مقتل المشاركين في مسرحية عراقية !

سرمد السرمدي
alsarmady13@hotmail.com

2009 / 8 / 6

لماذا يدفع العراقي ضريبة عراقيته ؟! ,لماذا نسلم بكوننا مشاريع استشهاد في سبيل السبيل وتعددت الأسباب والأستلاب واحد ؟! ,انا اراهن على خسارة الفقه القانوني إن استطاع بجرأة إن يحاول ولو جدلا ترتيب سلم ابجديات حقوقية تسير قدما بأي عراقي لجادة ارجاع حق واحد من حقوقه الغير ممنوحة والغير مكتسبة لا لشيء الا لكونه في بلد يكرم الضيف ويقتل المضيف بطوطمية طائية تشل العقل لفرط حبات التناقض المتصارعة في سبحتها !! , فأين حق الحياة إن سلبت منك معنى الحياة وبأسم القانون ذاته الذي يعول عليه كونه السند والمعتمد والمرجع الوحيد حين الشكوى , ولم نرى الا المذلة !,إن الضحايا التالية اسماءهم لن تفارقني ذكراهم ابدا , ابدا ما حييت , الأخ علي والصديق حسنين والزملاء حسام وغسان وخالد وآخرين أعض اصبع الندم لتلف غير متعمد نال من ذاكرتي المنهكة ليمحوا اسماءهم الا إن أعماق قلبي تقيم معرضا لصورهم ومواقفهم النبيلة الأصيلة على الخشبة وخلف الكواليس وفي الحياة التي عشنا لنعلن فيها موت شبابنا ونرسم خريطة شيخوختنا المبكرة تحت وطأة السلاح والشارب الغليظ الأسود والصوت الأجش المرعب هنا وهناك كأعمدة لقاعة في سجن لشعب كامل أكل لحم بطنه واحلامه لعل غدا لناظره قريب ولكن ما قيمة نعمة البصر في الظلام !, بالتأكيد لدي الكثير من اللحظات العارية لأتذكرها بانتظار دخولي لأداء اختبار التقديم لأدرس المسرح في كلية الفنون الجميلة جامعة بابل بالعراق ,وبالكاد استطيع كبح جامح القلم كل حين , ولا حل امامي الا الأذعان لشيطان القلم كما يسموه احيانا اخرى ,فاخر همي البحث في دليل ملائكية حبر قلمي الآن وهو ينزف !.
عيد نوروز , مناسبة عراقية كردية وقد تكون عالمية لا علم لي بمدى انتشارها فلا اعلم عنها الا إن هنالك قوما ترقص التلفزيون على شكل نصف دائرة والجدير بالذكر والأنتباه وقتها في هذا المنظر إن الحلقة تتكون من رجل ثم امراة على التوالي , أي ياللهول !, رجل يمسك يد امراة في العراق وعلنا في التلفزيون وهو المشهد الذي صار سرابا في الشارع العراقي ايام التسعينات , بالتأكيد ستكون لهذه المناسبة ذكرى مميزة في صفحات دفتر الذكورة المنبثقة للتو ايام الشباب كبرعم وردة صغير يحاول شق طريقه بين الصفعات , عفوا اللكمات, اقصد الدفرات ,المهم انها كلمة تنتهي بالمقطع ات , ككلمة مات بالضبط, ما يهمني هو إن فكرة العرض المسرحي كانت حول اقامة مشهد بسيط يعبر عن هذه المناسبة التي تصدمنا بمشاهد المساواة بين الرجل والمرأة تلك في اللوحات الراقصة كل سنة بتاريخ 21 اذار في العراق ,ولما كان الحجاب بدأ ينتشر وحظوظ بائع القماش تتوسع مدياتها فأضافة لأكفان الموتى اصبح هنالك مجال اخر لتصريف القماش الذي يبدوا زائدا عن حاجة السوق العالمية لكونه من الدرجة التي لم تجد رقما يناسبها لنقول العاشرة او الألف تحت الصفر, لكنني كزعيم للمواقف الكوميدية وعصابتي لم نجد ونحن نجلس في اخر الصف وقتها حينما اعلن لنا ذلك الريفي ذو الطلعة البهية دون الحاجة لصابون يغسل به وجه في الصباح حيث يعتبره في قاموس رجولته من المحرمات التي تأتي تحت بند المكياج !, والمتحدث باللغة الغير عربية فهو يكسر ويرفع ويضم براحته فله تخويل عشائري قبلي من سابع جد إن لا حاجة لقراءة لغة فصيحة الا اللهم عند قراءة القرآن وذلك بدعوى البساطة وخاصة لمن امتهن زراعة البطاطا, وهذه المواصفات التي تجعل الطالب مؤهلا مكبلا بالمسئولية القومية والوطنية والدينية ربما لكي يرشح نفسه لأنتخابات اتحاد الطلبة بعد إن ينادي بمسيرة وطنية ببعض الشعارات ليثبت لعلية القوم انه مشروع بوق صالح للنفخ وصم اذان الطلبة عن اذان الظهر لو تزامن ولو بالصدفة مع نداء الوطن الذي يستدعي ترك مقاعد الدراسة والرقص في الشوارع حبا بالحرب وتمجيدا للنضال من اجل اطالة الحصار فهو عز واكل وز لهم وعودة بمعدة خالية من اخر نتف الفطور المعد بالكاد حتى يفي بان لا يغمى على الطلبة اثناء وقت الدوام الرسمي !

بعد إن امطر اثناء كلامه كالعادة وهو يحد السين ويشد الشين بقوة ليتكلم الفصيح ذلك الفتى الوكيح بحيث ابتلت الورقة بشكل ملحوظ وهوينتفض خجلا من مدرسة شابة لم اشهد بحياتي طبقة اسمك من مكياجها الا عند المهرجين وهي تحاول إن تكون بيضاء بمشهد عنف صباحي لما اتخيله افزع كما الكابوس لأنها تقف امام المرآة تلطم وجهها بمادة من مسحوق ابيض كان يسمى خطا بالمكياج وهو حسب رأي الخبراء من مواد البناء ,بعدها التفت الينا منتظرا من يتطوع لهذا العمل الجهادي الوطني القومي الى اخره مما جاء في الورقة التي قرأها علينا وهو يتصبب عرقا اثناء مروره بكل غرف صفوف المراحل الأعدادية , ومن اخر الصف في ذاك الصف جاءتنا لحظة القدر , وكأنما هو فيلم سينمائي حانت ساعة البطولة فيه والمشهد يتحرك فيه الأبطال ببطىء يعني حتى يركز المشاهد على حالة البطولة , فألتفت الى زملائي وكنا حينها ستة نجلس في اخر الصفوف الثلاثة للمقاعد الدراسية وانا وزميلي علي في الصف الأوسط منها ,وماكانت نظرتنا الا تأييد جماعي بيننا للمشاركة في هذه المسألة التي لا نعلمها لحد الآن لكن المهم انها ستمنحنا الوقت الكافي خارج الدروس المملة ,ولما عزمنا بعد التفاتة طويلة وكلام عيون احترت انا كيف اقف والسكارة في يدي لم تكتمل رغم انها تمر علينا نحن الستة , حيث استثمرنا وقوف المدرسة قرب الباب بحيث لا تشم الدخان اثناء قراءة رئيس الأتحاد للأعلان , وبالكاد مررت السكارة الى حسنين الذي رماها بدوره من الشباك لكن بقي نفس يحتصر في صدري وانا ابتسم, نفس رهيب عميق من الدخان مخزون لا اعلم كيف اخرجه في اللحظة التي دفع القدر برئيس الأتحاد إن يناديني بالمشاركة بمعرفته بخفة دم هذه العصابة من الطلبة وانا مبتسم احاول الوقوف وتفرغ النفس الا انني عطست في وسط الصف لعل دفعة الهواء تشتت الدخان وما حدث العكس تماما, فالدخان كالغيمة تمشي ببطىء امامي في مشهد حركي بطيىء رتيب وانا افتح عيناي مندهشا ليصل الى رئيس الأتحاد عابرا الرؤوس النائمة للطلبة متزامنا مع صوت العطسة المفتعلة التي انتبهت المدرسة اليها فجالت بنظرها لمصدرها وهي الصف الأخير ,وهنا جن جنونها ووافقها رئيس الأتحاد بأننا يجب إن نعاقب للتدخين في اثناء الدرس وانا مبتسم وباقي الستة يلطمون ويضربون رؤسهم بالمقاعد الدراسية فكل منهم يفكر في كيف سيعاقبه اباه لو علم باشتراكه في هذه الجريمة النكراء ضد الوطن والأمة العربية فهي خيانة ما بعدها خيانة إن تبث دخان وتشتت انظار الطلبة العراقيين وعقولهم عن صيرهم المحتوم في بيع التمر المكتوم بعد التخرج مباشرة في الأسواق والشوارع لأنه لا يوجد وظائف !

وبعد إن قلت لرئيس الأتحاد همسا انقذنا ,اثناء محاولته ترضية المدرسة واثبات رجولته التي سيموت لأثباتها وجاءته الفرصة إن يضمن لها بدون اللجوء للمدير إن لا تتكرر هذه الحالة والا سيعاقبون مع الرجاء بمسامحتهم لأجل إن يسير الأحتفال بعيد نوروز على خير ,وقد فعل في الواقع خيرا فجاء لها بالعصير وقطعة الكيك ليرضيها بعد إن اعتذرنا وانا بدوري اعتذرت بطريقة رهيبة فقلت لها إن المشكلة كانت في نوع السيكار الرديء فأنا لم اعطس في باقي الدروس صدقيني !!, وبخفة دم ومجاملة كاذبة كالعادة انقذنا حريتنا من عبودية المدير الذي إن رحم بنا فأقل ما يمكن هو إن يطلب من اباءنا الحضور فيجلسهم ويوقفنا امامهم منحني الرؤوس كما يظهر المتهمين في شاشة التلفزيون ويأخذ بالحديث عن الوطن والمبادىء والحصار وامريكا ونحن نعلم إن اباءنا كانوا ليضربوه بالحذاء لولا حرصهم على إن نستمر بالدراسة حتى لا يأخذنا الجيش كجنود ووقود للحرب تلو الحرب ,لهذا كانوا يضربونا نحن بالحذاء عادة , انا كنت محظوظا فقد تهربت اكثر من مرة من هذه المواقف ولم احضر ابي ولا مرة !,بعدما سجل اسماءنا رئيس اتحاد الطلبة اصبحنا ملزمين باعداد مشهد مسرحي عن عيد نوروز ولم يبقى الا اسبوع واحد للمناسبة ,ذهبت للبيت بعد مغامرة ما بعد المدرسة اليومية , وهي بأختصار مشاجرة عابرة مع طلبة اخرين او محاولة التمتع بالنظر لطلبة الجامعة الذين يكبروننا سنا ونحن جالسين على رصيف قرب المرآب أي الكراج بالعراقي , وبالتأكيد البحث عن فيلم سينمائي جديد وعن فرصة للدخول المجاني وسط الزحام إن امكن ولم تلسعنا عصا صاحب السينما ونهرب ,عادي يعني دوام ما بعد الدوام المدرسي ككل يوم ,فلم نجد كل شيء عن الحياة بكتب الوطنية والتاريخ بصراحة !

وبعد إن نمت ظهرا , وهذه اهم ساعات النوم لدى العراقي وتعرف بالضبط من وجهه إن كان نائما وقت الظهر او لا حين تجد العيون نصف مغلقة والتثاؤب بين كلمة واخرى متقاطعا عند اجراءه الحديث معه وقت العصر , حتى إن من المضحك كون بعض السياسيين كانوا يسخرون من هذه العادة العراقية ويصفون ضعاف البنية وابناء العوائل والطبقة المتوسطة من المتعلمين الذين لا يقوون على مصاعب حياة الجيش بأنهم من نيام وقت الظهيرة وكانه عيب ووصمة عار إن تنام الظهيرة وليس العار إن تساوي من يحمل شهادة بجاهل بحجة انهم جميعا ابناء العراق ولابد إن يموتوا معا على الجبهة دفاعا عنه في الوقت الذي ينام السياسي ظهيرته تحت التبريد بدون إن يموت دفاعا او ينال شهادة , فقط لخبرته في كيفية دفع الناس للموت !, وبعد تلك الظهيرة والنوم المريح وعند المغرب تحديدا جربت إن اكتب مشهدا مسرحيا على الورقة , وانا تعودت وقتها كتابة الشعر والله يبعدكم عن شعري فلم ينفعني مع أي فتاة وقتها مع انه نفع غيري !!,بالطبع لم يكن المشهد الا كوميديا فنحن بحاجة للضحك وماابعدنا عن المشاهد التعبوية والتي تسمى وطنية جزافا فهي مضحكة بدورها لكننا لا نريد الموت بسبب مسرحية بالطبع إن مرر احدنا نكتة من التي نتناقلها على النظام وقتها امام الجمهور فيقضى علينا ويطالبون اهلنا بدفع ثمن الرصاص فالخائن لا تدفع الدولة حتى ثمن رصاصات تقتله بها ,وبالتالي بدأت الكتابة وتطورت الأحداث وعلى مشارف نصف الليل صارت مسرحية , اول مسرحية اكتبها بحياتي ,وهي باللهجة العامية العراقية وكنت مهووسا بالتوقيع تحت اسمي ككبار الكتاب وما شابه من التفصيلات , الا إن اكثر ما كان يهمني هو كيف سأمررها ؟! , فهي لا تمت لعيد نوروز بصلة اطلاقا , بل تحكي قصة شاب يعمل معلما فقيرا جدا كالعادة , يذهب لخطبة فتاة يحبها , وهي بنت عائلة ريفية , ويصادف اثناء دخوله هو واخيه المتحذلق للخطبة إن حان وقت ولادة بقرة اهل الدار , والأب مشغول بهذا الحادث , وتحدث المفارقة حينما يدخل ابن عم الفتاة الذي يحبها كالعادة مثل أي مسلسل عراقي , وينفرد بهم اثناء انشغال والدها ثم يأتي والدها وتلد البقرة والى اخره , يتزوج اخيرا , في نصف ساعة من احداث على خشبة المسرح لا توجد فيها دقيقة واحدة لا تلقى نكتة عراقية ,ستة شخصيات من الطلبة الممثلين وانا كتبتها واخرجتها , تحت عنوان القهر والمهر !

كبرت في بالي الفكرة, فقد تربعت وانا احتسي الشاي مقلدا صور الكتاب في الأفلام بعد الفطور في اليوم التالي وبيدي الأخرى نصف سيكار باقي من ليلة امس ,وهذه اللحظات قبل إن ارتدي ملابسي واذهب للمدرسة, وفكرت اننا يمكن إن نعمل فرقة وتكون هذه المسرحية اول نتاجاتها , فلما لا نذهب لنقابة الفنانين ونسألهم اعارتنا المسرح ونضع اعلانا للناس ونرى!!,بالفعل بعد الدوام اقنعتهم بالمسألة فيها نقود ونحن في حصار اقتصادي ونرى هيثم يوسف في التلفزيون يركب مرسيدس وردية ويقف على شواطىء الحبانية يحضن فتاة ترتدي الجينز!! ,ونحن ندخل السينما خلسة لنشاهد شمس البارودي تشعل كل ما فينا من فتيل وبيننا وبينها خمسين سنة , لماذا؟!, فلنلحق بالواقع قليلا ومن هذا الكلام , اقتنعوا بسرعة وركضنا الى باب نقيب الفنانين في بابل ,والآن من سيدخل ؟!, فهي تبدوا دائرة امن وليس نقابة للفن , ارتعبنا ثم تدحرجت اقدامنا على الباب وظهر النقيب متسائلا عن سبب وجودنا ودعانا لشرب الشاي, وهنا من سيتكلم؟! كل هذه الأسئلة واعيننا تتلفت بصراحة فكانما نحن عند مدير المدرسة ,فلم اتكلم انما اعطيته النص المسرحي على المكتب وكأنما اسلم اعترافي لضابط المخابرات !, وانا احاول شرح الفكرة وما الى ذلك, فرحب كثيرا لكنه اختصر المسافة ودعانا الى حضور المسرحيات التي تقام اولا ثم نحاول إن نثبت جدارتنا بالصعود الى خشبة المسرح, واخر مرة رأيت من يحاول إن يثبت جدارته كانت كأول مرة في هذه النقابة فليس هنالك من شاب اعتلى خشبة مسرحها تحت هذه النصيحة الا وبقي في نفس مستواه والبقية تأتي في اللحظات القادمة !,لم نصدق اننا خرجنا سالمين من النقابة التي تجاور مبنى محافظة بابل ولحد الآن!, وهذه الأشارة تكفي باتباعها خط سير الدولة مهما كان هذا الخط مائلا ومهما كانت نهايته بالطبع !, اذن لم يبقى لنا الا إن نتدرب على المسرحية وكأنها مشهد عن نوروز وحينما نعرضها يحلها الحلال , وفعلا احترنا كيف نأتي بفتاة لتمثل دور البطلة وام البطلة , واذا بأحدنا يتطوع للبس باروكة هو وزميله ولا اذكر اسماء هؤلاء الموهوبين مع شديد الأسف ,فقد كان الدور مضحك بشدة ولم يكن اجدر منهم ليقوم به , واذكر زميلي صفاء وهو بدور والد الفتاة وكيف إن العقال العراقي كان اكبر من رأسه حجما فظهر كما المشنوق على المسرح, انا بعدها علمت بعد دراستي المسرح إن في هذه المسرحية من الرموز ما لا يستهان به لو شم احدهم خبرا وقتها لكنت في عداد العداد ,حيث لا حاجة للعداد !

في يوم العرض المسرحي وبعد التمرين لأيام لم تتعدى اسبوع على الوليات الحركية والحوار المفتعل حيث لم نلتزم بالنص واكتفينا بما يخرج تلقائيا وعلمت بعدها إن الأرتجال فن بحد ذاته كان بمتناول زملائي الموهوبين المحمومين بالضحك تخلصا من هموم يومية لكل عراقي عاش ايام التسعينات داخل محرقة الأحلام ,الأختباء وراء الكواليس بأنتظار اشارة البدأ ونحن نكتم الضحك عنوة على ما سنفعل ,وبالفعل بدأت المسرحية وجلس علي بشخصية والد الفتاة على الأرض فتح علبة لف السكائر العراقية واذا به لا يعرف كيف يلفها فأضحت كسكارة البانجو في الأفلام المصرية بحجم مضاعف , بالضبط كلفة الحب الأحمر التي تسمى كلة باللهجة العراقية بل اكبر قليلا ,ومات الجمهور من الضحك وكانت صفارة انذار انطلاق حمى الضحك واستمر الحال كذلك في احداث المسرحية وزاد حينما دخل الزملاء يرتدون عباءات نسائية لتأدية دور الأم والبنت التي يراد خطبتها , وكان كل شيء يسير ضاحكا كوميديا للحضور حتى فطس المدير والضيوف من المسئولين من شدة ضحكهم الى إن وصلت اللحظة التي دخل فيها البطل بدور معلم مهلهل الثياب ممزق الحذاء ليؤدي رقصة مفتعلة فطار الحذاء من قدمه عابرا خشبة المسرح في لحظة صمت رهيبة حفر كل منا له قبرا بيديه في مخيلتنا اثناءها لحين إن استقر امام المدير ببعد خطوات عن مسئول في السلطة !!, خلص انتهينا جميعا في تسعة بأسود,وهذا المصطلح يعني بالعراقي انا لله وانا اليه راجعون ,ثم قفز على المسرح ونحن نؤدي التحية المضحكة رئيس الأتحاد حاملا ورقة واخذ يصرخ بقصيدة باللغة الشعبية على الجمهور لكي ينقذ الموقف وعدت بسلامة فعلا ,وكانت القصيدة تحاول جاهدة إن تحيل عيد نوروز الى مناسبة للتحدي والحرب والجهاد وضد امريكا في الوقت الذي تعودنا فيه إن يكون حتى عمود الكهرباء الصدأ في الشارع ضد امريكا في اشعار المرتزقة بكونه حسب قولهم يقاوم الحصار الأقتصادي بروحه الحديدة العراقية , مع انه يقتل من الأطفال اكثر مما تقتل الطائرات الأمريكية لكونه عمود صدأ مكهرب ذاتيا لتعري الأسلاك القديمة التي يحملها لتوصل الكهرباء للبيوت بتقطع محسوب لدى السلطة لمن تحب وتكره وبعدالة لمن يسوء حظه من الأطفال الأبرياء الذين يلمسونه كعادتهم المطمأنة لكل شيء ينظرون اليه بعيونهم البكر التي لم يغتصبها واقع العراق المر !

تم دفن هذه المواهب احياء ,فرغم إن الموقف قد مر بسلام ولم نعاقب حيث اتضح للجميع انها غلطة لم تكن مقصودة بالمرة , الا اننا تحت المراقبة من وقتها لحين إن تخرجنا من الأعدادية , انا لم اجد في كلية الفنون الجميلة من يضاهي زملائي في الأعدادية موهبة اطلاقا , اتساءل لماذا لم يسمح لهم الحلم الأمريكي بدراسة الفن ؟!,بالتاكيد انه الكابوس العراقي الذي يتحمل هذا الجرم لا غيره , فحين اتفقنا وقتها بعد المسرحية على إن ندخل كلية الفنون معا لم يكن يخطر ببالنا إن الحياة لا تمنح الحلم فرصة إن يكتمل حتى كحلم ,فلم يسعفنا الأمل في الأفضل والغد المشرق وما شابه في تلافي سياط الواقع على صفحة براءتنا , فقد نالت الحياة من اصدقائي بحيث لم يكملوا دراستهم بعد الأعدادية حتى ,واشكر الله على هذه النعمة بدوري ,وسمعت بعدها موت احدهم في الحرب الأخيرة 2003 والآخر سائق تكسي اراه من حين لآخر نستذكر ايامنا , والباقون لا اعلم عنهم شيئا , في الوقت الذي بقي سامي قفطان في مكانه يمثل دور المحقق في المسلسلات العراقية ,فيكمل دورة حياة السجين التي نعيشها فلم يبقى الا التلفزيون ليحققوا معنا فيه, وجواد الشكرجي يمثل دور الأسير العراقي المسكين المغلوب على امره من قبل من اسروه مع انه مصر على إن قتاله لهم كان منطقيا !, وبقيت شذى سالم تمثل دور الشابة العراقية فتاة في العشرين وهي على حافة ربما الستين,وظهرت ميس قمر بشحمها ولحمها كدعاية لبيع حبوب الديكسن التي كانت الحل الوحيد امام شابات العراق ليتأهلوا للزواج بمحو ملامح الفاقه والجوع والضعف البدني , فهذه الحبوب كانت تباع في الشوارع وقتها كالبسكويت دون استشارة العندليب فيكفي اغنية من الطبيب تقول موعود بالكباب يا قلبي ,حتى تدفعهم لشرائها مما يسبب انتفاخا في الجسم قد يدل على الشبع نوعا ما ,ويصل بالفتاة الى المراة المثالية في نظر العراقي, البيضاء المكتنزة كما يقال , وهنا لا ينفع القول اذا كنت مثاليا فستجد المثالي , فبالنسبة للرجال وقتها حدث ولا حرج وصور المضربين عن الطعام اقصد المطربين في التلفاز لن تجد لها مثيلا الا في افغانستان , ولعل كل العراقيين يذكرون صاحب الأغنية المشهورة , هذه الضحكة الي لو مو اليه , كخير دليل على الرجل المثالي وفتى الأحلام !,واخيرا دخلت لغرفة الأختبار وقالوا لي اصعد على خشبة المسرح ...ولم انزل من يومها !.

يتبع ....

لحظة عارية – 9

الكاتب
سرمد السرمدي
العراق








https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن