كن فيكون

زهير قوطرش
globus102@yahoo.com

2010 / 1 / 26


صديقي ,يحاول دائماً قراءة القرآن , لا لفهمه وتدبره مع كل أسف ,رغم أنه ضليع في أصول اللغة العربية ,وله قدرات علمية لا بأس فيها.قراءته للقرآن الكريم هي قراءة الذين يحاولون إيجاد التناقض في آيات القرآن ,ليثبتوا أن هذا القرآن الكريم هو من صنع البشر, ولا يصلح لكل زمان ومكان.


جاءني وفي جعبته سؤالاً ,وكأنه في سؤاله هذا أكتشف عالم الغيب.وبلهجة المنتصر سلفاً سألني .
كيف تفسر لي قول الله عز وجل :
"بديع السماوات والارض واذا قضى امرا فانما يقول له كن فيكون
وقوله عز من قائل:
"الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة ايام ثم استوى على العرش الرحمن فاسال به خبيرا "
السؤال . كيف يقول الله تعالى إذا أراد شيئاً يقول له كن فيكون . ومع ذلك استغرق خلق السموات والأرض ستة أيام . كيف هذا؟ هل قدرته عجزت عن خلق السموات والأرض في لحظة ؟
مشكلة المشككين , والكثير من المسلمين ,هي جهلهم في كيفية التعاطي والتدبر في كتاب الله.القرآن وحدة متكاملة , المحور الأهم فيه هو "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" وهو المحور الأساسي لمقاصد الآيات القرآنية وخاصة الكونية ,وكل الآيات الكونية تدور حول هذا المعنى لهذا نجد أن الله عز وجل استخدم لتبيان ذلك السنن والقوانين التي سنها لحكمة ما بشكل ثابت لا تبديل فيها أبداً,الى جانب امور المعاملات والقيم الأخلاقية ,والحقوقية حتى والاقتصادية .ولهذا لا يمكن اجتزاء آية من السياق العام لكل آيات القرآن واعتبارها وحدة مستقلة .
جلست مع صديقي هذا في جلسة حوار أخوية مع فنجان القهوة ,لعلي وبعون الله تعالى أستطيع قلب مفاهيمه المغلوطة عن كتاب الله.وبدأت حديثي ,بسؤاله ...يا صديقي هل تعلم أن في كتاب الله قواعد وسنن .بدونها لا يمكننا أبداً الإجابة على الأسئلة الفلسفية التي طرحتها ويطرحها البعض عن حسن أو سوء نية.
- أجابني ...وما هي هذه القواعد والسنن من فضلك ؟
أجبته ,جميل جداً.أسمع وركز معي.
القاعدة الأولى هي قوله عز وجل "لا يسال عما يفعل وهم يسالون"
وقوله جل جلاله
"وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون"
الفرق بين خالق الإنسان و الإنسان ,هو أن ألإنسان دائماً يبحث عن علل أفعال الفاعلين فالإنسان الذي يصدر عنه فعل ,ولا يمكنه تعليله ...يصفه الناس بالمجنون أو المعتوه .وهنا سوف تسألني سؤالاً .لماذا الأمر كذلك ؟ولماذا يجب تعليل فعل الإنسان؟
سأعطيك مثالاً عن أفعال الناس .... إنسان رأى إنساناً يغرق....ولم ينقذه .هذا الفعل هو فعل تركي(أي تركه يغرق) فعل سلبي .من يرى فعل هذا الإنسان سيقول أنه معتوه .إذ لا يمكن أن يرى الغريق وهو قادر على إنقاذه ولا يفعل ذلك. فهذا سوف يُسأل لماذا فعلت ذلك
لكنه إذا قام بإغراق الإنسان الذي كاد أن يغرق ,وهذا ما يحدث في بعض الحالات ..نقول أنه فعل ,لكن فعله سلبي ,قد يفسر بأن هناك مشكلة ما بينهما لهذا أغرقه.وأيضاً سوف يُسأل مع وجود التخمين لفعلته.دائما الإنسان عليه أن يبرر فعله لنفسه و للآخرين .
الأصل في أفعال الناس أو البشر هي الحاجة.والمشكلة أيضاً في البشر هي جهلهم ,أي أنهم يجهلون أكثر مما يعلمون. حتى رسول الله (ص) كان يجهل القرآن قبل الرسالة .
"وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم
الملائكة ,لا علم لها إلا ما علمها الله عز وجل.
"قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم"
من هنا نستنتج أن أفعال البشر مرتبطة بالحاجة .لماذا اشرب ؟ لأنني أشعر بالعطش مثلاً.
فالبشر لابد أن تعلل أفعالها .لأنهم مخلوقات ناقصة. لايملكون الكمال والمطلق.
الله عز وجل رب العزة ,هل هو فقير ,او مفتقر,او ضعيف معاذ الله ؟ ,الله عز وجل مطلق وكامل لهذا
المنطق يقول لك كبشر ناقص ,لا تستطيع تعليل أفعال الله عز وجل ,أنت يا عزيزي قمت بقياس الله على البشر ,وحاولت تعليل أفعاله ...هو مطلق ,وقال لك حسب القاعدة الأولى ...لا يُسأل عن أفعاله. لأننا لا ندري ما هي الحكمة من هذه الأفعال. البعض مثلاً يسأل ....لماذا خلقنا الله عز وجل.؟ بعض الأجوبة تقول للعبادة .....هذا ليس جواباً للسؤال ,لأن الجواب هذا سيطرح سؤالاً أخر ...لماذا أرادنا أن نعبده ؟ وهكذا أسئلة دورية لا تنتهي ... لهذا لا يسأل عن أفعاله ولا نستطيع الإحاطة بحكمة الفعل الإلهي لأننا بشر.
القاعدة الثانية .كيف خلق السموات والأرض في ستة أيام ولم يقل لها كن فتكون في لحظة؟
الفهم القرآني يا صديقي ينطلق من قوله عز وجل
"ان مثل عيسى عند الله كمثل ادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون "
دعنا نتأمل في قوله كمثل أدم خلقه من تراب ......ثم قال له كن فيكون.
هنا تدخل صديقي .وقال لي :
كيف تفسر يا صديقي قوله خلقه ثم قال له كن. سأعطيك الجواب.
آدم عليه السلام حسب الفهم القرآني ,خلق على مراحل .لم يخلق في لحظة . في البداية خلقه من تراب ثم قال له كن...طيناً فيكون طيناً ... ومن ثم كن .حمأً مسنوناً فيكون حمأً مسنوناً ... كن صلصالاً فيكون صلصالآً .. ثم جاءت نفخة الروح نفخة الروح ..أليس كذلك وهذه المراحل من استمرارية فعل يكون أخذت زمناً حدده رب العالمين لعلمه وقدرته وحكمته ...أجابني لنرى أخرتها معك . أجبته لاباس.
عيسى بن مريم عليه السلام... حملته أمه تسعة أشهر كاملة .مع أن حملها كان حسب القاعدة كن فبعد تسعة أشهر يكون قد أكتمل كما أراد الله.
أنتبه صديقي الى مشكلة فاتته ,وسأل
الله عز وجل قال كن فكان أدم .كان عيسى ,وكانت السموات والأرض .فلماذا لم يقل كن .فيكون الشيء بلحظة قد خرج الى الوجود؟
رجوته أن ينتبه الى أن الله عز وجل لم يقل في القرآن كن فكان ,لكنه قال كن ..فيكون ,وهو فعل مضارع يدل على الاستمرارية. في الخلق و التطور وهذا هو بيت القصيد .
أجابني لم أفهم ما تقصد ..... أجبته معك كل الحق . سوف أبسط الموضوع أكثر.
لنفرض أن مهندساً أراد تصميم مشروعاً ما .يضع الفكرة والمعطيات الى الحاسوب ,ويقول له مجازاً كن ,ويضغط على زر التشغيل ....الكومبيوتر يعمل على الفعل يكون ...أي بعد الأمر تبدأ عمليات الحساب الى أن ينتهي تصميم المشروع .يعطي بعد ذلك الأمر للطابعة ,كن ...فتبدأ الطابعة بالعمل فيكون المشروع جاهزاً. المهندس أعطى الأمر ولكن فعل يكون يحتاج الى مدة زمنية لانجاز الفعل.
لهذا فأن الله عز وجل خلق الكون ...لكن وفق سنن معينة ثابتة .وسننه جميعها وجدت تحت قاعدة كن فيكون .... وتنفيذ الفعل يستمر خلال فترات الخلق مدد زمنية محددة من قبله تخضع لقوانين آلهية ثابتة تدخل فيها حكمته وعلمه.
فكر صديقي قليلاً ,وكعادته لا يريد أن يعترف بخطئه ,لأن ذلك إنقاص من كرامته المزعومة ,وحتى لا يشعرني بذلك ,قال لي التحليل فيه وجهة نظر . على كل حال يبقى كرأي بحاجة الى دراسة أكثر.
الواقع ,الذنب لا يقع على صديقي وحده ,فنحن قصرنا في موضوع السنن الإلهية في الكتب السماوية , السنن الإلهية التي يجب استنباطها من كتب الله وتعميمها , وهذه السنن مازالت دراستها غير كافية ووافية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن