على نفسها جنت براقش - النباح حول المآذن

كامل النجار
kannajar@hotmail.com

2009 / 12 / 14

لا شيء يكشف نفاق أهل الإسلام أكثر من حقوق الإنسان التي يتباكون عليها عندما يكون الأمر محصوراً في أوربا، ويتنكرون لها في بلاد الإسلام. وأهم بند في منظومة حقوق الإنسان هو حرية الاعتقاد وضمان ممارسة الفرد شعائر دينه دون أي تدخل من الدولة. وأعتماداً على هذا البند، صال الإسلاميون وجالوا عندما صوت مواطنو سويسرا على حظر بناء المآذن فوق المساجد، لأن المآذن ترمز إلى ادعاء المسلمين الرفعة والعلو على مواطني تلك الدول. ونسبة لكذب المسلمين ونفاقهم، لم يذكر أي واحد منهم أن سويسرا لم تمنع بناء المساجد، وإنما منعت بناء المآذن. ولكن لأن المسلمين قد وثّنوا رموز دينهم، وأّلّهو نبيهم، أصبح الحجاب، والمآذن، وقبور الأولياء تمثل لهم الدين الصحيح، ونسوا أو تناسوا أن جوهر الدين هو المعاملة الحسنة وتقبل المختلف باعتبار أنه أخ في الإنسانية (عامل غيرك كما تحب أن يعاملك غيرك) من أقوال المسيح.
فما دامت سويسرا تسمح ببناء المساجد، وبها أكثر من مائتي مسجد، أربعة منها بمآذن، وبها حوالي 400 ألف مسلم، عشرة بالمائة فقط منهم يحملون الجنسية السويسرية، ما هو السبب وراء كل هذه الزوبعة؟ السبب الرئيسي هو رغبة المسلمين، ممثلة في جماعة الإخوان المسلمين، في السيطرة على أوربا وتحويلها إلى بلاد إسلامية بعد أن تتضاعف أعداد المسلمين المهاجرين إليها. وما المآذن إلا حجة واهية. فالإسلام لم يعرف بناء المآذن إلا في خلافة بني أمية. فمسجد الرسول الذي بناه محمد كان عبارة عن بناء من الطين وسقفه من الجريد، وكان بلال يؤذن أمام المسجد، وفي بعض المرات كان يصعد على سطح أحد المنازل ليؤذن حتى يسمع الناس صوته. ومسجد عمرو بن العاص الذي بناه في مصر عام 673 ميلادية كان به أربعة مربعات صغيرة على أركان السقف، ولم تكن تُستعمل للأذان. واستمر بناء المربعات الصغيرة على سطوح المساجد في سوريا والمغرب حتى النصف الثاني من القرن الثالث عشر. أما المئذنة الطويلة وبها درج لصعود المؤذن، فأول ما بُتيت كان في سامراء في العراق في منتصف القرن التاسع، ثم في القاهرة.
أما المسجد الأقصى الذي شُرع في بنائه في عام 685م في عهد بني أمية، وأكتمل بناؤه عام 715م لم تكن به مآذن. أول مئذنة بُنيت به كانت مئذنة باب المغاربة التي بُنيت عام 1278م، ثم مئذنة باب الغوانمة عام 1297، ثم مئذنة باب السلسلة عام 1329م، ومئذنة باب الأسباط عام 1367.
فهل كانت صلاة محمد وأصحابة وصلاة بقية المسلمين حتى بناء مآذن الأقصى، صلاة ناقصة لأن المساجد لم تكن بها مآذن؟ وأغلب المآذن في القدس ومصر والشام بُنيت في عهد المماليك الذين لم يكونوا يعرفون من الإسلام غير اسمه، لذلك بالغوا في بناء المآذن العالية ليثبتوا للناس أنهم حريصون على الإسلام ويعزونه أكثر مما يعزه بقية المسلمين. ومن وقتها أصبح التمسك بقشور الإسلام هو ديدن المسلمين. ولذلك نقرأ الآن في الصحف عن المسابقة بين الحكام المسلمين لبناء أضخم مسجد في العالم أو لبناء أطول مئذنة. ففي المغرب يبلغ ارتفاع مئذنة مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء 210 متراً. ولكن إيران تود أن يكون لها قصب السبق في بناء أطول مئذنة أو منارة، وما زال البناء جارياً في منارتين، يبلغ طول كلٍ منهما 230 متراً. وهذا يذكرنا بما قاله فرعون لهامان عندما طلب منه أن يبني له صرحاً عالياً يوصله إلى السماء (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعليّ أبلغ الأسباب) (غافر 36).
ولم نستغرب عندما هاجم الشيخ القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء، قرار الشعب السويسري حظر بناء المساجد، فقال ( إن حظر بناء المآذن في بعض البلاد الأوروبية سوف يؤدي إلى إثارة ضغائن المسلمين وزرع الحقد في نفوسهم. وقال كذلك في خطبة الجمعة بمسجد عمر بن الخطاب بالدوحة: إن السماح للمسلمين في الغرب بإظهار شعائر دينهم من خلال المساجد والمآذن يشعرهم بأن الناس متساوون وأنهم يتمتعون بنفس الحقوق التي يحظى بها أتباع الديانات الأخرى ) (الشرق الأوسط 9 نوفمبر 2009). يا للكذب والهراء، فبريطانيا بها أكثر من 1550 مسجداً بمآذن عالية، فإذا كانت المآذن تشعرهم بأنهم متساوون مع البقية ولهم نفس الحقوق، لماذا يتآمرون على تفجير الحافلات وقطارات الأنفاق، ولماذا يصدح أبو حمزة المصري، وعمر بكري والغنوشي وغيرهم بأن علم الإسلام سوف يرفرف على قصر بكنهام؟
وقد تجاهل الشيخ القرضاوي عندما قال: إن حظر بناء المآذن في بعض البلاد الأوروبية سوف يؤدي إلى إثارة ضغائن المسلمين وزرع الحقد في نفوسهم، فضغائن المسلمين ظلت مثارة ضد النصارى واليهود منذ أن أحرق محمد نخيل بني النضير وأباد بني قريظة. وهاهو الشيخ السعودي الفوزان قد أصدر فتوى تكفر الليبراليين العرب؛ لأنهم يدعون بمساواة المواطنة بين المسلم وغيره في إطار الدولة الحديثة؛ ما اعتبره الشيخ تحديًا للشريعة الإسلامية ، وذاك في مقتضى رده على سؤال عن الفكر الذي يدعو إلى الحرية التي لا ضابط لها إلا القانون الوضعي حيث يتم المساواة بين المسلم والكافر بدعوى التعددية، ويجعل لكل فرد حريته الشخصية التي لا تخضع لقيود الشريعة ويحاد بعض الأحكام الشرعية التي تناقضه ؛ كالأحكام المتعلقة بالمرأة، أو بالعلاقة مع الكفار، أو بإنكار المنكر، أو أحكام الجهاد، الأحكام التي يرى فيها مناقضة لليبرالية، حسب نص السؤال الموجه إليه) (محمد العلي، إيلاف، 21/6/2007). فمساواة المسلم بغيره التي يقول بها القرضاوي، يعتبرها الفوزان ردة عن الإسلام. فالمسلم يعلو ولا يُعلى عليه.
والمسلمون لا يكفون عن القول إن كلُّ مَحدث بدعة، وكل بدعة ضلالة. وبما أن المآذن لم تكن موجودة في عصر محمد، فلا بد أنها بدعة، وقد سُئل مفتي مصر الأسبق، الشيخ عطية صقر نفس هذا السؤال في عام 1997، فرد عليه بالآتي (من المعلوم أن الأذان شرع لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة وندائهم لشهود صلاة الجماعة فى المسجد ، وهو علامة على أن أهل هذا الحى الذى أذن فيه مسلمون. ومن أجل كثرة من يستجيبون للأذان فيصلون ، وكثرة من يسمعون ليشهدوا للمؤذن، كان من السنة رفع الصوت بأقصى ما يمكن ، ولهذا استعان الأولون عليه بأن يؤذن المؤذن على مكان مرتفع ، وحدث فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم أن بلالا كان يؤذن من فوق بناء مرتفع بجوار المسجد، فاتخاذ مكان عال للأذان عليه مشروع ومستحب ، وتبعا لسنة التطور بنيت أبراج عالية فى المساجد للأذان ، وهى التى تسمى بالمآذن أو المنارات، لأن الأنوار كانت ترفع عليها فى مناسبات الأفراح) وأضاف الشيخ (وأما البدعة - في الشرع - إذا كان فيها إعانة على طاعة شرعية، فإنها تكون بإذن من الشارع، ولو بطريق الإشارة، كما تقدم، فهي بدعة حسنة، فلا تدخل تحت: كلُّ بدعة - في الشرع – ضلالة) انتهى.
فما دام الأذان من على المئذنة العالية الغرض منه إعلان أن أهل ذلك الحي مسلمون، هل نلوم أهل سويسرا إذا منعوا بناء المآذن لأنها تتغول على أحيائهم؟ ثم أن الشيخ يقول:"وتبعا لسنة التطور بنيت أبراج عالية فى المساجد للأذان." فهل سنة التطور اقتصرت فقط على بناء النآذن، أم أنها تمتد إلى التطور المذهل في حقل الإنترنت الذي جعل لكل مسلم لديه جهاز كمبيوتر أن يُشغّل الجهاز ليرفع له صوت الأذان في موعدة، خمسة مرات في اليوم، وحتى إن لم يكن له جهاز كمبيوتؤ، فلا بد أن لديه تلفون موبايل أو ساعة منبه، وكلها تستطيع أن تخبر المسلم بمواعيد الصلاة دون أي حاجة للمئذنة والمؤذن. فلماذا نأخذ بسنة التطور عندما توافقنا، ثم نتركها إذا تعارضت مع أهدافنا؟ وكيف تكون البدعة حسنة إذا خدمت الشريعة، والحديث النبوي يقول "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"؟
ويبدو أن شيوخ المسلمين تهمهم حرية العبادة فقط في أوربا وأمريكا، فعندما سئل أحد شيوخ الإفتاء في السعودية عن الحكم في بناء الكنائس في جزيرتهم الطاهرة، أحال السؤال إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، وعضوية كل من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الغديان، بكر بن عبد الله أبو زيد، وصالح بن فوزان الفوزان، بتاريخ 5/1/1421 هجرية، فأفتت اللجنة الموقرة بالآتي (كل دين غير دين الاسلام فهو كفر وضلال. وكل مكان يعد للعباده على غير دين الاسلام، فهو كفر وضلال . ومن زعم ان اليهود على حق او النصارى على حق سواء كان منهم او من غيرهم فهو مكذب لكتاب الله واجماع الامه، وهو مرتد عن الاسلام. ولهذا صار من ضروريات الدين تحريم الكفر الذي يقتضي تحريم التعبد لله على خلاف ما جاء في شريعة الاسلام. وتحريم بناء معابد يهوديه او نصرانيه او غيرها. سواء كانت كنيسه أو معبد تعتبر معابد كفريه. ولهذا اجمع العلماء على تحريم بناء المعابد الكفريه مثل الكنائس في بلاد المسلمين، ولا يكون فيها من شعائر الكفار لا كنائس ولا غيرها .. ويجب هدم الكنائس والمعابد الكفريه اذا احدثت في الاسلام) انتهى.
وحتى لا يهب المدافعون عن الإسلام ويقولوا إن هذه الفتوى أتت من شيوخ الوهابية المتزمتين، دعونا نقرأ ما أفتى به الإخوان المسلمون في مصر، ففي فتوى أصدرها الشيخ محمد عبدالله الخطيب يقول فيها عن حكم بناء الكنائس في ديار الإسلام، (هناك ثلاثة أنواع من البلاد: الأول: بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها كالمعادي والعاشر من رمضان وحلوان، وهذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة، والثاني ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر والقسطنطينية بتركيا، فهذه أيضاً لا يجوز بناء هذه الأشياء فيها، وبعض العلماء قال بوجوب الهدم لأنها مملوكة للمسلمين، والقسم الثالث: ما فتح صلحاً بين المسلمين وبين سكانها، والمختار هو إبقاء ما وجد بها من كنائس وبيع علي ما هي عليه في وقت الفتح، «ومنع بناء أو إعادة بناء ما هدم منها»، وهو رأي الشافعي وأحمد إلا إذا اشترطوا في عقد الصلح مع الإمام إقامتها، فعهدهم إلي أن يكثر المسلمون علي البلد، وواضح أنه لا يجوز إحداث كنيسة في دار الإسلام) انتهى.
وواضح من هذه الفتاوى أن المسلمين يؤمنون بالمعاملة بالمثل فقط في حالات الغزوات والحروب لأن القرآن يقول لهم (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما ما اعتدى عليكم) (البقرة 194). وكذلك (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) (النحل 126). فلكي يعامل المسلمون غيرهم معاملة بالمثل في السلم، لابد أن يؤمن غيرهم بنفس إيمانهم، كما يقول القرآن (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق) (البقرة 137).
وقد تظاهر أكثر من خمسمائة شخص في برن بسويسرا احتجاجاً على نتيجة الاستفتاء الذي أباح بناء المساجد بدون مآذن ( تظاهر نحو 500 شخص معظمهم من المسلمين امام مبنى البرلمان السويسري السبت احتجاجا على نتيجة الاستفتاء التي اظهرت رغبة غالبية السويسريين في منع بناء مآذن جديدة. ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "نحن مسلمون، لسنا هتلر". واراد منظمو التظاهرة التاكيد للشعب السويسري ان الاسلام دين مسالم يوصي المؤمنين به باحترام الاديان الاخرى) (إيلاف، 12/12/2009). وقد تجاهل المتظاهرون أن يخبروا الشعب السويسري أن الدين الإسلامي الذي يوصي باحترام الأديان الأخرى، يقول قرآنه (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). وإذا كانت حرية العبادة هي سبب التظاهرات في الغرب وفي بلاد المسلمين، فقد أحرق المستوطنون في الضفة الغربية، في قرية ياسوف بالقرب من مدينة نابلس مسجداً ودمروه بالكامل (الشرق الأوسط 12/12/2009). وكذلك منعت إسرائيل الشيخ عكرمة صبري، إمام وخطيب المسجد الأقصى من دخول المسجد الأقصى لأداء الصلاة ، ولم يحتج على هذا التعدي على حرية العبادة إلا النائب الأردني أحمد الطيبي (إيلاف 3 ديسمبر 2009). والظاهر هنا أن المسلمين يعرفون أن الإسرائيليين أقوى منهم ويعرفون القرآن أكثر مما يعرفه المسلمون أنفسهم، ولذلك لا يتظاهرون عندما تحرق أسرائيل المساجد لأنهم لا يستطيعون أن يقولوا للإسرائيليين إن الإسلام يوصي المؤمنين به أن يحترموا الأديان الأخرى، لأن الإسرائيليين يعرفون ما فعله محمد ببني قريظة وبني النضير.
وكما جنت براقش على نفسها بنباحها عندما هاجم اللصوص القرية، فسوف يجني المتزمتون من الإسلاميين على أنفسهم وعلى غيرهم بكثرة نباحهم بسبب منع بناء المآذن، فقد بدأ الشعب الأوربي المتسامح بالشعور بالخطر المحدق بهم من جراء هجرة اللحى والدشادش والحجاب والنقاب، فصوتوا لأحزاب اليمين المتطرف، والتي كانت مختفية طوال القرن العشرين في الأركان المظلمة من السياسة الأوربية. ففي بريطانيا فاز حزب الجبهة القومية البريطانية British national front بمقعدين في انتخابات البرلمان الأوربي، وكذلك ارتفع نجم أحزاب اليمين المتطرف في سويسرا، والنمسا وفرنسا. وسوف تتبع بقية دول أوربا هذا النمط، ووقتها سوف تختفي اللحى والدشادش اختياراً حتى لا يظهر المسلم دينه، كما فعل اليهود أيام الحكم النازي.





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن