إستراتيجية الثورة الجزائرية في القضاء على الإستعمار الفرنسي

فاطمة الزهراء طوبال
zhoralgerie@hotmail.fr

2009 / 7 / 8

نعلم أن جيش التحرير الوطني قد ولد في ظروف جد خاصة لم تسبقها أية مرحلة تحضيرية إذ تمكن في ظرف وجيز جدا من إحداث المفاجأة بقلب موازين القوى بانتصاراته العسكرية على أكبر قوة أروبية في العالم و المتمثلة في قوة الجيش الفرنسي الذي أبرز إصرارا قويا للقضاء على الثورة من خلال إستراتيجياته و مشاريعه السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و قوة شكيمته و خططه و تقنياته إلا أن كل ذلك جوبه باستراتيجية ثورية لصد تداعيات الاستعمار الشرسة، تجعلنا نجملها في الإشكاليات التالية: ماهي الخطة التي اتبعتها جبهة التحرير الوطني لإلحاق الهزيمة بالحكومة الفرنسية و في العديد من المحطات التاريخية الكبرى ؟ و إلى أي مدى تمكنت الإستراتيجيات الفرنسية الحربية من عزل الثورة عن قاعدتها الشعبية ؟
إستراتيجية الثورة : لقد أولت الثورة الجزائرية اهتماما كبيرا للعمل الفدائي الذي من خصائصه الكتمان و السرية و الحيطة و الحذر الدائم حيث كانت تلك الأعمال الفدائية موجهة إلى تصفية غلاة المعمرين و الخونة و بث الرعب في نفوس الفرنسيين ، بالإظافة إلى قيام اللجان الثورية بالتوعية السياسية و التعبئة الشعبية مما أدى إلى ارتفاع عدد المجاهدين .
هذا ، وقد لعب مكتب جبهة التحرير الوطني في القاهرة الذي كان يشرف عليه أحمد بن بلة ، آيت أحمد ، محمد خيضر دورا كبيرا في إقناع الدول العربية بضرورة الإسراع في تقديم العون لدعم الثورة و مدها بالسلاح إذ وصلت أول شحنة من سفينة مصرية " انتصار " في ديسمبر 1954 م حيث أنزلت حمولتها بالقرب من مدينة طرابلس و أخذت طريقها إلى الجزائر على ظهور الجمال و عبر الجنوب التونسي و استطاع محمد بوضياف من خلق شبكة نشطة في مدينة برشلونة لشراء الأسلحة و إرسالها إلى الشمال المغربي مخبأة في براميل الطلاء و من هنا تأخذ طريقها إلى الجزائر بعدما شددت الرقابة الفرنسية على الحدود الشرقية ، أما بخصوص المؤن فلقد بادر جيش التحرير الوطني إلى حفر مخابىء و مغارات لخزنها في أماكن يصعب على قوات العدو الوصول إليها بعدما تخضع لجمع الإشتراكات و الزكاة .
هذا ، و في الحديث عن الأساليب القتالية لجيش التحرير الوطني ففي ظل انعدام التكافؤ في موازين القوى بين وحدات الجيش و القوات الفرنسية إعتمدت إستيراتيجية الجبهة على انتهاج أسلوب حرب العصابات من أجل تفادي المواجهة الكلاسيكية المباشرة مما يقلل من خسائر جيش التحرير و يلحق أضرارا بالغة بالجانب الفرنسي ، كما اعتمدت على الهجمات الخاطفة و أعمال التخريب لخطوط المواصلات مع نصب الكمائن للقوافل المدنية و العسكرية و قد اختير لهذا الأمر أفواجا تتميز بخفة الحركة و المرونة في التخطيط و لقد أحدث مؤتمر وادي الصومام 20 أوت 1956 نقلة نوعية في المسار التطوري للجيش بتوحيد النظام السياسي و العسكري عند كل مسؤول محددا هدف الثورة المتمثل في الإستقلال و طريقها إليه العمل المسلح ، كما وضع نظام عسكري من خلال هيكلة تنظيمية واحدة من القاعدة إلى القمة و قام بتوحيد هذا النظام من حيث تشكيلاته و رتبه وقياداته .
و لم تقتصر قيادة الثورة على العمل العسكري و إنما تعدته إلى ميادين سياسية و تنظيمية و ذلك بإنشاء خلايا و لجان و مراكز من أجل عزل الجماهير عن الإدارة الإستعمارية فنصبت " المجالس الشعبية " على مستوى القرى و الدواوير و عينت مسؤولين عليها مركزة في اجتماعاتها على الطابع الديني أما الطابع المالي فقد خصته " للجان الشرعية " من أجل فض الخصومات بين المواطنين و اعتمدت على نظام " المرشدين السياسيين " الذين يشرفون على تلك اللجان و هدفها القيام بالدعاية المضادة للإستعمار من أجل رفع معنويات المجاهدين و المواطنين كما وضعت جهاز مهمته التكفل بالإستعلامات و الإعلام من أجل كشف الخونة بين الأوساط الشعبية و مراقبة تحركات العدو و خاصة من أجل القضاء على قانون " السلطات الخاصة " في عهد " روبير لاكوست " و الذي يعد بمثابة وسيلة للحرب الدعائية النفسية للتغرير ببعض الجزائريين و لقد عمل لقاء الصومام لتفادي ذلك بتشكيل قيادة جماعية للثورة و ذلك بإنشاء هيئات قيادية عليا تمثلت في " المجلس الوطني للثورة الجزائرية " و " لجنة التنسيق و التنفيذ " فأقر مبدأ إشراف و أولوية الهيئة السياسية على الهيئة العسكرية كما أعطى أهمية للحركات النسائية و النقابية و الفلاحية في دعم الثورة التحريرية و بعد هذه الهيكلة التي تمخض عنها المؤتمر تحددت أهداف إستيراتيجية الثورة في السعي للحصول على أقوى ما يمكن من التأييد المادي و المعنوي و النفسي بتدويل القضية الجزائرية في المحافل الدولية فأسند ذلك إلى لجنة الخمسة المنبثقة عن اجتماع 22 و أسند أمر تنظيم الحملات الإعلامية و التظاهرات و الإضرابات إلى التنظيمات النقابية و الجماهيرية من أجل تكذيب الدعاية الفرنسية بوصف الثورة بالأعمال الإجرامية أمام الهيئات العالمية و عرض القضية الجزائرية على هيئة الأمم المتحدة حيث أثارت حادثة العدوان الثلاثي على مصر 1956 و اختطاف قادة الثورة 22/10/1956م و حادثة ساقية سيدي يوسف 08/02/1958م موجة من التنديد في العديد من الدول مثل الو.م.أ و بريطانيا ففرضت القضية الجزائرية نفسها على جلسات الدورة 11 لهيئة الأمم المتحدة فأدرجت في جدول أعمال هذه الجلسة ، فنجحت دبلوماسية الجبهة بتدويل القضية في 15/02/1957م الأمر الذي أدى إلى استقالة غي موليه 21/05/1957م .
و لقد أدركت الثورة أهمية سلاح الإعلام في كسب حربها ضد العدو الفرنسي فلعبت صحافة التيار الإستقلالي الممثلة لحزب الشعب دورا هاما في تأدية رسالتها الوطنية و انتهجت الجبهة أسلوب الإعلام الشفهي لشرح أهداف الثورة و إطلاع الشعب على انتصارات وحدات جيش التحرير الوطني و النشريات المحلية مثل " الوطن " 195م و صوت الجبل و صدى التيطري ، أما الإعلام الموجه للخارج فلقد تم عن طريق الندوات التي يعقدها ممثلوا الجبهة حيث يتم نشرها عن طريق وكالات الأنباء الدولية فلعبت جريدة الأهرام المصرية دورها للتعريف بالثورة الجزائرية بالإظافة إلى الإذاعات كصوت العرب و القاهرة مشيدة بانتصارات الجيش و نجحت الجبهة بإصدار أول صحيفة " المقاومة الجزائرية " في أواخر 1955م لتكون أول صحيفة ثورية ذات طابع وطني ناطقة باسم الثورة حيث كلف مؤتمر الصومام " محافظون سياسيون " للقيام بدور رجال الإعلام و عين عبان رمضان مسؤولا عن ذلك .
الخاتمة : لقد أثبتت هذه المحطات في أن الجزائريين لم يكونو أقل كفاءة و مقدرة من الفرنسيين في استنباط الأساليب و التكتيكات و الحلول و التي مكنتهم من تجاوز كل العوائق و الصعاب فحققوا الإستقلال الوطني.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن