شعب مقاوم وقلة تساوم

عماد صلاح الدين

2009 / 12 / 27

أوسلو ورفيقاتها هي الفتنة، المفاوضات العبثية مع المشروع الصهيوني الاستيطاني الاستئصالي هي الخراب والدمار. التنسيق الأمني بطبعته الأولى في فترة التسعينيات من القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، ثم هذا التنسيق الأمني الجديد الموغل في الإسفاف والانحطاط في ظل القيادة الفلسطينية الرسمية الجديدة، هو من نشر الفتنة والفرقة، ثم حاول تكريسها نهجا غير أصيل لشعب فلسطيني مقاوم لكل ظلم وتجبر واحتلال؛ نهج يتصيد الذرائع والعلل مع غالبية مؤيدة بقرار الناس وغالبية موقرة في ضميرهم، رغم الإساءة العلنية لهذه الغالبية الموقّرة في الضمير من قبل قيادة مستزلمة في وجهه، متخاذلة أمام عدوه .
نعم الشعب الفلسطيني هذه هي أصالته الطبيعية والتاريخية. هذه هي قاعدة الحكم التاريخي على الشعوب في المجمل، وليس على الشعب الفلسطيني وحده، فالخير كل الخير في الشعوب والأمم، مهما دارت عليها دورات التراجع والتخلف والانحطاط؛ بسبب الحالة التنوعية القائمة والقائلة بشبه المسلمة الإنسانية الاجتماعية، الناس في جلهم مقودين لا قادة، في إشارة واضحة بالمسؤولية الكبرى التي تتحملها القيادات والنخب في كل صعيد. قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم : ( فئتان إذا صلُحتا بهما تصلح الأمة وإذا فسُدتا بهما تفسد الأمة، قيل: من يا رسول الله، قال: فئتا العلماء والأمراء.).
لم أتفاجأ في صبيحة هذا اليوم السبت الموافق 26- 12- 2009، بنبأ اغتيال ثلاثة من مقاومي الشعب الفلسطيني في مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، احدهم شقيق القائد في كتائب شهداء الأقصى الشهيد نايف أبو شرخ، برغم حالة الاستئصال الكلية لحركة وحراك المقاومة في غير مجال في الضفة الغربية. وعندما نقول استئصال كلي، فهذا نرجعه إلى حقيقة المشروع المُدار في الضفة ضمن جهود متعددة فلسطينية رسمية وتعاون إسرائيلي وإشراف أمريكي مباشر، بالإضافة إلى جهود عربية رسمية ودولية. وهذا المشروع في التدليل عليه ليس بحاجة إلى تفصيل، فشواهده قائمة منذ سنوات، ومكشوفة ومفضوحة على أعلى مستويات، بلسان المُنفذين له في رام الله. لم أتفاجأ باستشهاد أبي شرخ وصبح والسركجي، لا من حقيقة انتمائهم لفتح وللشعب الفلسطيني، فهذه هي فتح الحقيقة والأصالة، وهذا هو شعب فلسطين في الغالبية منه منسجما دائما مع موقفه النابع من أن الاحتلال لا بد من مقاومته. وهي جدلية مهما حاول البعض تعطيلها أو إيقافها أو تحويرها بالضد بالشبهة والتضليل، إلا أنها تبقى قائمة ودونها ومادون الدون فيها محض توهم أو استثناء لا يقاس عليه بالمطلق في مسيرة شعب فلسطين وشعوب وأمم العالم اجمع. ولعل العملية الفدائية بين نابلس وطولكرم الخميس الماضي 24- 12 – 2009، بقتل المستوطن الإسرائيلي الحاخام مئير شالوم اكبر دليل على ذلك.
ولم أتفاجأ من طريقة اغتيال هؤلاء الأبطال فهذا هو الاحتلال، وهذا هو المشروع الاحلالي الصهيوني، وهذه هي جذور البنية والتكوين والممارسة عند يهود، فلا امن منهم ولا أمان. لم أتفاجأ أن احد الذين جرى اغتيالهم هم ممن لحقهم ما يسمى بالعفو الإسرائيلي بكافة تقسيماته. لم أتفاجأ أن احد الذين جرى اغتيالهم هو ضابط من الأمن الوقائي في الضفة الغربية؛ فعناصر الأمن الوقائي والاستخبارات والأمن الوطني والمخابرات كلهم أبناء شعبنا، والجميع يعلمون أن هؤلاء الشباب والضباط يقعون - كما يقع الشعب الفلسطيني- لضغط الفتنة والشرذمة التي جاءت إلينا عبر مشروع التسوية الوهم مع إسرائيل .
لم أتفاجأ من موقف حركة فتح وجناحها العسكري الضارب كتائب شهداء الأقصى، حين أعلنت في الضفة وقطاع غزة، عن موقفها الأصيل بضرورة الرد على جريمة اغتيال هؤلاء الشهداء في نابلس، وعلى كل جرائم الاحتلال الإسرائيلي؛ فهذه فتح وكتائب شهداء الأقصى اللتين نخبرهما .
ولم أتفاجأ من موقف حماس التي أكدت على ضرورة حماية المقاومة وتفعيلها، والقضاء على التنسيق الأمني القائم في الضفة الغربية المحتلة، فهذه هي حماس التي نعرفها هي الأخرى .
ولم أتفاجأ أن جريمة أخرى حدثت بالتزامن في نفس اليوم الذي ارتقى فيه الشهداء الثلاثة في نابلس إلى عليين في غزة حيث استشهد ثلاثة من المجاهدين هناك، تزامن يُقرأ منه وحدة الموقف ووحدة الشعب ووحدة الأرض والإنسان فيه، وكذا تزامن يُشير بكل تأكيد إلى العدو الواحد الجاثم فوق صدور الجميع .
لم أتفاجأ من خيارات البعض المُسفة في التقعر والانحطاط برغم كل انحطاط وتقعر ماثلين فيهم منذ عقود، بالحديث تارة عن ضرورة عدم الانجرار إلى العنف والفوضى، وهم يعرفون تماما ما هما العنف والفوضى اللذان يخصهم، اللذان صنعوهما على عينيهما ثم أوقفوهما بقرار سياسي، لحقائق وأسباب صارت من المسلمات عند كثيرين ، وبالحديث تارة أخرى، عن القلق والخوف على عملية السلام!!! وعن الضغوط الدولية التي تمارس على إسرائيل !! بالمناسبة هذه الأخيرة بكل تأكيد نكتة ممجوجة حين نتذكر حقيقة الضغط على إسرائيل بشأن ما يسمى تجميد أو إيقاف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة .
لكن كل الذي يفاجئني ويصدمني حد الذهول، هو هذا الصمت المُريب على القلة الفلسطينية الرسمية التي لم يعد لها مسافة حد في التقعّر والتغوّر سلبا بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية الثابتة، هو هذا الصمت المريب على نهج المخادعة والتضليل الذي يسمونه مشروع حل الدولتين .
لكن الذي جرى في نابلس اليوم فيه مؤشر باتجاه ملامسة أمل بالمعنى الاستراتيجي للكلمة، فهل هذا الذي جرى مُمخضات باتجاه ثورة الشعب في الضفة المحتلة على الاحتلال الإسرائيلي؛ ثورة وانتفاضة من جديد وبزخم استراتيجي برسم مغاير لكل انتفاضات الشعب الفلسطيني السابقة؛ انتفاضة تُجهز على بقايا نهج، كان قد أسس للفتنة والانقسام اللذين يمر بهما الشعب الفلسطيني منذ عام 1993، لعل هذا ما تجيبنا عليه الأشهر القريبة القادمة .






https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن