المسيحية دين لا يعرف المحبة.. جِئْتُ لأُلْقِيَ عَلَى الأَرْضِ نَاراً

حسين شبّر
h.shubber@gmail.com

2009 / 10 / 20

يغلب رأيٌ يقول بأنّ المسيح لم يكن صاحب فنون قتالية أو دراية حربية. لم يحمل سيفا ، لأنه لا يعرف كيف يستعمله ، و حتى إلهه الذي بشّر به كان أقرب إلى أخلاقيّاته ، أخلاقيات المسكنة والضعف والهروب من المواجهة .
غير أنّ المحبّة التي طالما اقترنت باسم المسيح لم تكن صكًّا على بياض ؛ إنّما هي مشروطة باتّباع دربه، أي انا اسبغ عليك محبتي اذا اتبعت دربي وطريقي، فإذا لم تتبع دربي وطريقي فأنا استمطر عليك لعناتي الى يوم الدينونة . وادخلك الى جهنمي مع الشياطين أعدائي وأعداء أبي في السماوات العلى .
ألا يفترض وهو إله المحبة أن تكون محبته هي فيض نفسه وسكينة روحه، أو سنى شعاعه الذي يسري في النفوس القلقة فيبعث فيها السكينة، ويروض العقول الجامحة فوق السؤال الكوني السرمدي ؟
ألا يمكن أن تنهار كل اطروحة المحبة تلك ونحن نتفحص آثارها ؟
كل محبة مشروطة لا تليق بالحياة ولا بالرب . أي أنك لا تقبل من تحب إلا اذا طاوعك في كل شيء، وفي ذلك تفقد المحبة كنهها ، الأم عندما تحب طفلها فإنها تحبه محبة صافية كل الصفاء نقية كل النقاء طاهرة بكل جلال الطهر، ولا تفرض شروطها على طفلها . أليس الإنسان هو طفل الرب المدلل فلماذا يفرض شروطه لقاء محبته تلك ؟ هل هي مقايضة بين الرب واتباعة . يمكن لنا أن نرصد ملامح المقايضة غير الأخلاقيّة في الآيات التالية :
(كُلُّ مَنْ يُنْكِرُنِي أَمَامَ النَّاسِ، أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضاً أَمَامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً. فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا. وَهَكَذَا يَصِيرُ أَعْدَاءَ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. مَنْ أَحَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ أَكْثَرَ مِنِّي، فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. وَمَنْ أَحَبَّ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ أَكْثَرَ مِنِّي، فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي. وَمَنْ لاَ يَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، فَهُوَ لاَ يَسْتَحِقُّنِي. مَنْ يَتَمَسَّكْ بِحَيَاتِهِ، يَخْسَرْهَا) [متّى . 10 : 33 - 39] .
أي من ينكر الرب، الرب ينكره، ولكن لماذا لايفيض الرب عليه محبته في البداية فتدخل القلب لتخلصه من أوشال البغض فينتهي النكران المتبادل . ما جا ء الرب ليرسي سلاما بل سيفا . وهذا ما حدث وما سوف يحدث طلما ظل الدين هذا قائما . ما تطور الغرب الا بعد ان زواه في أقبية الكنائس ومنعه من التدخل في شؤون الحكم والناس . فهذا الرب يصرح وهو بعرف ايمانكم رب السلام جاء يرسي سيفا وقد أرساه . إن مجرد قوله أنا الحق وغيره الباطل ، والباطل يجب قتله لإزاحته من امام طريق الحق .
أنّه يدعو كذلك إلى تهشيم أواصر الأسرة في سبيله . بل و يفخر بأنّه جاء ليفرّق أفراد الأسرة الواحدة عن بعضهم البعض .
يقول لوقا :
(جِئْتُ لأُلْقِيَ عَلَى الأَرْضِ نَاراً، فَلَكَمْ أَوَدُّ أَنْ تَكُونَ قَدِ اشْتَعَلَتْ) [لوقا . 12 : 49] .
ما هذا يا أصحاب دين المحبه والسلام ألا تقرؤون أنجيلكم العظيم هذا ؟
أني لا افهم كيف جاء رب المحبة والسلام ليلقي نارا ويتمنى بل ويتحسر على أن تشتعل. وقد اشتعلت نارا من الحروب ونارا من الكره ونارا من البغضاء ونارا من الحقد .
ويقول متى :
(وَلكِنَّ الْمَرْأَةَ اقْتَرَبَتْ إِلَيْهِ، وَسَجَدَتْ لَهُ ، وَقَالَتْ : أَعِنِّي يَاسَيِّدُ! فَأَجَابَ: لَيْسَ مِنَ الصَّوَابِ أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِجِرَاءِ الْكِلاَبِ) [متّى . 15 : 25 - 26] .
ألا يتحدّث هنا بمنطق طبقيّ فج مثير للاستغراب .. إذ يصف الكنعانيين بـ الكلاب ، وبأنّ رسالته محصورة في بني إسرائيل .. ممّا يدلّل على أنّ أقصى أحلامه كانت مملكة بين الجليل و القدس .
ألم يقل : إنما جئت لخراف بني اسرائيل الضالة .
فالذي يقول مثل هذا الكلام ويوجه مثل هذه الرسائل لا يمكن أن يقول : اذهبوا وبشروا الأمم . فهذه الأخيرة هي من وضع كتبة الأناجيل .
و لكن لا ريب في أنّ المؤمن المسيحي سينبري ليخبرنا ما جهلنا فهمه أو لم نستطع وعيه . أن قصد المسيح هو كذا وكذا . و السّبب فيما أظنّ أنّ الرب لا يقول كلامًا مفهومًا في العادة .. فهو شاعر لا يطيق أمام لذّة المجاز صبرا..........!
أخلاق الضعف والمسكنة :
كثيرون تحدّثوا عن الأخلاق المسيحيّة و نقدها ، متناولين إيّاها كمعيار لدراسة علم الأخلاق برمّته . فمنهم من وقف عليه بحذر مثل كمال
الصليبي الذي لا يُعجبني ان اسوقه مثالاً - حيث يدعو بصراحة إلى أن يحافظ الإنسان على بقائه وكيانه دون أن يتلاشى بسبب العاطفة التي يصفها بـ الفكرة الناقصة والتي تتمثل برايه في الدين .
و منهم من نادى بتنحية هذا المعيار الأخلاقي لأنّه مثير للسّخط وغير واقعي – كمحمد عابد الجابري في نظريته الأخلاقية . و منهم من قال بأنّ الأخلاق مرض يصيب الإنسان فيجعله منحطًّا و مشوّهًا وفانيًا القصيمي في كتابه أيها العقل من رأك . وأنا أميل إلى رأي الأخير. ذلك أن علم المعيار الأخلاقي ظل يكتنفه عدم المصداقية القانونية أو المعيارية الصادقة بمعنى أن الأخلاق تظل تخضع لنسبية الزمان والمكان وهي تتغير وفق هذا المقياس دائما، فهي ليست هنا ثابته بالمعنى الأطلاقي، أو أن تكون من نوع الممكن أو الواجب الأخلاقي على حد رأي الفلاسفة الأخلاقيين . قد يبدو هذا الطرح غريبا في علم الأخلاق ولكن أليست الأخلاق معيارية أي أنها تخضع للمعيار الأجتماعي ؟ هنا تكمن النظرة العميقة لمسألة الأخلاق او لقضية القيمة كما حددتها المثل الأخلاقية .
و من هنا نقول وبعيدا عن الطرح السابق أنّ فطرة الإنسان السليمة لا تقوده إلى إعطاء خدّه الأيسر لمن صفع بالفعل خدّه الأيمن . ولا يشعر هذا الإنسان برغبة في أن يكون غبيًّا كأن يغفر لصاحبه كلّ ما يجني من خطايا ويجر من ويلات عليه .. حتّى لو تكرّر الذنب مرات عديدة .. ! أعتقد جازمًا إنّ هكذا أخلاقيّات لا يستطيع أحد مهما بلغ من الفضيلة أن يقبلها .. أو يقول بصوابها .
وبعيدًا عن الأخلاقيّات غير العنيفة لشخص المسيح.. فإنّنا حين نناقش الديانة المسيحيّة وما جرته من ويلات بشعة على البشرية عبر عصورها التاريخية من الحروب الصليبية الى محاكم التفتيش وغيرها ؛ سنقول بلا تردّد بأنّها كانت تمارس الإبادة الجماعيّة والحجر الفكري والفوضويّة المجرمة المستظلّةً بالصّليب و بتحالف مبارك و مقدّس بين الملوك وآباء الكنيسة و رغبات الشّعوب المتعطّشة للدّم في تلك الفترة . أمّا أولئك الذين يتحدّثون عن الغرب و أوربّا المتحضرة الآن فنقول لهم : إنّ القوانين العَلمانية الحالية هي المتحضرة وليست أوربّا المسيحيّة أواروبا الصليب لأنّ الدين المسيحي لا يعرف كيف يكون متحضرا ، والإيمان بهذا الدين يجبر المرء بشكل أو بآخر على قتال من نوع ما دائما , أنه يثير الكره والغضاء والشحناء والتباعد بين أبناء البشر مهما حاول المبشرين أن يزيفوا الحقيقة وما النصوص التي أورتها سابقا إلا مثالا بسيطا عن عقيدة الكره هذه التي اصبحت هي المحرك للسلوك المسيحي اليومي .
إن كلّ إلهٍ يمثّل دينه يا سادة، كل إله يمثل تصوره، كل إله يمثل وجوده على نحو ما .
إنني أتّفق تمامًا مع القصيمي الذي الذي قال : عدم التسامح هو النتيجة الحتميّة للدين المسيحي . وعليه ؛ وعلى ذلك نقول إن فكرة التسامح أو المحبة أو إثار الغير في هذا الدين ما هي إلا فكرة للتبشير وهي بعيدة كل البعد عن الأخلاق والقيم . خذوا أية قيمة اخلاقية وقيسوها معرفيا الى هذا الدين ستجدوها ناقصة تماما أو هي على النقيض تماما .
هذا هو الحق الذي أقول لكم .
ولكم أقول الحق .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن