يوسف زيدان: الإسلام هو امتداد للنسطورية

حسن الفرطوسي
alfartosy@hotmail.com

2010 / 2 / 7

• ثمة أحداث تاريخية أكثر غرابة من أي عمل روائي
• لا أعرف من هي قرّة العين وهيباتيا نتاج قرون من الجهد المعرفي
• لسنا بحاجة إلى "شيطان الشعر والبتاع" بقدر حاجتنا إلى الجهد البحثي

حاوره- حسن الفرطوسي

أكثر ما يخطر في ذهن من قرأ رواية "عزازيل" بتأمل وفحص دقيقين، هو مدى صلاحية التوجه لتوظيف المادة التاريخية في العمل الروائي، هذا التوجه الذي دافع عنه كاتبها يوسف زيدان الذي حصل من خلالها على جائزة بوكر العربية، حيث أعرب عن قناعته الكاملة بأن سرد الوقائع التاريخية لا يختلف كثيراً عن سرد الحدث الروائي، وأشار زيدان إلى أن الفرق يكمن في القدرة على تحريك الشخصيات في العمل الروائي وهندستها على نحو يجعل القارئ متفاعلاً في توليد الدلالات الفكرية والمعرفية.
وفي معرض حديثه عن رواية "عزازيل" التي أحدثت جدلاً واسعاً في الأوساط الأدبية والدينية، أوضح يوسف زيدان عبر هذا اللقاء الذي أجريناه معه خلال زيارته إلى الكويت بدعوة من مهرجان "القرين" الثقافي، بأن العمل الإبداعي عموماً يحتاج إلى جرأة الولوج في باحة المحظور والخروج عن السائد والمألوف، بقدر الحاجة إلى الجهد البحثي العميق الذي يقود إلى خلق زاوية خاصة لرؤية فكرية ووجودية حاذقة.
وفيما يتعلق بتداعيات الجدل الذي أحدثته رواية "عزازيل" وقبلها روايته "ظل الأفعى" كان لنا معه هذا اللقاء:

* الى أي مدى تعتقد بأن العمل الروائي يحتاج إلى جرأة أمام المجتمع والدين والسياسة؟
- من المهام الصعبة في العمل الروائي والإبداعي عموماً هو الولوج في باحة المحظور وغير السائد، انها تحتاج الى شجاعة في الخروج عن المألوف، ليس المألوف الديني والمجتمعي فحسب، بل حتى فيما يتعلق بالمألوف اللغوي والنمط السردي والحكواتي.. لدينا كعرب نمط محفوظ من الصعب تخطيه، وهنا تكمن بداية التحرر من قيود السائد.. وبرأيي فأن النص الروائي هو من يصيغ نفسه ويبني هندسته، ولو لم يكن يحمل هندسته الخاصة فهو نص لا يستحق القراءة.. ففي رواية عزازيل -مثلاً- ليس هناك أحداث تذكر، سوى راهب يكتب مذكراته و"شوية" أوراق ولغة، وكان عليّ ككاتب أن أوقد الشعلة كلما بدأت بالخفوت، فالبنية اللغوية الروائية يتم صقلها شيئا فشيئاً أثناء الكتابة تماما كما "السنفرة" للبشرة. وبالنهاية نحن لسنا بحاجة الى "شيطان الشعر والبتاع" بقدر حاجتنا إلى الجهد البحثي الذي يقود إلى خلق رؤية وجودية وفكرية حاذقة.

* كيف تنظر الى المجازفة في توظيف المادة التاريخية في بناء العمل الروائي، كما هو الحال في رواية عزازيل؟
- لا أرى مسألة سرد التاريخ تختلف كثيراً عن سرد الرواية، فالبعد الزمني للمضمون التاريخي يعطيه ثباتا أكثر مما نرويه نحن أبناء الجيل الحالي، فالخيال هو استثناء وليس أساس، ولو أخذنا مثالاً على ذلك، روايات نجيب محفوظ مثلاً، فهي واقع تاريخي وليس خيال، والمهارة تكمن في قدرته على تركيب الشخصيات، وأنا اعتقد بان كل ما كتبه نجيب محفوظ هو تاريخ لشخوص حقيقيين.

* ماذا لو أعدنا تركيب المعادلة بشكل عكسي، أقصد لو قرأنا التاريخ من خلال الرواية؟
- أنا أعتقد بأن المساحة تكاد أن تكون منعدمة بين عملية تدوين التاريخ وبين كتابة الرواية، فلو تحدثنا عن رمسيس الثاني في مصر، أو أي شخصية تاريخية سيقرأها الجيل الحالي على انه شيء جاد وحقيقي، رغم أن هناك من هو في زمنه يرى شيئاً مغايراً، إلا أن هناك بالتأكيد ثوابت تاريخية لا يمكن نكرانها كوقائع تاريخية، ولكننا حين نتفحصها نجدها أكثر غرائبية من أي عمل روائي.

* من يقرأ رواية "عزازيل" بدقة يستنتج بأنك ومن خلال شخصية الراهب نسطور أردت الإشارة إلى أن تعاطف المسيحيين (النساطرة) مع الدين الجديد (الإسلام) كان سبباً رئيسياً لانتشاره، كيف ترى هذه القراءة؟
- باختصار شديد جداً، أنا أعتقد بأن الإسلام هو امتداد إلى النسطورية.

* ألهذا السبب كنت متعاطفاً مع الراهب نسطور؟
- أراك "تلف وتدور" حول مسألة التعاطف "أيوا يا سيدي" أنا متعاطف مع الراهب نسطور، ولكن تعاطفي معه ليس لهذا السبب، بل لأنه كان مظلوماً. كما أنه يمثل نموذجاً للعلاقة الحرجة بين رجل الدين والسلطة.

* جاء وصفك لشخصية هيباتيا وطريقة قتلها مشابها إلى حد بعيد بشخصية قرّة العين التي ظهرت في العراق قبل قرنين ونصف تقريباً والتي قتلتها المؤسسة الدينية بنفس الطريقة، فهل تراءت لك قرّة العين وأنت تكتب شخصية هيباتيا؟
- في الحقيقة أنا أول مرة أسمع بقرّة العين.. أما هيباتيا، هذه العالمة والفيلسوفة فكانت نتاج لجهد قرون من المعرفة الإنسانية ومقتلها هو نهاية لعصر ثقافي مبهر لن يتكرر.

* رواية "عزازيل" واجهت انتقادات حادة من قبل الكنيسة، وهذا شيء متوقع، ولكن هل كنت تتوقع مهاجمة من قبل المؤسسة الدينية الإسلامية؟
- من الطريف أن هناك رجال دين ورهبان ومن الكنيسة الأرثوذكسية نفسها قرأوا الرواية وأشادوا بها ولم يعترضوا، لكن هناك من هاجمها وحاول أن يوهم الناس بأنه يدافع عن الديانة القبطية.. كما أن هناك رجال دين مسلمين هاجموا الرواية في بادئ الأمر، وقد بلغني بأن أحدهم كتب كتاباً بعنوان "كشف البهتان عن تلبيسات يوسف زيدان" وكان الكتاب في المطبعة، إلا أن هجوم المسيحيين قلب المعادلة وقرر صاحب الكتاب أن يسحب كتابه من المطبعة، وتحول الهجوم إلى دفاع، إلى درجة إنهم ساندوني لنيل جائزة الدولة التي حاز عليها سيد القمني.

* هل تؤيد من يرى أن رواية "عزازيل" تنتمي إلى نفس الفصيلة المعرفية واللغوية لرواية شيفرة دافنتشي؟
- لا.. أنا أعتمد على مدرسة لغوية مختلفة تماماً عن مدرسة دان براون، حيث إني أعتمد على لغة صوفية، يمكن القول بأنها مستمدة من لغة الحسين بن منصور الحلاج أو شهاب الدين السهروردي أو ابن سينا.. أما من ناحية الترابط المعرفي والفكري فهناك من أثار هذا الموضوع وألّف كتاباً بعنوان "شيفرة زيدان" ووضع صورتي بلحية بيضاء طويلة على غلاف الكتاب وكانت مقارناته ساذجة جداً. أما "شيفرة دافنتشي" فأنا أراها رواية سطحية ولا تعدو عن كونها رواية بوليسية عادية جداً.

* روايتك "ظل الأفعى" كتبتها بلغتين متفاوتتين في المستوى، كيف تمكنت من التوليف بينهما؟
-لأني كنت أكتب بذهنيتين مختلفتين، ذهنية الزوج "عبده" وذهنية الزوجة التي أبحرت في أعماق تأملاتها الوجودية العميقة، فكان لابد وأن يكون هناك تفاوتاً في مستوى اللغتين.

* هل واجهت اعتراضات على اللغة الجنسية المغرقة في "ظل الأفعى"؟
- ما يهمني هو فهمي للجنس، فأنا لا أرى أي جرأة في تناولي للجنس في الكتابة، لأنه لا يعبر عن حالة غضب أو حالة كبت، بل حالة شوق وجودي، وقد جاء في ظل الأفعى تعبير "ما أنث المؤنث هو الذي ذكّر المذكر" فالذكر استلّ من الأنثى ولحظة الطباق الجنسي هي لحظة اكتمال وعودة إلى التوحد. فهي عملية روحية أكبر من أن تكون عملية جسدية فقط.

* ما الذي جذبك إلى كتابة الرواية بعد مشوار طويل في العمل الأكاديمي في تحقيق المخطوطات؟
- أنا شغلي أساساً في الأدب الصوفي وبدايتي كانت أدبية خالصة، وفي أواسط التسعينات أصدرت كتاباً نقدياً بعنوان "التقاء البحرين" صدر بطبعة واحدة، تحدثت فيه عن منهج جديد في النقد، طرحت من خلاله بأن النص النقدي يقوم بإيذاء النص الإبداعي وليس تذييلاً عليه ولا شرحاً هامشياً، بل لا بدّ أن يكون النص النقدي أن يمتلك لغته الخاصة والتي لا تقل أهمية عن لغة النص الإبداعي نفسه، ليخلق نصاً يسير بموازاة النص الأصلي ويلتقيا في نهاية المطاف عند قارئ مبدع قادر على توليد الدلالات من النصين. وطبقت هذه النظرية النقدية على عدد من النصوص منها رواية "هاتف المغيب" لجمال الغيطاني، واشتغلت طويلاً في هذا الميدان، فالعمل الروائي لم تكن أمراً طارئاً.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن