النظام السياسي بين اللايوس و الديموس

بودريس درهمان
OURIBLI@HOTMAIL.COM

2010 / 2 / 25

قبل ظهور الأديان كان هنالك تدين، و حتى بعد عدم الاعتقاد في الأديان يبقى هناك تدين كذلك؛ فالتدين هو نوع من الإيمان، هنالك من يؤمن بالقضايا الوطنية و يضحي من اجلها بحياته، كما يفعل الجنود و المتطوعون الذين يدافعون عن حوزة الوطن أثناء الغارات الأجنبية و أثناء محاولة الاحتلال للأراضي الوطنية؛ و هنالك من يؤمن بقضايا الإنسان كما يحصل للمناضلين بداخل النقابات و بداخل الجمعيات الحقوقية الذين يضحون بحياتهم من اجل كرامة الإنسان؛ هنالك كذلك من يؤمن بقيم وظيفته و يضحي بحياته من اجلها كما يحدث لرجال الدولة من قضاة و ضباط امن و موظفين عموميين الذين يهبون حياتهم للصالح العام كما تحدده لهم عقيدة وظيفتهم الخ
التدين مرتبط بالإيمان و بالتضحية و كل شخص يؤمن بقضية ما و يضحي من اجلها فهو متدين.
حاليا هناك تعسف في تحديد الاشتقاق الأصلي لكلمة علمانيةLaïcité فالأنجلفونيون يربطون هذه الكلمة بـsecular و هذا فقط أحد التجليات للعلمانية وهو تجلي ضيق و بدون دلالة سياسية، لأن كلمة secular تحيل إلى المشاكل المرتبطة بالحياة اليومية و لا تحيل إلى شكل من الأشكال التي تخص التنظيم الاجتماعي الفوقي. هذا التحديد الضيق لدلالة علمانية يعود السبب فيه إلى اشتقاقه من الدين المسيحي؛ فالدين المسيحي يميز بين تنظيمين خاصين بالرهبان و الأساقفة. التنظيم الأول هو السقيفة الدنيوية le clergé séculierهذه السقيفة المحتضنة لرجال الدين المسيحيين يشتغلون على اليومي و يقبلون بالدين اليومي الذي يمارسه الشعب بعيدا عن القوانين الدينية الصارمة التي يفرضها احد المذاهب التأويلية للدين المسيحي؛ أما السقيفة النظامية le clergé régulier فإنها تشتغل بمعزل عن الناس و تتكفل بالتأمل و تحديد القضايا النظامية دينيا و عقائديا.
السبق التاريخي للديانة المسيحية في إيجاد مخارج نظامية بين هيأة رجال الدين المكلفين بالقضايا الدنيوية و هيأة رجال الدين المكلفين بالقضايا الدينية سمحت لها الاهتداء في احد مراحلها التاريخية إلى اكتشاف العلمانية، لكن رغم ذلك، فكل هذا لا يعطيها الحق في احتكار عائدات و مميزات العلمانية على مستوى التقدم الحضاري للمجتمعات البشرية. تكلس الفقهاء المسلمين و تعطل آليات تفكيرهم الذي حال دون استطاعة المجتمعات الإسلامية إيجاد تأويلات حول العلمانية لا يعني أن الدين المسيحي هو الدين الذي شرع للعلمانية؛ فالعلمانية المتقدمة تميز بين الدين و التدين، لأنه كما سبقت الإشارة إلى ذلك في هذا المقال، قبل ظهور الأديان كان هنالك تدين، و حتى بعد عدم الاعتقاد في الأديان يبقى هناك تدين كذلك؛ التدين مرتبط بالإيمان و بالتضحية و كل شخص يؤمن بقضية ما و يضحي من اجلها فهو متدين.
العلمانية، أو اللائكية، عادة ما يتم ربطها تعسفيا بالإلحاد و هذا خطأ فهذه الأخيرة هي مشتقة من كلمة لايوسLaïos التي تتعارض مع كلمة ديموس Démos. كلمة لايوس تعني مجتمع مكون من أفراد نزهاء مستقلين عن جميع القوى و متساوون في ما بينهم و يحتكمون إلى قانون فوقي متعال و إلى صناديق الاقتراع؛ أما كلمة ديموس فتعني الجماعات المنظمة للأفراد بداخل المجتمع و المتناحرة في ما بينها و المحتكمة إلى قانون الحراك الاجتماعي، هذه الدلالة المختلفة التي تحتوي عليها كلمتي لايوس و ديموس تحدد الاختلاف الحاصل حول تحديد الممارسة الديمقراطية بداخل المجتمعات، حيث هنالك الديمقراطية بمفهوم اللايوس و هنالك الديمقراطية بمفهوم الديموس.
بمعنى هنالك من يؤمن بها من منطلق أفراد عقلاء متحضرين و متساوون في كل شيء و هنالك من يؤمن بها كأفراد منضوون في النقابات والأحزاب السياسية و أندية التفكير.


في الديمقراطيات المباشرة يتم ممارسة الديمقراطية بمفهوم اللايوس، بمعنى ديمقراطية بدون وسائط تنظيمية و بدون الحؤول ضد إرادة الفرد العقلاني و المستقل. و في الديمقراطية التمثيلية ينوب عن هؤلاء الأفراد و العقلاء المستقلين نوابهم في البرلمان.
هذا الفهم المختلف لتحقيق الديمقراطية ينتج عنه نوعان من أنماط الاقتراع. الاقتراع الذي يسعى إلى احترام إرادة الأفراد العقلاء و المتحضرين و الاقتراع الذي يسعى إلى احترام القوى المنظمة و الممثلة لهؤلاء الأفراد العقلاء و المتحضرين.
التصويت على برامج الأحزاب السياسية في الانتخابات هو تغليب لكفة الديموس على اللايوس و التصويت على أساس مصداقية الأشخاص هو تغليب لللايوس على الديموس.
الأديان السماوية هي أديان تستجيب بشكل كبير لنظام اللايوس بمعنى أنها تفضل مصداقية الفرد على مصداقية الجماعة السياسية التي تمثله و لكن من يجعل منها أنظمة انتخابية للديموس هو حاجة الدولة إلى الجماعة السياسية للنيابة عن الدولة في تنظيم الأفراد العقلاء و المتحضرين.
ساهم هاذين التصورين المتنافرين للممارسة الديمقراطية في ظهور نوعين من نمط الاقتراع:
1. نمط الاقتراع الأحادي الاسمي
2. نمط الاقتراع باللائحة
الأول هو نظام لللايوس و الثاني يستجيب لنظام الديموس. نمط الاقتراع السياسي بداخل المملكة المغربية يتأرجح بين هاذين النظامين. خلال الاقتراع السياسي الأخير ليوم 27 شتنبر 2009 تم التخلي عن النظام الأحادي الاسمي بالأغلبية لان هذا النظام حسب منتقديه يقوم على تشخيص الانتخابات و على إعطاء الأولوية للأشخاص على حساب البرامج السياسية للأحزاب السياسية و اعتبر منتقدوا هذا النوع من الاقتراع بأنه اقتراع لا يعكس تمثيلية القوى السياسية. الخطأ الذي وقعت فيه هذه القوى السياسية لما طعنت في هذا النوع من الاقتراع ربطته بالتزوير و عدم النزاهة في حين إن أي نمط اقتراع كيف ما كان نوعه إذا لم تلتزم الدولة و القوى السياسية بالإضافة إلى الأفراد بالنزاهة و احترام المصداقية فان هذا الاقتراع سيشوبه التزوير. نمط الاقتراع لا علاقة له بالنزاهة و المصداقية.
نظام اللايوس و الديموس يختلفان حتى على كيفية اختيار الوزراء. فنظام الديموس يفضل تعيين الأحزاب السياسية لمناضليها للاستوزار و نظام اللايوس يفضل السجلات الشخصية و الكفاءة و الرجل المناسب في المكان المناسب.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن