جامعة مولاي إسماعيل .مكناس: انقلاب صغير في رأس الهرم

سعيدي المولودي

2009 / 12 / 16


بطريقة أشبه ما تكون سرية بالغة الإتقان في الإعداد والإخراج تم مؤخرا إعفاء أحد نواب رئيس جامعة مولاي إسماعيل بمكناس من مهامه،وتعويضه بنائب جديد استقدمه الرئيس من خزان ولاءاته بكلية العلوم، ليحكم أساتذة كلية العلوم (الرئيس ونائباه) طوق سلطانهم على الجامعة.
وقد يبدو هذا الانقلاب أو التغيير طبيعيا لو أنه كان نتاج ظروف أو إجراءات عادية، أو تم توظيفه وتفعيله في الزمن المناسب، غير أن الأمر ليس كذلك، مما يعني أن ثمة خلفيات وحسابات ما خاصة تحكمت في طبيعة الانقلاب وأبعاده، ولن ننساق وراء الشائعات التي راجت حول أسباب الإعفاء والتي توزعتها عوامل متعددة تترصد وتتمثل جميعها طريق الأخطاء التي قد يكون نائب الرئيس اقترفها، وهو الذي أبان عن حنة يديه في طقوس التبعية والولاء، ولو أننا لا نستبعد أن تلك الشائعات متلبسة ببعض الحقائق التي صممت الرئاسة على حجبها وتغييبها ومحو معالمها، لا سيما وأن نائب الرئيس المعفى ظل نابتا في منصبه على امتداد سنوات وكان من اقتراح واختيار الرئيس السابق للجامعة،وزكى الرئيس الحالي اختياره واعتماده، ولن يكون الانقلاب عليه الآن مجرد رغبة في التغيير أو إضفاء المصداقية أو المشروعية على المنصب، فمن السذاجة التصديق بهذا الافتراض، مما يعني أن وراء الأكمة ما وراءها، خاصة وأن الرئاسة لم تكلف شموخها عناء عرض أو تبرير إجراءات هذا الإعفاء من باب الحرص على إشاعة روح الشفافية و توسيع دائرة الوضوح وتكريس أساليب التدبير والتسيير المعقلن للجامعة، ولأنها تحتمي كما عودتنا بمنطق الاستعلاء وبالثقة العمياء بثمارها فقد تم فتل كل الحبال في دوامات من خفاء، ودون سابق إنذار، حتى إن بعض المؤسسات الجامعية لم يصلها بعد خبر الانقلاب، وإن سبقت إليها بعض أسرار خلفياته وحيثياته المتداولة.
وعملية الإعفاء تثيرنا من حيث الغموض الذي اكتنف كل مراحلها وزمانها وتوقيتها، ورهاناتها القريبة والبعيدة والتكتم الموجه الذي حاطها، وأسهم في طمس معالمها وكل ما يتصل بعواملها المباشرة خاصة وأن نائب الرئيس المعفى كان الساعد الأيمن الوفي للرئيس، وتم تسخيره في سلسلة مهام شتى إدارية وتربوية على صعيد بعض المؤسسات الجامعية سواء في الرشيدية أو في مكناس وكان الرهان على شخصه قبل سنوات لتطويع واستئصال شوكة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس،كما أن ثمة مؤشرات على صعيد الجامعة تفيد إلى حد بعيد إطلاق يده في بعض المجالات خاصة بعض التوظيفات التي كان يتحكم في مراحلها وطرائقها و ربما يوجه نتائجها، وبعض السفريات المختارة، إضافة إلى تفرغه الشامل لسنوات وريادته للبزنس التربوي والتعليمي بكلية الآداب حيث يشرف بطريقة ما على "بورصة" تعليم الطلاب الأجانب ،الأمريكيين أساسا، ضمن صفقات ومبادلات موشاة بكثير من الشبهات وتطرح العديد من التساؤلات، الأمر الذي يمكن معه القول إنه كان يدير مؤسسة تربوية خاصة بكل معاني الكلمة بكلية الآداب... وفي كل حال فإن جملة الأعمال الجليلة التي أسداها النائب لن يمحوها من سجل ولاءاته لرئيسه غير ما هو أخطر وأعظم وأجل، وهذا هو السر الذي تلتف حوله الرئاسة وترعاه في بئرها.
وسواء كان الأمر إعفاء أو طلب إعفاء، فإن في الصيغتين ترقد إرادة مبيتة من أجل إقبار الحقيقة وإغلاق منافذها وتحويل اتجاهها، خاصة وأن الإجراء يعني وجها من أوجه العقاب لنائب الرئيس بإطلاق رصاصة الإعفاء عليه، وتجنيبه أية تداعيات أخرى يمكن أن يفضي إليها طريق تقديم الحساب أو الاحتكام إلى الوضوح.
وبالمناسبة نذكر بأن وضعية نواب رؤساء الجامعات،ونواب عمداء المؤسسات الجامعية أيضا، هي وضعية فريدة من نوعها، ففي حين يختار الرؤساء أو العمداء لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، فإن النواب يظل انتدابهم خارج أي تحديد زمني، ولذلك ظلوا، في الغالب، منذ تطبيق مقتضيات القانون 01.00 خالدين في مواقعهم، رغم تغير الرؤساء والعمداء الذين هم أصحاب سلطة اختيارهم واقتراحهم، وهي وضعية غير سليمة بالمرة لأنها في العمق تضع الجامعات ومؤسساتها تحت السلطة المطلقة للنواب، باعتبارهم الثابت الذي لا يتغير. وهذا يقودنا للقول بمعنى آخر إن هذه الوضعية من شأنها أن تكرس ممارسات أخرى تجعل من مهمة النواب عالما محاطا بالأسرار والعجائب، خاصة مع غياب المسآلة والمحاسبة في تدبير شؤون الجامعات ومؤسساتها، وانعدام الشفافية وآليات التسيير والتدقيق ودمقرطة القرارات في الامتدادات الممكنة داخل الحقل الجامعي، ومن ثم فإن ما يطفو على السطح من جنس هذه الإعفاءات أو ما جاورها، إنما يعكس البعد المشؤوم لحضور الاختلالات الحاملة للعواصف على مستوى التسيير والتي يتم تمويه الحقائق من أجل التعتيم عليها وإخفاء معالمها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن