إعادة تأهيل العقلية المصرية

إيهاب نصيف
contact@pressegypt.com

2009 / 9 / 4

حال الشعب المصرى لا يسرعدو ولا حبيب. الجميع تحت المطرقة، وإن إختلف نوع وحجم ووزن المطرقة، إلا أنها تهوى على رؤوس الجميع بلا إستثناء. الفقير يعانى من قلة الطعام، والغنى يشكو من إستغلال أصحاب المصالح والمنتفعين. موظفى الطبقة المتوسطة يشكون من قلة الدخل وغلاء الأسعاروتدهورالتعليم المجانى والرعاية الصحية، وموظفى الطبقة العليا يشكون من تفشى الوساطة والرشوة. القبطى يئن من التمييز الطائفى والإضطهاد الدينى، والمسلم يخشى إطلاق ذقنه لئلا يُفتح له ملف فى أمن الدولة. الغلابة الذين ليس لهم ظهر يحميهم يصرخون من سطوة أصحاب النفوذ وبطش ضباط الشرطة، وضباط الشرطة يعانون من تسلط القيادات الأعلى. القيادات الحكومية تمارس ما تمليه عليها القيادة السياسية، والقيادة السياسية منهكة من كثرة الصراعات والمواجهات مع الإرهاب والإنفلات الأمنى والفساد الداخلى والإقتصاد المتدهور والتدخلات الخارجية. ناهيك عن الزحام الذى خرج عن السيطرة والتلوث البيئى والسمعى والبصرى والأخلاقى، و...و...و.


والحل فى نظر الإخوان هو الإسلام، وهذا يقتضى خلع الرئيس الحالى ومبايعة آخر من أفراد الجماعة، فيرعى شئون المسلمين ويجدد عهد الخلافة. أما بعض نشطاء الأقباط من الحقوقيين فيرون أن حل مشكلاتهم يتمثل فى مجموعة من القرارات تصدرعن القيادة السياسية تضمن الحصول على حقوقهم ومعاقبة المُضطهدين وتعيين نسبة محددة من المسيحيين فى المناصب الحكومية. والفقير يطلب مالاً وطعاماً، والموظف يطلب دعماً وتطويراً للخدمات الحكومية. والنشطاء الحقوقيون عامةً يرون أن الحل يكمن فى التغيير. وكلمة "التغيير" التى أصبحت تتكررُ كثيراً هذه الأيام المقصود بها تغييرالقيادة السياسية، أى رحيل الرئيس الحالى وتنصيب آخر. وبعض المدونين ممن وجدوا فى شبكة الإنترنت ملاذهم إتخذوا من مدوناتهم مواقع هجومية، وطافوا يطلقون قذائفهم الكلامية والسبابية والتشهيرية فى إتجاه الحاكم وعائلته وأجهزته.
وهكذا أيها القارئ الكريم نرى مما سبق أن الحل فى نظر فئات الشعب المختلفة يتبلور فى محورين، الأول يتبنى الفكر القائم على ظهور البطل الأوحد على ظهر جواده الأبيض، فيستل سيفه اللامع ويقهر الأعداء ويرد لكل ذى حقٍ حقه! أو بمعنى أدق الإعتماد على شخص صالح يتولى زمام الأمور ويصلح المكسور. فإن أتى الصالح فخير وبركة وإن أتى الطالح فعليه العوض! لازال معظمنا للأسف الشديد يسير على نهج تبعية الجماعة للفرد الواحد الذى له الحكم المطلق، أما الجماعة فلا حول لها ولا قوة وتحت رحمة ذو السلطة. أما المحور الثانى فهو إنتقامى بحت ويميل إلى التطرف، ولايتبنى أو يقدم حلولاً بعينها وإنما يسعى إلى الفضح والتشهير والصراخ والسباب كرد فعل طبيعى لما يعانيه أصاب هذا المفهوم من تعنت وتسلط بعض أجهزة أو أفراد من الدولة.

والحقيقة أن لاهذا ينفع ولاذاك. فالحل ليس فى رحيل الدكتاتورالفاسد وقدوم الدكتاتورالصالح. وإلا من سيضمن أن الصالح لن يعقبه آخرٌ فاسد، حتى وإن أصلح الدكتاتور فإن مبدأ سلطة الفرد الواحد مازال راسخاً ومبدأ النظام المؤسسى الجمهورى الديمقراطى والذى لايسمح بخليفة الحاكم بتجاوزه والإنفراد المطلق بالحكم لايزال غائباً. أما سياسة الفضح والتشهير فهى تزيد الأمر سوءاً، فلكل فعل رد فعل، والعنف يولد عنفاً، والكراهية تولد كراهية أشد. السلطة تتعنت فيكره الأفراد السلطة فيسب الأفراد السلطة ويُحرض الأفراد بقية الشعب على كراهية السلطة وهذا بالتبعية يقود السلطة إلى إتخاذ إجراءات أكثر صرامة وحدة لمواجهة موجات الكراهية وتأليب الرأى العام، فينشغل الشعب والسلطة معاً فى مهاترات ومصارعات لاطائل من ورائها سوى المزيد من الخراب والتهتك فى نسيج الأمة.
لماذا تتمتع الدول الغربية بمناخ سياسى حر وثراء إقتصادى؟
هل لأن رؤساء تلك الدول صالحين خيرين يبغون مصلحة الوطن ويعملون لوجه الله؟ إطلاقاً فلا يوجد إنسان واحد صالح على وجه الأرض. الولايات المتحدة الأمريكية، أقوى إقتصاد فى العالم ومعقل الحرية، معظم رؤساءها السابقين أمثال كينيدى ونكسون وريجان وكلينتون وُصموا بفضائح وأخطاء سياسية وأخلاقية وهم على قمة السلطة، ولم يؤثرهذا على مناخ الدولة ولاعلى تقدمها ولاإزدهارها. والرئيس الفرنسى ساركوزى ترك زوجته وتزوج بعارضة أزياء، ورئيس الوزراء الأسترالى كيفن رد شوهد وهو يرتاد إحدى البارات المشبوهة. والعشرات غيرهم من رؤساء تلك الدول والذين لم يتمتعوا لابالبر ولابالصلاح إلا أن هذا لا نجده يؤثر بالضرورة على مصائرشعوبهم وبلادهم. فالرئيس فى تلك الدول هو عبارة عن موظف لدى المؤسسة الحكومية القومية التى تخضع لنظم وقوانين شديدة الصرامة ولاتسمح بالإنفراد المطلق للحكم أو تداخل الصفات الشخصية للحاكم مع إدارة البلاد ونموها.


هل يملكون من القدرات العقلية ما يفوق القدرات العقلية المصرية؟ أبداً، إستشهاداً بمجدى يعقوب وذهنى فرّاج وأحمد زويل وفاروق البازأستطيع أن أقول وبملئ الفم أن هذه خرافة ولاسند علمى لها ولاتاريخى.
هل يملكون من الموارد الطبيعية والبشرية ما يفسرالقوة الإقتصادية الهائلة التى يتمتعون بها؟ دول الخليج تملك ٨٠% من إحتياطى بترول العالم، وعلى الرغم من الثراء الفاحش الذى تدره عليهم عوائد البترول، إلا إن تلك الدول ليس لها وجود يُذكر على الخريطة الإقتصادية الدولية. كذلك مصر، وإن كانت لاتملك هذا الكم من البترول إلا أنه يخطئ من يظن أن مصر فقيرة! مصر لديها من الموارد الطبيعية والبشرية ما يكفى للإستهلاك المحلى ويفيض، هذا بخلاف عوائد السياحة وما تدره قناة السويس من إيرادات خيالية. وموارد مصرالطبيعية والبشرية تفوق ما تملكه دول غربية كبرى مثل إنجلترا وألمانيا وفرنسا وغيرهم.
الحل الوحيد للنهوض بمصر يتطلب إعادة تأهيل الفرد المصرى لكى يتمكن ليس فقط من إستيعاب المعنى الحقيقى لمفاهيم الحرية والمساواه وقبول وإحترام الآخر مهما كانت عقيدته أو فكره أو نوعه بل وأن يتحمل أيضاً مسئولية تطبيق هذه المفاهيم على المستوى الشخصى من خلال التعاملات اليومية الصغيرة منها والكبيرة. فى صياغة أخرى يمكننى أن أقول، إن صح التعبير، إعادة برمجة العقلية المصرية لتقبل فكرة المساواه بين كافة البشر وتبنيها وتطبيقها فى المنزل والشارع والعمل. يتحتم علينا أن نتخلى عن منطق "الناس مقامات"، فيقتنع سائق المرسيدس أنه ليست له إمتيازت خاصة ليست لقائد ال١٢٨. وأن يتعلم ضابط الشرطة كيف يتعامل مع جميع الناس بما يتوافق مع إنسانيتهم مهما إختلفت طوائفهم ومستوياتهم. وأن يتعامل المدير مع مرؤسيه بنفس الطريقة التى يرغب هو أن يُعامل بها، والمُسلم ينبغى ألا يحتقر القبطى ويضعه فى مرتبة متدنية ويرفض التعامل معه فقط لأنه مسيحى. وأن نتعلم ونعى جميعاً أنه إن إختلف معنا إنسان فى الرأى أو العقيدة فهذا لا يجعل من هذا الإنسان عدواً، بل هو إنسان له كافة الحقوق التى تكفل له حرية العقيدة وإبداء الرأى. وإذا أبدى شخص إعجابه بالغرب أو مدحهم أو دافع عن موقف معين إتخذوه، هذا لايعنى بالضرورة أن هذا الشخص عميل أمريكى وصهيونى يقبض الثمن من أجهزة مخابرات تلك الدول. فإن كنا ونحن نتبنى فكر التمييزومنطق الطبقية والمقامات فلا يجوز إذن أن نلوم القيادة السياسية وحكومة الدولة إذ يتبعون معنا نفس المنهج. إذا أردنا التغيير فينبغى أن نتغير نحن أولاً، لابد وأن نهئ القاعدة الشعبية كأساس لبناء التغيير. إذا أردنا أن نبنى هرماًً فالبناء حتماً يبدأ من القاعدة الكبيرة أولاً ثم ينتقل تدريجياً إلى المستويات الأعلى والأصغرحجماً حتى يصل إلى القمة الصغيرة.

هذا هو المنهج الذى يطبقه الغرب، فالحرية هى مسئولية كل إنسان والحاكم ما هو إلا موظف يسير على النهج الذى يحدده ويتبناه ويتحمل مسئوليته الشعب حتى ولو كان هذا الحاكم فاسداً. وهوالطريق الوحيد للوصول للحرية الحقيقية والحل الجذرى لمشاكل مصرالمزمنة. إذا سارالجميع على هذا النهج، فلن تجد القيادة السياسية مفراً من أن تُطبق المفهوم ذاته وتتبناه، وتعرف أن البقاء فى السلطة يتوقف على إنجازاتها وقدرتها على تحقيق مطالب الشعب وليس بالسيطرة والهيمنة والإسكات.
يتبقى سؤال أخير، من الذى يتولى هذه المهمة الخطيرة؟ من الذى يستطيع التوغل داخل عمق المجتمع المصرى ويسبر أغواره؟ من له القدرة على كسب ثقة الناس وإرتياحهم فيستجيبون ويتقبلون المفاهيم التى قد تكون جديدة عليهم؟ لو إفترضنا جدلاً أن الدولة تطوعت مشكورة للقيام بالمهمة، فلا أعتقد أن النجاح سيكون حليفها وذلك لإنعدام ثقة الناس بها والشك الدائم فى نواياها.

فى رأيى لن يستطيع أحد أن يلعب هذا الدور سوى المنظمات الحقوقية، وذلك لأنها الأقرب لهموم المصريين ومشاكلهم وبالتالى ستكون الإستجابة إيجابية ومؤثرة. ولكن هناك شروطاً يجب توافرها فى تلك المنظمات حتى يُكتب لها النجاح:

أولاً، أن تكون هذه المنظمات مصرية مائة بالمائة وتعمل من داخل مصروليس من خارجها، حتى تتجنب شبهات العِمالة والتمويل الخارجى، ويكفى ما حدث للدكتور سعد الدين إبراهيم ومركز إبن خلدون.
ثانياً، أن تكون الأهداف الحقوقية للمنظمة شاملة وجامعة لكافة المصريين على حدٍ سواء ولا تستهدف فئة أو طائفة دون الأخرى حتى لا تُتهم بالتحيز للفئة التى تُدافع عنها.

ثالثاً وأخيراً، أن تكون هذه المنظمات متبنية لأسس ومبادئ الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وكافة بنوده.

صدقونى عندما أقول أن التغيير الحقيقى والمؤثر لن يتأتى إلا بتغييرمفاهيمنا وسلوكنا نحو بعضنا البعض، وليس بتغيير الحاكم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن