الصحافة والحقيقة

أحميدة عياشي

2010 / 2 / 10

في ,2003 كنت من الصحفيين الذين كان لهم شرف محاورة رئيس الجمهورية، وكان ذلك للمرة الثانية بعد تقدمه إلى منصب رئيس الجمهورية كمترشح••• وكان الفرق بين التاريخين بينا وكبيرا•• ففي عام 1999 كان بوتفليقة غير معروف لدى الكثير من الشباب الجزائري، وكان عائدا من بعيد بعد سنوات قضاها في المنفى الاختياري•••
وكان الجو مفعما بالحماس السياسي والرغبة في الخروج من عنق الزجاجة بعد الاستقالة المبكرة والمفاجئة للأمين زروال••• وكان المترشحون للرئاسة من الوزن الثقيل إذا ما ذكرنا أسماء مثل الدكتور طالب الإبراهيمي الذي كان محسوبا في الميديا على التيار الإسلامي داخل وخارج جبهة التحرير، ومولود حمروش رئيس حكومة الشاذلي، وأيت أحمد الزعيم التاريخي للثورة التحريرية ولمنطقة القبائل••• آنذاك كان بوتفليقة يذكر الجزائريين بالهواري بومدين، وكان الجزائريون يريدون من خلال عودته استرجاع زمن لا يمكن أن يرجع ويتكرر••• في ,2003 كانت قد مرت على حكم بوتفليقة عهدة بكاملها••• وكان وهو يلتقي مجموعة الصحفيين الذين قدموا إلى التلفزة الوطنية لمحاورته حاملا قبعتين، قبعة الرئيس، وقبعة المترشح إلى منصب الرئاسة من جديد••• وأتذكر أنني وصلت إلى مقر التلفزة على الساعة السابعة والنصف••• وما إن وصلت حتى اقترب مني الحراس ولم يطلبوا مني أية بطاقة، وقال لي أحدهم إن الرئيس هنا•• وأنت متأخر عن بقية زملائك . وعندما صعدت إلى الطابق الخامس، كان زملائي مع الرئيس المترشح في الصالون، وكان يجلس إلى جانب الرئيس المترشح، مدير التلفزيون آنذاك حمراوي حبيب شوقي••• اقتربت من الرئيس وسلمت عليه وواصلت تسليمي على كل من كانوا في الصالون•• كان الرئيس يرتدي معطفا، وكان يتكلم بهدوء•• وسأله في ذلك الوقت، مدير لو كوتيديان دوران، عن شحه في لقائه مع الصحفيين الجزائريين•• فابتسم الرئيس المترشح، وقال أنه لا يعارض أن يلتقي بالمسؤولين عن الصحافة بشكل دوري•• ولا يرفض اللقاء مع الصحافة الوطنية، لكن هل الصحافة في مستوى اللقاء؟ وكان هنا يطرح مسؤولية الكتابة•• وذكر مثالين عن ذلك، فقال لقد عرفت صحفيا مثل جان دانيال واستطاع هذا الصحفي أن يلتزم أدب المجالس، ما يقال وما لا يقال، ثم ذكر صحفيا عربيا كبيرا، لكن هذا الصحفي الكبير لم يلتزم بأخلاق المجلس••• ثم أضاف فما بالك بما يحدث عندنا••• وحتى لا يحمل الصحافة فوق ما تحتمل، قال الرئيس المترشح أصارحكم، بأنني استغربت ما أقرأه في الصحف من أخبار يمررها إلى هذه الصحافة مسؤولو دولة عن ما يجري في سرية في اجتماع مجلس الوزراء••• والآن مر وقت طويل على لقائنا بالرئيس المترشح، ولم تحدث لقاءات حقيقية بين الرئيس والإعلاميين••• وما أصبحت تعيشه الصحافة اليوم بطرحها لملفات الفساد، ليس نسخة عمل إعلامي قام به الصحفيون، بل يرجع إلى جهات في السلطة اختارت هذه الصحافة وتلك من أجل تبليغ رسالة ما••• وهذا ما يجعلنا لا نبشر ولا ننتشي بأن الصحافة الوطنية استطاعت كشف المستور••• حقيقة كانت الصحافة في الأحداث الأخيرة مجرد قناة لا غير••• فبين أن تصل الصحافة إلى الحقيقة وأن توظف للوصول إلى حقيقة ما، هناك عالمان يبعد الأول عن الثاني مسافة شاسعة هي بقدر بعد السماء عن الأرض•••
أحميدة عياشي



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن