هل الجلد والرجم والقتل هي قوانين ( إلهية )

سيمون خوري
khaledaltounsi@yahoo.com

2010 / 1 / 25

دراسة فكرة القوانين ( العقابية ) في ( العقائد التوحيدية ) بإعتبارها قرارات ( إلهية ) مثل الجلد والرجم و القتل ، توصلنا الى تعارض غير عادي بين فلسفة الخير وبين فعالية ( العقاب ) كإجراء عقابي على ( ذنب ) ما أو تهمة ما من وجهة نظر الدين .
كافة العقائد الدينية في مختلف عصورها شرعت أو سنت مجموعة من الأعراف والتقاليد في إطار تطورها لتنظيم العلاقة بين أفراد الجماعة الواحدة ، وثم في مرحلة متأخرة لتنظيم العلاقة بين الفرد ورمزه الديني . وهو الأمر الذي فرضته سلطة الكاهن الطبقية – الحاكمة باسم الرمز الغيبي . وجرى لاحقاً إعتبارها بمثابة قوانين تحمل صفة الإلزام لإتباعها .
بعض هذه القوانين يحمل دعاوي وعظية أخلاقية موجه للفرد ، وبعضها الأخر يحمل طابع عقابي فردي أو جماعي . وفي معرض تفسير الأساطيرالقديمة للظواهر الكونية من زلازل وفيضانات وجفاف ..الخ . نرى ملامح ما يمكن إعتباره مبدأ العقاب الجماعي المتسلط من قبل ( الإله ) الواحد وهو ما نجده في نصوص ( العقائد التوحيدية ) وبنسب مختلفة بين الديانات التوحيدية الثلاث .
ما نود التركيزعليه هنا ، أن في معرض دراسة الفكر الفلسفي الديني ، تتجلى بوضوح ظواهر معقدة ومتناقضة بين الدعوة الى فعل ( الخير ) وبين الدعوة الى فعل وممارسة ( القتل ) . وهما فكرتان متعارضتان من الناحية الفلسفية ومن الصعب التوفيق بين فعل الخير وفعل القتل . هذا التعارض هو ما تسميه الفلسفة اليونانية ( مافري تريبا ) أو الفجوة أو البقعة المظلمة في تطور الفكر الفلسفي الديني .
وفي هذه الإشكالية الفلسفية يتولد السؤال ، هل أن من يدعوا الى ممارسة فعل القتل سواء الفردي أو الجماعي بحجة الحصول على الجزاء الآخروي قادر على ممارسة فعل النقيض وهو الخير والحق ..؟
في الفلسفة الإسلامية نجد مخرجاً هروبياً وهو ( إنما الأعمال بالنيات ) ..؟وهومبدأ قائم على أساس إحالة الموضوع الى فعل ( إلهي ) أو أوامر ( إلهية ) فهل هنا فعل الجلد والرجم والقتل هي أوامر ( إلهية ) ..؟ في الوقت الذي تطلق على ( الإله ) أوصاف العادل والحكيم والخير ..؟ ثم إذا كانت العقائد التوحيدية الثلاث هي من ذات ( المنشأ الألهي ) الواحد ، كيف يمكن تفسير التعارض والتناقض بين أوامر وتعليمات هذه ( الإله ) في الديانات الثلاث ...؟ وطرق إنتشارها في الوعي الجماهيري بحيث تحولت افكار القتل الى أيديولوجية قائمة بذاتها . وهي ذات الصيغة المكيافلية في تبرير توافه الأمور في منطق الحاكم .
من الممكن ( إفتراضاً ) إعتبار أن هذه القوانين كانت تنسجم مع مرحلة معينة من تطور مجتمعات الشرق الأدنى القديمة . لكن لا يمكن بحال من الأحوال إعتبار أن هذه القوانين تملك حق الديمومة في عصر تجاوزت فيه حاجات الإنسان ماكان عليه المجتمع القديم . وهي ( قوانين ) مخلوقة بالعقل الإنساني وليس بالفعل ( الإلهي ) . وإعتبار ديمومة النص الديني كقانون ، ودائرة المعارف الوحيدة ، وشرعنة القتل بوصفه ( عملاً إلهياً ) ما هو سوى تعبير عن الفشل في مجاراة العصر والتفاعل معه
الفرد كان على الدوام أسبق وجوداً على الجماعة ، بيد أن كابوس الديانات التوحيدية سلب الفرد حريته الشخصية ، وشرعن للمرة الأولى في التاريخ لمبدأ عدم المساواة الإجتماعية بين أفراده ( ذكر وأنثى ) . ولمبدأ التحزب والتعصب ، وبمعنى آخر ساهم بولادة ثقافة الكراهية والقتل ، وتتجلى بشكل خاص في ( العقيدة الموسوية والإسلامية ) والى حد ما في تنظيرات بعض المذاهب الفلسفية في الفكر المسيحي ، في الوقت الذي لم تسجل فيه أقوال منسوبة ( للمسيح ) بممارسة فعل القتل أو الرجم ..الخ إضافة الى كون هذه العقائد مجتمعة ساهمت من الناحية الفلسفية بترسيخ فكرة ( الوحدانية ) المتمثلة بتفرد الرمز الواحد في نظام الحكم ومن خلال ( ممثليه ) من وعاظ السلاطين . والإنتقال من عبودية الأشكال الطوطمية في الديانات القديمة كرمز ( للقوة الخفية ) الى عبادة ( النصوص المكتوبة ) إنتقل الإنسان من مرحلة عبادة الشكل المرئي من منحوتات وأشكال الى أسوء أشكال العبودية وهي عبودية النص . وعملياً أدت هذه المرحلة الإنتقالية ، الى مصادرة الحرية الفردية في التفكير المستقل خارج سياق النص . وتحول الإنسان الى تابع وخادم في جهاز أيديولوجية الخنوع الديني .
في الفكر الفلسفي اللاهوتي للديانات الثلاث نجد معسكران متعارضان .
( الفكر اللاهوتي الموسوي – والفكر الإسلامي ) وفي الجهة المقابلة ( الفكر اللاهوتي المسيحي ) . ورغم أن الكنيسة المسيحية عبر تطورها فرضت رقابة صارمة على نشر الأفكار المتعارضة معها ، وسنت بدورها قوانين غيرعادلة . بيد أنها رضخت لفعل ضوء الشمس والعلوم الحديثة . بينما نجد في المعسكر الأخر أنه لا يزال يتعامل مع حقائق العصر كما تعامل آهل الكهف عندما أكتشفوا أنهم في عصر مختلف .
في الفكر الموسوي ، نشاهد صورة ( إله ) متعطش للدماء والقتل ، وهي ذات الصورة التي نشاهدها في الفكر الإسلامي الدعوة الى القتل تحت يافطة ( الجهاد ) الذي لا تفسير لها سوى أن لفظة ( الجهاد ) هي الكلمة المخففة لتعبير فعل القتل . ورغم ما حفل به أيضاً تاريخ الفكر المسيحي من ألوان القتل ، بيد أن فكرة ( القتل ) كأيديولوجية لم تنص عليها الفكرة المسيحية الأولى ، بل جرى إستخدام الدين كغطاء لتوسعات وحروب إستعمارية . وحتى على صعيد العقاب الفردي نجد هناك فارقاً بين أفكار المعسكرين .
في الديانات الميثولوجية القديمة لم تجري عملية إبتكار عقوبات قاتلة ، او قطع وجلد ورجم . بل أن العقوبات الميثولوجية رغم عدم حدوثها سوى في الجانب الرمزي إرتدت صيغة إسطورية أو اشبه بحكايات جميلة ، كما نراها في أسطورة ( ميدوزا ) التي مارست الحب مع ( الإله أوذيسا ) داخل المعبد وإنتهكت حرمته ، فعاقبتها ( ربة الإلهه أثيناس ) وولدت من رأسها مجموعة من الأفاعي ، فمن يتمكن من قتل أفعى يكتب له الخلود . في الديانة البابلية ( حمورابي ) شرع أرقى القوانين عدلاً مقارنة مع عصره ، وفي الديانة المصرية القديمة ، كان الحساب والعقاب عموماً متعلق بتصورات الحياة الأخرى . بيد أن موسى إرتكب فعل القتل ، وكذا محمد ، وكلاهما أوجدت الديانة تبريراً لفعل القتل ، الأول تحت عنوان ( الخطأ ) والثاني تحت عنوان ( الجهاد ) . وإذا شرعت في محاكمة الأدلة ووزنها في سياق الدفاع عن فعل القتل أو الرجم أو الجلد ، يتضح مدة ما تمثلة العواطف الدينية والتبريرات المقدمة من غرابة وتضليل في شرعنة القتل والجلد والرجم بوصفه عملاً ( إلهياً ) ..؟ والنتيجة التي نصل اليها أن قوانين الجلد والرجم والقتل لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون ( عملاً إلهياً ) على اساس الأفتراض الجدلي لهذه ( العقائد ) وأنها منزلة من قبل ( إله ) غيبي ..؟ وربما هذا ما نلاحظه في تاريخنا المعاصر، أن أثر هذه الشعائر الغيبية الوهمية لا زال يفعل فعل السحر في مجتمعاتنا في العالم الشرق أوسطي . بل أن ممارسة هذه الأفعال تفتح باباً الى ( الجنة ) وهذا هو التصور والرؤية الوهمية الأسوء في نظرية العقوبات الدينية . وهو أن يتعايش الحاضر المادي في عقل الماضي الغابر. وبذلك يتحول الجلد الى فعل إلهي كما تحول القتل الى فعل إلهي بدوره . تحت غطاء كم من التبريرات الدينية الغيبية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن