السندباد الأردني

جهاد علاونه

2010 / 1 / 18

هل سبق وأن قرأت قصة السندباد؟

لا بد أنك قرأتها أو شاهدتها فلما كرتونياً أو ما شابه ذلك.

ونحنُ شاهدناها فلماً كرتونياً وقرأناها و فهمنا ونحنُ في المدرسة فهماً خاطئاً لأننا قرأناها بشكلها الأسطوري ولكننا لو قرأناها بصورتها الحقيقية لتعرفنا فيها على شخصية السندباد الأردني الذي لا يركب سفينة ولا حمارة ولا جملاً ليسافر بل يركبُ على قدميه وأغلب الأحيان كان يمشي حافياً وهذه هي قصة السندباد الحقيقية , بل أن السندباد الأردني أشجع بكثير من السندباد الفارسي فالسندباد الفارسي كان يملك جملاً وكان يملك خاتماً سحرياً وكان يملك مصباحاً يخرجُ منه المارد ليقول له : شبيك لبيك عبدك بين إيديك, ولكن السندباد الأردني كان يطلع له من المصباح جندي أول أو ثاني أو ملازم أول أو ثاني يسجنه أو يقلم أظافره أو يطرده من عمله أو يوجه له الإهانات وهو صامت وساكت , ولم يكن السندباد الفارسي مع علي بابا يواجه إلا أربعين حرامي قضا عليهم علي بابا بضربة سيف واحدة أو اثنتين لا أذكرُ بالضبط , ولكن السندباد الأردني واجه واجه ويواجه وعليه أن يواجه أربعين ألف حرامي أو أربعين مليون حرامي منتشرون في عواصم الدول العربية , وكلهم مدججون بالأسلحة الفتاكة وكلهم أصحاب قرار لو قالوا لأي كلب أردني : إلحق بالسندباد وعضه , للحق به , ولو قالوا لأي حمار أردني أة سوري أو مصري أكتب لنا أدق التفاصيل عن حياة السندباد الأردني أو السوري أو المصري لكتب, ولو قيل لأي عقرب السعي السندباد للسعنه وهو نائم , إن المواجهة اليوم بين السندباد والحيتان والقاطورات الكبيرة صعبة جداً , ولو جاء السندباد وعلي بابا والعم علاء الدين إلى الأردن لانهزموا من الجولة الأولى فلا أحد يستطيع أن يسافر كما كان يسافر السندباد الأردني ولا أحد يملك قلباً عظيماً يعشق به كقلب السندباد الأردني .

كل الذين قرؤوا قصة (السندباد) قرؤوها قراءة خاطئة أو فهموها خطئاً , فأولاً السندباد لم يكن هندياً ولم يكن فارسياً ولا صينياً ولا إسبانياً بل كان مواطناً أردنياً من الدرجة العاشرة , و(ياسمين) لم تكن أنثى ممسوخة إلى عصفورة جميلة بل كانت مواطنة أردنية تخرجتُ من إحدى كليات المجتمع الأكاديمية وأكثر من 20 عام وهي تقفُ على باب ديوان الخدمة المدنية تنتظر حدوث معجزة ينتهي فيها الفساد فتحصل على وظيفة في أي مدرسة مجاورة لمنزلها أو للبلدة التي تعيشُ فيها , لقد كان تخصصها في المكتبات العامة وتخرجت سنة 1990م وحتى اليوم لم تحصل على وظيفة ,ومعظم الطالبات اللواتي تخرجن بنفس التخصص بعد عشرة 10 سنوات من تخرجها , كلهن حصلن على وظائف في المكتبات العامة.

وكل الناس تعرفوا على (علي بابا) في قصة السندباد وهم متوهمون أنه قتل الأربعين حرامي أو الستين حرامي , وكل الناس فهموا شخصية علي بابا فهماً خاطئاً فعلي بابا لم يكن هندياً ولا مصرياً فرعونياً ولم يكن صينياً ولم يكن اسبانياً , لقد كان علي بابا مواطناً أردنياً اشترك مع بعض لجان مكافحة الفساد في التحقيق بقضايا فساد مالي واستثمارات وظيفية اختلس .

واكتشفت لجنة التحقيق حوتاً يبلع كل أنواع السمك الكبير والصغير حيث اختلس من عدة وزارات فأول وزارة اختلس منها تم القبض عليه بتهمة السرقة ولكن لظروف غامضة لم تتم محاكمة واتهم بدلاً عنه علي بابا بالسجن , فيأت السندباد ليخرجه من السجن لتنشأ بينهم بعد ذلك قصة صداقة كبيرة.

والعم علاء الدين كان رجلاً كبيراً في السن وقد بلغ به العمر سبعون عاماً وما زال يحملُ الأخشاب والحجارة على كتفه في بلد لا يرحم فيه الكبيرالصغير ولا يحترم فيه الصغيرالكبير, فضاعت هيبة الرجل الكبير وظلم الطفل الصغير.

معظم قصص التراث التي نسبناها للهنود أو للفرس كنا جبناء فيها فلم يكن هنالك كاتباً جريئاً ليقول أن قصة السندباد هي قصة مصرية أو عراقية أو أردنية أو عباسية تعبر عن بطش الخلفاء العباسيين الذين قتلوا وعذبوا وشردوا لذلك نقلها الشُرّاح نقلاً أميناً عن مصادرها الفارسية وتركوا لنا الكلمة الأخيرة لنقولها بعد الف 1000عام وأكثر على نقلها ليتبين للجميع صدق ما أقوله عن السندباد الأردني والسندباد المصري و(ياسمينه) التي تنتظر وظيفتها في الأردن أو القاهرة أو دمشق , لقد سافر السندباد من الأردن إلى القاهرة وكانت نتيجة رحلته متطابقة مع ماضي حياته فما زالت ياسمين في (عابدين) تنتظر الوظيفة والنزاهة والشفافية وما زالت ياسمين في عمان تنتظر المساواة بينها وبين الذكور التي تسرح وتمرح في جبال عمان وضواحيها, وما زلتُ أنا السندباد الذي يبحث عن تفكيك شفرة (ياسمين) لأعيدها إلى النزاهة والشفافية.

وصدقوني يا جماعة الخير أنكم فهمتم قصة السندباد خطئاً فكل العماليق الذين تصارع معهم السندباد لم يكونوا من أفريقيا أو الصين أو إسبانيا بل كانوا من أبناء البلد وكانوا يلبسون البسة عادية ويضعون على رؤوسهم أغطية عادية وجل شعر ويلبسون خصراً ساحلاً حتى الركبتين وكانوا حريصون على مصلحة البلد والوطن والمواطن وكانوا يتهددون بضرب أي عابث بالأمن وبالنظام المستقر وكل الذين هددوهم ضربوهم فعلاً واقتلعوهم من وظائفهم فعلاً وأخذوهم للسجون فعلاً بحجة أنهم يدعون إلى الديموقراطية وحقوق الإنسان وهذه مشاكل تثيرها إسرائيل لوحدها في منطقة الشرق الأوسط ويجب حماية المواطن العربي من الإعلام الصهيوني الذي يدعوا إلى نبذ الفرقة وإلى التخلي عن العصبية القبلية والذي يدعوا إلى احترام الكُتاب والأدباء ودعمهم دعماً معنوياً ومادياً وهذه مطالب ليس محببة لدى الأنظمة العربية ولا أحد يبثها إلا الإعلام الصهيوني ويجب حماية الوطن والمواطن من عبث العابثين بالأمن وبالنظام .

وكان السندباد في القصة الحقيقية مواطناً أردنياً شريفاً يهوى الورقة والقلم , ولم يكن شخصية مزيفة كالتي قرأها الناس في قصة السندباد الفارسية , فالسندباد ليس فارسياً بل مواطناً أردنياً من الدرجة العاشرة يكتب الشعر والقصة وبعض الفنون الأدبية , وكانت كل أجهزة البيروقراط الفاسد أو الحريص على إحياء التراث والتمسك بالعادات وبالتقاليد تمنعه من الاقتراب أو التصوير من هموم ومشاكل المواطن الأردني العادي لذلك دخل السندباد في صراع مميت وحقيقي ودموي مع الحيتان والتماسيح فتعرض السندباد لعدة عضات من القاطورات المنتشرة في شوارع إربد وعمان وجده ودمشق وبيروت والقاهرة , وجثى السندباد ككل الأبطال وبكا لفراق أحبته الذين ماتوا أمامه عن قصد وعن غير قصد وبكا وحزن وتألم لفراق (ننونته) فغنى لها أغنية الوداع الأخير وبكا هذه المرة كما تبكي النساء لأن الموقف والمشهد كان أعظم من كل البطولات الرجولية لقد كان الموقف يتطلبُ قلباً رقيقاً ودموعاً غزيرة وكان المخرج والمنتج مهتمٌ جداً بتصوير الحدث ليكسب من آلام السندباد كما يكسب المحامون من جرائم القتل, والتماسيح التي ظهرت هنا وهي تحاول نهش لحم السندباد ليست تماسيح النيل وليست هي التي شاهدناها في أفلام الكرتون عن قصة السندباد وياسمينه , كل الذين قرؤوا قصة السندباد مع التماسيح فهموها فهماً خاطئاً وكلهم ما زالوا يعتقدون بأن التماسيح كانت تعيش في مياه نهر النيل وهذه اعتقادات خاطئة جداً, لقد كان السندباد ذات يوم خارجٌ من منزله فأمسك فيه التمساح وأكله وهو ما زال على باب بيته , وكان السندباد يوماً مواطناً أردنياً طيباً خرج من منزله للبحث عن فرصة عمل وحين وجدها جاء التمساح فأرهبه , لذلك هرب السندباد من وظيفته خشية أن يأكله التمساح مرة ثانية .
وكان االسندباد مواطناً أردنياً من الدرجة العاشرة , خرج من منزله هو وأولاده للتنزه فلم يجدوا في كل المملكة مكاناً نظيفاً يجلسون فيه , ففي (الحمة) الأوراق والباعوض منتشرٌ وفي طبقة فحل كل شيء يجب أن يكون بمقابل وفي البحر الميت الزجاج المتكسر يعيق حركة المسير على حافة البحيرة , لذلك كان يرجع السندباد هو وأولاده للمنزل دون أن تبتل ثيابهم بالماء أو حتى دون أن تتسخ بتراب الوطن الغالي عل قلب السندباد.

والسندباد في قصتنا الحقيقية كان مواطناً أردنياً من الدرجة الأولى ولكن المسئولين في البلد كانوا في كل عام ينزلون رتبته من مواطن درجة أولى إلى مواطن درجة ثانية وبعد ذلك ثالثة وبعد الثالثة رابعة , وكان السندباد في كل يوم أو في كل عام يستبدلون له بطاقته الشخصية حتى أصبح اليوم مواطناً أردنياً يحمل بطاقة شخصية من الدرجة ال 100, وحين أراد أن يحمل بطاقة مواطن أردني من الدرجة الأولى اتهمته السلطات باتزوير وثائق رسمية وبتزوير التاريخ.

ولم يكن السندباد بحاراً ولا هاوياً للسفر ولكن ظروف قهره جعلته يسافرُ من حارة إلى حارة ومن شارع إلى شارع .

قال الراوي يا سادة يا كرام:

لم يكن السندباد عاشقاً للسفر ولا محباً للترحال ولا للتجوال ولكن ظروفه الصعبة جعلت منه سندباداً يتنقل كل يوم من حارة إلى حارة ومن موقع عمل إلى موقع عمل وأصبح عمره 40 عاماً وما زال يحمل الإسمنت والطوب والأخشاب على ظهره , إن ظروف القهر التي يعيشها المواطن العربي تجعل منه سندباداً ففي كل حارة في الأردن يوجد سندباد وتوجد بجواره تماسيح تريد أن تأكله وفي كل حارة توجد (ياسمين) التي يحاول السندباد أن يفك لغزها (شيفرتها) وفي كل حارة يوجد علي بابا وعلي ماما , اليس التسكعُ في الشوارغ سفراً!؟ وأليس التسكع في العمل سفراً؟!,أو ليس الطرد من الوظيفة سفراً ؟ أو ليس تزييف الحقائق واتهامي بالتحرشات الجنسية مغامرة صنعت مني سندباداً يهربُ من قدره الذي يلاحقه ليلاً ونهارا؟ إننا متسكعون ومسافرون والفرق بيننا وبين السندباد هو أن السندباد في القصة الحقيقية كان يواجه عمالقة وحيتان ومصاصين دماء مزيفون ونحنُ في الأردن نواجه مصاصي دماء وحيتان وتماسيح حقيقيين , وقصة السندبادأسطورة غير حقيقية وقصة السندباد الأردنية واقعية جديدة أو مستوحاة من واقعية ما بعد الواقعية ومن حداثة ما بعد الحداثة .

الفرق بيننا وبين القصص الأسطورية هو في الكذب والحقيقة .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن