إشكالية المثقف الكردي والمؤسسة السياسية

حواس محمود

2009 / 8 / 14

يكثر الجدل ويحتدم النقاش حول مسألة هامة وأساسية في سياق البحث عن واقع الشعب الكردي وحركته التحررية هذه المسألة هي مسألة المثقف ( المثقف في أزمة المثقف دوره غائب المثقف تابع للسياسي المثقف انتهازي المثقف .. المثقف ..الخ ) لابد أولاً لتعميم الفائدة المعرفية من تناول المثقف كمفهوم وتعريف .. تتعدد التعريفات بخصوص تحديد مفهوم المثقف يعرف لينين المثقفين بأنهم (( يعبرون عن تطور المصالح الطبقية والجماعات السياسية في المجتمع ككل )) ويعرفهم غرامشي ((كل إنسان مثقف وإن لم تكن الثقافة مهنة له ذلك أن لكل إنسان رؤية معينة للعالم وخطا للسلوك الاجتماعي والأخلاقي ومستوى معيناً من المعرفة والإنتاج الفكري )) وهذا المفهوم يتسع ليشمل المفكرين والعلماء والكتاب والمبدعين ورجال الدين والأطباء والمهندسين والمحامين .. الخ ويحدد غرامشي المثقف وعلاقته بالطبقات الاجتماعية بوجود مثقف عضوي للطبقة العاملة ومثقف عضوي للطبقة البرجوازية ويمكننا أن نتوصل أخيراً إلى تعريف المثقف على الشكل التالي : ((المثقف هو ذلك الإنسان الذي اكتسب وعيا بمحيطه الاجتماعي والطبيعي نظرياً وعملياً وامتلك قيماً ومبادئ اجتماعية تساهم في إضاءة الواقع المحيط وذلك في سياق التفاعل الاجتماعي والثقافي العام- كاتب السطور - " وهذا التعريف يعتبر عاما وليس خاصاً لأن المثقف الذي ننشده لا نريده أن يكتفي بإنارة الواقع عبر وعيه المكتسب في المحيط الاجتماعي والطبيعي فحسب وإنما أن يساهم عبر هذا الوعي في تغير مستوياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وهنا تجدر الإشارة إلى أنه قد لا يتماثل الانتساب الطبقي للمثقف مع الانتماء الإيديولوجي والفكري في المجتمع النامي وهذا ما يؤدي إلى عدم تبلور المفهوم الخاص بغرامشي حول المثقف العضوي بسبب عدم تبلور الطبقات والشرائح الاجتماعية وبسبب اخفاق النهضة البرجوازية الصناعية في هذه البلدان ونجاحها في البلدان الرأسمالية حيث هناك المثقف العضوي لأي طبقة اجتماعية بسبب وضوح وتمايز الطبقات الاجتماعية .
ـ والمثقف الكردي الذي نحن بصدده لا يختلف عن المثقف العربي أو الفرنسي أو الأمريكي إلا في طبيعة الدور الذي يتطلب منه القيام به والذي يتأتى كنتيجة طبيعية عن واقع معين وظروف محددة ذات خصوصية ملموسة للواقع المعني، يعاني المثقف الكردي من ازدواجية الثقافة والفكر فمن جهة هناك ثقافة القومية السائدة ( ثقافة السلطة ) ومن جهة أخرى الثقافة الكردية التي تحاول رسم مسارها عبر مختلف التأثيرات السلبية التي تحاول تمييعها وعدم تبلورها كثقافة شعب قائم بذاته إن هذه الازدواجية تؤدي إلى إبقاء المثقف الكردي في حالة من المراوحة واللافاعلية الثقافية ويعاني أيضا من تشتيت جهوده هذا التشتيت يأتي بسبب الحالة الاضطهادية التي يعانيها الشعب الكردي وبسبب واقع الأحزاب السياسية الكردية المتسم بالتشتت والانشقاقات والتشرذم بالإضافة إلى العامل الذاتي المتمثل أساساً بالغياب النسبي للأساليب والطرق الديمقراطية في بناء وعمل الأحزاب الكردية، ان الحديث عن التأثر والتأثير بين المثقف والأحزاب الكردية يفضي بنا إلى الحديث عن موضوع المثقف الكردي واشكاليته مع المؤسسة السياسية لقد انخرط العديد من المثقفين في الأحزاب الكردية ومارسوا دورهم الثقافي ضمن المؤسسة الحزبية واصطبغت ثقافتهم بلمسات السياسية فغابت البلورة الثقافية وخفت المشروع الثقافي والحضاري المنشود للأمة الكوردية وهؤلاء المثقفون كانوا يشعرون بهيمنة السياسي عليهم وكانوا يضيقون ذرعا بهذه الهيمنة وكانت النتيجة خروج هؤلاء من صفوف الحزب ومتابعة العمل الثقافي سواء كان فكراً أم أدباً أم ثقافة أم فلكلوراً وبخاصة بعد مرحلة التشتت والانشقاقات في الحركة السياسية الكردية في السبعينات والثمانيات إذن انبثقت الظاهرة الثقافية من الظاهرة السياسية ان الثقافة تتقدم على السياسية في بقائها محافظة على طابعها النقدي التغيري والتنويري للواقع الاجتماعي واستمرارها في الكشف عن مكامن الخلل والخطأ ومواقع الثغرات ونقاط الضعف في المجتمع الكردي وهي تفتح أمام السياسة الدروب الحضارية والنهضوية وتسجل لها فتوحات في المعرفة وتحديد المسار السليم لتحريك الواقع الاجتماعي باتجاه تقدم الشعب وتطوره وازدهاره وهي تقوم بتغيير المفاهيم والأفكار السائدة في كل مرحلة من المراحل النضالية للشعب يقول الكاتب الأستاذ محمود صبري (( المثقف ينبغي أن يدخل معترك العمل السياسي لا كسياسي محترف يهتم بالثقافة بل كمثقف محترف يهتم بالسياسة )) ولكن للأسف ونظراً للظروف والأسباب الخاصة بالمجتمع الكردي فإن الكثير من مثقفينا عندما انخرطوا في صفوف أحزاب الحركة الكردية تحولوا إلى محترفين سياسيين يهتمون بالثقافة وكأن الثقافة شيء مترف وثانوي يمكن في كثير من الأحيان الاستغناء عنها هكذا وبكل بساطة إن هذا التفكير القاصر لدى البعض من محترفي السياسة وحتى القادة السياسيين أقول أن هذا التفكير قاتل وخطير لمستقبل الشعب الكردي بل ان السبب الرئيسي لعدم التلاؤم مع الظروف والتحولات العالمية والإقليمية الراهنة ( لدى بعض القيادات الكردية ) وعدم قيامهم بتحريك الواقع الساكن باتجاه وحدة الحركة و تأطير العمل النضالي الكردي ليأخذ موقعه المناسب من لوحة الصراع المشروع مع القوى المعادية والمعيقة للشعب الكردي وحقه في تقرير مصيره أقول أن السبب الرئيسي هو هذا الاعتقاد الخاطئ بلا جدوى الثقافة والعمل الثقافي وهنا يدخل الفكر ضمن سياق الثقافة أيضاً مما يجعلهم (( محترفي السياسة )) هزيلين وضيقي أفق في أفكارهم وطروحاتهم وهذه هي الثغرة الأساسية الهامة في حركة التحرر الوطني الكردية ولعل جمود بعض القيادات الكردية ولا تجددها يعود في أسبابه إلى اللافاعلية الثقافية وحتى اللافاعلية الأيديولوجية لأن نظرياتهم وأفكارهم ( أن وجدت )) فهي مستمدة من أمزجتهم ورؤيتهم الخاصة البعيدة عن السياق الفكري والأيديولوجي السليم ، و البعيدة عن مزج النظرية بالواقع أو إجراء عملية التجادل بينهما واكتشاف أفكار أبداعية من تمازج النظري بالواقعي في سياق المرحلة التاريخية للشعب الكردي ويمكننا تلخيص إشكالية علاقة المثقف بالمؤسسة السياسية بما يلي :
المثقف يحاول تصويب خطأ السياسي ضمن الحزب وينتقده بغية تفعيل العمل النضالي الكردي وتطوير الحركة الكردية التحررية وتأمين مطالب الشعب وإنهاض الأمة بينما السياسي عبر المؤسسة السياسية ـ يقوم بعزله وتهميشه ودفعه لليأس ومن ثم اللجوء الاضطراري لترك صفوف الحزب والعمل بشكل وحداني متفرد فماذا كانت النتيجة : من بقي ضمن الحزب من مثقفين تحول إلى موظف سياسي ( كما مر معنا ) مسلوب الإرادة الثقافية يمارس روتينية جامدة وعمل ضحل وجهد سياسي مبتذل ، ونرى صورة المثقف الذي أغلقت وأقفلت وهمشت فعاليته الثقافية أما من خرج من هذه الأحزاب تناثر وتوزع وبقي كل مثقف يمارس دوره منفرداً وهكذا تشتتت الجهود وتناثرت الفعاليات وتشكلت فئة المثقفين ( كما مر معنا ) التي لم تستطع حتى الآن أن تتكون وتتجمع وتتبلور لتشكل عنصر قوة فاعل في الحركة الكردية مع العلم أن الحركة الكردية تتألف من ثلاث مكونات أساسية :
1ـ الحزب السياسي . 2ـ المثقف . 3ـالجماهير الشعبية .
ولعل نظرة سريعة لحال العلاقة بين الأطراف الثلاثة يعطينا انطباعا مفاده الغياب الواضح للتماسك العضوي للأطراف الثلاثة في معادلة الحركة التحريرية الكردية فالحزب يفتقد للجسور القوية بينه وبين الجماهير وبينه وبين المثقف، والمثقف غير قادر على تجميع نفسه في قوة فاعلة للعب دور الوسيط المؤثر إيجاباً والفاعل المحرك للعملية النضالية من خلال تقريب الجماهير إلى الأحزاب عبر جسر الثقافة والمعرفة وهكذا حصلت بالتالي أزمة للحركة وأزمة للمثقف وأزمة للجماهير، أزمة الحركة في تشرذمها وغياب البعد الجماهيري لنضالها وأزمة المثقف في غياب الفعالية الثقافية وغياب الجسر المعرفي النضالي المؤثر في الحركة والشارع السياسي والشارع الجماهيري أيضاً وأزمة الجماهير في حالة السلبية النضالية
( الاكتفاء بالإيحاء بالوطنية القومية ) والبعد عن العمل الكفاحي والركون إلى اللافاعالية والتقوقع والتبريرية والذرائعية والبراغماتية والانتهازية فبما ذا نفسر أزمة المثقف الكردي أو لا ليس كل من أدعى أنه مثقف أصبح مثقفاً وإنما المثقف هو الذي يمتلك الأدوات المعرفية والثقافية القادرة على التأثير الإيجابي على الشعب والجماهير باتجاه الارتقاء بحالة الوعي الراهن إلى الوعي المستقبلي الأفضل والأحسن وباتجاه نيل الحقوق المشروعة للشعب الكردي عبر عملية معقدة تأخذ عدة مناحي من التعتيم والتكتيم والحرمان والسجون والإبعاد والنفي .. الخ هكذا عبر عملية متنامية متصارعة متداخلة مع جسم الشعب الكردي مع ملابساته وظروفه والخروج بأفاق معرفية وثقافية رحبة قادرة على التقاط الجوهري وفرز السلبي من الإيجابي في الحركة التاريخية للجماهير هذا هو المثقف وليس من ادعى أنه نشر مقالاً في صحيفة ما ـأو تباهى أنه نشر مادته باسمه الشخصي أو المستعار لينال رضا بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية مستغلاً حاجة هذه المؤسسات لإملاء صفحاتها وقلة المساهمات الثقافية وإنما المثقف هو ذلك الذي يربط مصيره بالمصير التاريخي لشعبه حسب كل مرحلة تاريخية بالوقوف إلى جانب معاناة شعبه والدفاع عن حقوقه والدخول في تلافيف وعي الإنسان الكردي وهنا يكون المثقف خارجاً من الأزمة وهنا يكون المثقف في صحوة ثقافية ومعرفية قادرة على الغوص في معمعان المعاناة والخرج منها بنتيجة تطورية انتصارية تغيرية .
- ملاحظة المقال فصل من كتاب الكتروني للمؤلف منشور بعفرين نت -



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن