الارتهان ألذكوري في منظومة التشريعات الجنائية قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969إنموذجاً..!

ناصرعمران الموسوي
naser68march@yahoo.com

2009 / 6 / 14

بدءاً،ليست النصوص التشريعية الوضعية وضمن خط حياتها مرتهنة إلى مداد عمري يوصلها حتى محطات الكهولة فتغدو خائرة القوى وعاجزة عن تقديم إنتاجيتها كما السابق إبان عهد فتونتها وشبابها ،وإذا قدر لها ذلك كما هو الحال في كثير من القوانين العراقية فإنها ستكون بالضرورة عبء ثقيل على تقدم المجتمع ومسيرته وفي الوقت الذي يحاول المجتمع تحدوه الرغبة في الانعتاق تصر هي إلى جره نحو السكون والجمود مرة ًأخرى .
وإذا كان الحا ل العراقي يتقلب في سنواته على صفائح ساخنة بفعل سيادة السلطوي ،فان التشريع احد أدوات ممارسة السلطة التي يوهم فيها الحاكم نفسه والآخرين بشرعيته ،وإذا كان للسلطوي إسقاطاته الواسعة والكثيرة على ولادة النص التشريعي ،فان المشرع _الإنسان _ ليس بمعزل عن تأثيرات مجتمعه وبيئته ومنظوماته العرفية ،وانسياقاً وراء الرأي العام وتأثيرات العرف السائد،راحت مصانع التشريع تنتج نصوصها الآمرة والمنظمة لحياة الأفراد داخل المجتمع ،وإذا كان النص القانوني الوضعي هو نص المرحلة والفترة الزمنية يتسابق مع تطور المجتمع ليلحق به تعديلاً أو الغاءاً ،فان الخروج من هذه المتوالية التنافسية ستجعل بين النص وحركة المجتمع بونا ً شاسع يلقي بظلاله على المجتمع وتطوره كما أسلفنا ،والنصوص العقابية أو الجنائية هي واحدة من هذه النصوص التي كان للتأثير السلطوي وإسقاطات العرف والبيئة والمعتقد آثاره الواضحة ،ولعل النظرة إلى المرأة ضمن التعامل الجنائي واحده من أهم شواهد النظرة الذكورية للمشرع الجنائي التي ظهرت في فترة زمنية قُدر لها أن تعيش حتى يومنا هذا ولعل أهم النصوص التي لما تزل تشكل انتكاسة في النظرة لحقوق المرأة ولم تشهد حتى محاولات متواضعة لإصلاح الخلل التشريعي هي هذه النصوص التي سنبينها تحدونا الرغبة في جعل القانون والتشريع يتعامل في تنظيمه مع الإنسان ،لأنه ينظم مجتمعا إنسانيا لا ذكور ياً
واهم المواد القانونية الجنائية التي تترجم هذه الإسقاطات هي المواد(377-2) والتي تتعلق بجريمة الخيانة الزوجية، والمادة(409 )المتعلقه بشر عنة قتل المرأة عند مفاجئتها بالفعل المحرم الزنا والمادة (41) المتعلقة باعتبار ضرب المرأة تأديباً من قبل الزوج احد أسباب الاباحه باعتباره استعمالا لحق . ولتسليط الضوء على ارتهان المنظومة التشريعية بالنزعة الذكورية سنتعرض لشرحها مبسطاً.
1_جريمة الخيانة الزوجية
قبل الولوج في مضمون النص لابد لنا أن نشير بعجالة على مفهوم الخيانة الزوجية ضمن الاعتبارات الإنسانية حتى نتسامى في تحديد القصور المعرفي لمفهوم الخيانة الزوجية ،الخيانة نقيض الوفاء و الامانه والوفاء مفهوم متسع يتحدد بمدلولاته الشرائطية وهنا يتركز بالشريطة العقدية ألا وهي عقد الزواج ،وحين نقول عقد الزواج فنحن نعرف انه علاقة تعاقدية بين طرفين يدخل الرضا والإيجاب والقبول جزء من عناصر تشكلها إضافة إلى مركز كلا المتعاقدين وما يتفرع عن ذلك من حقوق وواجبات متقابلة ضمن شروط العقد في تسلسله القانوني والتشريعي ،إلا إن هذا العقد وهو الزواج يبتني لنفسه منظومة مسبقة قبل الدخول إلى إبرام العقد ألا وهي الأثرة النفسية المتعلقة بالانسجام مع الآخر والاكتمال به ،بحيث تكون الماعنديات الجسدية والنفسية ملكاً مشتركاً للطرفين ،والتفريط بهذه الماعنديات وأهمها الجسدية هو هدّ لركن المنظومة المعرفية المعنوية قبل المنظومة العقدية وانهيار للأمانة المودعة في جسد الشريك تجاه الشريك الآخر التي تبلورت التزاما عقدياً واياً تكن النظرة إلى طبيعة العقد في مجال التكييف القانوني للرابطة الزوجية عقداً أو مؤسسة او ما بينهما فان هذه الرابطة تترجم لحظة الاتحاد الشخصاني بين الرجل والمرأة وغايته هو إنشاء نوع جديد لديمومة الوجود الإنساني وتلبية منظمة لإحدى أهم الرغبات البايلوجية في الإنسان وهي الجنس ،ولدى حصول الخرق الوفائي المسمى بالخيانة الزوجية فان القانون الجنائي وأمام تحريك الدعوى من الزوج وهو ما اشترطه القانون في المادة (3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي في باب الشكاوى التي تتعلق بحقوق شخصية يتوقف إقامتها على تحريك الشكوى من المتضرر ،فان القانون نهض بشخصه التشريعي وفرض العقوبة المقرر فجاءت المادة (377-2) من قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969لتنص (تعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنى بها 2_ويعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج أذا زنا في منزل الزوجية ) ونص المادة واضح في دلالاته ومعانيه وقد جاءت صيغته منصبه بقراءتها على شخصنه وتركيز الزوجة الزانية ثم من زنى بها معطوفا على زنا الزوجة ،وقد أراد المشرع وبشكل جلي أن يعطي تميزا لخيانة الزوج بشكل مشروع فقد قيده بمنزل الزوجية ،وهو نص تجاوز النص السابق في قانون العقوبات البغدادي في المادة (241) على أن(كل زوج زنا غير مرة في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى زوجته يعاقب.......) إن الصورة واضحة بارتهان المفهوم ألذكوري على نص المادة في التمييز في تحديد وتحجيم المساحة المكانية للزوج عند ممارسته للخيانة الزوجية وهي هنا في مفهوم التفريط بالحق الجسدي للزوجة الذي انصب عليه عقد الزواج .
2_ جريمة القتل عند مفاجأة الزوجة أو إحدى المحارم متلبسة با لزنا .
الحقيقة إن نص المادة (409) من قانون العقوبات العراقي يحمل في طياته الكثير من الثنائيات التي بحاجة لإجابة ،ولعل الغرابة المهمة تكمن في أن النص هو وليد الاقتباس الفرنسي فالنص الخاص بهذه الجريمة مستل من القانون الفرنسي ومن المادة (234-2)التي تقضي بتخفيف عقوبة من يفاجىء زوجته متلبسة بالزنا شريطة أن لايكون قد اتخذ خليلة في منزل الزوجية إذ يحرم من هذا العذر،والحقيقة إن النص العراقي أضاف بشموله إضافة للزوجة_شمول الأصول والفروع والذي يدخل تحت مسمى كما ورد في النص (....احدى محارمه) كما لم يقصر الجريمة بالقتل وإنما كل مايتمخض عن المفاجئة من ردت فعل دون القتل كالاعتداء وإحداث العاهة المستديمة . لعل ثنائيات المناقشة حول هذه المادة التي خلقت نقصا تشريعيا اضر العدالة بالشيء الكثير فهو لم يكن كريما مع المرأة حال ارتكابها لمثل هذه الجريمة سواء بمفاجئة زوجها أو ابنتها أو أختها أو ابنها أو شقيقها في أوضاع مهينه ،ومثل هذا الرأي الذي لايعبر عن وجهة نظري المتقاطعة تماما مع الاتساع بشمول التخفيف والإعفاء بجرائم القتل تحت أي عنوان ،ولعل الشارع المقدس جعل إثبات جريمة الزنا بالمستحيل وشدد على ذلك لحكمة اقتضتها الرؤية الإلهية وتخبرنا كتب التاريخ وألسنه العطرة إن تطبيق هذا الحد كان فقط في حالة الاعتراف وفي أربع مواضع كناية على الشهود الأربع أو تماهي مع شرائط النص المقدس ،كما إن وجود هذه المادة هو تكرار للأعذار القانونية المعفية أو المخففة للعقاب التي نص عليها قانون العقوبات في المواد (128) و(130)
إن شمول النص الرجل فقط بالتخفيف وتحويل التكييف القانوني من الجناية إلى ألجنحه ،يثير الآن كثير من التساؤلات ويحفز خفيضة المشرع إمام جريان متسعة الحياة وتطورها إلى ضرورة إلغائه أو إكمال النقص الذي يعانيه النص ،وهناك جدل قانوني حول هذه المادة بين إمكانية اتساعها وفق رؤية منصفة أو إلغائها ،وهي إحدى العلامات المهمة على ارتهان منظومة التشريع الجزائي بالاندفاع ألذكوري واستقراءات الرأي العام الذي يتسلط الجانب ألذكوري على مجمله إن لم نقل كله.
3_ضرب الزوج لزوجته استعمالا لحق التأديب .
لقد جاءت إحكام المادة (41) لتعطي للزوج حقا بنص القانون يخوله فيها استخدام الضرب في عملية التأديب، ويعتبره سببا من أسباب الإباحة وحقا للزوج يستخدمه حين يوجب الأمر ذلك واشترط أن يكون بحسن نية وبالحدود المقررة شرعا وقانونا ،وهذا محتوى نص المادة المذكورة والحقيقة ان معظم التشريعات العربية سارت بذات الاتجاه كالقانون السوري في المادة (182) والقانون اللبناني (183) والأردني في المادة (59) والكويتي في المادة (28) والليبي في المادة (69) المصري في المادة (60) ولم يشذ عن ذلك القانون التونسي الأكثر تقدما في النظرة إلى حقوق المرأة فجاء أيضاً بالنص عليه في الفصل (42) . الحقيقة أن نصوص هذه المواد وبخاصة القانون العراقي كان مجحفا بحق المرأة لأسباب مهمة:
1_ انه قرر قانونا امتهان كرامة المرأة وهي المربي والمدرسة الكبيرة للحياة باعتبار الضرب وسيلة لتأديبها وفات المشرع المهووس في تلك الفترة بتأثيرات العرف والدين ،إننا جميعا نتاج هذه المدرسة ، كما إن لغة الحوار الهادئ بين الزوجين بعيدة عن ذاكرته وربما اختفت الخلافات الزوجية بين الزوجين التي تمثل قمة تماسك العلاقة الزوجية أو انحلالها بالطرق المقررة شرعا وقانونا عند صياغته للنص ، وإذا كنا نجد في مرحلة ولادة هذا النص مبررا ربما لمرحلة تاريخية فإننا غير معذورين تماما في زمن الحريات وحقوق الإنسان وهي دعوة للمرأة في العراق البرلمانية والمثقفة والمنتمية إلى منظمات المجتمع المدني ومن مختلف الشرائح والانتماءات إلى اخذ دورها الريادي كمعلمة أولى لنا كعراقيين .
2_ إن هذا النص مخالفة قانونية واضحة لنص المادة (3) من قانون الأحوال الشخصية العراقي الذي اعتبر الزواج عقداً بين رجل وامرأة تحل له شرعا غايته تكوين الحياة المشتركة والنسل ) والعقد يبني التزامات وحقوق على المتعاقدين تنفيذها وفي حالة استحالة السير قدما في هذه العلاقة فا ن هناك طريق لحل الرابطة والعقد عن طريق التفرق القضائي أو رضاءاً عن طريق الطلاق .ولم يتضمن العقد إباحة استعمال الضرب والعنف ضد المرأة .
3_ إن نص المادة قرر قانوناً امتهان كرامة المرأة الإنسان بجعل تأديبها مقترن بالقصر واستخدام العنف ضد المتهمين حالة إلقاء القبض عليهم واعتقد إن المشرع فاته الكثير لحظة صياغة النص وإذا كان المشرع الستيني له مبررات فان وجود هذه المادة حية في النص الجزائي يتنافى مع تطور المجتمع الذي اقر دستورا له حرية المرأة وحقوق الإنسان.
4_ إن استعمال الضرب له مردود نفسي سيء على المرأة وعلى الأسرة التي تقوم بتربيتها وبالتالي ينعكس على المجتمع وبخاصة ان مجتمع الستينات وبيئته يختلف كثيراً عن مجتمع العقد الألفين.
إن الجميع ينظر بعين العجلة لإصلاح النصوص القانونية القديمة التي أكل عليها الدهر وشرب وبخاصة بعد صدور الدستور الذي ضمن الحقوق والحريات وصارت القوانين السابقة عقبة كؤود في كثير منها أمام تطور المجتمع ،ولا ننسى بان نص المادة (130) الدستورية هي الرئة التي تتنفس هذه القوانين من خلالها ،والمسؤولية تقع على مجلس النواب في تشريع القوانين، وكلنا أمل في تحقيق ذلك لما له من أثر في تنظيم العلاقة المجتمعية بصيغة أفضل وأكثر رقياً.






https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن