توماس فريدمان يتجاهل البيئة السياسية كعامل حاضن للإعتدال الديني

أحمد حسنين الحسنية
ahmed_alhasanyah@yahoo.com

2010 / 3 / 7

عندما يتحدث فيلدرز ، و أمثاله ، عن الإسلام ، أغلق الصفحة ، و سبق أن ناشدت القراء ألا يولوه ، و أمثاله ، إهتمامهم ، و لكن عندما يتحدث ، أو يكتب ، أشخاص مثل لورد تيبت ، أو توماس فريدمان ، و أمثالهما ، فإنني أتمعن فيما قالوه ، أو كتبوه ، رغم إنه في أحيان عدة تكون وجهة نظري مغايرة لوجهة نظرهم .
الفارق في موقفي هو في تفهم الدوافع التي تقف وراء تلك الشخصيات ، فدوافع شخص مثل فيلدرز عندما يتحدث عن الإسلام ، و المسلمين ، تختلف عن دوافع شخص مثل نورمان تيبت ، أو توماس فريدمان .
على إنني سأركز في حديثي على مناقشة توماس فريدمان ، الكاتب ، و الصحفي ، الأمريكي المعروف عالميا ، نظراً لأنه أكثر إطلاعا على العالم الإسلامي ، و كتاباته ذات منحى عالمي ، و تلقى كتاباته متابعة في الشرق الأوسط ، بعكس لورد تيبت ، السياسي البريطاني المحافظ ، الأكثر محلية ، و المهتم بالوضع الداخلي في بريطانيا ، و شتان بين البيئة السياسية في بريطانيا ، و البيئة السياسية في معظم دول العالم الإسلامي ، من المغرب إلى أندونيسيا .
من المتابعة المستمرة لكتابات توماس فريدمان ، و من مطالعتي لبعض ما صرح به لورد تيبت ، و ما كتبه غيرهما من الشخصيات الجادة ، أجد أن هناك إتجاه قوي يطالب المسلمين القيام بدور لتصحيح أنفسهم ، و هو إتجاه يصل إلى درجة اللوم الصريح .
هذه المطالبة ، أو اللوم ، فيها شيء طيب ، و هو الإقرار بأن هناك مسلمين طيبين ، مثلما هناك أشرار ، و أن الطيبين هم الأغلبية الساحقة ، و أن الإسلام دين مثل أي دين ، فيه مدارس متباينة .
و لكن هذه المطالبة فيها أيضا شيء غير عملي ، و هو إغفالها للوضع السياسي في الدول ذات الغالبيات المسلمة ، أو بقول أخر : البيئة السياسية في تلك الدول .
قد يحق للورد تيبت أن يلوم بعض مسلمي بريطانيا في هذا الشأن ، و لكن أن يلوم توماس فريدمان جماهير المسلمين في العالم الإسلامي ، و العربي خصوصا ، وحدهم ، و هو المطلع بشكل ممتاز على البيئة السياسية في العالم الإسلامي ، و له أصدقاء شخصيين في كل ركن من ذلك العالم ، فهذا ما لا يمكن قبوله من شخصه .
لو أن الأستاذ فريدمان راجع بسرعة تاريخ كل حركات الإصلاح الديني ، سيجد أن البيئة السياسية المناسبة قد لعبت دور هام في نجاح تلك الحركات .
مارتن لوثر لم يكن المصلح الديني الأول في غرب أوروبا ، كما يعلم الأستاذ فريدمان ، و لكن الذي حمى لوثر من الحرق حيا كبعض من سبقوه من المصلحين ، وجود حاكم سياسي وفر له الحماية .
و الذي كتب لحركة لوثر النجاح ، و جود العديد من الإمارات الألمانية ، و دول أخرى مثل السويد ، و فرنسا ، التي وفرت الجيوش اللازمة لحماية الحركة الإصلاحية ، من الجيوش المناصرة للبابوية الكاثوليكية ، مع ملاحظة أن دوافع فرنسا الكاثوليكية كانت سياسية ، و ليست دينية بالطبع .
محمد ، صلى الله عليه وسلم ، و الذي يتفق الكتاب المنصفون ، غير المسلمين ، و غير المتدينين ، على إنه قاد حركة إصلاحية دينية - إجتماعية ، في الجزيرة العربية ، لم يكتب لحركته النجاح إلا بعد أن خرجت الحركة من تحت الطغيان المكي ، إلى الحرية في يثرب ، أو المدينة المنورة ، و تمتعت بالحماية التي وفرتها قبيلتي ، الأوس ، و الخزرج ، فقد كانت الهجرة النبوية ، علامة إنتقال من بيئة سياسية ضاغطة ، إلى بيئة سياسية مناسبة للنمو ، أو علامة إنتقال من مرحلة إلى أخرى أفضل ، لهذا إستحقت الهجرة إختيارها كبداية للتقويم الإسلامي .
سيرة الإمام ابن حزم الأندلسي أيضا دليل على أهمية وجود البيئة السياسية المناسبة الحاضنة .
الأمثلة كثيرة ، و أكتفي بالأمثلة السابقة لإثبات أهمية وجود البيئة السياسية المناسبة ، كعامل في نجاح الحركات الإصلاحية .
في العالم العربي الوضع أسهل بكثير من الوضع في ألمانيا في عهد مارتن لوثر ، فنحن لا نحتاج في الحقيقة إلى مذهب ديني جديد ، لأن في الكثير مما أخرجته المدارس الإسلامية الفقهية ما لو أخذنا به لكان فيه إنتقال للوضع الذي نحلم به .
أمثلة على ذلك : لو أخذنا برأي الإمام مالك في الكفاءة ، و التي رفضها ، لإنتهينا من قضية التفرقة الطبقية ، و العنصرية ، التي تأخذ شكل ديني .
و لو أخذنا برأي الإمام ابن حزم الأندلسي في حق المرأة - في أي عمر - في السفر بمفردها ، لإنتهينا من قضية التمييز بين الرجل ، و المرأة ، في حرية السفر ، و في قيادة السيارات بشكل أولى .
و سبق أن ذكرت رأي الشيخ يوسف القرضاوي في تأييده لحق غير المسلم ، و المرأة ، في تولي منصب رئاسة الجمهورية ، و في هذا الحق إقرار بحق المواطنة المتساوية لجميع المواطنين في أي دولة إسلامية .
الأمثلة كثيرة على أن فقهنا الإسلامي الحالي فيه الكثير اللازم لتأسيس مجتمع مدني يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، و الذي نعده في حزب كل مصر جزء من الوثيقة الأساسية للحزب .
مشكلتنا ، و كما ذكرت سابقا في هذا المقال ، أبسط بكثير من الوضع في أوروبا الغربية ، في عصر الإصلاح الديني ، أو في عصر النهضة السابق عليه ، فنحن ، كمسلمين ، لسنا في حاجة لمارتن لوثر مسلم ، و لا في إنتظار لميلاد جيل جديد من المسلمين يقبل بالدولة المدنية ، و يدين بالإعتدال ، لأن أغلبية المسلمين ، من سنة ، و شيعة ، تدين بالأراء المعتدلة في الإسلام ، و ترفض العنف ، و لكن المشكلة في حكامنا .
إنني أتصور الإعتدال ، و الإنفتاح ، الإسلاميين ، كنبتة ، فكيف تنمو هذه النبتة ، و تزدهر ، و حذاء الإستبداد فوقها ؟؟؟
المشكلة الأساسية هي في البيئة السياسية غير المناسبة ، و التي صنعها حكامنا ، الذين يريدون أن تظل صورة المسلمين سيئة في نظر العالم ، حتى يحصلوا على تأييد العالم .
إصلاح البيئة السياسية سيقود لسيادة الأراء الإسلامية المتوافقة مع مبادئ الدولة المدنية ، و إصلاح البيئة السياسية ليس مسئوليتنا وحدنا ، نعم الجزء الأكبر يقع على كواهلنا ، و لكن الحذاء سيكون أخف ، و أسهل في الإزالة ، عندما تكف دول العالم الحر عن دعم ذلك الحذاء .
المسئولية إذا ، عن الوضع الحالي في العالم الإسلامي ، مشتركة يا أستاذ فريدمان ، و لا يجب أن تلومنا وحدنا .
يجب أن تلوم أيضا كل من يدعم ذلك الحذاء ، و يزيد من وطأته على نبتة الإعتدال الإسلامي .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن