الجبهة الديمقراطية – النشأة والمسار

احمد الحاج
ahmadko2000@hotmail.com

2009 / 10 / 10

الكاتب قيس عبد الكريم / فهد سليمان / المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
دار النشر: شركة التقدم العربي – بيروت، الدار الوطنية الجديدة / دمشق.
أهمية القراءة التالية في الكتاب تنبع من تاريخها السياسي والعسكري المقاوم، أسوة بالمقاومة الفلسطينية الوطنية والديمقراطية على امتداد عشرات السنين وتحديدا بعد نكسة حزيران، وتأثيرات تلك التنظيمات على مجمل العمل السياسي والعسكري.
وتميز الجبهة الديمقراطية ينبع من امتلاكها لرؤية برنامجية أسست لبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية المرحلي الذي يعرضه الكتاب لاحقا"، مما قدم لها عربيا" ودوليا الاعتراف بها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه.
تعد الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين فصيلا رئيسيا من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وتسترشد بالاشتراكية فكرا وتنتهج الديمقراطية الثورية أسلوبا وتجمع بين المقاومة المسلحة والمقاومة الجماهيرية والسياسية الثورية الوطنية وعلى هذا الأساس صاغت برامجها النضالية وصبغتها خصوصية القضية الفلسطينية واستمدت من المادية الجدلية والتاريخية ما يتلاءم مع مرحلة التحرر الوطني وأغنت الفكر السياسي الفلسطيني بالبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1974 وأجمعت عليه مجموع الفصائل المؤتلفة تحت مظلتها عام 1979.
إن هزيمة حزيران يونيو 1967 أدت إلى تغيير واضح لسياسات أخفقت في تحشيد الطاقات الحزبية والتنظيمية الشعبية لصالح التناقض مع العدو الصهيوني والتي أدت بالضرورة لتبلور مفاهيم أخرى قادرة على تفهم الواقع الحي وظروفه وبالتالي إيجاد البرامج التي تضمن هذه الواقعية السياسية والتنظيمية الوحدوية الفلسطينية.
ومن الحركة القومية وتداعيات برامجها خاصة بعد هزيمة 1967 تبلورت انطلاقة اليسار الفلسطيني ردا" على الهزيمة وقصور برامج القومية العربية.
كتاب الجبهة الديمقراطية-النشأة والمسار بصفحاته المئتين وست وتسعين من القطع المتوسط يبرز الضرورة التي أدت إلى استقلال اليسار الفلسطيني المسلح عن أحزاب الحركة القومية.
ومن عناوين الكتاب : الانطلاقة والمؤتمرات الوطنية - الخط السياسي- التنظيم إضافة لملحق تتوسطه العناوين.
حيث تناولت الانطلاقة والمؤتمرات الوطنية وعام التأسيس في 22/2/1969 كفصيل يساري مسلح مستقل رداً على نكسة حزيران 1967 وبديل فكري يساري ديمقراطي البرنامج يضع باعتباره خصوصية القضية الفلسطينية من واقع موضوعي كما يذكر بعض المؤسسين الأوائل للجبهة، ويستعرض كافة المؤتمرات الوطنية لها من آب / أغسطس 1970 وحتى أيار / مايو 1998، وعددها سبعة مؤتمرات وطنية عامة.
ويبرز الكتاب محطة هامة لا على صعيد الجبهة فقط بل على الصعيد السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية بين أعوام 1971 – 1981، التي تم فيها إقرار البرنامج المرحلي "برنامج النقاط العشر" الذي غدا برنامج الإجماع الوطني في العام 1979 وثبت بنفس التاريخ في دورة المجلس الوطني الفلسطيني الرابعة عشر ولا بد من إظهار نقطة هامة في أساس البرنامج المرحلي تقول:"إن تجريد عملية التشكل القومي للشعب الإسرائيلي من سماته الاستعمارية – الاستيطانية والعدوانية الغاصبة وتحريرها.. تتطلب دحر المشروع الصهيوني وإنجاز الحل الديمقراطي وتكريس المساواة القومية في فلسطين ديمقراطية موحدة."
قد يكون هذا هو هدف النضال بأشكاله كافة وعنواناً لحل القضية الفلسطينية، واستمراراً للتحضير والعمل لإنجاز الهدف الثاني ويحدده الكتاب في الصيغة الأكثر نضجاً وهي إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة حزيران / يونيو 1967 وعاصمتها القدس وعلى مبدأ حق العودة وتقرير المصير.
وبذات الاتجاه يبرز الكتاب الأهمية الفائقة التي طرحتها الجبهة الديمقراطية منذ تأسيسها وحتى اللحظة للوحدة الوطنية الفلسطينية، عبر انخراطها في عضوية المجلس الوطني في دورته السادسة أيلول / سبتمبر 1969، ومشاركتها بعضوية اللجنة التنفيذية، وتقدمها بمشروع وحدوي للقوى الوطنية كافة للانضواء تحت سقف "جبهة تحرير وطنية موحدة". ولأهمية وضرورة الوحدة الوطنية أبرز الكتاب موقعها في فكر الجبهة الديمقراطية السياسي على امتداد العقود الثلاثة مع تحديد العناصر البرنامجية في الخط السياسي للجبهة : بدأ من المسألة الوطنية الفلسطينية مروراً باتفاقيات أوسلو وتعارضها مع البرنامج المرحلي إلى عناصر البديل الوطني، كما يستعرض تنظيم الجبهة الديمقراطية وتكوينه التنظيمي الداخلي وسبل آلية عمل هيئاته الحزبية.
وفي ملحق الوثائق وعددها أثنتا عشر صنف ما بين بيان وبلاغ ونداء واتفاق وفي عرضه تناول خبرات الجبهة الديمقراطية على امتداد عقود ثلاثة من النضال والعمل الدؤوب باتجاه تحقيق الأهداف التي تلبي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وفي بداية الانطلاقة يحدد الكتاب الثوابت الأساسية وخلفيتها السياسية لمؤسسي الجبهة الديمقراطية، ويذكر بأنهم قادة وكوادر الجناح اليساري في فرع حركة القوميين العرب الفلسطيني – الأردني واندماج منظمات وكوادر تقدمية من أصول بعثية وناصرية ومنها المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين، عصبة اليسار الثوري، كوادر من الجبهة الثورية الشعبية وشخصيات بارزة عربية منها الكاتب المسرحي سعد الله ونوس والروائي الكبير عبد الرحمن منيف والمفكرين محمد كشلي، د. صادق جلال العظم وآخرين وردت أسماءهم في الكتاب.
وفي المراجعة والتقييم يذكر الخطأ الكبير الذي وقعت فيه الجبهة في السنوات الأولى لتأسيسها وموقفها من الصراع بين المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني. ويحدد الخطأ ( خطأ يجمع بين الشطط اليساري والخلل المنهجي في تحديد رؤية ووظيفة المقاومة الفلسطينية في الأردن بزجها طرفاً رئيسياً في الصراع على السلطة). ومن خلال المراجعة النقدية لأسلوب العمل والتعاطي مع الوضع الأردني ونقد الأسلوب والطريقة، شرع هذا النقد في تلمس آفاق جديدة للعمل السياسي والعسكري. وتبلور البرنامج المرحلي بشكله الحالي في آب / أغسطس 1973، الذي أصبح برنامج ائتلاف منظمة التحرير والشعب الفلسطيني بعد حرب تشرين / أكتوبر 1973 في دورة المجلس الوطني بالإجماع حزيران / يونيو 1974. هذا النقد الموضوعي والذي لامس بشفافية سبل وطرق العمل القادمة أظهر أن هزيمة المقاومة في الأردن ستفتح الباب على مصراعيه نحو تسوية عربية – إسرائيلية للصراع (تسوية مصرية / أردنية – إسرائيلية على قاعدة مشروع روجرز)، وفي البناء المنهجي لتنظيم ثوري وجماهيري: يشير الكتاب لرؤية الجبهة الجديدة حول مهمات النضال الفلسطيني في الأردن إلى جانب بناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، كما ينتقل بنا للاستحقاقات الوطنية الكبرى مابين الأعوام 1982-1992 في المقدمة منها وثيقة عدن التي شكلت قاعدة أساسية لدورة المجلس الوطني الفلسطيني السادسة عشر 14-22/ 2 / 1983 ونتائجها التي رسمت معالم سياسية وطنية مبدئية كما دمقرطة منظمة التحرير الفلسطينية كما قدم قراءة في نتائج الانتفاضة الأولى 1987 التي أحدثت انعكاسات خلافية على صعيد العلاقات العربية الفلسطينية ومنها يشير إلى قرار الحكومة الأردنية في 31/7/1988 بفك العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة الفلسطينية (الغربية).
في نهاية فصل خبرة ثلاثة عقود من النضال يفرد الكتاب ملحقا" للوثائق عددها تسعة، وفي فصل استقلال اليسار والأحزاب القومية التقليدية خصص فيه البيان السياسي الصادر عن اللجنة التنفيذية لحركة القوميين العرب 10/2/1969 ومن أهم عناوينه : اليسار يعلن تصفية حركة القوميين العرب شكلاً ومحتوى، كما تتطرق البيان للخلافات الداخلية التي نشبت عقب نكسة حزيران، حيث فصل هذه الخلافات والمتعارضات الطبقية بين البرجوازية العربية الوطنية وبين الأحزاب الشيوعية وعدم تمكن الأخيرة من لعب أي دور تاريخي يصعد نضالها نحو مستوى طبقي وأيديولوجي.
وتناول الكتاب ظروف حركة القوميين العرب في البلدان العربية وانفصال اليمين البرجوازي واليسار وفصَل الأسباب الخاصة بكل بلد عربي على حدة والتطور الذي حصل على القوى اليسارية ودورها ضمن مجتمعاتها.
عام 1968 يتناوله لجهة بروز اليسار الفلسطيني واختراقه لطوق العزلة المفروض على فرع الحركة الفلسطينية ومؤتمره القطري في آب / أغسطس 1968، حيث قدمت العناصر القيادية اليسارية جملة وثائق تحليلية للمدلولات الطبقية السياسية لنكسة حزيران وبروز اليسار المتطرف ورفضه لقرارات المؤتمر والذي أدى لاحقاً إلى انتصار حاسم لليسار تنظيمياً داخل صفوف الحركة.
وفي الفصل الأخير البيان التأسيسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
هذا الكتاب يعتبر نافذة تطل على أهم محطات الجبهة الديمقراطية ضمن إطار ومسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية، ويقدم سياسة الجبهة وتأثيراتها على السياسة منذ نشأتها وحتى يومنا.





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن