الاتحاد الاشتراكي و الأصالة و المعاصرة جدلية التغيير و الاستمرارية

رشيد لزرق
rachid.diplomatie@gmail.com

2009 / 10 / 20

في مقال الأستاذ سامر أبو القاسم الجريدة الأولى العدد 375 تحت عنوان "الإخفاق في الانتخابات لا يبرر تمديد فترة الانتقال ولا يسوغ التحالف مع قوى الظلام".
سلط فيه صاحبه على مطالبة الاتحاد بضرورة إدخال إصلاحات دستورية تروم تحقيق توازن السلط، وتحالف الاتحاد الاشتراكي في الانتخابات الجماعية مع حزب العدالة والتنمية حيث حاول شرح الأسباب التي إعتبرها الباعث الدافع وراء هذه التحركات الاتحادية الأخيرة.
لكن ما يؤخذ على تحليل الأستاذ هو طابعه التبسيطي الغارق في النزعة الذاتية، مما أسقطه في تقييم سلوك حزب الاتحاد الاشتراكي من وجهة نظر ذاتية بعيدة أشد البعد عن التحليل السياسي الموضوعي وقريبة في الوقت نفسه من البلاغ السياسي المتهافت والمتأثر برد فعل الاتحاد الاشتراكي من "الوافد الجديد" وحركة الهمة عموما.
إدراكا مني لهذا المعطى تمهلت في الرد كي لا أدخل في جدال سياسوي عديم الجدوى، غير أن رغبتي الصادقة في تطوير النقاش جعلتني أقتل التردد، خصوصا الظرفية تحتم علينا كمهتمين وغيورين على مستقبل المغرب فتح نقاش حقيقي بغية رفع مستوى النقاش السياسي التي تكون غايته، تطوير البلاد والرفع من معيشة العباد.
فليكن هذا الرد مقدمة لحوار حقيقي بعيدا عن كل أشكال الديماغوجية، يؤسس لحوار عقلاني يقوم على أساس المقارعة الفكرية.
و قبل بداية النقاش أود الانطلاق من النقط المشتركة بيني وبينك والتي لا أظنك تختلف معي فيها. في كون المشروع الاتحادي يتجاوز منطق الأشخاص، فهو مشروع جماعي قائم على الإيمان بالتغيير وعصرنة الدولة، خلافا للتجارب التي تقوم على شخص كيف ما كان موقعه داخل المجتمع أو الدولة .فالفكرة تموت بموت الشخص أو نقص حماسه والمشروع الإتحادي أثبت أنه يتجاوز منطق الشخصنة، فرغم موت أو إنسحاب أشخاص وازنين لهم قيمة نضالية و تدبيرية بقي الإتحاد الاشتراكي شامخا بأفكاره وتطلعه للمستقبل. هذا الواقع لا يحجب علينا كدارسين أهمية الأخطاء التي وقع فيها حزب الإتحاد و التي لا تنال من حجمه، فهو كأي تجربة إنسانية معرض للخطأ.
لهذا السبب استطاع الحزب احتضان القوى المتطلعة للتغيير التي تفاعلت مع هموم الشعب المغربي لكونها منبثقة منه وليست فكرة فوقية يراد إسقاطها عليه. فتعيين حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي كانت حقا منعطفا تاريخيا في تاريخ المغرب، تحدث عنه الداخل والخارج كخطوة مغربية تنم عن إرادة قوية لمختلف الفاعلين السياسيين للسير قدما نحو تأسيس دولة القانون، والقطع مع ممارسات الماضي، لكن هذه الرغبة يبدو أنها اليوم أصيبت "بنكسة" جراء بعض المتغيرات التي حدثت والتي لا يمكن غض الطرف عنها لكونها ولدت الشعور بأن هناك من يريد إرجاع المغرب خطوتين إلى الوراء، مما جعل المتتبعين يتساءلون حول إضاعة المغاربة لفرصة تاريخية في السير نحو بناء دولة المؤسسات، وانتصار الاستمرارية على التغيير...

1- التجربة السياسة المغربية بين الاستمرارية و التغيير.
قبل البدء أود الإشارة إلى كون الأستاذ سامر القاسم عودنا على شجاعة التحليل وتسمية الأمور بمسمياتها غير أنه افتقد الشجاعة في هذا المقال، فقد تفادى ذكر الاتحاد الاشتراكي بالاسم..... فلا أحد يجادل في كون حزب الاتحاد الاشتراكي أسس نضاله على أساس الدفاع عن التوزيع العادل للثروة والسلطة بكيفية تضمن صيانة الكرامة الإنسانية و إقرار الحقوق الأساسية للمواطن، وضمان أمن الفرد وممتلكاته وصيانة حرياته الفردية والمشاركة في صنع السياسة العامة و التدخل في الشأن العام، مواجهة كل أشكال التهميش مما جعل حزب الاتحاد الاشتراكي إطارا لفئة عريضة من المغاربة الساعين للتغيير يقوم على أساس تحقيق دولة ديمقراطية قائمة على مؤسسات متصالحة مع روح العصر، هذه الرغبة قدم من أجلها المناضلون الاتحاديون تضحيات كبرى وصلت حد التصفية والتعذيب في المعتقلات السرية، هاته التضحيات لا ينتظر الاتحادين مقابلا لها، بل ينتظرون تحقيقا للحلم الاتحادي و المتمثل في دخول المغرب لديمقراطية المؤسسات.
عندما أحس الاتحاد برغبة الملك الراحل في بناء توافق يقوم على أساس انقاد البلاد لم يستطع الحزب أن يتجاهل نداء الملك الراحل للمشاركة في الحكومة كواجهة تمكنه من التدبير وتحقيق الأمل المنشود، وتجاوز الحاضر لكي نستطيع بناء المستقبل.
رغم أن العرض المقترح لم يكن يستجيب لمطالب الاتحاديين إلا أن الرغبة في إظهار حسن النية والغيرة على هذا البلد كانت أقوى، ودخل الاتحاد التجربة، مدركا أن هناك جزءا من القواعد، تحفظ على "التوافق الشفوي"، محذرا من خطورة المجازفة بشعبية الحزب، بالمقابل راهنت النخب الداعمة لدخول التجربة على قطع الطريق على الانتهازيين الذين استغلوا ظروف الصراع و اغتنوا على حساب الشعب، و أضحوا اليوم يشكلون طبقة مقاومة للتغيير.
ورغم الانتقادات الموجهة لهذا التوافق بين المعارضة بقيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والملك الحسن الثاني، فإن دلك لم يمنع من تحقيق نتائج مهمة، وأبانت عن إرادة سياسية من الطرفين لتجاوز الواقع، وبناء دولة متصالحة مع قيم العصر، وبات العالم يتكلم عن النموذج المغربي في التغيير الهادئ .
إن رغبة الإصلاح أظهرت نتائج هامة، حيث استطاع المغرب تجاوز مرحلة "السكتة القلبية" بفعل الفساد الإداري و المالي و سيادة اللاعقاب، كما مهدت لانتقال العرش من الملك الحسن الثاني إلى الملك محمد السادس في جو هادئ بفعل الإجماع الذي باتت تعرفه المؤسسة الملكية.
لقد أظهر الملك محمد السادس عقب جلوسه على العرش إرادة قوية في الدفع بحركة التغيير إلى مداها، مجددا الثقة في حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي. التي أحدث ثورة على مستوى القيم الاجتماعية، عبر الانكباب على الالتفات لنصف المجتمع ليتحرر من ثقافة الماضي، فتم إخراج خطة إدماج المرأة في التنمية التي شكلت بالفعل رجة على المستوى القيمي، رغم المعارضة الكبرى من طرف عناصر من داخل الدولة المناهضة للتحديث، حيث استعملت كل الوسائل من أجل تأليب الرأي العام ضد خطة إدماج المرأة في التنمية، حينه أظهر الاتحاديون جرأة كبرى للدفاع عن الخطة، حيث اتجه إلى توسيع النقاش، و عرف قانون مدونة الأسرة نقاشا لم يسبق أن شهده أي قانون بالمغرب. كما مكن التوافق المغرب من فتح ملفات ماضي القمع السياسي الذي طال جزءا كبيرا من المغاربة في جو سلمي.
هذه الانجازات بدأت تثير مخاوف بعض النافدين في صناعة القرار الذين سعوا "للتشويش" على جو التوافق و كان من نتائج ذلك الانحراف عن المنهجية الديمقراطية. لم يشأ حينها الاتحاد الاشتراكي كشريك أساسي في الانتقال اختيار الإجابة السهلة بالخروج من الحكومة، إدراكا من القيادة الاتحادية بخطورة ترك المجال للقوى المناوئة للتغيير، ولو اقتدى ذلك التضحية بشعبيته التي زكاها الشعب باحتلاله المرتبة الأولى خلال انتخابات2002.
إن تجربة التوافق رغم الهفوات التي عرفتها، فإنها حققت ثورة في العديد من الميادين، هاته الانجازات المحققة باتت اليوم في حاجة للحماية من أجل الحفاظ عليها كمكتسبات للشعب المغربي ببناء أرضية صلبة و التي لن تتم إلا عبر العبور من الديمقراطية التوافقية إلى ديمقراطية المؤسسات، لأن "التوافق" هو إجراء استثنائي أريد منه بناء الثقة بين الملك و المعارضة، وهو الشيء الذي تم بالفعل.
مما يجعل الاستمرار في مرحلة التوافق أمرا عديم الجدوى له أثار على المسار الديمقراطي، مما جعل الديمقراطية المغربية تتأرجح بين السير قدما و الرجوع للخلف، مما ولد لدى الإنسان المغربي شعورا بكون القوى السياسية المطالبة بالتغيير قد خذلته، و تجلى ذلك عبر عزوف جزء كبير من الناخبين عن تلبية نداء الفاعلين السياسيين.
لقد أظهر العزوف الكبير للناخبين أن هناك خللا ، و كان من الطبيعي جدا من الحزب الأكثر تضررا من هدا العزوف أن يحاول فك شفرة هده الرسالة
ولم يكن دلك بالسهولة التي تخيلها صاحب المقال، بل تطلبت الإجابة القيام بتحليل نقدي لتجربته النضالية من أجل الانتقال الديمقراطي.
مسؤولية الاتحاد كشريك أساسي في التناوب تتطلب منه الدفع في اتجاه التغيير، هذه المهمة هي التي تفسر المحك الصعب الذي بات يعيشه الاتحاد الاشتراكي، كمحرك أساسي للحياة السياسية.
إن مطالبة الإتحاد بتعديل دستوري بات ملحا للخروج من "الديمقراطية التوافق" إلى ديمقراطية المؤسسات، من خلال تمكين الأحزاب المسيرة من الصلاحيات القانونية لتطبيق برنامجها التي حصلت من خلاله على الدعم الشعبي و نترك للمواطن وحده صلاحيات المحاسب على ضوء النتائج المحققة. أما زعم الأستاذ سامر أبو القاسم بكون مطالبة الاتحاديين بتعديل دستوري يعتبر"تشويشا"، مما جعلنا نساءل الأستاذ حول مفهومه للوضوح . ألا يساهم الدستور المغربي في ترسيخ الغموض حول دور كل فاعل سياسي بشكل واضح، مما يصعب عملية التقييم و المحاسبة، و يدفع للاستنتاج أننا لازلنا لم نراوح مكاننا. إذ لازلنا أمام ثقافة سياسية تريد تغليب عنصر الاستمرارية على عنصر التغيير وجعل المسار السياسي يدور في حلقة مفرغة.

2- حزب الأصالة و المعاصرة و الدفع نحو الاستمرارية.
لو نزعنا سياق و ظروف تحالف حزب الاتحاد الاشتراكي و حزب العدالة و التنمية سنخرج باستنتاج مفاده أن هذا التحالف هجين و غير طبيعي و لا يمكن أن تتولد عنه أية حركية، على اعتبار منطلقات كل حزب على حدا. فحزب الاتحاد الاشتراكي يمثل اليسار الداعي لتحديث الدولة كسبيل لا غنى عنه لتصالح المغاربة مع قيم العصر أما حزب العدالة و التنمية، فانه حزب يمثل التيار المحافظ الداعي إ لبعث التراث ومناهضة الحداثة.
و بذلك فان حزب الاتحاد الاشتراكي و حزب العدالة و التنمية لهما تصورين متناقضين، يجعلهما يسيران في خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا و إذا ما التقيا فان هناك علامة على و جود خلل يشوب المسار السياسي و هنا قد أشاطرك الرأي فكان أولى بصاحب المقال أن يبحث عن هذا الخلل؟؟
إن الخلل يكمن في بروز تيار يحن للماضي، يريد الالتفاف حول مطلب التغيير وقيادة موجة نكوص ديمقراطي يقتضي مواجهتها، بإنشاء تيار ديمقراطي أو جبهة ديمقراطية لمواجهته. و سأكون أكثر جرأة من الأستاذ سامر أبو القاسم و سأشير لإسم الحزب " الأصالة و المعاصرة" . ألا يشير للتناقض في حد ذاته؟؟بدورنا نساءل الأستاذ العزيز ما هو الوضوح بالنسبة إليكم؟
تأمل معي يا أستاذ، فبتحليل اسم الحزب، فان المعاصرة قيمة تدعو إلى التصالح مع العصر و الأصالة تدعو للحفاظ على الموروث و الجمع بين القيمتين بدعوى الانسجام بين القيمتين سيكون حتما على حساب طبيعة الانسجام القيمي وهو نوع يهدف إلى التماهي مع كل المواقف و السلوكيات عبر توليفة لقيم ومواقف متغيرة وهو سلوك مطبوع بالانتهازية .
و إلا كيف يمكن فهم الجمع بين يساريين متطرفين و يمينيين و أعيان و تجار انتخابات، هذا الجمع لا يمكن لأحد أن يجمعه سوى شخص له دراية كبرى في حل المتناقضات.
وإذا صح التعبير، يمكن تأريخ التناقض في الساحة السياسية المغربية بتوقيت نزول الهمة إلى الفعل السياسي، فالرجل بعد أن اشرف بنفسه على الإعداد للانتخابات من موقعه كوزير منتدب في الداخلية فاجأ الكل قبل أسبوعين من التاريخ المقرر لوضع الترشيحات بترشيح نفسه في بنكرير، وحصد كل المقاعد الانتخابية ضاربا عرض الحائط القانون الذي ساهم في صياغته بدعوى أنه غير دستوري.
للأسف فان هذا التناقض يقوي من طرح الاتجاه العدمي، بدعوى أن السياسة في المغرب تتطور في اتجاه حلقة مفرغة لم يحن الوقت بعد للخروج منها. فبعد أن ظن الجميع أننا نسير في سكة الديمقراطية نفاجأ بانبعاث الأسلوب القديم في حلة جديدة، وهو انبعاث على كل حال غير مفهوم. إذ يوجد العديد من نقط التشابه بين إنشاء جبهة الدفاع عن المؤسسات و حزب الأصالة و المعاصرة و إن كان مبرر إنشائها غير مفهوم، مما يجعلنا نفسر السلوك بكونه رغبة من القوى النافدة داخل الدولة في ضبط التغيير.

3-التوجس من جبهة الدفاع عن الديمقراطية.
قد لا يختلف اثنان في كون البنى الاجتماعية للمجتمع المغربي عرفت متغيرات بفعل الانفتاح على العالم الخارجي و باتت متطلعة للديمقراطية الحقيقية التي تخول المجتمع المغربي إظهار طاقته على مستوى جميع الميادين، مما يستوجب مواكبة هذا الانفتاح بمزيد من الحرية، التي تقتدي فسح المجال للمواطن للاختيار، و تجاوز منطق الوصاية التي تحاول حركة الهمة تبريرها بدعوى مواجهة الأصولية، متناسية أن الديمقراطية قادرة على تصحيح نفسها بنفسها، و هذا مبرر على أية حال غير مقنع، بل هناك مبرر أكثر إقناعا و هو سعي فئة لضبط التغيير والمحافظة على الاستمرارية الذي يعفيها من مواجهة عواقب التحديث السياسي. ولعل هذا ما يفسر التوجس الذي لقيه مطلب حزب الاتحاد الاشتراكي بإدخال إصلاحات دستورية تروم تحقيق توازن السلط كخطوة أولى للمرور من الملكية التنفيذية إلى الملكية البرلمانية.
وخلافا لما ذهب له الكثيرون في كون حركة الهمة نشأت لمواجهة الإسلاميين، في حين هذه الحركة قامت لمواجهة القوى الحداثية، لكون مشروعها يستمد قوته من روح العصر، والدليل على ذلك، الإبقاء على الاتحاد الاشتراكي في الحكومة لضمان عدم تحرك هذا الأخير، الذي يبقى عماد أي نهضة محتملة لليسار الذي سيتقوى إذا ما تحالف مع القوى الإسلامية المؤمنة بالديمقراطية في شكل جبهة للدفاع عن الديمقراطية ستهدد مصالح الفئة الرافضة للتغيير. في الوقت نفسه خرج حزب الأصالة و المعاصرة للمعارضة لمنع تطوير أي تحالف محتمل بين القوى الساعية للتغيير.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن