الجريمة والعقاب

صادق سالم
sadiktop1@yahoo.com

2010 / 2 / 12

ان سن القوانين يعتبر من اوليات أي نظام قائم مهما كان هذا النظام فهذه القوانين هي التي تحدد شكل وطبيعة وحدود هذا النظام , ولكي يتم المحافظة على قوة النظام واستقراره فانة توجد فقرة مهمة جدا في هذه القوانين وهي فقرة العقوبات وهي مجموعة من الاجراءات التي تفرض على من يتجاوز على حدود هذا النظام ويخالف قوانينه المنصوصة . وبما انه من المفروض ان تلك القوانين وجدة اصلا لرفاهية ابناء هذا النظام فبالتالي فان المحافظة عليه هي بالحقيقة المحافظة على رفاهية ابناء المجتمع وهذه العقوبات لردع المتجاوزين عليها .
حسنا ولكن هل هذه العقوبات كافية لتحجيم الجريمة وابعادها عن المجتمع لتوفير اكبر قدر من الرفاهية لابناءه ؟ الجواب واضح تماما وهو النفي فهذه الجريمة تنتشر وبازدياد في كل مفاصل المجتمع . اذن اين الخلل ؟ هل في نوع العقوبات ام في طريقة تنفيذها ام ماذا ؟!
للاجابة على هذا السؤال يجب اولا ان نحلل الجريمة وطريقة تعامل القانون مع مفرداتها ثم كيف يفرض العقوبات عليها . فالجريمة تتألف من ثلاث فقرات ( الفعل والفاعل والمفعول به ) فالفاعل هو مرتكب الجريمة والفعل هي الجريمة نفسها اما المفعول به فهو من مورست ضده الجريمة . والقانون هنا عندما يريد ان يفرض عقوبة معينة على جريمة محددة كالسرقة مثلا فانه ينظر الى الجريمة من منظار واحد وهو ( الفعل) فقط ويحلله ثم يضع العقوبات التي يراها مناسبة لذلك فعندما تقع جريمة ( سرقة مثلا ) ينظر النظام الى ظروف وقوع الجريمة , ليلا ام نهارا بالسلاح ام بدونه شخص واحد ام مجموعة اشخاص ( عصابة ) ومثل هذه الامور ثم يحد العقوبة التي يراها تناسب هذا الفعل . وهويهمل تماما الفاعل وظروف ارتكابه للجريمة الا في بعض الحالات النادرة والتي لا يعتد بها . القانون هنا يعتبر ان هذه الطريقة هي الطريقة المثلى في معالجة الجريمة في المجتمع ثم هوبعد ذلك يحاول ان يغير هذا القانون او تلك الفقرة للوصول الى الحل النهائي لانهاء او تقليل الجريمة ولكن عبثا يحاول !!
اذن اين الحل وماهي الطريقة المثلى لذلك ؟؟!
الحل في الاسلام وطريقة تعامله مع الجريمة فان الاسلام عندما يريد ان يحدد عقوبة لجريمة معينة فانه ينظر للجريمة من منظاران وليس منظار واحد , ينظر الى ( الفعل ) الجريمة اولا ثم ( الفاعل) مرتكب الجريمة ثانيا فالجريمة تحدد العقوبة بشكل عام ثم ظروف الفاعل لتحدد كامل العقوبة ولناخذ مثلا على ذلك بهذه الرواية وملخصها ( جيء الى امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) باربعة اشخاص مارسوا جريمة الزنا بنفس الوقت والمكان ( أي ان ظروف الجريمة متساوية تماما عندهم جميعا ) . ولكنه حكم عليهم باربعة احكام مختلفة كل شخص حكم خاص به وعنما سئل عن ذلك ( وهو سيد القضاة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) اجاب ان الاول عبد لايملك زمام نفسه وعليه نصف الذي على الحر والاخر غير متزوج ( غير محصن ) وحكمه كذا والاخر مجنون ولا حكم عليه والرابع متزوج ( محصن ) وحكمه كذا )) ؟؟!!
عجبا جريمة واحدة واربعة احكام مختلفة لماذا وما الغاية ؟؟!
ان الاسلام بهذه الطريقة يحقق هدفان مهمان جدا سيحققان الرفاهية للمجتمع وايصاله الى مستوى عالي من الرقي الانساني وابعاد الجريمة من الشارع الى اقل حد ممكن .
الهدف الاول هو تطبيق العدالة الحقيقية بين كافة ابناء البلد فنظرية ( الكل سواسية اما القانون ) لايعترف بها الاسلام ( برغم انها غاية ماينشده القانون الحالي ولا يستطيع الوصول اليها ) فالإسلام لا يرى أي عداله بهذا ! فاي عداله ان يؤتى بوزير متخم بالمال يتكلم بالمال ويسير على المال ويتعكز على المال ويتجشء مالا ثم حين يسرق نوقفه ونعاقبه تماما كما نوقف من لايملك في بيته قوتا لعياله أي عدالتاً هذه ! لا بل هذا الظلم نفسه ( هذا طبعا اذا تحقق ذلك وهو غاية مايحلم به النظام القائم والذي يعد ضربا من الخيال) !!.
الاسلام يقول لا يجب ان ندرس ظروف السارق ولماذا سرق وندرس ظروف الزاني ولماذا زنا وننظر لظروف كل من يتجاوز على القانون ونعرف ونحدد لماذا هذا التجاوز حتى نستطيع ان نحد العقوبة الملائمة . وبهذا تتحقق قمة العدالة .
السبب الثاني المهم بل المهم جدا انه بهذه الدراسة لظروف مرتكبي الجريمة ستحدد لنا اهم فقرة في الجريمة وهي اسباب ارتكاب الجريمة او كما يمكن ان نسميها ( سلسلة مولدات الجريمة ) , فقلة او انعدام فرص العمل تقلل بالتاكيد فرص زواج الشباب مما يزيد من جرائم الزنا والسرقة وغيرها الكثير من الجرائم وعليه فقلة فرص العمل مولد من مولدات الجريمة , وتقسيم الموطنين الى درجات هؤلاء الخواص من ذوي النفوذ والسلطة ولا تطلهم يد القانون وهؤلاء العوام المغضوب عليهم الذين عليهم ان يتحملوا كل تبعات الخواص سيولد لدى هؤلاء العوام الحقد على النظام والقانون نفسه ويجعل المتجاوز عليه كالبطل بنظرهم , فاذا هذا التقسيم مولد من مولدات الجريمة .
وعلى كل حال فان مولدات الجريمة موضوع ثاني بحد ذاته ربما نكتبه بمقالات لاحقة اما الان فنقول ان الاسلام عنما يحدد هذه المولدات ويعالجها يكون كمن وصل الى جذر المشكله وأقتلعها . بحيث سيكون حدوثها من الامور البعيدة .
ولكن هل هذا ممكن سنجيب بهذه الرواية .
في عهد الدولة العباسية جيء برجل سارق الى الخليفة لتطبيق الحد عليه ( العقوبة ) وعند دراسة ظروف الرجل لم يبقى لهم شك بانه يستحق اقسى العقوبة فهو لم يكن محتاج ووو الكثير من الظروف التي يضعها الاسلام قبل الوصول الى اقسى عقوبة فرسولنا الكريم يقول (( ادرءوا الحدود بالشبهات )) المهم تم فرض عليه اقسى عقوبة للسارق وهي قطع اليد ولكن هنا حصلت حيرة ليديهم من اين تقطع اليد فكل واحد يفتي بمكان محدد للقطع ولم ينقذهم من حيرتهم الا بعد ان استعانوا بامام زمانهم الذي حدد مكان القطع واسبابه )).
ما يهمنا من هذه الرواية هو حيرة علماء المسلمين بمكان قطع اليد لماذا ؟؟!
السبب ياسادتي الكرام ان جريمة السرقة كانت نادرة الوقوع بسبب تطبيق النظرية الاسلامية في التعامل مع الجريمة ......
ولكن اين نحن مما ندعيه ...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن