خطأ قاهر:الأضاحي

أنسي الحاج

2009 / 10 / 6


تحكي الأساطير كيف أن أغلى القرابين تَرْخص أمام المرجوّات الكبرى. وفي الأساطير أيضاً أن أسوأ ما قد يحصل، أضاحٍ تُسْفَح لقاء لا شيء. أو يكون ما بعدها أشدّ بؤساً وظلماً ممّا كان قبلها. ولعلّ الكفر بالأوثان قد انبثق من الشعور بهذا الهباء.
كثيرون منّا، إن لم نكن جميعنا، سُفحوا قرابين ذات يوم أو هُم سَفَحوا أنفسهم، والأوفر حظّاً بينهم أولئك الذين كُتبت لهم حياة ثانية بعد المحرقة. وأمّا الذين يُرْمون ويظلّون مرميّين فلا يستطيع شيء ولا أحد أن يخفّف عنهم وطأة القهر. القربان الصغير السنّ قهرُهُ أنّه قُطف باكراً عن غصنه، والقربان الكبير السنّ قهرُهُ أن ماضيه لم يشفع له فضاع كلّ شيءٍ بين الأشداق. تبقى الضحيّة التي لا تُسلّم بهذا ولا بذاك من مبرّرات التضحية بها، تلك التي تتوهّم أن التقادُم يمنحها حقوقاً مقدّسة، وأن نهر العطاء الذي ساهمت به لا يمكن أن يأتي على دورها فيه تقصيرُ شيخوخة أو عجزُ مَرَض، فالإنسان ليس ليمونة تُعْصَر وتُرمى، والمكافأة على بذله حياته لا يحدّها راتب شهري ولا «تعويض» لا يعوّض في الواقع إلاّ ما يعوّضه المسكّن على المريض أو النزهة في باحة السجن على السجين. لشدّ ما تُصْعَق هذه الفئة من الطوباويين حين يأتيها خبرها بقرار، فترى حياتَها أمام عينيها كومةَ أوهام، وكم كان الواحد مخدوعاً بأمان الأيام، مطمئنّاً إلى غدٍ يملك مصيره سواه كما يمتلك مصير سواه هذا، سواه، إلى آخر سلسلةِ الملاّكين ضمن الطاحون الكوني العملاق، الطاحون الدهري الحديث المستحدث على الدوام، الطاحون الذي يلتهم الأعمار وهو يُقْنعها بأنه يُغذّيها، ويقذف إلى العدم بمَن يَستهلك قَذْفَ «القانون» و«المصلحة العامّة»، ويوهم مَن يستبقيهم في خدمته بأنهم مميّزون، ثابتون على الزمان، سادةٌ على المصائر.
لا فائدةَ من القول إن العلّة في النظام. ولا فائدةَ من كلّ الثورات على النظام. إنه الواقع الذي تتغلّب فيه شريعة رأس المال، كان مذ كان، وما زال مستمرّاً مع مزيدٍ من التكيُّف والتطوّر.
وإذا لم يُسفح دمكَ على مذبح تصفية الأعمار سُفح أمام مقتضيات «النجاح»، أشدّ أنواع السباق توحُّشاً.
وأفظع ما في الأمر أنّنا لا ننتبه إلى الأضاحي إلّا بعد فوات الأوان... كأنها الحياة تريدنا أن نتّعظ ضدّ ما تُعلّمنا إيّاه الأخلاقيّات، وتُكرهنا إكراهاً على الذَأْبَنة، وإن لم نستطع، فعلى المرارة، وإن لم نستطع، فعلى الاستسلام.
ولماذا نتظاهر بالدهشة؟ كلّنا ذات يومٍ كنّا ضحايا وكلّنا كنّا جلّادين ودسنا على ضحايا. مع الاعتذار للذئاب، التي لم يعطها اللّه عقلاً تسمو به ويقال إنه لم يضع فيها النفحة التي وضعها من روحه في الإنسان، ومع هذا أبطلتْ مفعولَ المثلِ الذي اخترعهُ البشر «إن لم تكن ذئباً أكلَتْكَ الذئاب». وصوابه «إن لم تكن ذئباً أكلكَ البشر». وصواب الصواب «حتّى لو كنت ذئباً أكلكَ البشر»، بمَن فيهم المبشّرون بالقيم والفضائل. وهذا منذ القِدَم. ومع الصقل والتصفيح جيلاً بعد جيل. والرجاء عدم إرسال أكاليل.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن