ماذا لو تاب الشيطان ؟

سامى لبيب

2010 / 1 / 8

كان والدى مسكوناً بفكرة الشيطان ..يستحضره فى كل مناسبة ..فهو الذى يغوينا على الشر والخطية وهو الذى يحاول إثارة الفتن والمؤامرات والأحقاد ..وهو الذى يمنعنا من الصلاة ..هو مصدر كل شر ..كما هو الذى يعبث فى دماغى دوماً بالأفكار التى يراها غريبة وشاكة .

بالرغم أننى فى صباى لم ألغى فكرة الله إلا أننى لم أقتنع أبدا بوجود الشيطان وتوصلت بقناعة أننا نلبس شرورنا وأحقادنا وخطايانا لهذا الكائن الخرافى ..نحن لا نريد الإعتراف بأننا أخطأنا ...ومازلت هذه الفكرة سارية المفعول حتى الأن .

فى ذات مرة ..وخلال إستحضاره لقضية الشيطان طرأ فى ذهنى فكرة ..ماذا لو تاب الشيطان وكف عن شره ؟.
الفكرة تبلورت فى ذهنى بشكل جيد ورأيت أن أتحدى أبى حتى يكف عن وصفه الدائم لى بأن الشيطان يخرب فى دماغى .

أبى : ممكن الشيطان يتوب .؟
إندهش أبى من السؤال وتوقف فجأة يفكر فيه ..لم أمهله الوقت لكى يفكر وقلت له : يا أبى ..الشيطان ده مش مخلوق خلقه الله وكان فى الأصل ملاكاً وتمرد على طاعة الله .
وافقنى أبى فى هذه المقولة لأسارع بحماس لتقديم رؤيتى ..
إذن الشيطان عنده الإرادة أن يعصى ربنا أو يطيعه ..أليس كذلك ؟.
إذن ممكن يرجع عن شروره هذه ويتوب ويستغفر ربنا ..
وبما أن ربنا واسع الرحمة والمغفرة ولا يوجد شئ صعب عليه ..فلابد أن يغفر له ويمنحه الفرصة مثل أى مخلوق .

إذن يا أبى ممكن يكون الشيطان تاب إلى الله وربنا غفر له وإحنا لا نعرف ..
إذن من أين يجئ الشر ؟

أبى : وإيش عرفك أنه تاب لربنا ؟
أنا : وإيش عرفنى أنه فيه شيطان أصلاً .!!
أبى : أهو الشيطان بيلعب فى دماغك دلوقتى علشان تقعد تفكر فى كده ويجعلك تشكك فى وجوده ويبقى هوا فرحان أكتر .

عرفت أن المناقشة مع أبى أخذت طريق مسدود كعهدى معه ..ولكن بدأت أقلب الفكرة فى دماغى لأجدها منطقية ومع مرور السنين أكتسبت مهارات منطقية أكثر لتؤكد الفكرة .

نحن أمام الشيطان ككائن له حرية الإرادة كما يقولون بدليل أنه عصى وتمرد على الله ..إذن من الوارد جدا أن يفكر يوماً فى التوبة والكف عن الشر والمعصية وخصوصا أنه يرى الجحيم رؤى العين ..فإذا لم يكن لديه القدرة أن يتوب فهو مجبول على الشر ..إذن علينا أن نسأل من جبله على الشر بحيث لا يخطر فى باله أنه يتوب ..سنجد أن الله هو الوحيد الذى حتم عليه أن يكون شريراً إلى نهاية الوجود .
لن أقول ما هو ذنب الشيطان بأنه سيحرق فى الجحيم الأبدى طالما هو مسير على فعل الشر , ولكن سأقول من إذن يصنع الشر ويغوي على الخطية بقفاز الشيطان .

ولكن ماذا لو تاب الشيطان فعلا ؟!!
الله هنا لابد أن يقبل توبته لأن الله غفور رحيم بلا حدود ولن يستعصى عليه أن يغفر لمخلوق من مخلوقاته ...وإن لم يغفر يكون هناك أمور لا يستطيع غفرانها ..ويشكك هذا فى صفة الغفور والرحيم المطلقة..عدم مغفرة الله للشيطان يجعله هوائى المزاج ولا يقبل توبة كائن عصاه .

لقد تاب الشيطان عن غواية البشر بالشر.. ولن يكون وراء أى مصدر لكل فعل شرير , إذن من يغوى بالشر بعده .؟!

عندما يتوب الشيطان فستنهار كل المنظومة الدينية والأسطورية ..فلن يجدوا من يعلقوا عليه الشر فمصدر الشر قد تاب وأناب ..ستظهر إشكالية الأديان التوحيدية عندما جمعت فكرة الشر والخير فى إله واحد .. ستصبح الأفكار مكشوفة أمامنا فنحن من ألبسناها الخير والشر معا .

توبة الشيطان هو تعرية لهذا الفكر المتهالك الأسطورى الذى يتساقط أمام أبسط فكرة منطقية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن