الانتماء العقلى و الانتماء العاطفى - دراسه للأسباب و النتائج

راضى وديع خليل

2009 / 10 / 6

لايضاح أهمية مراجعة مسألة الانتماء فى بلادنا فسوف نميز بين نمطين من أنماط الانتماء هما الانتماء العقلى و الانتماء العاطفى,و ذلك على النحو التالى :-
ان المنتمين للأفكار(العقائد و الأيديولوجيات مثالاً) و للكيانات(القوميات و الأوطان والأنديه الرياضيه مثالاً)يتفرقون بين نوعين من البشر لكل فريق منهم خصائصه التى تميزه,سوف نوضح ذلك فيما يلى :-
1-الانتماء العقلى:أصحابه هم أفراد عقلانيون موضوعيون قد بنوا انتماءاتهم وفق معايير علميه(انتماء يحقق صالح المُنتمِى و المُنتمَى اليه على التوازى)مستفيدين من مخرجات الفلسفه و مستجدات العلم التجريبى .

2-الانتماء العاطفى:أصحابه هم أفراد انفعاليون تقليديون,قد خضعوا لمؤثرات البيئه المحيطه و ما اكتسبوه من معارف و خبرات هزيله,و ما تعرضوا له من تضليل الدعايه و الشائعات, يصرون على الاستمرار فى انتمائهم رغم اكتشافهم لنقاط الضعف الواضحه فيما ينتمون اليه.

الأسباب و البواعث:-
أولا-مرجعية المنتمين عقليا:
أعتقد بأن مرجعية هؤلاء هى مخرجات الفلسفه و مستجدات العلم ,و يمكننا فى هذا المقام أن نلقى نظره على (البراجماتيه-الليبراليه)كمرجعيه و طريقة تفكير-لذا يلزم تقديم التعريفات.
أ-البراجماتيه:هى تيار فلسفى أنشأه تشارلز بيرس و ويليام جيمس,و تعرّف بأنها اسم جديد لبعض الأساليب القديمه فى التفكير, فقد أدمجت منهجين فى التفكير الفلسفى هما الأبيقوريه و السوفسطائيه على الوجه التالى:- الأبيقوريه: تدعو الى أن غاية الحياه هى اللذه وأن العقل و العلم و الحكمه هم وسائل لتحقيق هذه الغايه و لو كان ذلك على حساب الأخلاق, فهى تعتبر أن اللذه هى خير فى حد ذاتها,و يقول أبيقور: أن هدف الفلسفه هو تحريرالانسان من الخوف من الغيبيات و يلزم الانسان لتحقيق اللذه(للجسد=الاعتدال فى النهل من اللذات,للنفس= تأمين النفس ضد المخاوف بالتماس كل السبل العقليه الممكنه للطمأنينه بهدف طرد الخوف من الغيبيات).أما السوفسطائيون فقد كانوا طبقه من المعلمين الرحل انتشروا فى اليونان فى القرن الخامس قبل الميلاد ,و تدعو السوفسطائيه الى:أن الانسان الفرد هو معيار المعرفه و هو مقياس وجود ما يوجد و عدم وجود ما لا يوجد, و هو دائما يسعى لتحقيق مصلحته,و تقر بأنه عندما يدرك بعقله و حواسه حقيقة ما فهذه هى الحقيقه الخاصه به(نسبية الحقيقه),و بذلك تختلف الحقيقه من شخص لآخر,فما تراه حقيقيا هو الحقيقه حتى اذا اختلفت مع ما أدركه الآخر. و بذلك تكون البراجماتيه هى اتخاذ الفرد للمنافع الأبيقوريه(اللذه و الطمأنينه) ليتم تسويغها بوسائل سوفسطائيه(نسبية الحقيقه-الاعتداد برأى الفرد),و هى بذلك لا تعترف الا بالخبرات الناجحه للفرد و ما استطاع أن يثبته عمليا على أرض الواقع.

ب- الليبراليه :تدعو للحد من استبداد الدوله(كل دوله) واستبداد المؤسسه الدينيه(لكل دين) لصالح توفير مساحه أرحب من الحريه للفرد باعتباره كائن خيّر عقلانى,
فالمجتمع الليبرالى الذى يكفل و يحمى حرية الفرد فانه يساعده فى التعبير عن نفسه و تحقيق ذاته بالطريقه التى يراها فينمى ذاته معرفيا ليصل لاتباع منهج عقلي فى التفكير ينقذه من أسر القوالب الجامده و المسلمات التى لا تقبل النقاش ,لتتكون لديه حاسة النقد و الفكر الحر فيزدهر الابتكار و تشتعل المنافسه فى ظل تكافؤ الفرص و معيار الجداره بما يؤدى الى تحقق صالح المجتمع على التوازى مع صالح الفرد.أما اذا مارس الفرد الحريه الانفلاتيه فيخصم الفعل المتسبب فى الضرر من حيز الحريه لصالح حيز القانون . من أبرز مفكرى الليبراليه جون ستيوارت مل.

و الخلاصه: أن الحقيقه لدى هؤلاء القوم هى حقيقه نسبيه ترتبط بالفرد الذى أثبت صحتها و نجاحها فى التطبيق العملى فحققت له اللذه=المقابل المادى الذى يفى باحتياجاته و يفيض,و الطمأنينه=المقابل المعنوى المتمثل فى المكانه فى المجتمع الذى تبادل معه المنافع فصار عضوا هاما فيه يأمن على يومه و مستقبله.

ثانيا-مرجعية المنتمين عاطفيا :
أعتقد بأن مرجعية هؤلاء هى مزيج من الغيبيات و العادات القديمه التى يوقرها المجتمع فتؤثر على الفرد (العقائد الدينيه-العرف-العادات و التقاليد-الدجل و الخرافات).أبرهن فيما يلى بأمثله واقعيه تدلل على غياب الوعى و تخدير العقل الحاكم لمسألة الانتماء لدى هؤلاء القوم:-

المثال الأول-مداومة الانتماء لوطن يجور على حقوق أتباعه والمنتمين له و ينكل بهم ولا يحقق سوى لهم سوى الاحباط و الشعور بالمراره و سوء الطالع لكونهم ولدوا على أرض هذا الوطن فاكتسبوا جنسيته,أو الانتماء لزعيم وطنى يخدع أتباعه بالشعارات و يغرر بهم .

المثال الثانى- الاصرار على الانتماء لدين يتراجع بسرعه اذا قورنت مبادئه بغيرها من تعاليم الأديان الأرقى,و يتضاءل أمام مكتشفات و منجزات العلم الحديث التى ترفع عنه غطاء المصداقيه و تبرز تهافته,أو انكشاف حقيقة رموزه اذا لم يعد الحاكم فى احتياج لهم.

المثال الثالث-الاستمرار فى الانتماء لفريق كرة القدم الأول لأحد الأنديه الرياضيه رغم تراجع أداءه وخسائره المتتاليه و عدم تحقيقه لأية بطولات محليه لسنوات طويله,و انعدام فرص تقدمه الراجع لتضارب قرارات مجلس ادارته.

و الخلاصه:أن الحقيقه لدى هؤلاء القوم هى حقيقه مطلقه يدعون احتكارها لأنفسهم و هى فى ذات الوقت لا سبيل لاثباتها أو قياسها عمليا,و لا يكلف هؤلاء أنفسهم مشقة المراجعه المرحليه لمدركاتهم,فهم على صواب مطلق و غيرهم على باطل مطلق أيضا.و مع ذلك يبذل المخلصون من الاصلاحيين قصارى جهدهم لتغيير هذه الثقافه الضحله التى أوردت هؤلاء موارد التهلكه و جعلت أممهم ترزح تحت نير التخلف و التبعيه لقرون .ليتهم ينتبهون فيعترفون أولا بأن ما قادهم الى التخلف و الهوان هو خطأ,و أن ما قاد غيرهم الى الرفعه و التقدم هو الصحيح الذى يتحتم انتهاجه .










https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن