة أمور منها:

- تفعيل المؤسسة الرسمية من خلال تطهيرها من رموز الخيانة والولاء للأعداء، وعناصر الفساد والافساد والنهب والاثراء ص31 .

- اعادة صياغة الرسالة التربوية التعبوية خلقياً ووطنياً للمؤسسة التعليمية.ص31

- الولاء للوطن وللشعب وليس للقادة كائنا من كانوا. ص37

- الولاء لتنظيم ما لا يعني نفي الآخرين وتجريدهم من حقهم في الوجود. ص37

- سيادة القانون واستقلالية القضاء،وتفعيل الرقابة التشريعية. ص36

- حرية النقد والنقد الذاتي .



الأسلوب: استعمل الكاتب أسلوب القص الروائي في الصفحات الثلاثين الأولى، مما يؤكد قدرته على كتابة القصة والرواية، مع أنه لم يكتبها حسب علمي، لكن قصّه وروايته هنا واقعية حتى النخاع، لا خيال فيها لأنها لا تحتمل الخيال، وبدا عنصر التشويق واضحاً رغم المرارة والألم في المضمون.

وفي النهاية لا يسعنا الا أن نحييّ الكاتب الذي يؤكد من جديد أنه قائد يستحق القيادة، وأن شعبنا يدرك ذلك من خلال انتخابه له عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني الأول، وأن محاولات تهميش دوره القيادي لن يكتب لها النجاح.
وقال ابراهيم جوهر:
حسام خضر بين الرسالة التربوية-السياسية والنصّ الإبداعي
بقلم : ابراهيم جوهر - القدس

لم يشأ الأسير حسام خضر أن يقدّم لقرائه نصّا إبداعيا بقدر ما انشغل بتقديم رسالة تثقيف وتنوير وتصليب سياسية كفاحية، بهدف العودة إلى الزمن الجميل الذي رهّلته ثقافة أوسلو الفلسطينية كما يسمّيها، وإفرازاتها السلبية وأخواتها التبهيتية.

جاءت رسالة الأسير الأديب حسام خضر محمولة بلغة أدبية قوية ذات وقع خاص، يلمس القارىء فيها حرارة الصدق والمعاناة والغيرة والانتقاد، وعمق التجربة وأصالة التوجيه، إنها لغة فيها تكثيف وتصوير وإيحاءات، وفيها تركيز وإيجاز عامر بالدلالات، وكأنه يكتب قصيدة، وهي قصيدة طويلة بمعنى الشعور والكشف والتعبير والآفاق والتغني بالجمال، جمال الصمود وجمال الوطن، وجمال الشعور بالكرامة، والتحلّي بالوعي وحب التضحية والاقتناع بالعمل والانتماء ...

إنها قصيدة بالمعنى المجازي، جاءت بلغة أدبية صادقة قريبة من النفس ملامسة لها، لغة حيّة تؤشّر على ثقافة كاتبها الأدبية والاجتماعية والنفسية والسياسية الذي مزج الأدب بالسياسة بالوعي، في معادلة مؤثرة، وفّرت عنصري التأثير والإقناع للقارىء، وفتحت أمامه آفاق البحث والتساؤل، ومن شأنها أن تدفعه للتفكير.

كانت اللغة إطارا لمضمون متفجّر حارّ، وصار المضمون لغة في إطار باحث عن أصالة حركة الكفاح ونقائها وديمومتها.

لقد وفر التأثير لرسالة الكاتب الأسير صدقه في التحليل والتوجيه والتشخيص والمقارنة، والموضوعية البعيدة عن التغنّي بالذات، ورفع الشعارات، بل إن الكاتب قد صاغ رسالته بأسلوب أدبي – علمي، إذ جمع بين خصائص الأسلوبين، ووفّق بينهما لطبيعة المضمون الذي يتطلّب هذا الجمع. فهو إذ يقارن واقع الحركة الأسيرة ما قبل أوسلو وما بعدها، ينتقد الإهمال في المتابعة والبناء المتراكم من خبرات الأسرى وتجاربهم. وحين يكتب عن الصمود والعزة يستعمل اللغة الأدبية التي تعينه على التوصيل والتشخيص. وحين يشخّص يستشهد بالإحصاءات وأساليب البحث العلمي، دون فصل بيّن بين الأسلوبين المندغمين معا.

لقد فجّر الكاتب اللغة لأنه ينقل حالا متفجّرة، نارا تواصل تعذيب الشبان وهم متروكون وحدهم ، وضياعا وابتعادا عن مرحلة المدّ الثوري الذي شهده وطننا المحتل قبل( ثقافة أوسلو)،
يقول في نهاية رسالته"لا بدّ من بصيرة نيّرة تري الأعمى طريق الحق والحقيقة، ولا بدّ من هزّة تزيل صدأ الأيام العالق على جدران أنفسنا ... فما أجملنا! وما أروعنا! وما أعظمنا عندما نجعل الوطن كلمة السر والبدء والخاتمة!"(ص 40) . إنها الرسالة / الهزّة إذن، ولا بدّ للهزّة من فعل يضمن هدفها، التوعية، والتغيير من حال إلى حال، والصحو أخيرا.

في كتيّبه(الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصمود) يقدّم النائب الأسير حسام خضر زادا فكريا وتربويا ووطنيا للإنسان الذي قد يقع في قبضة شباك المحتل، ويقارن الكاتب بين مرحلتي العمل الوطني ما قبل أوسلو وما بعدها، وهو يحمّل(ثقافة أوسلو) وزر الجهل بأساليب نزع الاعتراف في غرف المتساقطين(العصافير) حيث غابت قيم الصمود والإيثار، وتصدّرت قيم الارتجال والتفاخر واستهانة الإقدام على فعل الاعتراف أمام المحقق الذي يحيك شباكه ليوقع الضحية فيها، إذ يقدّم المعتقل المعلومات المطلوبة(وزيادة) جهلا، أو استخفافا وسوء تقدير .

ينحاز الكاتب إلى جانب ثقافة الصمود، ويدعو إلى عدم الاعتراف وتمكين المحتل من رقاب المقاومين، ويدعو إلى التربية والتوعية بالأساليب النفسية التي تستخدم في عملية التحقيق وانتزاع المعلومات ... ليضمن النهاية التي يريدها كل ثائر طالب حرية وطنه، وهو يجعل الوطن كلمة السر والبدء والخاتمة(ص 40).

وينتقد الكاتب الفرقة والتشرذم والارتجال والأنانية والجمود وعدم الإخلاص والتخطيط الواعي المنتمي، كما ينتقد المعارك الجانبية التي أوقعت خسائر أضعاف ما أوقعته المعارك مع المحتل .

لغة الكاتب في هذا الكتيّب أدبية حانية، وإن بدا الغضب وبرزت الحدّة فيها، فقد حافظت على معانيها الثورية ونقلت أجواء الاعتقال، وسياسة التحقيق، وعملت على تصليب الإرادة، كما أثبتت أن بالإمكان التعبير عن القضايا الكبرى باللغة الأدبية، وأن لغة الأدب قادرة على التعبير عن الهمّ السياسي الكفاحي، لا بل إنها الأقدر على الوصول إلى القلوب والعقول في آن معا.

إنها لغة ثورية جديدة حملت سمات الأصالة والصدق وموضوعية التشخيص، واستثارت إعجاب القارى وأقنعته.

وإذا كان الكاتب يبثّ رسالته التوعوية للجيل الناشىء، فإنه ينتقد المنتفعين القانعين بالوظيفة المنتمين لها بعيدا عن معنى الانتماء الحقيقي، الذين أبدلوا انتماءهم وأولوياتهم .

لقد قدّم الكاتب عملا أدبيا حمل بعض سمات القصة الفنية، والمقالة والخاطرة والمحاضرة والحوار الفكري الثقافي، إنه نصّ مفتوح على الحياة وعلى المستقبل .

حسام خضر في هذه الرسالة يقدّم مادة للنقاش في حلقات التوعية والدرس الكفاحي، ويدعو إلى بناء روح جديدة تقف على أرض صلبة ذات امتداد تاريخي لزمن أصيل نقي قبل أن يتلوّث بثقافة أوسلو الانتهازية وإنسانها الجديد .

يبرز النائب الكاتب حسام خضر هنا كاتبا ذا لغة تعبيرية راقية، ومضمون غزير صادق، وذا فكر واضح المعالم والانتماء، ويتجلّى في رسالته هذه مفكّرا ذا تشخيص دقيق ووعي واضح .

إنه يدعو إلى توعية النشء بثقافة الصمود واثبات والمقاومة، وينتقد ثقافة الاستسلام والاستزلام ،ويعلي من شأن الذات المقاومة، ذاتا فردية وذاتا جمعية.

يفصل بين يومنا ويوم صدور هذه الرسالة- الكتيّب- خمس سنوات عجاف، جرى فيهن ماء كثير في النهر، وسقط العديد من الشهداء والبيوت والجرحى، وازداد عدد المعتقلين و........ ظل جرس حسام خضر غير مسموع وهو يقرع، لأن الآذان المعنية لا تسمع سوى صدى أنفسها وامتيازاتها الذاتية .

هذا الكتيّب يستحق القراءة والنقاش والمداولة والتعميم والاستفادة، وهذا الكاتب يستحق الاحترام والتحية والإعجاب، وهو الذي يقول مبرقا – مرعدا : إذا كان الكلام من فضة فالسكوت خطيئة.

--- حسام خضر ( سجن هداريم ) ، الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصمود ، إصدار اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب ، منشورات الحرية ، شباط 2005 م.
- ورقة مقدّمة لندوة الخميس الثقافية / اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني– 4/ 3 / 2010 م .





وقال محمد موسى سويلم:
كتب حسام خضر اربعين صفحة حول الاعتقال والمعتقلين بين الاعتراف والصمود في الائثنية الايديولوجية السيكولوجية السسيولوجية البشرية، وعن كوامن النفس الانسانية من قوة الارادة والشكيمة والعزيمة، وما تفضي اليه العواقب والنتائج جراء الصمود أو عدمه(السقوط أوالثبات والتضحية والفداء) وكيف ان الأسر والاعتقال هو الامتحان الأصعب؟ وان السجان يستخدم اعقد رموز اللغة غير المتعارف عليها من( حقد قتل بطيء، قمع... قهر... استبداد... سلب..عذاب... قبر للنفس...سهر متواصل وحرمان من النوم...ألم الى آخرة) من مفردات تستخدم في اذلال الأسير لرسوبه في ما يسمى امتحان التحقيق، ومدى صمود الأسير في ظل هذه الظروف، في المقابل هل يستعد المناضل(الأسير) لكل هذه المناهج ب( العزيمة.. الصبر... الايمان الارادة .... الامل.... القوة... حب الانتصار.... الى اخره)؟

كتب عن النفس البشرية مكنوناتها عن تجارب المنتصرين والمؤمنين بعدالة قضيتهم . كتب عن فنون التعذيب وفنون الألم وفنون استغلال العلم في القدرة على التحمل، ومجاراة النفس وامتهانها في لحظات الضعف، واحباط محاولات كسر القوة والارادة، لقد كتب عن ظاهرتين في حياة الأسر:-

الاولى:- انعدام قيمة الصمود .

الثانية:- الاعتراف اليومي (ص14)

وقد رد ذلك الى تراجع الوعي والمسؤلية والالتزام، وايضا على اننا شعب لا يتعلم من الاخطاء، ولا يستفيد من تجارب الآخرين ولا حتي من تجاربه الخ(ص 14) طالب حسام خضر بان تكون هناك دراسات موضوعية تعتمد على مكونات الصمود ومقومات النصر، وسبر اغوار وطبيعة الذات الانسانية، وقدرات النفس البشرية(ص18) ذكر حسام خضر امثلة من القران الكريم مثل جب يوسف عليه السلام وقسوة اخوته وضحكاتهم، واصحاب الاخدود والانبياء والرسل والصحابة،وشهوة هابيل.

تحدث عن الصمود ومرتبتة بين جلادية واحترامهم له، وبين اهلة وناسه وشعبه وعن المتعة المؤقتة والخزي الدائم والاستهزاء والاستهتار والنعيم الكاذب وقلة الاحترام حتى من عدوك.

يتساءل حسام خضر هل الاعتراف خيانة؟

اعتبرحسام خضر الاعتراف بانه افراز لثقافة اوسلو أو أوهام أوسلو، واستعانة الاحتلال بجيش من الخونة والعملاء الذين سماهم الأفاعي والعقارب، وعصر انحطاط اوسلو وافرازاتة، واستنتج اخيرا بان الاعتراف ليس خيانة،وانه بوضوح وتحديد هزيمة وانكسار غير مبرر(ص 26 . 27. 28. 29. ) يا حسام قل المثل (قيس قبل ما تغيص) ( يا نازل البير احسب لطلوع) (تكون او لا تكون.)

حمل حسام خضر على اتفاق اوسلو، واعتبره ثقافة منهارة، وافسادا للشعب . طالب باعداد ثوار مسلحين بالوعي الخ ( ص30)

ان الاربعين صفحة التي كتبها حسام خضر لم يتطرق الى حالة تعذيب واحدة،رغم انها تحدثت بصدق عن النفس البشرية، وعن قيم ومبادئ واسس معاشة في حياة الأسر، ومع ذلك دق حسام خضر ناقوس الخطر في اذان كل الأحرار،وكل من استرق السمع وهو شهيد في هذا الشعب. طالب بايجاد وبناء للمجتمع بكل شرائحة وان توضع التربية ومناهجها ومؤسساتها في خدمة الانسان، وان تكون جامعاتنا على مستوى المسؤولية في ايجاد جيل مؤمن بعدالة القضية،لا ان تكون مكانا ومركزا لعرض الازياء والعشق والفسق والغرام . كما طالب ان تكون المؤسسة الدينية على قدر رسالتها في ابراز الحق والفضيلة، وان يكون الوطن حاضرا في وعينا وعقولنا ووجداننا وضميرنا .... الخ وان يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وان يحاسب المفسد ويعاقب ويثاب المصلح والمجتهد، ترى هل علق حسام الجرس وهل دق فعلا الجرس؟

هل سيصدق قل الشاعر :- تمنون علينا ان حفوا شواربكم*** يا أمة ضحكت من جهلها الامم

ام قول الشاعر :-

ناموا ولا تستيفظوا ايها العرب***فما فاز الا النُّوم
وقال سامي الجندي:

ارى ان هذا الكتاب قيم جدا وتجب دراسته ضمن حلقات وجلسات للمجموعات لكي تعم الفائدة الأكبر بالنقاش والجدل والمداخلات .
للأسف لم أجد في مكتبات القدس او رام الله كتاب(قواعد المسلكية الثورية الملتزمة) مع ان مكتبات الأسر داخل السجون لا يخلو أي منها من نسخة او أكثر ،من هذا الكتاب الذي تبادر إلى ذهني بعد قراءة كتاب الأخ حسام خضر هنا،حيث يعتبر الكتابان تجانسا جميلاً ونوعيا بقيمتهما الملتزمة في بناء الإنسان المنتمي الواعي لدوره ومكانته وقيمته في عملية التحرير.
لو أراد الأخ حسام خضر إعادة صياغة هذا الكتاب الذي كتبه سنة 2005 قبل اعتقاله الأخير لكان أضاف ورتب الأفكار بشكل أكثر حكمة.
يعزو الكاتب إهتزاز نفسية الأسير الشامخة خلال فترة التحقيق إلى بعض العوامل كالضغوطات الهائلة جراء التعذيب النفسي والجسدي، وكنتيجة لثقافة اوسلو حيث حَمـّلها السبب في أكثر من مكان ،مثل ص17 والكلام للكاتب (( ثقافة اوسلو هدمت هياكلنا الشامخة، وركعت منظومة القيم السامية التي كنا نعتز بها ونفخر، وباختصار افسدتنا وافقرتنا ماديا واجتماعياً)) وفي ص 18 قتل(اعزو هذا التسارع بالإنهيار إلى تداعيات ثقافة اوسلو) وفي ص26 اضاف(إن مما ساعد على الاعتراف وبدون حدود هو إركان الثوار في هذه الإنتفاضة على اوهام اوسلو) وفي ص30 اضاف اكثر بكثير مما سبق...
إن هذه العوامل ومع كل ما تعنيه من حقائق سلبية تضر بنفسية المناضل، ومع كون ثقافة اوسلو انتكاسة انحدرت بنمطية الوعي والتفكير لدى مجتمعنا العربي الفلسطيني للدرك الأسفل،إلاّ ان ذلك لا يبرر بأي حال اعتراف المناضل خلال فترة التحقيق،وأعتقد بأن الأخ الكاتب حسام خضر يدرك هذه الحقيقة تماماً لأنه استدرك الأسباب المنطقية خلال الصفحات المتأخرة بالكتاب .
انني اكاد اكون جازماً 100 % بأن السبب الحقيقي للأنهيار يكمن في ضعف الحصانة المعلوماتية لدى الأسير وضعف إعداده من قبل الرتب الأعلى منه،فالمناضل المتسلح بالمعرفة والإيمان سيعرف كيف يدير الوقت؟ وكيف يقيم كل معلومة تضع امامه من قبل المحقق؟ بل وسيسخر من محقيقه بتلذذ غريب عجيب، وللتدليل على ذلك اضرب مثالاً للإشارة لا للحصر وهو، مجموعتان خاضتا التحقيق امام نفس فريق المحققين وبنفس الفترة والظروف ،المجموعة الأولى اعمار اعضائها مطلع العشرينات، وتلقى افرادها تحصينا وطنياً وروحيا عقائديا، وتشربوا قصصا واساليب من تجارب الأسرى قبلهم ...اما المجموعة الثانية فمعدل اعمار افرادها 18 سنة، وتلقوا تدريبا عسكريا لبضعة ايام فقط، ولم يتعلموا أي شيء حول ما يدور في اقبية ومسالخ التحقيق . اما المجموعة الأولى فقد صمدت وخرجت بأقل ما يمكن من الخسائر ورافعة الرأس، بينما المجموعة الثانية كانت فريسة سهلة على مائدة الجزار .
إن الإيمان ليس مجرد كلمة عابرة تلاك في المحافل الثورية او المواعظ الإستعراضية، بل ان الإيمان قيمة روحية تتشربها خلايا النفس البشرية، فتتغلغل عميقاً إلى نقطة لا يمكن لمحقق مهما امتلك من وسائل وجبروت الوصول إليها، وسيكون الوصول أكثر استحالة في حالة دعم الإيمان بالوعي الثقافي الوطني والثوري، وبزخم من حصيلة التجارب المتراكمة عند الحركة الوطنية الأسيرة حول فترة التحقيق، وحول كيفية توقع خطوة المحقق التالية، سنجد الأسير حينها يسبق كل فريق التحقيق بخطوات،لأنه اختار هذا الدرب طواعية كواجب، بالتالي فإن المناضل لن يكون فريسة حتى لو تم بتر اصابعه وأطرافه ببطء مميت ،بل سيهزأ من جلاده وسيتحلى بنشوة النصر والفوز على جنرالات العدو.
إن الشحن العاطفي غير المدعم بمنطق المعلومات المبنية على تجارب الآخرين، وعلى اساس الإعداد بالمعرفة المسبقة مآله الإنهيار حتما،واللوم هنا لا يكون على الضحية(المناضا) بل على من ارسله دون اعداد، ايها الأخ الكاتب حسام، لكن سيكون اللوم على المناضل إن هو لم يصمد بعد ان تم اعداده بشكل سليم .
فلا يعقل أن نقوم بقذف الشخص الذي لا يجيد العوم إلى عمق اليم لكي ينقذ سمكة من باطن الحوت،بل نعلمه كيف يشق جبال الموج قبل أن يشق باطن الحوت.
وقد استدرك كاتبنا في صفحة 32 لأهمية تسليح اجيالنا المناضلة المنتمية، وغيرالمنتمية، فكانت مادة الصفحة دسمة بفكرتها، وكذا كانت بعض افكار ما تبعها من صفحات، حتى ان الكاتب ابدع بشكل يثير الإحترام والتقدير حين قال في صفحة 34 عن صفات المناضل الواعي لدوره( بأن لا يقبل رموز 10 سنوات من النهب والهدم والامتهان والفشل والفساد والخيانة) وبأن الولاء لا يجب أن يكون إلاّ للشعب والوطن، وليس للقائد او الرمز ...طبعاً بعد الولاء لله عز وجل.
وقد دعم الكاتب قوله بحكمة عربية استبدل كلمة وحرف منها بكلمة واحدة حين قال(إذا كان الكلام من فضة فالسكوت خطيئة.)
ثم انني ارى بأن رسم شخص الكاتب على صفحة الغلاف الأخير من الداخل وهو يقرع ناقوس الخطر ومن خلفه جموع جماهيرية تتطلع إلى مكانه، وتتأمل البعيد بشوق.إنه رسم موفق وواع وملامح الطيبه على وجه حسام لا تخلو من الثبات والإصرار.
تحية للكاتب المناضل حسام خضر الذي كتب ما قل صفحاته وكثرت دلالاته، وإلى الأمام باتجاه الشمس والقدس على درب الوطن تجمعنا.
وقال موسى ابو دويح:
الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصمود لحسام خضر

كتب النائب الأسير حسام خضر كتابه "الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصمود"، مبينا فيه واقعا عاشه ويعيشه في سجون الاحتلال المتعددة، والتي تنقل فيها جبرا، وعاش في زنازينها المختلفة، وتعاقب عليه كثير من محققي المخابرات في كثير من مراكز التحقيق المنتشرة في طول وعرض أرض فلسطين.
يحاول حسام في كتابه الاعتقال والمعتقلون، والذي قدم له زميله في الأسر والنضال منسق اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر والأسرى الفلسطينين السيد تيسير نصر الله. يحاول حسام ان يضرب على وتـر قضية مهمة غاية الأهمية، بل هي أهم قضية من قضايا الاعتقال السياسي وهي ثبات المعتقل وصموده أمام المحققين،وعدم إدلائه بأي معلومات مهما كانت في نظره عديمة الفائدة أو فاقدة الأهمية أو عفى عليها الزمن، ومات أصحابها أو أبطالها منذ أمد بعيد.
وهذا أمر يعرفه كل سياسي جرب الاعتقال، فبمجرد أن ينزلق المعتقل ويتجاوب مع المحققين، ولو أعطوه قلما وورقا وقالوا له: اكتب ما تشاء، فبمجرد موافقته على ذلك يكون قد بدأ في السقوط وانتصر عليه المحققون، كالجدار تنزع من أسفله حجرا فما أسهل أن ينهار الجدار كاملا!
فحري بكل معتقل أن يعرف قضيته، وأن يحصر البحث والنقاش والتحقيق فيها، وأن لا يحيد عنها، وهذا من شأنه أن يجعل المعتقل كبيرا في أعين المحققين، وبذلك يزداد قوة وجرأة، وينتزع من روعه الخوف والرهبة من المخابرات وتعذيبها.
ولقد أجاد الكاتب في عنوان الكتاب –الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصمود-، حيث قارن بين اعتراف المعتقل القاتل، وبين صموده القاهر، فقال عن الاعتراف في الصفحة الخامسة:"وهز القناعات لإحداث الانهيار المدمر بالاعتراف أولا، والانسلاخ عن العمل الوطني الثوري ثانيا، واختيار النفسية تجاه التعامل وبالتالي الخيانة والتعاون معهم كمساومة ومقايضة على الحرية بدل السجن ثالثا". وقال عن الصمود في الصفحة الثالثة عشرة: "ويلعب الإيمان والذي هو هنا ماء الإرادة ودمها الساري وشحنتها، الدور الرئيس في خلق مناخات الصمود لتروي تربة الصبر، فلا يكون عندها سوى النصر حليف الأسير".
أما وصف الكاتب"لغرف العصافير" أو ما يسمى بغرف العار والاعتراف حيث قال عن عصافيرها: "يمثلون دورا هوليوديا ناجحا، يصلون جماعة ويأكلون جماعة وينامون ويقومون ويتهامسون ويتدارسون، بما يعيد الصورة المشرقة للسجون المتهالكة المتراجعة الآن، في واقعها التنظيمي الشريف... إنها خدعة يتعاون عليها رجال المخابرات والشرطة والخونة والأنذال."
حاول الكاتب في كل ما كتب أن يشد من أزر المعتقلين، وان يقوي العزيمة عندهم، وأن يجعلهم رجالا صامدين أمام المحققين، اسمعه يقول:وهل هناك أحلى وألذ من طعم الصمود؟؟ وهل هناك بالمقابل أمر وأخزى من طعم الهزيمة؟.
أما لغة الكاتب في كتابه فهي لغة فصيحة سليمة قوية، جزلة الألفاظ، وظهرت في كتابته المفاهيم الإسلامية كالعقيدة والإيمان وقصة يوسف وسجنه وقصة هابيل وقتله لأخيه، وأصحاب الاخدود والرسل والأنبياء والصحابة يقول في صفحة 23: "صمود نابع عن إيمان، وإيمان راسخ كالعقيدة في صدر المؤمن، قلب نابض بالعزة لا يعرف الخوف".
وختاما كتاب حسام خضر "الاعتقال والمعتقلون" كتاب يستحق القراءة ويحتاج إلى شرح وتفصيل حتى يكون في متناول الجميع وحتى تعم الفائدة، وحتى يكون منارة لكل السياسيين والمعتقلين على وجه الخصوص.



وقال محمد صبيح:
لقد أسمعت.....ولكن
الكتابة التي تعتمد على ذاكرة خاصة، هي كتابة من نوع خاص يمتزج فيها الزمان والمكان وتتداعى عليها إرهاصات وجدانية، تكون اللحظة سيدة الموقف، والثانية تتمدد لتصبح عالما واسعا،فيها الومضة مفصلية بين أن تكون أو لا تكون.
وفي الجزء من الثانية أنت طرف أصيل ومكون أساسي لمعادلة معقدة يتصارع فيها الحب والحقد، الهزيمة والانتصار، الرجولة والنذالة، الصمود والاعتراف، الصبر والتحمل، الانهيار والصمود.
تلكم كلمات ما بين السطور لكراسة أصدرها الأسير حسام خضر عن تجربته الاعتقالية التي حملت عنوان"المعتقل بين الصمود والاعتراف" وظف فيها مقدرة كتابية عالية المستوى،فيها موهبة عالية من الخطابة واللغة والسرد والأسلوب والتجانس والمرادفات و.......الخ
تناول الموضوع بلهجة الوجع والفخر،والوجع من امتهان الإنسان وسلب إرادته وحريته وكرامته وإنسانيته، والفخر في مكوناته واستغلالها أفضل استغلال في مواجهة هذه الأساليب الوحشية في التعامل مع المعتقل خاصة في فترة التحقيق.
الكاتب كان يمرّ مرور الكرام على الأقبية والزنازين وأدوات التعذيب، على اعتبار ان الكل مرّ في هذه التجربة عمليا أو سمعيا، كونه لا يخلو بيت فلسطيني من هذه التجربة بشكل أو بآخر.
وركز الى حد ما على العامل النفسي والزمني، وأخضعها الى شرح مفصل وفهم نابع من وعي وإدراك ناضجين.
طرح الكاتب أكثر من مسألة محورية، وحسم رأيه فيها مثل الاعتراف، خيانة أم هزيمة؟ وثقافة أوسلو التي اوصلتنا الى هذا الوضع غير المسبوق في التسابق على الاعتراف والإدلاء بمعلومات لضباط الأمن الإسرائيلي .
هنا أود أن أتوقف واسأل، هل المعتقل ضحية نتاج هذا الاوسلو أم أنه وقود لمرحلة يجب أن تغربل من الشرفاء والمناضلين الحقيقيين؟
الكراسة التي أقرب ما تكون الى ورقة عمل يجب أن تخضع لنقاش مطول ومستفيض، واستخلاص العبر والنتائج، وتعميمها بل اعتمادها في المدارس كي تكون الأجيال القادمة قادرة على حماية نفسها من هذا الغول الذي يتربص بها، مجرد أن ينخرطوا في الحياة العملية .
لعل الفكرة من الكراس ينطبق عليها تسمية(السهل الممتنع) فالكل يعرف والكل يدرك والكل ....... والكل..........لكن...
لم يبادر أحد وهنا أقصد على المستوى الشعبي العام، وليس التنظيم الضيق، لم يبادر على اعتبار هذه المسألة مسألة وطنية عامة، يجب الانتباه اليها والتحذير من مخاطرها وانعكاساتها الخطيرة على مكونات ونسيج شعبنا في الحرية والاستقلال والتحرر.
تجربة الاعتقال ليست نزهة، والمحقق ليس معزولا عن منهجية مبرمجة لسياسة مرسومة ومدروسة وهنا مكمن الخطر.
لمن يعتقد أن المحقق قد يكون صديقا أو منقذا أو مساعدا خاصة، عندما يقدم لك سيلا من المعلومات الدقيقة عن مجريات حياتك وتحركاتك، وهناك المزيد المزيد لا يود ذكره لأنه قد يضرك في المحكمة إذا أنت لم تفصح عنها.
الكراس كان جرسا معلقا وسط الساحات العامة، فمن هذا الذي يأتي ويقرعه ليسمع من لم يسمع أو لمن نسي أو تناسى .
أم نحن على رأي الكاتب نتاج لثقافة أوسلو وينطبق علينا قول الشاعر الجاهلي .
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولكن لا حياة لمن تنادي
وقال محمد خليل عليان:


وأخيرا وجدت ما يستحق القراءة
وثيقة النائب حسام خضر
( الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصمود )
لو خلت مكتبتي من كل الكتب والأبحاث والروايات والمجموعات القصصية والشعرية والنقد والسياسة إلا من هذا الكتيب الصغير لاكتفيت بذلك دون شعور بالحزن أو الخسارة. لا ادري لماذا انتابني الفرح وأنا أطالع هذا الكتيب، ربما لأنه أعادني إلى أيام نفتقد اليوم إلى مذاقها الخاص، وربما لأنني وجدت أخيرا من يقرع الجرس بجرأة غير مسبوقة وبوعي عميق وبالتزام متين، وربما لان الكاتب هنا وبأسلوبه المميز الذي لا يخلو من الصور الأدبية والمفاهيم الفلسفية يضع أصبعه على الجرح، ولا يكتفي بذلك ، بل يصف لنا الدواء ، وأي دواء، وربما لأنني اكتشفت أن أوسلو لم تقض بعد على الحلم، وربما لكل ذلك معا، اعترف أن الكاتب أعادني سنوات طويلة إلى الوراء،عندما كان للصمود في وجه المحققين قيمة، وعندما كانت البطولة صبر ساعة، وعندما كانت حرب الأدمغة بين الأسير والجلاد في أوجها، ينتصر فيها الأسير المسلح بالإرادة والإيمان، وباختصار عندما كان لنا قضية .
لقد تحدث الزملاء قبلي عن مضمون الكتيب، وأكدوا على أهميته في هذه المرحلة وحللوا وبعمق الرسائل التي نجح الكاتب في إيصالها إلى القارئ الفلسطيني، لا أريد أن اكرر ما قيل، ولا أجد أصلا ما يمكن أن أضيفه إلى هذه المداخلات، ولكنني أردت أن أضيف بعدا آخر لهذه الوثيقة الوطنية النادرة، وهو انتصار الكاتب على المحققين في حرب الأدمغة التي أشرت إليها سابقا، لقد كتبت هذه الوثيقة من داخل الزنزانة وفي ظروف لا يدرك قساوتها إلا من عايشها، وخاض التجربة بتفاصيلها، هو لا يجلس في مكتب وثير، تطل نوافذه على مشهد خلاب، انه في زنزانة ضيقة تنبعث منها رائحة الرطوبة، هواؤها فاسد، أبوابها محكمة الإغلاق،كونها لا تتسع لحجم حمامة،هو يجلس متربعا على الارض،يمسك بوريقة وقلم صغير ويكتب لنا مستعينا بضوء خافت لا ادري من أين يأتيه،أهو من الكوة الصغيرة أم من الفتحات الضيقة للباب الفولاذي؟يكتب لنا عن خطيئة الاعتراف أمام المحققين،عن الهزيمة في حرب الأدمغة هذه،عن ثقافة أوسلو،عن العصافير،عن السرية في العمل الوطني ، عن انعدام القيم التنظيمية،عن أشياء كثيرة نسكت عنها، لأننا لا نمتلك الجرأة او لأنها أصبحت من المسلمات، يكتب عنا ولنا و يقول للجلاد: انا لم انتصر عليك وحسب، بل ها أنا انقل الرسالة وأنا مقيد في غياهب زنزانتك،انت تحبس جسدي ولكن فكري وروحي طليقان،صادقة هي الكلمات التي تكتب في مثل هذه الظروف، نبيلة هي الرسالة التي ينقلها المناضل لأبناء شعبه وهو مكبل اليدين،عميقة هي الدروس التي تنقل إلينا من ارض المعركة،جميلة هي الكلمات التي تنبعث من القلب الى القلب،منتصرة هي الروح التي تنطلق من الزنزانة عبر الكوة إلى فضاء الوطن لتلامس شفاف القلوب.

كم اشعر الآن بالسعادة والفرح، لقد وجدت أخيرا ما يستحق القراءة . لقد وجدت أخيرا ما يستحق القراءة.
وقال سمير الجندي:
حسام خضر وتجربته مع الاعتقال

(الاعتقال والمعتقلون بين الاعتراف والصمود)كتيب في أربعين صفحة من القطع المتوسط، بقلم النائب الأسير"حسام خضر" كتبه وهو في الأسر في معتقل"هداريم" من إصدارات اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر والأسرى الفلسطينيين، عن منشورات الحرية، 2005.
وهي تشكل دراسة موضوعية عن الأسير الفلسطيني، قدم لها زميله في الأسر تيسير نصر الله-منسق اللجنة الشعبية- واصفا محاولة حسام خضر هذه في إنها تمثل واقعا حيا لتجربة الأسرى في المعتقلات، وخاصة تجربة التحقيق، وأهمية تسليط الضوء على قضية أرَّقت المجتمع الفلسطيني، معتبرا اياها ظاهرة وليست حالة عابرة، ألا وهي ظاهرة"الاعتراف" التي يحاول حسام خضر وضعها أمامنا دون مبالغة، أو تهويل، بل بموضوعية وشفافية، مؤكدا على انها وصلت إلى حدِّ الخطورة التي لا يمكن المرور عنها مرور الكرام، فوضع لنا النائب خضر بعضا من مسببات هذه الظاهرة، وأحيانا كان يضع لنا الحلول والتفسيرات أيضا، ولأن كتابة هذا الكتيب أو هذه الدراسة بعد اتفاقيات أوسلو، فإن كاتبنا حمّل بما لا مجال للشك، هذه الاتفاقات جزءاً كبيراً من المسؤولية، وعدَّ ما جلبته هذه الاتفاقات على شعبنا من أوهام ومصائب وكوارث وويلات...
لقد وضع حسام خضر نفسه أنموذجا حياً في القدرة على الصمود والتحدي أمام الجلاد، فقد صمد نفسيا وجسديا ومعنويا.
هذه الدراسة العميقة والموضوعية، تمثل قفزة نوعية في إعداد المناضلين الإعداد اللازم لمواجهة المحققين، وتعرف المناضلين بأساليب التحقيق، وبكيفية اعتماد المحققين على مناهج التعذيب المختلفة، وخاصة المنهج النفسي في تعذيب الأسير، الذي يستعمله المحققون أكثر من التعذيب الجسدي، كما إن من شأن هذه الدراسة التعزيز الأكيد لصمود الأسرى في غرف التحقيق، ففيها شحذ للهمم، وحث على تنمية العزيمة واستحضار للإرادة القوية، فبالإرادة والعزيمة والهمة والشموخ يستطيع الأسير بكل تأكيد أن ينتصر على الجلاد في غرف التحقيق الرطبة الكئيبة.
لقد أوضح كاتبنا أهمية الإرادة ووجوب أن يتحلى بها كل أسير، فهي السلاح الأوحد الذي عليه استخدامه من لحظة دخوله المعتقل، إنه في غرفة التحقيق يمثل أحد قطبي المعادلة، فهو أي الأسير يمثل الشعب الفلسطيني وقضيته، أمام المحقق الذي يمثل بدوره طرف القطب الآخر من المعادلة وهو العدو، وهنا إما أن يكون أسيرنا هو المنتصر،وإما يكون عدونا هو المنتصر، فإذا تخلى الأسير عن سلاح الإرادة القوية، وتجرد منه فلا مبرر لذلك على الإطلاق،وهويكون قد اختار لبس ذيول الهزيمة والعار، وسوف يلاحقه الذل أينما ذهب وكيف دار، وسوف تصاحبه هذه الوصمة مدى الحياة، فهو الذي وضع نفسه طواعية في بوتقة سوداء باردة لا حياة فيها، ولن يكون فرحا يوما ولا مستقرا نفسيا، ولا ينال أدنى قسطا من الكرامة، وسوف يكون جثة تتحرك لا اراديا...
هم يستخدمون كل الأساليب الحديثة والقديمة في التحقيق من أجل تحقيق أهدافهم، فيهددون،ويتوعدون،ويهولون،ويروعون، ويجلسون في دائرة حول الأسير الذي يجلس على كرسي وهو مقيد معصوب العينين في وسط غرفة التحقيق، وهم يتهامسون، ويتغامزون، وينسجون من تاريخ حقدهم كل الحكايات والأكاذيب ويعرضونها على مسامع الأسير، وكأنها حقائق لا يمكن تكذيبها، فانت أيها الأسير إذا لم تكن أسلحتك مشحوذة وإيمانك بعدالة قضيتك راسخا، فمن المؤكد أنك ستنهار وتعترف، فتكون إرادتك قد سلبت منك إلى الأبد...
استخدم الكاتب ضمير المخاطب في دراسته هذه، كأني به يريد إرشاد ووعظ الأسير الفلسطيني، فهو يريده واعيا يحمل في قلبه وعقله فكرة راسخة لا يمكن أن تهتز، ألا وهي عدم الاعتراف مهما كان الثمن.
إن الأسير غير الواعي يجد نفسه أمام محقق مؤهل ومسلح بأعلى درجات التأهيل والإعداد، وعند أول مواجهة في غرفة التحقيق فأن الأسير الجاهل يصدم من اللحظة الأولى، من المفاجأة، فهو خالي الوفاض، وذاك متمترس بساتر عريض من المعرفة والدراية بأدق التفاصيل النفسية والمعنوية عن الأسير الذي يقف أمامه مصدوما، وهنا فإن المسؤولية بعدم تأهيل وتدريب الأسير على مواجهة أمر التحقيق، هي مسؤولية الذي نظم هذا الأسير، ولم يعمل على تأهيله وإعداده قبل دمجه في صفوف الثورة، كما إنها مسؤولية الأسير نفسه الذي لم يسع للمعرفة والتدريب، ولذلك فإن نتيجة هذا الصراع بين قطبي المعادلة تكون واضحة المعالم، إلا في حالات شاذة...
إننا لا نتعلم من أخطائنا، ولا نستفيد من تجاربنا، وقد شخصنا أسباب السقوط في غرف التحقيق، فأسرانا غالبا لا تكون لديهم الدراية والتربية الثورية والاجتماعية والسياسية، والنفسية والوطنية، فهم يجهلون حتى المعلومات الأساسية عن فلسطين تاريخها وجغرافيتها، وتضاريسها، فكيف لهم أن يدافعوا عن شيء لا يعرفونه؟
إن المناضلين جزء من هذا المجتمع، ومجتمعنا الفلسطيني يعاني من خلل كبير في أساليب التربية الاجتماعية، فالتربية الخاطئة تنتج مجتمعا فيه الأمراض السلوكية غير المقبولة، وتنشأ فيه أزمة أخلاقية شديدة، وأنا أتحدث هنا عن قيم الإيثار التي تكاد تكون مفقودة في مجتمعنا، بل العكس هو الذي يسود وينتشر وهي الأنانية الضيقة، فنجد صاحب المنصب يستأثر بمنصبه، والقائد يستغل موقعه القيادي لنفسه، والموظف يؤثر نفسه عن غيره، وكذلك الأسير الجاهل يؤثر نفسه أيضا، فيكون سقوطه أسرع من غيره، إذ إن المحقق يدرك تلك النفسية الأنانية عند الأسير، فيبدأ بالتحدث معه عن أهمية المصالح الشخصية، وأن بإمكانه إنقاذ نفسه بـ"الإعتراف" فيقول له بعض الأمثال الشعبية التي يوظفها توظيفا ناجحا مع مثل هذا الأسير حين يقول له:"مئة عين تبكي ولا عين أمي تبكي" أو"كف ما بناطح مخرز"وغيرها من الأمثال الشعبية السلبية، فنعود لنكرر بأن عدم إعداد الشباب إعدادا سليماً وقوياً قبل دمجهم في صفوف الثورة هو بمثابة إرسالهم إلى حتفهم...
أما أوسلو وما تبعها من تداعيات مدمرة، على نفسية الثوار والمناضلين والجماهير في نفس الوقت، فحدث ولا حرج، إذ يقول الكاتب صفحة 17:"ثقافة أوسلو هدمت هياكلنا الشامخة،وركَّعت منظومة القيم السامية التي كنا نعتز بها"
فمن أثارها:
1- حالة اللامبالاة.
2- غياب التراكمات التي اعترت تجربة العمل الثوري.
3- عدم الاستفادة من المآثر البطولية لأنها لم تسجل، فقد كانت مرتجلة.
4- ضاعت آمال أبناء شعبنا بشدة حين رأى بأم عينيه ولمس لَمْسَ اليد المباشرة حقيقة أن الاستيطان قد توسع في عهد أوسلو.
5- إن حياة هذا الشعب الرازح تحت قيود الاحتلال قد ازدادت شقاء وبؤساً في زمن اتفاق أوسلو ووعد السلام المؤجَّل، وأن توقعاته بحلول عهد من الرخاء والازدهار قد تقوضت بقسوة على مداخل المعابر الحدودية والحواجز العسكرية، وغير ذلك الكثير من سياسات القمع والقهر المنهجية.
إن أوسلو ما هي إلا خديعة سياسية كبرى وخطأ تاريخي لا يغتفر.
يُعد الكاتب الصمود كما نُعده نحن جميعا، لذة لا تعادلها لذة، فهي قيمة تعادل العمر، فيها العزة والشموخ، والصمود تجسيد مادي لأثر الإرادة وهو احتكام لسلطان العقل، واستجابة لنداء الواجب، فالصمود النابع من الإيمان الراسخ، لا يعرف الخوف، فهو يحمل قناعات وفِكر وثقافة تغذي الإيمان، وتجعل حياته مثمرة تفيض عظمة وشموخا، فالإيمان بعدالة قضيتنا الفلسطينية، وحقنا المشروع،والإيمان بحتمية النصر،هو ما يجب أن يتحلى به المناضل، يدافع عن حقه، فإطالة مدة الاعتقال أو تقصيرها هو أمر بيد الأسير نفسه، فإذا اعترف، يكون قدحكم على نفسه بالمكوث في غياهب الجب سنوات طويلة، وإذا صمد وقهر جلاده وهزمه، فلن يطول بقاؤه في الأسر، وهنا أشير إلى نقاش ما قد جرى بين أسيرين محررين، الأول قضى في الأسر عشرين سنة بالتمام والكمال، والثاني قضى في الأسر سنة واحدة، يقول الأول لزميله:
" شو اللي انحبسته انت؟ كلها سنة واحدة، أنا بقضيها على جانب واحد"
أجابه الثاني:نعم، أنا قضيت سنة واحدة في الأسر وقضيت التسع عشر سنة التي بيني وبينك خارج الأسر أنعم بالحرية، أو تدري لماذا؟ لأنني صمدت وهزمت جلادي...
فتغير وجه الأسير الأول.
وهنا أقول:لماذا يكافأ الذين"يعترفون" بالمناصب والرتب التنظيمية؟
لماذا يكون القياس على سنوات الاعتقال وليس على مضمون العمل الثوري نفسه؟
لماذا لا تتم دراسة الحالات الإعتقالية للأسرى دراسات موضوعية، للتعلم من تجاربنا وتسجيلها ليكون لدينا إرث ثقافي خاص.
لماذا لا نسجل تراثنا النضالي الحقيقي بعيدا عن المغالاة والإدعاء والتهويل؟
ختاما فإنني أؤكد على ضرورة استكمال ما بدأه الأخ حسام خضر في عمل وإعداد الدراسات الموضوعية حول الأسر والأسرى، ولنعزز القيم النبيلة وقيمة الإيثار في نفوس أجيالنا الثورية، ليكون في النهاية الرجل المناسب في المكان المناسب، وهي صرخة من عمق ضميرنا لكل من هو في موقعه، آن الأوان لننهض من سباتنا الشتوي لنعطي الوطن حقه، فالساكت عن الحق شيطان أخرس.
وأخيرا كلمة شكر للأخ حسام خضر على هذه الدراسة الغنية المثمرة، وكلمة شكر أخرى أقدمها أيضا للأخ حسام خضر على صموده وكسره لإرادة الجلاد...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن