الهجرة المليونية العراقية من تداعيات حروب الخليج الثلاث . فمن هم المتهمون بها ؟ سلسلة حلقات (الحلقة 6).

حبيب محمد تقي
habibtaki@hotmail.com

2009 / 10 / 26

الحلقة الخامسة

اهمية تدوين ونشر المذكرات والسير الذاتية على اختلاف وتنوع الاشخاص الذين يكتبونها وينشروها ، سواء كانوا رجالات دين اوسياسة او ادباء اوشعراء او فنانيين . تكتسب اهميتها وضرورتها ، من كونها اي تلك النتاجات . تحاكي خبرات وتجارب ومعارف انسانية ،على اختلاف اوزانها . وضمن حراك زماني ومكاني ، يساعدنا على تقويم تجاربنا ومعارفنا لما يحدث اليوم بمقياس ما حدث في الامس . والشئ نفسه ينطبق على السير الذاتية لاناس واشخاص عاديون تماماً . فكتابة السير الذاتية ليست قطعا حكراً على الزعماء والقادة والمشاهير . بل يتعاطاها الجميع ، اياً كان موقعه في الحياة . المهم ان كاتب السيرة يجد في ثنايا تجربته دروساً وعبراً ، يمكن ان تكون سبيلاً للتواصل وانطلاقاً من هذه النقطة ، تبرز اهمية تدوين ونشر السيرة الذاتية لشخص من مثل السكرتير الاول السابق للحزب الشوعي العراقي عزيز محمد . وليس هو لوحده ، بل كل من دفعة به الاقدار لان يتبوء موقعا فاعلاً ومؤثر وفي حيز معين من تاريخ بلده .
عليهم اياً كانوا . شيوعييون او بعثيون اواسلاميون او قومييون اكراد او حتى لو كانوا مستقلون او مجرد رجالات دولة . عليهم ان يكشفوا عن تاريخهم يحددُ دورهم فيه كأنسان . أخطء وأصاب ، أبدع َ وانكسرَ . عليهم ان ينطقوا بالحقيقة كما هيَّ ، بما لهم وما عليهم . ان كتابة السير الذاتية لهؤلاء القادة الذين تحكموا بمصائر شرائح من شعوبهم ، وعلى اختلاف ادوارهم وتأثيرهم . يشكل مطلباً وواجباً أخلاقياً ، تُمليه الضرورة عليهم . على اقل تقدير لجعل هذه الوقفة في كتابة سيرهم . تجسيد لشجاعة وجرءَ ولو لمرة واحدة .
فجعلوها وقفه لكم ، للتحرر من أثامكم واخطائكم ، سيما وانكم وبلا استثناء . متهمون بأنظار القاصي والداني ، وبريئين عند انفسكم . فخذوا فرصتكم واكشفوا عن ما هو مستور . علهُ يطهر ذنوبكم . وقبل ان يصدر التاريخ حكمهُ النهائي بحقكم . فالتاريخ يمهل ولايهمل . ثمَ ان كتابة السير الذاتية ، لاتقتضي بالضرورة في الشخص الذي يجرأ وبشجاعة على تدوينها ونشرها . ان يكون من ذوي الاحتراف اللغوي بهذا النوع من فن الكتابة . وان كان عاجزاً لسبب ولاخر في تدوين سيرته شخصياً . ففيه ان يستعين بمن يعينهُ في صياغتها وتدوينها ، بالمعاني والمباني التي يشاء . وان لم يفعلها ، فيعني ذلك انهُ لايمتلك الشجاعة والجرءَ لاعادة قراءة تجربتهِ الشخصية ونقدها . وما يؤسف له ، ان اول تعليق صدر بصدد اجابة (الرفيق) السكرتير العام المتقاعد للحزب الشيوعي العراقي عزيز محمد . حول اجابة الاخير في امتناعه الى هذه اللحظة من كتابة ونشر سيرته الذاتية . مصدر التعليق الاول هذا من (رفيق الامس) المقصى ، وهو واحد من ابرز القادة الذين ركبوا موجة التغير من داخل المؤسسه الحزبية وشكل انذاك وبمعية عدد محدود من رفاق الدرب بما سمي حينذاك بجماعة (المنبر) نسبتاً للنشرة الدورية التي كانوا يصدروها حينذاك . وللاسف تجربتهم تلك ولدت ميتة . الرجل الذي تخلى عن احلامه الحزبية والتنظيمة . بعد ان اصدم بواقع فاسد ومرير ، اكبر من قدراته ومؤهلاته واحلامه الوردية . والذي اكتفى هذه الايام بالعمل السياسي الفكري ، علهُ يجد سبيل لتحقيق ماعجزَ عن تحقيقه داخل المؤسسة الحزبية الفاسدة التي اشهرت حربها عليه . الا وهو الرجل الحقوقي والاكاديمي الذي خطف الانظار والاضواء الاعلامية بسرعة الصاروخ وبقدرة قادر . سيما بعد ان تبوءَ موقع امين سر المؤتمر الوطني العراقي المعارض انذاك . والذي تشكل بضغوط ومغريات واملاءات ، مباشرة وغير مباشرة استخباراتية ومخابراتية للحاضن الدولي سئ الصيت والذي كان يتربص للعراق سوءاً . انه المفكر والاكاديمي والحقوقي والقانوني والاديب والشاعر عبدالحسين شعبان .
إذ يعلق اطراءً وغزلاً قائلاً ان اجابة عزيز محمد تلك تتسم بتواضع معهود وتنم عن دهاء سياسي مخضرم !
ويستوقفني هذا الاطراء والمغازلة الا مبررة والتي لاتنسجم باي حال من الاحوال مع المواقف و الكتابات المعلنة بمناسبة ودون لمفكرنا من هذه القيادة .
وان كان ذلك التعليق والاطرء مقتضبا .
لانهُ صادر من رجل جليل يحترم نفسه . اعتزل العمل التنظيمي في المؤسسة الحزبية البيرقراطية البالية . بسبب من ممارسات شلة القيادة التي ناصبته العداء في حياته العامة والخاصة . هوَ ومجموعة غير قليلة من رفاق الامس . الذين تجرؤا على وضع اليد على الجرح النازف ومحاولين تضميده . وهذا الرجل الجليل يدرك اكثر من غيره ، لقربه من موقع الكارثة القيادية ويعرف جيدا حقيقتها البيروقراطية واساليبها الغير سوية . وبعد هذا يحق لنا ان نتسائل . ما هو وجه التواضع الذي وجده مفكرنا المستقل في اجابة عزيز محمد تلك؟ هل في المقارنة الدونية والمخزية والتي تكشف عن مكامن تلك الشخصية العاجزة والمستسلمة ، رغم قيادتها المعتقة والتي فاحت نتانتها طوال هذه العقود الثلاث من عمر قيادته للمؤسسة الحزبية . والتي سفهت نفسها بنفسها . أهاكذا يفترض بقائد لاعرق حزب عرف َ على الساحة العراقية . وحمل وسام حزب الشهداء ، لكثرة دماء وعطاء قواعده الحزبية والتنظيمية والشعبية المضحية بالغالي والنفيس . احقاً ان هذه القيادة تجد نفسها اليوم واليوم بالذات ، اقل شأن من قادة مثل كامل الجادرجي ، ومصطفى البرزاني ، ومحمد مهدي كبة ، والجواهري ؟!
واذا كان كذلك ، وهوذلك حقاً وللاسف . ولاكن متى توصل هذا القائد المغوار والذي كان يصول ويجول ويتحكم بكل شاردة وواردة تمس مصائر ومستقبل جمهوره وشعبه ، متى توصل الى هذا الاكتشاف والقناعة الخطيرة ؟
هل توصل لها الان وبعد فوات الاوآن ؟
اذا لم يكن كذلك ، فلماذا لم يتخلى حينها فاسحاً الفرصة وبتواضع لمن هو اكفء واصلح ؟ ولماذا تشبث بكرسيه طيلة هذه العقود الثلاث ؟ اين وجه التواضع و الدهاء والحكمة في ذلك ؟
انه بكل بساطة ينم عن غباء سياسي قاتل .أنها عنجهية فارغة .الرجل لم يكن متواضعاً ولم يكن ذو دهاء وحكمة قط . بقدر ماكان اسير الغروروالاضواء المخادعة وتاثير شلة البيروقرطين المحيطين به والتي جعلته مجتمعة يعتقد خطأً انه قائد الضرورة والاصلح وألاكفء ومرة اخرى اواكد ان ماعزز هذا الظن الخائب الشلة المحيطة به من بيروقراطين ووصولييون وانتهازيون . الخسارة الحقيقية هنا ليس بافلاس القيادة مطلقاً . انما بهدر السيل الجارف من الطاقات الخلاقة والتضحيات الجسام التي كابدها الجمهور القواعدي والتنظيمي والشعبي لهذه القيادات التي لم تكن يوم من الايام بمستوى المسؤولية ولا بمستوى عطاء جماهيرها.
التتمة في الحلقة السادسة لاحقاً.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن