ترجمة كوزموبوليتان

محمد أبو هزاع هواش

2009 / 11 / 2

تعد الترجمة مقياساً للتقدم والحداثة. غنى اللغة بالمفردات إنعكاس للتقدم العلمي. نرى هذا في مجال الترجمة.

ترجمت النص التالي لمحادثة نشرت في كتاب تصوير بين المصور وإثنين من علماء الإنسانيات في مدينة نيويورك. لم تظهر هذه الترجمة العربية في الكتاب وقال الكاتب أنها ربما ستظهر في نسخ قادمة. زس هو المصور وإسمه هو زوبن شروف، رس هو الأكاديمي روبرت ستام، وإش هي إيلا شوحات الأكاديمية من أصل عراقي.

كوزموبوليتان، محلي، وعبور الحدود

زس: كلمة كوزموبوليتان هي مألوفة لنا بشكل كبير ، ولكن عند إختيارها كعنوان لهذا الكتاب فإن هذه الكلمة قُصدت هنا كتحدي ، فكيف تراها في السياق الذي أستخدُمها فيه؟

رس: عنوان كتابك هو "الكوزموبوليتانيون" وهو مبدأك الترتيبي، أي الطريقة التي توجه تفسير صورك. إن عنوانك من منظور معين هو أستفزاز للمفهموم النخبوي للكوزموبوليتان. تُلمح إلى أن كل شخصٍ في كتابك هو "كوزموبوليتاني" من دون إعتبار لمدى الفقر أو "المحلية" ومن غير المهم لون البشرة أو التجارب في الحياة. إن عنوانك ديموقراطياً بشكل رائع لأنك تضع كل "مواضيعك" على نفس المستوى تماماً.

زس: ....وكل بمفرده في المركز

إش: على فكرة، يمكن رؤية طريقتك كجزء من أعمال مهمة التي وصفت وصنفت بأشكال مختلفة "كالعالمية البديلة" و "عبر القوميات من الأدنى." في عملنا حول المقاومات الجمالية ندعوا طريقتك "بجوجيتسو الميديا،" وهي أستراتيجية لتفسير الجماليات والتي تستخدم قوة المسيطر ضد السيطرة نفسها. تخطف إستراتيجيتك الصورة والحوار المسيطران، مثلاً، وتعيد سردهم من خلال تأطير متمشكل. يقوم عملك في "الكوزموبوليتان" بتقديم هذه الجوجيتسو من خلال تمكين النص الموجود لشرح الصور توجيه تلك الصور إلى إتجاهات جديدة.

زس: أرى أن البشر، بشكل عام, يعتبرون كلمة "كوزموبوليتان" وكأنها محلية بشكل كبير.

إش: نعم، بإستطاعة الإمتياز جعل محليين من البشر، وذلك لأن ذلك الإمتياز يميل إلى أن يعيش في فقاعة الإستحقاقية. ربما كان البعض قادراً على الذهاب "حول العالم في ثمانين يوم" في الماضي أو بشكل أسرع في الوقت الحاضر، لكن رحالة عالميون كهؤلاء يحملون معهم أينما ذهبوا هيئتهم النخبوية النيويوركية أو اللندنية (مع العلم بأن الكرة الأرضية هي الآن "في" لندن ونيويورك). يتم تواصل هؤلاء النخبويون النيويوركيون أو اللندنيون مع الحضارات الأخرى من خلال الطبقة، الإمتيازات العرقية وحتى اللغوية، والأهم من كل شيء هو أن العالم - من تايلاند إلى المكسيك أو من مصر إلى البرازيل- يُقدم من خلال رؤية هؤلاء النخبويون النيويوركيون واللندنيون، فكر بمحطة ترافل التلفزيونية أو بكتب دليل السياحة المتنوعة. ولكن هنا من الممكن ملاحظة أن اللاجئين والتاركين أرضهم لسبب ما هم في الواقع أكثر كوزموبوليتانية. فكر بالأفارقة العاديون وليس أفراد النخبة الأفريقية الذين وخلال بحثهم عن عمل أتقنوا العديد من اللغات الأوروبية والإفريقية ببنما الكوزموبوليتانيون من "المركز" أحاديوا اللغة في معظم الأحوال. أيضاً كلمة "مركز" هي مصطلح ممشكل.

رس: إن تركيبتك اللغوية/المرئية تذكرني بما أحب أن أدعوه "ببوب الكوزموبوليتانيزم" للفنانين الذين ينقصهم إمتيازات طبقية أو عرقية، والذين هم كوزموبوليتانيون في تفكيرهم بشكل عميق متأصل. مثال جيد على هذا هو فرقة "أولاد غاندي" للكرنفال في مدينة سالفادور في مقاطعة باهيا في البرازيل. أُسست الفرقة في عام ١٩٤٨ من قبل عمال أرصفة ميناء سود فقيرين. كان هؤلاء العمال قد وشموا إجتماعياً في معظم الأحيان على أنهم يجنحون للعنف ومن أتباع الكاندومبلى الديانة الإفريقية. سموآ أنفسهم "بأولاد غاندي" من خلال تأثرهم بإستقلال الهند. كان لديهم قائد يشبه غاندي، فكان أقرعاً ويلبس ملابساً مثل غاندي. علمنوا ألحان الكاندومبلى المقدسة من أجل الكرنفال. كانت فكرة عمائمهم قد أتت من الكومبارس من فيلم "غونغا دين." ربما لم يكن مؤسسوا هذا الفريق أميين تماماً ولكنهم لم يغادروا باهيا أبداً، ولكنهم في قرارة نفسهم كوزموبوليتانيون وذلك لأن حركتهم جمعت أفريقيا، عن طريق الديانة، مع الهند، عن طريق التقدير مع هوليوود، عن طريق الزي، مع البرازيل عن طريق الكرنفال. وهكذا، ومع أنهم يفتقدوا الإمكانية لتسفير حركتهم فإنهم مع ذلك منفتحون على العالم فهم يحيلوا إلينا العالم، ربما بسذاجة، ولكن بحدس من التضامن العبرأممي ليس بين البرازيل، الهند وإفريقيا بل أيضاً بين البشر ذوي البشرة السوداء والعالم المستعمر بشكل عام. ونشاهد نفس الشيء أيضاً في مسابقات ريودي جانيرو للسامبا حيث يأتي المشاركون من أفقر الأحياء ولكنهم كوزموبوليتانيون من خلال أزيائهم والمؤثرات عليهم ومن أين.

إش: هناك حركة أفكار، وهناك حركة سكان عبر حدود، ومن المثير أن ترى كيف يتصل الإثنان. ليست جميع التحركات عبر الحدود هي نفس الشيء. يمكن تسمية بعض البشر المرُحلين من أرضهم "بكوزموبوليتانيون مترددون." ولد أهلي وربيوا في بغداد حيث بقيوا حتى أُجبر المجتمع اليهودي العراقي الذي يعود تاريخه في بلاد مابين النهرين إلى آلاف السنين على مغادرة العراق بسبب أسباب معقدة جداً. لايمكن تكثيف تاريخنا في المنطقة والذي يعود إلى ماقبل الإحتلال العربي تحت مجاز "اليهودي التائه." فماهو معنى أن يُنتزع أهلي من أرضهم إلى بلد أخر وبلغة أخرى، من العراق إلى إسرائيل ومن العربية إلى العبرية، وفيما بعد ومرة أخرى إلى الولايات المتحدة وإلى اللغة الإنجليزية؟ هل هم كوزموبوليتانيون لأنهم عاشوا في مناطق مختلفة ويتكلمون عدة لغات؟ كان العالم يتغير من حولهم مجبراً تنقلهم ولاإمتيازيتهم في المناطق العديدة التي عاشوا بها. أعتقد بأنهم كانو كوزموبوليتانيون وحدانيون أو من دون قصد. في الواقع يتمسك أهلي بهويتهم المحلية من خلال تكلمهم الدائم بلهجتنا اليهودية العراقية، من خلال طبخ نفس الأكل العراقي، ومن خلال الإستماع إلى نفس الموسيقا العراقية وكأن الزمن قد توقف في بغداد في الأربعينات والخمسينات. كنت أرى من الصعب تقبل محليتهم العنيدة البغدادية وكنت أراها خانقة وكانت كل ماأعرفه في منزلنا وفي الحي في مدينة بتاح تكفا المحلية. ولكني طورت تدريجياً إرتباطاً عاطفياً مهماً وبدأت "أقرأ" محليتهم وكأنها نقطة ثباتهم في الدواخة التاريخية للعالم الذي كان يتغير ويتحول بإستمرار من حولهم. ماذا كان بإمكانهم العمل غير أن يتمسكوا بمكان وزمان غير ملموس لهم بعد في عالم لامكان فيه لليهود العرب؟ وأيقنت فيما بعد أنني قد أدخلت إلى ذاتي تعلقهم الذي أصبح تعلقي أيضاً حيث لم أدع بغداد التي عرفتها في المنفى فقط تختفي من حواسي.

زس: يمكن أن يكون أهلك كوزموبوليتانيون من دون قصد ولكنني لاأعتقد بأنه يمكننا الحديث عن هذه الفكرة من دون تضمن اللاجئيين والمهاجرين اللذين يعلمون ويحولون المجمتمعات الموجودين فيها. هناك تبادل مستمر وهو، كما أظن، مهم لتعريف الكوزموبوليتاني.

إش: بالطبع، غيّر اللاجئون والمهاجرون أمريكا، و لم تكن أمريكا قد غيرتهم فقط. نيويورك اليوم ليست هي نيويورك المعروفة أربعين سنة للوراء. مع كل موجات الهجرة المختلفة، لايمكن لأمريكا أن تكون "أمريكا" ذات العرق الواحد السائد. أمريكا في تضخم مستمر. ومن ضمن عملية العولمة يكون العالم في إزدياد مستمر أيضاً. العولمة التي نرى ذروتها الآن والتي كانت بدأت في عام ١٤٩٢. نحن نرى تدفقاً في جميع الإتجاهات في العالم. لم يعد البشر أو البضائع هم المواد المتحركة عبر الكرة الأرضية فقط، فالآن تتحرك الصور والأصوات بسرعة حول الأرض معطيين تعريف جديد للأمكنة. من خلال منظار معين، تُرى الأمور "كصراع الحضارات" ولكن من مناظير أخرى ترى وكأنها تدل على هايبريديتي سعيدة.

المنزل واللغة

زس: أجرب بنفسي العمليات التي أُوثقها في صوري، بمعناه: عملية الإسقاط التي يفسر من خلالها المشاهد الصور. مثلاً، هناك الكثير من الأماكن التي أسافر إليها حيث يعتبرني البشر محلياً، أي من منطفتهم. إذا ذهبت إلى ريو أو تمباكتو أو المتوسط أو أفغانستان، يعتقد البشر بأنني في منزلي، ولكن على أية حال في إنكلترا حيث ولدت وربيت يعتبرني البشر غريباً.

إش: "البيت" هو مفهوم مشحون بشكل عالي، لأن الإنتماء يرتبط بمنزلة الشخص، الطبقة الإجتماعية، الجنس، العرق، الأمة والجنسية. يسافر البشر عبر الحدود ولكن من المهم النظر إلى كيفية عبورهم لتلك الحدود. عندما يكون لديك نعمة ملكية عدة جوازات سفر فإن ذلك يتيح لك نوعية أخرى من الحركة مختلفة عن حالتك بدون جواز سفر على الإطلاق.

زس: إمتياز الورق والحادثة التي جعلته ممكناً......

إش: المصادفة التي جعلت أي إنسان يولد في دولة معينة ومن ثقافة ولغة معينتين..الخ وهنا فمصطلح "الشعور بآن العالم هو منزلك" يدل على السؤال عن العاصمة الثقافية والمعرفة التي تأتي من إمكانية التعليم...الخ. هناك بشر مهجرون جبروا على تعلم لغات وذلك لم يفرض عليهم بسبب أنهم إختاروا الهجرة ولكن فرض عليهم بسبب كونهم لاجئين سياسين وبسبب التعريفات السياسية الجديد، بسبب التقسيمات الإستعمارية وهذا في الواقع يعيد تعريف سؤال "العالم كمنزل."

زس: وكما أنا وأنتي جربنا أن لكل جيل وجهة نظر مختلفة، فيمكن أن يكون هناك غضب، سوء فهم وسوء إتصال متوقع.

إش: إن الخلافات بين الأجيال مهمة أيضاً. شاهدت مرة في ريو مجموعة من النساء يجلسون في مقهى وأيقنت بأنهم من ثلاثة أجيال، أم، إبنة وجدة. كان الكل يتكلم نفس اللغة. جعلني هذا أفكر وحزينة نوعاً ما وذلك لأنني أيقنت فجأة أنه في ثلاثة أجيال في عائلتي ربي كل جيل في جغرافية لغوية مختلفة: عربي، عبري، وإنجليزي. إن العلاقات التي تربط أهلي ببغداد هي مبهمة بشكل كبير لأولاد وبنات إخوتي اللذين يتربون هنا في الولايات المتحدة. وهكذا ففي نفس العائلة لدينا نفس الشعور المفكك بالذاكرة، بالمكان الدائم، باللغة وشبكة الدلالات والإشارات الضمنية الغير مباشرة والمرتبطة بها. يمكنك تعلم ماهي نقاط الإسناد من خلال التقصي والدراسة لأنها ليست عميقة للغاية حيث يمكن جس نبضها، ولكن عندما يربى الإنسان معها ويتعلمها فذلك مختلف. في هذه اللحظة التاريخية تتكلم عائلتي بلغة مابين اللغات الثلاثة.

الهايبريديتي، مونتين و١٧ لغة في أمستردام

زس: نفكر عادة بالكوزموبوليتان في سياق مديني، حيث يعيش في المساحة المدينية أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية. عندما نتحدث عن العولمة يوجه الإهتمام عادة للمدن العملاقة، لكن إحدى التغيرات الحقيقية التي أراها في العولمة الآن هي أن الريف لم يعد نائياً.

إش: نعم. أنا أفكر بأنه من الخطأ أن نفكر بالكوزموبوليتان أو خلطة الثقافات الهايبرد وكأنها إنعكاس بسيط لظاهرة مدينية. مسائل العولمة مرتبطة ببعضها وتتعلق بكل جزء من أجزاء العالم. نرى مقاومة للشركات العالمية والعولمة في كل مكان. إن مسألة الثقافة ليست منفصلة عن المعارك حول إعادة تحديد إمكانية الوصول إلى الموارد، وذلك لأن ثقافتنا تتأثر بما يمكننا الوصول إليه. فالكايابو في غابات الأمازون وصلوا وإستخدموا كاميرات فيديو ووسائل إتصال مسموعة ومرئية لربح الرأي العالمي لدرجة أنهم أثروا على إلغاء قرض من الورلد بانك. تحالفوا مع المطرب ستينغ وعرضوا أفلامهم في مهرجانات في نيويورك. هل هناك "محلي" أكثر من الكايابو في أرضهم؟ ولكن التهديد البيئي لغابات الأمازون من قبل الدولة البرازيلية والشركات العالمية جعل معركتهم متنقلة حتماً. من هذا التعريف الجوجيتسوي للكوزموبوليتان نرى أنهم "كوزموبوليتانيون" أيضاً.

رس: تاريخياً، منذ خمسة قرون والهنود البرازيلين كوزموبوليتانيون. كان بعضهم قد سافر إلى فرنسا في القرن السادس عشر. وفي عام ١٥٦٢ قابلهم الفيلسوف مونتين ونقدوا له التقسيمات الطبقية في المجتمع الأوروبي. قال الهنود لمونتين: "لديكم في فرنسا نظام غريب جداً، فهناك بعض البشر الذين يعيشون بشكل جيد جداً وهناك أخرون لايعيشون كذلك. نحن لايمكننا التسامح مع ذلك. فسنخنق أولئك البشر الذين يأكلون ولايدعوا الآخرين أن يأكلوا." ومن منظور حركة الثقافات والأفكار والموجودة، كانت تلك الحركة في الإتجاهين على الأقل فمثل ماأثرت الأفكار الأصلية الأتية من أمثال "الهنود البرازيلين" في عصر النهضة، عصر التنوير (وبالطبع الثورة الفرنسية) وأيضاً كما أرانا الأكاديميون من سكان أمريكا الأصليين ، تأثير بالثورة الأمريكية أيضاً.

نحن لسنا مهتمين "بالبدائي الجيد" ولكن بالأفكار السياسية الجيدة, بالأفكار الكوزموبوليتانية المهمة لكل البشر في العالم، بأفكار الناس الأصليين الذين آمنوا بالمساواة، بمجتمعات الرأي الواحد التي هي ديموقراطية ليس بالمعنى الرسمي والإنتخابات ولكن في تعمق شعور السيادة المشتركة، الملكية المشتركة وإحترام الطبيعة والبيئة. وهكذا فيوجد لديك فرضاً أفكار "محليةً أهميتها تتزايد في عالم التسخن العالمي والإستغلال عبرأممي.

زس: وهكذا فإن الكوزموبوليتانيون و فكرة "الهايبريديتي" التي تعني أن كلا منا يغير ثقافة الآخر مازالت تعمل منذ مدة طويلة.

رس: نعم، ولكن هناك منظور جديد (عمره ٥٠٠ سنة) في حالة الأطلسي الأسود وتدخله في المجتمعات الثلاثة. كانت هناك العلاقة التمشكلية والهزيلة بين القوى الأوربية، سكان القارة الأمريكية الأصليون والأفارقة المستعبدون. وأكثر من ذلك، نجنح للتفكير إلى إن العالمي أت على أعقاب القومي ولكن في الواقع كانت الكرة الأرضية معولمة قبل أن تكون قومية. إنظر إلى الوراء إلى مدينة نيويورك عندما كانت تحت سيطرة الهولنديون (أمستردام الجديدة). كانت تلك المدينة نقطة إرتكاز في الصراع بين القوى الأوروبية المتعددة والسكان الأصليين للبلاد في ذلك الوقت. كان هناك ١٧ لغة محكية في جزيرة مانهاتن من دون ذكر اللغات الإفريقية ولغات أهل البلاد الأصلية. ماهو الشيئ الأكثر عالمية من هذا؟ وكل هذا حدث قبل نشوء الدول القومية الحديثة. ولهذا فإنه من الخطأ في التسمية أن نقول أن العولمة تحدث الآن فقط. هناك لحظات عولمة متعددة تعود إلى ١٤٩٢ على الآقل، أو أقدم من ذلك إلى الصليبيون أو التوسع الإسلامي، لكن ديناميكيات القوة لهذا اللقاء المثلثي الأطلسي الأسود هي غنية بشكل خاص ومحددة.

زس: ماهو الإختلاف في يومنا الحالي؟ أشعر وأنه مع المد العالمي للميديا وحركة البشر الغير مسبوقة حيث تقدر الأمم المتحدة أن هناك أكثر من ٢٠٠ مليون مهاجر في العالم فإن العولمة تحدث على مقياس لم نرى مثله من قبل. أعتقد بأنه هناك العديد من التعريفات للمجتمع من وراء نطاق الجيوبوليتيكال.

إش: غيرت التكنولوجيات العالمية الطريقة التي تتنقل فيها الثقافة اليوم. تكثفت حركة البشر الغير مسبوقة عبر الكرة الأرضية بسبب الخريطة التكنولوجية الجديدة. في نفس الوقت، يجب رؤية هذه التنقلات من خلال علاقتها مع حركات البشر السابقة. شهد الأمريكيون أعادة تخطيط للسكان في ال٥٠٠ سنة ماضية. جلب الإستعمار والعبودية الثقافات إلى تصادم وصراع حادين. حدثت هذه العملية من تصادم الثقافة والهايبرادايزيشن في ما مضى في الولايات المتحدة قبل هذا الإقتلاع العولمي الحالي. ولهذا فعندما نتكلم عن العولمة يجب علينا إن نُضمن منظوراً تاريخياً أطول.

الكلمة، المحرم، والصور الدينية

زس: في هذا الكتاب أعنون كل شخص بإسمه أو إسمها فقط. أعتقد بأن العلاقة بين الكلمة والصورة مهمة. تاريخياً في كتب التصوير مثل "سكان الهند" أو حتى في كتاب أوغست ساندرز "بشر القرن العشرين" أُستعملت العناوين وشروح الصور لتفصل فوراً وتُصنف المواضيع مقسمة البشر عرقياً وبهذا تضعهم في خانة أخرى من المؤلف.

رس: تمتلك الكلمات جانباً تصويرياً. كما كتب سارتر في كتابه "الكلمات." حيث كانت له الكلمات عن الفيل حقيقية أكثر من الفيل الحقيقي نفسه. من المثير أن الفلسفة قد حلت الكثير من الثنائيات ولكنها لم تفعل ذلك بالضرورة للكلمات والصور، للمتكلم والمرئي. في الحقيقة يخترق ويؤثر إحداهما بالآخر. المشكلة هي أن الكلمات تُعتبر موجودة في هرمية وتحتل مكانة أعلى وأفضل من الصور، خصوصاً في حالة المثقفين. هذا هو تراث ديانات الكتاب الثلاث نوعاً ما. في اليهودية، الإسلام والمسيحية البروتستانتية ترى الصور وكأنها نوع من الإغراء أو شرك. أتى كل هذا الإجحاف ضد المرئي من الإرتكاز على فكرة أن "الكلمة المقدسة" أعلى وأعمق من مجرد صور. ليست مجرد صدفة أن يكره أهل الأدب عندما يكيف أهل السينما الأعمال الأدبية لعملها كأفلام ويروها دائماً على أنها "سقطة" إلى المرئي. حيث ترى اللغة الأخلاقية حول الأفلام المبنية على عمل أدبي "كخيانة"، "تسفيه" و"مص دم" النص الأصلي، ولاتُرى أبداً ببساطة كترجمة لذلك النص إلى آداة أخرى مرئية و كلامية وموسيقية أيضاً...الخ. ولهذا ففي الأدب يكره البشر الإستغاثة، أي جلب أشياء من الماضي. ينطبق نفس الشيء على المؤرخين فهم يكرهون الأفلام التاريخية ويشجبونها دائماً على أساس أنها "فهمت كل شيئ بالغلط" على عكس التاريخ المكتوب الذي يفهم كل شيئ تماماً وبصحة. لكن لماذا يجب على وسيلة تقديم وسرد التاريخ المثالية أن تكون كلمات. ألاتظن بأن هذا إختيار عشوائي وذلك لأن وسيلة متعددة الأبعاد والطرق يمكن أن تناسب أكثر لأن التاريخ نفسه متعدد السكك، أنه كلامي، مرئي، تعبيري، ملموس، صاخب، مدهش...الخ

إش: عودة إلى موضوع مايكتب تحت الصورة ليقدمها، تكلم بارت عن ذلك النص الشارح وكأنه مرساة لأن المرئي يرسل العقل المشاهد إلى إتجاهات مختلفة مستفزاً ترابطات مع أشياء أخرى عديدة في الخيال. يصبح هذا النص الشرحي نوعاً من التفسير.

زس: إذاً مرساتي هي لخلق فضاء حيث بإمكاننا النظر إلى المشتركات والقوة ولكن بمرونة وحيث يمكننا القبول بتوازن متغير بإستمرار.

رس: نعم إنها مرتكز ولكنها من النوع المنيمال الإستفزازي حيث يكون إسم الشخص هو المرساة التي هي تتلازم مع الإرتكاز الكلي للصوت-العنوان: "الكوزموبوليتان" فهم سوية يدلون ضمناً على أن "محمد هو كوزموبوليتاني، شيفا هي كوزموبوليتانية..الخ"

إش: أحب أن أعود إلى موضوع التابو على الصور الدينية. ألقي في الفضاء اليهو-إسلامي نوع من الشك على الصور. أثر ذلك على وضع الفنون المرئية نوعاً ما. ومع أننا لايمكننا أن نختصر الجماليات اليهو-إسلامية إلى المحرم الفقهي ولكن هناك نزعة لتجريد التمثيل المرئي. مثلاًِ التخطيط كفن وحيث يكون المرئي هو مرئي تجريدياًِ للمتكلم مؤلفاً من كلمات تمجد مفهموماً لله. في هذا التراث الفقهي، شاهد البعض الصورة ممشكلة نوعاً ما.
يمكن رؤية مثالاِ مذهلاً لهذه المشاكل في فيلم يدور حول الرسول محمد: "الرسالة" بواسطة مصطفى العقاد. كيف بإمكانك ترجمة القرآن للشاشة مع كل تحريمه للصور الدينية؟ لايمكنك عمل مثل ماعملته هوليوود بتصوير المسيح كشخصية حقيقية أو ببساطة وضع الله كصوت فوقي (متكلماً بلهجة أهل جنوب كاليفورنيا). لايقترح القرآن تحريماً على صورة الله فقط بل وعلى صوته أيضاً. من المحرم أن تمثل الرسول، مع أن البعض لايعملوآ بذلك. يعتبر موسى أحد الأنبياء ولهذا فمن الصعب تخيل موسى كما لُعب من قبل شارلتون هستون. يفتتح فيلم العقاد الملحمي بإعلامنا بطاعتهم للشريعة الإسلامية- أي أن شخصية محمد لن تعرض. كانت فكرة جديدة- عمل فيلم ملحمي بقرأنية مدهشة واعداً بأن بطل الفيلم لن يكون مرئياً. لايمكن للمشاهد أن يستمتع بتخيل أنفسهم البطل. ولكن، البطل حاضر بالإشارة الضمنية. لاتراه أبداً في الفيلم ولاتسمعه ولكنهم يتكلمون معه بإستمرار في الفيلم. إذا، فمن المضحك إنك بإمكانك القول بأن المشاهد-من خلال تطابقه مع الكاميرا- أخذ يحتل مكان الرسول نفسه كلما نظر الرسول إلى الآخرين أو إستمع إليهم عندما تحدثوا معه فرضا. وهنا ومع أنك لاتراه فأنت تصبح هو من خلال التطابق مع الكاميرا- وهذا هو الكفر ويمكن النظر إليه كقمة الإلحاد!

الفيلم مشهور جداً مع كل هذا وخصوصاً لأن البشر فهموا أن هذا الفيلم إحترم التحريم. يستخدم الفيلم الصوت الفوقي وهذا مضحك لأنه في السينما يطلق إسم "صوت الله" على قاص الأفلام الوثائقية العالم بكل شيء. في "الرسالة،" يقرأ الصوت الفوقي من القرآن ويتكلم مع الرسول. ولكن ماهو وضع هذا القاص العالم بكل شيء؟ هل يمكن لمعرفته أن تضعه أعلى من الرسول والملائكة الغير مرئيين في التسلسل، أو أعلى من الله في ذلك المعنى؟ يمكن رؤية هذا على أنه كفر أيضاً. يستخدم الفيلم تقنيات سينيمائية تقليدية- لقطات وجهة نظر، صوت فوقي- مسقطة على موضوع ديني حيث يتصادم هذان العنصران. يواجه الصوتي/المرئي في "الرسالة" محدوديات السينما كما هو مرتبط بتراث التقليد والمنظور النهضوي في الفن، وهو يخلق لغة صوت/مرئية توفيقية متعددة الطبقات متناقضة.

المؤلف الحقيقي، الموثوقية والقرائات المتعددة

رس: أنا كنت أتسائل إذا ترى نفسك "المؤلف" ( دعني أستخدم صيغة أدبية ) الوحيد لصورك ؟ أو هل تفكر بمواضيعك كمتعاونين معك نوعاً ما؟ أسئل هذا لأنه في السينما يمكن للمرء أن يشير إلى أمثلة عديدة لما يمكن أن يدعى "بالمؤلف الهايبرد." فمثلاً هناك فيلم برازيلي يدعى "سجين القضبان الحديدية" ، حيث أعطى صانع الفيلم كاميرات للسجناء كي يصورا حياتهم الشخصية كسجناء بطرق لايمكن لإنسان خارجي أن يعملها. لهذا نحن نشاهد مع المساجين عندما يشاهدوا التلفزيون، أو الألعاب النارية لرأس السنة، وعندما يتكلموا عن آلامهم عندما يشهدوا متع إجتماعية غير متوفرة لهم. حتى أن المساجين تركوا الكاميرات لوحدها من دون مصور تصور الفئران التي تجوب الأروقة. فالفيلم هو إنتاج عدة مؤلفين حرفياً. هل تفكر في صورك كأنها تمتلك نفس العلاقة مع "مواضيعك"؟ (هذه كلمة ذات دلائل كثيرة كما تعرف)

زس: الصورة...النمط التوثيقي التقليدي هو عملية مختلفة...لكن يجب على عملية الصورة أن تكون تعاونية، لذا فهناك تأليف مشترك. الآن، تكمن القوة المطلقة مع المصور. أنت المنسق. أنت تمتلك السيطرة على التحرير وعلى السياق الذي تستخدمها فيه أو إذا إستخدمتها على الإطلاق، لكن لايمكنك خلق العمل من دون تأليف مشترك وهذا أحد الأسباب لماذا الصورة مهمة جداً لي.

وحول المؤلف الحقيقي يكون المشاهد مهماً جداً أيضاً. أعتقد بأن كل شخص يفاوض قرائته لصورة بشكل مختلف بسبب تجاربهم وخلفيتهم الشخصية. لهذا فإن المجموعات المختلفة تستطيع فهم نفس العمل بهذه الطرق المختلفة. يؤكد الإبهام الذي أحاول أن أخلقه في الكتاب أن القارئ سوف يضيف طبقتهم المعرفية إلى معنى العمل.


هناك مقال مثير كتب من قبل إمرآة أسترالية من سكان استراليا الأصليين تدعى جوآن دريسنز التي قامت ببحث صور من فهارس الحملات في أستراليا. عثرت على صور لأسلافها وإنتابها شعور مشوش. كانت واعية للإستعباد المتعلق بالصور ومع كل هذا فقد وجدت قيمة في مشاهدة صورة لأسلافها مهما كانت الطريقة التي صورا بها.

رس: تكلمت توني كادا بامبارا حول الأفلام الصامتة المبكرة، مثلاً أفلام السافاري العنصرية، حيث يمكن للمرء أن يرى إناساً سود في الخلفية وبأدوار فرعية. من جهة، تقول الكاتبة، يمكننا أن ندين التهميش القمعي الذي يجري، ولكن بإستطاعتنا إعادة قراءة الصورة بإيجابية أكثر. الصور موجودة في النهاية وفيهم أدنى حد من الوكالة ولكننا نعرف أنهم موجودون، وكيف كان شكلهم، ولهذا فمن الممكن رؤيتهم بمنفعة. يمكننا قول نفس الشيء حول بعض التصوير الكولونيالي الذي كنا نتكلم عنه من قبل. لنقول أنك مغربي في فرنسا الذي فقد الإتصال مع ثقافتك الشمال أفريقية، تعمل صور كهذه كمذكر لذلك العصر.

إش: يخلق ويحلل مالك علولا في "الحريم الكولونيالي" نوعاً من الأرشيف لصور كروت بريدية للجزائر أُرسلت من قبل جنود فرنسيين ومستوطنين إلى عائلاتهم في منازلهم الأصلية(فرنسا). أُرشف الجزائريون وما قد شُوهد "موضوعي" كان في الحقيقة "مفبرك" وخصوصاً لأن معظم هذه الصور كانت قد أخدت في الاستوديوهات (يدفع المصور عادة التكاليف لتركيب الصورة، بمن فيهم بائعات الهوى). في فبركة إستشراقية كهذه يستطيع المرء رؤية صور سحاقية لنساء سوية تركز على الغريب جداً، الشهواني، والحضارة العربية المزينة. من أكثر الصور إثارة للإشمئزاز تلك لإمرأة محجبة تماماً إلا عينيها وثدييها الذين تركهم المصور مكشوفين. هناك نوع آخر من الفبركة أقل علانية- كالتصنيف القبلي، "العائلة الكابيل" أو "العائلة اليهودية." ماذا يعني هذا لجزائري اليوم عندما ينظر خلال الإرشيف؟ كان هناك مجهود كبير جداً من قبل الفعالون الثقافيون، الفنانون، الأكاديميون ومنظموا المعارض الفنية لغزو الإرشيف الكولونيالي. ننظر إلى الوراء إلى هذا التسجيل المرئي البريطاني والفرنسي ونتسائل ونتعجب أين وكيف يمكن فك شفرة ورواية قصتنا العائلية من خلال حجاب الكولونيالية.

زس: في الحقيقة ليس هناك أحد يحاول فك الشفرة. أحد الأشياء التي أحاول إن أعملها بالتفاعل بين شرح الصورة والصور هو أن أخلق إبهام حول كل الموضع الجغرافي لكل شخص. لن يجد القارئ هذه العلامة السهلة ليعرف الشخص بوضوح وكأنه ليس من ضمن حضارتهم نفسها.

رس: أنت ترفض إن ترسيهم.

زس: نعم، خذ محمد، أحد المواضيع المصورة في الكتاب، سيعرف معظم الناس أنه مسلم، لكن أنت لاتعرف إذا كان مسلماً في نيويورك، أو في مصر، أو في جمهورية التشيك. لاتستطيع أن تثبته فوراً كشخص من خارج مجتمعك أو من خارج تجربتك.

رس: حقيقة كونك مصوراً ذكرني بكم من الأفلام بُنيت بالحقيقة حول الصور. شاهدت مؤخراً فيلماً أرجنتينياً يدعى "صور". صانع الفيلم بالحقيقة هو ابن إمرأة هندية تزوجت أرجنتينياً. (أعني هندي من الهند...لانزال ندفع من أجل خطأ كولومبس) . تشكل الصور التي عثر عليها صانع الفيلم نقطة بداية الفيلم. كل موضوع الفيلم هو عن العثور على ماتعنيه الصور وإلى ماذا يدلون. يرى صانع الفيلم صور أبيه عندما كان يعيش مع زوجته في لندن. كان والده قد أخبره من قبل أنه ليس هناك مشكلة في الزواج المختلط، ولكن من المحادثات التي حدثت بسبب الصور أيقن صانع الفيلم أنه كان هناك مشكلة حقيقة. ثم يذهب صانع الفيلم إلى الهند ويقابل ذلك الجانب من عائلته ويخبر أقربائه الهنود أن أمه نادراً ماتكلمت عن الهند. شرحوا له أنه ربما كانت الهند لم تكن بتلك الذاكرة الجيدة لها وذلك إذا نظرنا إلى دور المرأة في ذلك الوقت. من المثير أنها الصور نفسها هي التي أصبحت العامل المحفز لتلك الإستكشافات. من المدهش لي أنك تعمل نفس الشيء بما أنك تريد لصورك أن تصبح حافز ردود الأفعال فيفكر البشر حول إعتقادهم الشخصي حول كيف أن يفسروا الصور. أفلاماً أخرى- شبه وثائقية والأفلام الوثائقية المفبركة- تظهر قدرة الصورة على الكذب. لنؤكد عنصر القصة ضمن كل فيلم وثائقي، تكلمت أغنس فاردا حول الموثق (الكاذب- الوثيقي). أو كما وضعها غودارد: "شبه-الطوبوغرافي" هناك فيلم وثائقي برازيلي حول المشردين في سان باولو يدعى "في هوامش الصورة" حيث يعرض المخرج عناصر الفيلم وهم يوقعون عقوداً تعرض أنهم قد دُفع لهم كي يظهروا في الفيلم. إنه نوع من النتيجة الطبيعية المالية للهدف الإنعكاسي البريختي، لعرض كيف يُشكل العمل الفني. معصرننا تقنية جان روك نموذجية، يعرض المخرج أول نسخة من الفيلم للمشاركين الذين كانوا في الفيلم وسآلهم إذا كان هناك أي شيء في الفيلم يمكن أن يصححوه أو يغيروه. قال أكثر من واحد من المشردين للمخرج التالي : "أنك لطيف وذو نوايا طيبة ولكن إذا أتيت أنا إلى عتبة دارك ربما لن تدعني أدخل إلى منزلك." لكن النسخة النهائية من الفيلم تضمنت ذلك التعليق، ذلك يعكس نوعاً ما من الشجاعة حيث أنها تهز الصورة الجيدة للموثق كالبطل الإجتماعي الذي يقدم دائماً وكأنه "منقذاً" لمواضيعه، لهذا أشياء كهذه في العادة تننهي على الأرض في غرفة المونتاج. بمعنى آخر، من ضمن الفيلم نفسه يتم نقد السؤال حول نرجسية المخرج الذي يريد أن يكون منقذ الحقيقة عادة.

طريقة أخرى للتعامل مع هذاالموضوع تتم من خلال القول أنني أشعر أن عملك ييحث عن ويشير إلى مناطق الإشتراك الإنساني. إنها لاتفرض ذلك الإشتراك الإنساني عليهم، لكنها تقول أنه من الممكن أن يكون البشر في كتابك مختلفون عن بعضهم البعض من منظور الطبقة، اللغة، لون البشرة وماشابه ذلك ورغم كل هذا فهناك عوامل مشتركة. نحن نأكل، نلبس، نتكلم، لدينا ثقافة، ويمكننا التعلم من بعضنا البعض. أظن أن التواضع هو الحل نعض الأحيان. ليس بفرض أجندة معينة ومن دون رفض العوامل المشتركة.

إش: في النهاية إنها ليست إنكار العوامل المشتركة فقط وإنما إنكار الشخصيات المختلفة أيضاً. إذا كنت تعترف بالعوامل المشتركة فقط من دون النظر إلى تموضع القوة سوف تنهي هذا الحوار الإنساني العام الشامل المعتبر أن البشر جميعاً متساوون، ناسياً الجزء الأخير من الجملة- أن البعض متساوون....

رس: هذا النوع من الأشياء يراه المرء في التصوير في صور "عائلة الإنسان" الشهيرة.

زس: إنه عمل توازن صعب الذي هو متضمن دائماً حيث تحاول كل حالة إعادة تكييف التوازن. هذا شيئ يجب أن أكون حساساً تجاهه، وليس عمل الصور فقط ولكن المونتاج أيضاً. أظن أن فهم هذا التوازن محورياً في هذا الوقت.

العدسة الديموقراطية، كولومبس، وأحسن سلاح

إش: لدينا هذا الوضع اليوم مع التكنولوجيات التي تجعل كل شيئ متوفراً أكثر، أرخص وأسهل وأسرع حيث أصبح لديك إنتشاراً أوسع للصور وجعل العملية كلها ديموقراطية. ماذا يعني هذا للمصوراليوم؟ العملية التنقلية لأخذ الصور مختلفة تماماً اليوم عن المصور في بداية القرن: جهاز ثقيل، حركة مقيدة، عمليات تحميض معقدة للصور وجلبهم للعرض. كيف بإمكانك شرح الفرق؟

زس: أنا أستخدم في الحقيقة كاميرا من بداية القرن. ليس من أجل أي سبب تاريخي ولكنها تعمل من أجل غايتي، لهذا فميكانيكيات أخذ الصورة قد تغيرت قليلاً. لكن هناك إختلاف كبير في حميمية البشر مع الصورة. رؤيتهم وعملهم أيضاً. الصورة حاضرة بشكل أنها تغير الطريقة التي نفكر ونتذكر بها. يجعل هذا الناس مدركين أكثر لمايفعلوه بوضوح، تُفك ألغاز الكاميرا بطرق عديدة وهكذا فإن عمل الصورة يكون عملاً تعاونياً أكثر مما أعتبرة مثيراً. كمصورين، غالباً مانقضي وقتاً مع البشر، نسأل الكثير ومن ثم نختفي مع غنائمنا حيث لانُرى مرة أخرى. اليوم ومع السرعة التي يمكننا رؤية الصور وخاصة مع التصوير الرقمي هناك أمكانية للمشاركة مع البشر المصورين، يمكنهم أن يكونوا مشاهدي صورهم نفسها. عندما عرضنا العمل في ريو دي جانيرو كان مؤسس الفريق الذي كنا نعمل معه (ن د م) حذراً منا وغير واثق بنوايانا حتى شاهد صور مجتمعه التي جعلته يفهم العمل بوضوح، كما أعتقد، ولكن أيضاً لرؤية أنه كان هناك إحترام عميق وأن نتيجة عملنا تطابق ماقلناه مسبقاً بأننا سوف نفعله.

إلى موضوع جعل الصورة ديموقراطية، أعتقد أنه من المهم أن نرى الصور التي عُملت بواسطة أولئك الذين صورا وكانوا المواضيع من خلال الصور المصورة من قبل مصورين غربيين. تاريخياً، تستفيد مشاريع "كأطفال بكاميرات" والمصورون من أهل البلاد الأصليين من توفر الكاميرات الرخيصة لتعطي الفرصة لبشر أكثر من أي وقت أن يعبروا عن تجاربهم من خلال التصوير.(أعتقد أن هيئة الصورة العربية تعمل عملاً مهماً حول هذا)

إش: أنت ترى هذا المفهوم الديموقراطي للنظرة وعكس النظرة في وسائل أعلام البلاد الأصلية أيضاً. إنها ليست حول الإثنوغرافي ذاهباً لتصوير الكايابو من الأمازون، ولكنها أيضاً عن الكايابو مصورين أنفسهم، في الواقع لازالوا من عقود وهم يصورن إنفسهم.

رس: نناقش في كتاباتنا من أجل أسلوب طباقي متعدد المفاهيم من أجل هذه القضايا. نُحب أن نستخدم مثال كولومبس. يوجد لديك العرض الهوليوودي لكولومبس، حيث يكون هو البطل، حيث لايتكلم السكان الأصلييون أبداً، وحيث يصفق السكان الأصليين له عندما يأخذ أرضهم محولاً إياهم للمسيحية وماشابهه. هذه هي نسخة المنتصر. لكن المرء يتسائل ماذا كنا سنراه إذا كان لدى السكان الأصليين كاميرات رقمية في عام ١٤٩٢ ليسجلوا إحتكاكهم الأول مع كولومبس. علاوة على ذلك، في الحقيقة لدينا اليوم في البرازيل نسختان حول هذا الإحتكاك حيث يقدم السكان الأصلييون نسختهم ليس فقط حول مايظنوه حول كولومبس (كما في فيلم "النجاة من كولومبس" الأمريكي الأصلي) وأيضاً ماذا يظنوه بالإحتكاكات المؤخرة. في البرازيل، ربما حصل "الإحتكاك الأول"، في الأمازون مثلاً، منذ عشرة سنين مضت. في الحقيقة هناك فيلم إسمه "الإحتكاك الأول" الذي يدمج أرشيف مصور من أنثروبولوجيين برازيليين طائرين فوق الأمازون وحاطين في قرى لسكان البلاد الأصليين، مع أرشيف مصور حديث للقرى متذكرة، معيدة تمثيل ومصورين للفيلم، يقولون " أتى هذا الطير وتبرز علينا" لوصف الطريقة التي رمى بها البرازيليون-الأوربيون المواد، الهدايا..الخ. هكذا فلديك وجهتي نظر سينيمائية وثقافية لمواقف حول نفس الحدث. ببساطة، إنه ليس سؤال حول إضافة هذه المواقف وإنما رؤيتهم بتناقضاتهم. في حالة كولومبس، تعرضه أفلام هوليوود كبطل بينما تقدمه أفلام سكان البلاد الأصليين على أنه وغد كما عُكس من العناوين: "غزو كولومبوس،" "محاكمة كولومبس،" "لم يكتشفنا كولومبس،" وهكذا دواليك. يمكن للبشر أن يتفقوا على الحقائق - "في عام ١٤٩٢ أبحر كولومبس المحيط الأزرق"- ولكن يمكن للتفسيرات التاريخية المشتقة من الحدث أن تختلف بشكل راديكالي وحتى أن تتعارض فيما بينها.

إش: الحقيقة من هذه الملاقاة- هل هي "إكتشاف"؟ حتى أن المصطلح "إكتشاف" يتضمن مسبقاً نوعاً من وجهة النظر- التي هي أوربية على عكس وجهة نظر البشر الموجودين على الساحل "المكتشف." في وقت "كولومبس كونتيسنشال" كان هناك مشروع فيديو يدعى "المنظر من الساحل." مشروع أخر بمشاركة سكان البلاد الأصليين كان عرض "إكتشاف الراين." رسي بعض الأمريكيين الأصليين على شواطئ أوربا وإدعوا "إكتشافها" وأعطوها أسماء أمريكية أصلية وذلك للتركيز على إصطناعية إكتشاف كولومبس للقارة الأمريكية.

رس: نوع آخر من تمثيل المقاومة، والذي له نظير واضح في التصوير، هو ماندعوه "فعالية كاميرة الفيديو،" أي إستخدام الفيلم للقط ظلم البوليس، كما في حالة رودني كينغ مثلاً. في مدن الصفيح في البرازيل، وكنوع من الحماية الأجتماعية هناك منظمات تدرب سكان تلك المدن على كيفية إستخدام الكاميرات لمسك الشرطة في أعمال وحشية. كان هناك عددا من الحوادث في التسعينات حيث لُقطت الشرطة وهي تعامل سكان مدن الصفيح بوحشية، تضربهم، تذلهم، تسرقهم، وفي حالة معينة قتل رجل. من أكثر العوامل إحباطاً هو موقف سكان مدن الصفيح اللامبالي وكأنهم قد مروا في نفس حالات التعذيب مئات المرات من قبل. كتب أرنالدو جابور الصحفي/صانع الأفلام تحليلاً حول أحد حالات التعذيب التي صورت على فيديو في حارة فقيرة جداً تدعى دايديما في سان باولو (إنها في الحقيقة مسقط رأس الممثل الذي لعب دور بيكسوت في فيلم بنفس الإسم، وأيضاً قتل الممثل من قبل البوليس). كان إسم المقال "دايديما: أحسن فيلم برازيلي للسنة." إستخدم جابور في مقالته كل الإصطلاحيات السفسطائية من نظرية الفيلم ليثني على "الفيلم،" ملاحظاً "إسلوب اللقطات الطويلة،" و "اللعب على المدة،" والحقيقة أن الشرطي القاتل كان قد لُقب "رامبو،" عارضاً هكذا تأثير ثقافة هوليوود الكبيرة على العالم الثالث. تحدث الجريمة خارج الشاشة- نسمع فقط الطلقة القاتلة. يستنتج جابور أن هوليوود تنفق الملايين لخلق الرعب بواسطة أفلام كوارثية كبيرة، ومع كل هذا فهذا الفيلم البرازيلي، المستخدم لأدنى الوسائل- شاب بكاميرة فيديو- قد خلق شعوراً حقيقياً بالرعب الإجتماعي.

زس: قال كريس ماركر أن سلاحه الأكثر حساسية ضد البوليس هو كاميرته ال١٦مم. "ليست بتلك العظمة...لكن فعالة."

رس: لهذا تبذل الأنظمة الجهد الكبير لقمع المصورين.

إش: وهناك الكثير من المواقف حيث قتل المصورون لهذا السبب. يوحي هذا بمثال آخر الذي تستخدم فيه تخيلات سكان البلاد الأصليين مع فعالية كاميرا الفيديو. يحدث هذا في مناطق النزاع حيث سيكون هناك وقت صعب إذا حاول شخص أجنبي تصوير الحوادث. في فلسطين، مثلاً، وزعت الكاميرات لتسجيل النزاع مع الجيش الأسرائيلي في الأماكن حيث تم منع المصورون الصحافيون أو لم يقدر هؤلاء الصحافيون على التسجيل. في هذه الحالات تشهد الكاميرا على تجربة البشر الذين يعيشون هناك، البشر المحتلون، مع فكرة أن توزيع هذه الشهادة عالمياً سيساهم على تغيير الوضع. إن توزيع الكاميرات يجلب الديموقراطية إلى العملية ليس للضحايا المباشرين فقط وإنما إلى المشاهدين "العالميون،" الذين كانوا لن يستطيعوا الوصول لتلك المعلومات. وهكذا، في هذا الواقع الحالي، إنها ليست فقط الكاميرا ولكن أيضاً حرية التحرك الرقمي عبر الإنترنت الذي إستهدف للمراقبة.

نزع السياجات

إش: عندما أتى أول المستعمرون إلى أمريكا لم يسيج سكان البلاد الأصليين "ملكياتهم" لأن الأرض كانت ملكاً مشتركاً. في السرد الأعلى للحضارة- ضد- البربرية، لم يمتلكوا الأرض لأنها لم تكن مسيجة. في سرد آخر، إشترى الهولنديون مانهاتن بأربعة وعشرين غيلدر. فكيف تشترى أرضاً من فريق لم تكن الأرض لهم للبيع أبداً ببساطة؟ لم يكن هناك للمانهاتانيون الأصلييون أي مفهوم للملكية من السكان، اسطورة الشراء كانت في الحقيقة موجهة إلى أوروبيين آخرين. يقول الهولنديون للإنجليز: " إشتريناها، لاتستطيعوا الحصول عليها."

رس: واحدة من الطرق للنظر إلى ذلك هو المناطق التي يمكن أن يعاد تفعيلها من خلال الصور. لدينا جميعاً هذه الطاقات الكامنة ويمكننا البناء فوق ذلك أو إغلاق تلك الطاقات الكامنة. هذه هي الإمكانيات التي يمكن للمرء تفعيلها أو تركها نائمة. والحقيقة أن صوراً مثل صورك يمكن أن تقدح نوعاً من "الكوزموبولتانية" مثير جداً.


......من محادثة مع إيلا شوحات وروبرت ستام في شقتي في نيويورك، الثالث عشر من سبتمبر، ٢٠٠٧.





فهرس وشرح كلمات:

- محلي: "local"
=موضوع: Subject أي مادة الصورة، مايصور.
- المقاومات الجمالية:resistant aesthetics.
- تأطير متمشكل: Subversive framing
- بوب الكوزموبوليتانيزم: pop-cosmopolitanism
- العالمية البديلة: "alter-globalization"
- عبر القوميات من الأدنى: "transnationalism from belwo"
- جوجيتسو الميديا: Media Jujitsu. والجوجيتسو هو نوع من أنواع القتال حيث تستخدم القوة المهاجمة ضد صاحبها الأقوى. الميديا هي وسائل الإعلام.
- شرح الصورة: Caption وهي كلمة تطلق على مايكتب لشرح أو عنونة الصورة.
- محلي Provincial مديني: urban
- إمتياز: privilage
- الإستحقاقية: Entitlement وهي عندما يظن البشر آن كل مايريدوه هو من حقهم لسبب ما، وأنهم أعلى من البشر الآخرين في الأحقية (عائلة ملكية، إنسان من أسرة غنية، في حالة مقالنا هو إنسان من مدينة غنية)
- ممشكل: Problematic
- فيلم "غونجا دين": Gunga Din
- كاندومبلى: Candomble
- مونتين: Montaigne
- كايابو: Kayapo.
- تستخدم كلمة أصلية أعلاه لترجمة كلمة Indiginous والتي تعني سكان البلاد الأصلييون وخصوصاً في البلاد "المستكشفة."
- البدائي الجيد: "Bon Savage"
- التسخن العالمي: Global Warming
- صوت فوقي: Voice overو هي عندما نسمع صوتا ما ولانرى الشخص ولكننا نرى مايتكلم عنه وتستخدم هذه التقنية في الأفلام وخصوصاً الوثائقية.
- لقطات وجهة نظر: point of view shots. لقطة (بلغة السينما): Shot
- اوغست ساندرز: August Sanders
- كتاب: سكان الهند: People of India
- كتاب: بشر القرن العشرين: People of the 29th Century
- تكييف القصة لتصبح فيلم سينمائي: Adaptation
- بارت: Barthes, Roland
- أسم فيلم: "سجين القضبان الحديدية": Prisoner of the Iron Bars.
- جوان دريسينز: Jo-Anne Driessens
-توني كادا بامبارا: Tony Cada Bambara.
- الوكالة:Agency ولهذه الكلمة دلالات نظرية ومعرفية غير كلمة "وكالة" بدلالتها المعرفية الدالة إلى شيء إقتصادي أو تجاري.
- الحريم الكولونيالي: The Colonial Harem.
- الغريب جداً: Exotic
- مالك علولا: Malek Alloula.
- الفعالون:Activist ، أو الناشطون من أجل قضية ما.
- منظموا المعارض الفنية: Curators
- أفلام وثائقية مفبركة: mocumentaries
- في هوامش الصورة: in the Margins of the Image.
- آغنس فاردا: Agnes Varda.
- غودارد: Godard.
- عائلة الإنسان: Family of Man
- جان روك: Jean Rouch.
- تمثيل المقاومة: resistant representation. أي مقاومة التعميمية حول التمثيل، أو مقاومة الشخص لكيف مايراه الأخرين منه أو عنه.
- رودني كينغ: Rodney King
- أرنالدو جابور: Arnaldo Jabor
- دايديما: Daidema
- اسم فيلم: النجاة من كولومبس: Surviving Columbus.
- اسم فيلم: الإحتكاك الأول: First Contact.
- اسم فيلم: غزو كولومبوس: The Columbus Invasion.
- اسم فيلم: محاكمة كولومبوس: Columbus on Trial.
- اسم فيلم: لم يكتشفنا كولومبوس: Columbus didn t Discover Us.
- الحضارة ضد البربرية: Civilization-versus- Bararism

تدرس البروفسورة إيلا حبيبة شوحات الدراسات الثقافية والدراسات الشرق أوسطية في جامعة نيويورك. حاضرت ونشرت بشكل مكثف بقضايا تتعلق بالعرق، الجنس، الأوروبية التمركزية، الاستشراق، مابعد الكولونيالية، عبرالقوميات، والدياسبورا مسقطة دائماً المنهجيات والحدود الجغرافية. تفحص معظم أعمالها هذه القضايا من خلال علاقتها بسؤال العرب-واليهود. الحاصلة على منحة من جمعية الإنسانيات في جامعة كورنيل ومنحة الروكفلر بلاجيو، أعطيت هذا العام منحة عليا في المركز العالمي للدراسات المتقدمة في جامعة نيويورك.

روبرت ستام هو بروفسور جامعة في جامعة نيويورك، المؤلف للعديد من الكتب حول الأفلام والنقد الثقافي. حاز ستام على جوائز من الغوغنهايم، روكفلر، وفولبرايت وعلم وعاش في تونس، البرازيل، فرنسا وبريطانيا.

معاً هما المؤلفين لكتب مثل "الأوروبية المركزية الغير عاقلة،" الوطنية الواهنة" والكتاب القادم "مسابقة العبر قومي." ترجمت هذه الكتب إلى أكثر من ١٥ لغة.

- الدراسات الثقافية: Cultural Studies وهو فرع في جامعات الغرب لدراسة الثقافات وتفاعلاتها ونظرياتها...الخ

- المركزية الأوروبية Eurocentrism وهي نظرية أن أوروبا هي أفضل ماأنتجه العالم وهي مركز كل شيء

-بروفسور جامعة: University Professor وهو لقب يحصل عليه القليل في أية جامعة وهو لأولئك بكتب عديدة وجوائز.

- جمعية الإنسانيات: The Society for the Humanities

- منحة: Fellowship و معناها إن المتلقي للمنحة في هذه الحالة يستخدم ماأعطي من أجل إنهاء كتاب ويعلم بنفس الوقت. لايتلقى هذا النوع من المنح سوى القليل من أولئك أصحاب أعمال نشرت أو تحت النشر.

- عنوان الكتاب: "Unthinking Eurocentrism
- عنوان الكتاب: "Flagging Patriotism"
- عنوان الكتاب: Racing the Transnational"


ترجمة: محمد هواش
Translated by Mohammad Hawash



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن