العلمانيون القدامى والمتعلمنين الجدد

عبد الرحمن دارا سليمان
sulimaner@yahoo.fr

2009 / 8 / 6

لو دققنا النظر في ما نشر وينشر على صفحات الحوار المتمدن مؤخرا، من مقالات عديدة بخصوص العلمانية واشكالياتها والموقف منها ، لأدركنا بأن عدوىالمعركة الفكرية، تكاد تنتقل إلى صفوف العلمانيين أنفسهم، إن لم تكن قد انتقلت بالفعل . حيث لا يكاد موضوع منها يخلو من التخرصات والمناكفات والردود المتشنجة على مقالات سابقة لكتاب آخرين تناولوا نفس الموضوع، على قدر اجتهاداتهم الشخصية، وان افترضنا حسن النوايا في الطرح، بطبيعة الحال، قد يكون ذلك مؤشرا صحيا على حيوية وأهمية وراهنية النقاش، شرط تجاوز حالات الإسقاط الفردي والنيل من الآخرين وتسفيه آرائهم ، سعيا للوصول إلى تحديد وحصر وتوصيف نقاط الخلاف الفكرية الأساسية بين هذا وذاك .

غير أن جوهر الموضوع الأساسي كما يبدو، هو أبعد من مجرد الخلافات الطبيعية في الرأي والاجتهاد، التي يمكن حلها عن طريق الحوار المتواصل، ومن خلال المساهمة العامة ، كتابا وقراءا ، في إنضاجها ومراجعتها واستكمال التحليل الضروري واللازم حولها ، لرؤية مدى مطابقتها مع الواقع الاجتماعي المحلي، وبالتالي تحقيق التراكم المعرفي المطلوب في البحث والجدال الدائر بهذا الخصوص .

فما بين التطرف العلماني، والتعصب الأعمى لها نتيجة النقص في المعارف حول الموضوع ، وبين غمامة الأفكار العلمانية، التي تختفي وراءها جوقة من المشبوهين من أنصار اليمين العنصري الأمريكي والمعادي لكل الشعوب والأديان والمذاهب والأعراق ، تبدو حقيقة العلمانية محاصرة ومحشورة وسط كذبتين كبيرتين، ومصدرين يتكاملان في العمل على التشويه الجاهل والمتعمد معا، ويسعيان سوية في حلف غير معلن، إلى طمس الحقائق والعبور على جثتها، وتدمير آخر ما تبقى من الأسس الأخلاقية والروحية في الحوار، وتجريدها من أي شكل من احترام الذات واحترام الآخرين، ومن ثم العودة بالإنسان والأوطان والمجتمعات إلى البربرية الشاملة ، وهو أخطر مايمكن أن نصل إليه وما ينبغي علينا تجنبه وتفاديه ومقاومته بأي ثمن .

ولكي نبدأ بداية جديدة في حوارنا ، ينبغي أن نعترف أولا ، بأننا لم نراكم عمليا شيئا يذكر حول العلمانية منذ اللحظة التي أطفئت فيها شعلة رواد النهضة، غير بعض الأعمال الفكرية والفردية والمحاصرة هنا أو هناك، وهي أجمالا، بمثابة الرأسمال الفكري الوحيد الذي بحوزتنا حاليا ، ومن المفيد العودة إلى قراءة تلك الأدبيات ثانية، ودراستها بإمعان للتوصل إلى حقيقة ومنبع الإشكاليات العميقة، التي تقف حائلا بين الإسلام والمسلمين من جهة والحداثة وأسئلتها الكبرى من جهة أخرى .


إن من يطالع التقارير السنوية الصادرة عن الأمم المتحدة بخصوص التنمية البشرية في المنطقة العربية يصاب بالذهول حول الأرقام والنسب المخيفة للجهل والتخلف والأمية المتفشية بين الأوساط الاجتماعية وحول عدد القراء والكتب المنشورة سنويا في هذه البلدان، هذا بالإضافة إلى معدلات الفقر والجريمة والعنف والتهجير والتشريد التي حولتها إلى أكبر منطقة طاردة لأبنائها على المستوى العالمي حيث أن نصف اللاجئين في العالم هم من مواطني البلدان العربية حسب تلك التقارير . وحين تروج دوائر الهيمنة الغربية المسئولة مباشرة عن تحويل هذه المنطقة إلى مسرح دائم للنزاعات والصراعات والتوترات الدائمة والمستمرة ، إلى أن السبب الوحيد للجوع والبؤس والحرمان والدماء والدموع والحروب، هو في دين المسلمين وفي "نبيهم" وزوجاته، فهي تهدف إلى حرف الأنظار عن الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية الراهنة، والتي تكمن وراء تفجر العنف في هذه المجتمعات بعد أن فقدت أو تكاد بوصلة حياتها ، ودمرت نواة ثقافتها الإنسانية خلال العقود الماضية .

إن مظاهر الظلم والقسوة والقمع والإذلال والتخريب المنهجي المنظم لإنسانية الإنسان التي عاشتها ولا تزال شعوب هذه المنطقة ، لو مرت على مجتمعات أخرى، مسيحية أو يهودية أو بوذية ، لما كانت أقل عنفا وهمجية في سلوكها الفردي والجمعي على حد سواء، فالإنسان نتاج ظرفه وتاريخه في كل زمان ومكان ، والتوتر والاستقرار في مجمل تلك الأسباب الحقيقية ، هي التي تخلق أنسانا عنيفا أو مسالما ، تفجر فيه ينابيع العنف أو تعيد إنتاج المحبة والتسامح في داخله ومن ثم تتعين الأسس الأخلاقية والروحية التي يقوم عليها المجتمع والدولة والسياسة .




https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن