اسباب نزول الايات القرانية

كامل علي
kamilali19@gmail.com

2009 / 9 / 25

يقول المفسّر جلال الدين ألسيوطي في كتابه لباب ألنقول في أسباب ألنزول مايلي:
لمعرفة أسباب ألنزول فوائد وأخطأ مَنْ قال لا فائدة له لجريانه مجرى ألتاريخ ومن فوائده ألوقوف على المعنى أو أزالة الإشكال. قال ألواحدي: لا يمكن معرفة تفسير ألآية دون ألوقوف على قصّتها وبيان سبب نزولها وقال أبن دقيق ألعيد: بيان سبب ألنزول طريق قوي في فهم معاني ألقرآن ويقول أبن تيمية: معرفة سبب ألنزول يساعد في فهم ألآية وإنّ عِلْم ألسبب يورث ألعِلَم بألمسائل، وقد أشكلَ على جماعة مِنْ ألسلف معاني آيات حتّى وقفوا على أسباب نزولها فزالَ عنهم الإشكال، وقال ألحاكم في علوم ألحديث: إذا أخبَرَ ألصحابي ألّذي شهد ألوحي وألتنزيل عن آية من ألقرآن أنّها نزلت في كذا فإنّه حديث مُسنَد ومشى على هذه أبن ألصلاح وغيره ومثلّوه بما أخرجه مسلم عن جابر قال: كانت أليهود تقول: من أتى أمرأته مِن دبرها في قبلها، جاء ألولد أحوَل فأنزل ألله (( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ))...سورة ألبقرة،ألآية 223.
تنقسم ألآيات ألقرآنية إلى قسمين، ألقسم ألأول لا نجد له سبب للنزول كقصص ألأنبياء وكقوله تعالى ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ))...سورة ألنساء ألآية 125، أمّا ألقسم ألثاني فإنّ لكل آية فيه سبب للنزول، ومن هذه ألأسباب أسئلة وجّهَت إلى محمّد مِن قِبل ألمسلمين أو ألمسيحيين أو أليهود أو ألمشركين. هنالك أسباب أخرى لنزول بعض ألآيات منها ألأحداث ألّتي وقعت في فترة بعثة محمّد كالحروب وأحداث متعلّقة بسيرة محمّد كزيجاته وكذلك أحداث متعلّقة بألمسلمين وألمنافقين وألمشركين، كما أنّ بعض ألآيات نزلت نتيجة لإعتراض أو أقتراح بعض ألصحابة، إنّ ألدارس للقرآن لا يتمكّن من فهم بعض ألآيات بدون معرفة سبب نزولها، يقال في ألأمثال: إذا عرف ألسبب بطل ألعجب.
لنضرب بعض ألامثال لأسباب نزول بعض ألآيات ألقرآنية:
- روى ألبخاري وغيره عن عمر بن ألخطّاب قال: وافقت ربي في ثلاث، قلت يارسول ألله لو أخذت من مقام إبراهيم مصلّى فنزلت ألآية (( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )) سورة ألبقرة، ألآية 125، وقلت يارسول ألله إنّ نساءك يدخل عليهنّ ألبر وألفاجر فلو أمرتهنّ أنْ يحتجبن فنزلت آية ألحجاب، وأجتمع على رسول ألله نساؤه في ألغيرة فقلت لهنّ عسى ربّه إنْ طلّقكنّ أنْ يبدلّه أزواجا خيرا منكنّ فنزلت كذلك.
لا نستطيع ألتحقق من صحّة هذه ألرواية بعد مرور أكثر من 1400 سنة عليها ولكن إذا كانت صحيحة فإنّ هذه تعني أنّ عمر بن ألخطّاب كان له تأثير مباشر في نزول بعض ألآيات ألقرآنية وأنّ بعض ألآيات ألقرآنية نزلت نتيجة أقتراح وتدخّل بعض ألصحابة، وهذا ألأمر يتعارض مع علم ألله وحكمته وألقول بأنّ ألقرآن كان مكتوبا في أللوح ألمحفوظ قبل وحيهِ إلى محمّد.
- مثال آخر، أعتراض ألشعراء على آيات محمّد: أخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم من طريق ألعوفي عن أبن عبّاس قال: تهاجى رجلان على عهد رسول ألله(ص) أحدهما من ألأنصار وألآخر من قوم آخرين، وكان مع كلّ واحد منهما غواة من قومه وهم ألسفهاء فأنزل ألله : ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ))...سورة ألشعراء ألآية 224. وأخرج أبن أبي حاتم نحوه، وأخرج عن عروة قال: لمّا نزلت ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)) إلى قوله (( وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ))...سورة ألشعراء ألآية 226 قال عبدألله بن رواحة: قد عَلِم ألله أنّي مِنهم، فأنزل ألله (( إلّا ألّذين آمنوا...)) إلى آخر ألسورة.
وأخرج أبن جرير وألحاكم عن أبي حسن ألبراد قال: لمّا نزلت ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ))، جاء عبدألله بن رواحة وكعب بن مالك وحسّان أبن ثابت فقالوا: يا رسول ألله، وألله لقد أنزَلَ ألله هذه ألآية وهو يعلَم أنّا شعراء، هلَكْنا، فأنزلَ ألله (( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ۗ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )) ألآية 227، فدعاهم رسول ألله(ص) فتلاها عليهم. نستنتج من هذه ألرواية أنّ آية أستثناء ألشعراء ألمؤمنين مِن الّذين يتبعهم الغاوون والّذين في كلّ واد يهيمون نزلت بعد أعتراض مجموعة من الشعراء ألمؤمنين على ألآية.
- مثال على أعتراض ألنساء على آيات محمّد: أخرج عبدألرزاق وسعيد بن منصور والترمذي والحاكم وأبن أبي حاتم عن أم سلمة أنّها قالت: يارسول ألله لا أسمع ألله ذكر ألنساء في ألهجرة بشيء فأنزل الله (( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ )) سورة آل عمران ألآية 195.إذا كانت هذه الرواية غير ملفقّة فإنّ أم سلمة تُعتبر أول أمرأة تدافع عن حقوق بني جنسها في تاريخ ألإسلام.
- مثال على كون آيات محمّد صالحة لعصر مُعيَّن: أخرج ألواحدي من طريق عطاء أبن عبّاس قال: لمّا نزلنا ألحديبية ( عندما اراد محمّد والمسلمون ألحجّ قبل فتح مكّة فمنعهم قريش عن ذلك) جاء كعب بن ألهجرة تنثر هوام رأسه على وجهه فقال يارسول ألله هذا ألقمل أكلني فأنزلّ ألله في ذلك ألموقف (( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))... سورة ألبقرة، ألآية 196. ألتساؤل ألّذي يرد على ألبال، هل أنّ وجود ألقمل في رأس أحد ألمسلمين يستوجب نزول آية من قبل ألله؟ إنّ ألله وحسب ألمنطق لا يوحي الى نبّي لحالة خاصّة بأحد ألمسلمين، ثمّ أنّ وجود ألقمل في شعر كعب بن عجرة لا يستوجب آية من ألله لأنّ ألآيات ألقرآنية هي دستور لكل ألبشر ولجميع ألأزمان، إنّ ألطب وألعلم والصحّة ألوقائية في تقدّم مستمر بعد أختراع ألصابون والشامبو وألأدوية ألمختلفة فألقمل ألذي يعشعش في رؤوس ألبشر سينقرض في ألمستقبل، ثمّ أنّ وجود ألقمل في رأس هذا ألمسكين أليس ألسبب فيه شحّة ألماء في صحراء شبه ألجزيرة ألعربية حيث كان ألمسلمون يضطرّون للتيمم بدلا من أستعمال ألماء للوضوء؟
هنالك مئات من ألأمثلة كألّتي ذكرناها حول أسباب نزول ألآيات ألقرآنية وكلها تشير إالى أنّ بعض ألآيات نزلت لحالات خاصّة ولا تهمنّا أو تعني شيئا لنا نحن أناس ألقرن ألواحد وألعشرين فكيف بأناس ألقرن ألثاني وألعشرين أو ألثالث وألعشرين؟
إنّ نزول ألوحي أستنادا على روايات أسباب ألنزول شبيهة بكتابة دستور من قبل لجنة مشكلّة لهذا ألغرض فقسم يكتب مسوّدة وقسم آخر يقدّم أقتراحات لتعديل بعض ألمواد وقسم آخر يقترح أضافة بعض ألمواد وقسم آخر يقول بأستثناء بعض ألفئات من حكم بعض ألمواد وعقولنا في إجازة مما جرى ويجري بأسم ألله، وألله بريء مما يدّعون.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن